عددٌ من مرضى اليمن المحاصرين لصحيفة المسيرة: حصارٌ يقتلُنا وقرصنةٌ للأدوية تفاقمُ معاناتنا.. المجتمعُ الدولي مريضٌ بانعدام الضمير

الجديعي مصابٌ بأمراض الكلى: طرقنا أبوابَ كُـلّ المشافي المحلية بعد أن أُغلق المطار بوجوهنا

القفر مصابٌ بالسرطان: العدوان سلب حتى حقوقنا كمرضى ولم يراعِ أيةَ حرمات لهذا الشعب

والدُ طفلة متوفية جراء الحصار: لم يكتفِ العدوانُ بحصار مرضانا بل منع عنهم العلاج

الطفلةُ بثينة مريضة في العاشرة من عمرها: ما ذنبنا؟

المسيرة: منصور البكالي

التفت يميناً وشمالاً والمرضى يتأوهون ويعانون وتكاد أبصارهم تبرق إلى السماء وأرواحهم الطيبة والنقية تفارق أجسادهم.

تعدهم الثواني والدقائق والساعات لتخرج من أوساطهم بين الفينة والأُخرى جثة كانت من ضمن أجسادهم المنتظرة للرحيل إلى السماء، بعد أن حصلت على ما أمكن من المسكنات والمهدات، وفقدت الأمل في الرحيل إلى دولة أُخرى تحصل فيها على الرعاية الصحية السليمة والعلاجات والأدوية الممنوع دخولها إلى اليمن بفعل الحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي على أبناء الشعب اليمني.

المرضى اليمنيون في زمن العدوان والحصار يصارعون؛ مِن أجلِ البقاء، ويعيشون قصصاً من الرحيل والترحال بين مستشفيات اليمن الخَاصَّة والحكومية التي يقتصر جهدها وخدماتها على معالجة ما أمكن من بعض الأمراض؛ نظراً لتدهور خدماتها بفعل الحصار والإرث البغيض الذي خلفته الحكومات السابقة على مستوى القطاع الصحي وباقي القطاعات الحيوية والخدمية.

وفي جولة ميدانية لصحيفة “المسيرة”، يؤكّـد عدد من المرضى اليمنيين أن حصار مطار صنعاء الدولي من قبل قوى العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ يمعن في قتلهم، وينتزع حقوقهم في الحياة والعلاج، مشيرين إلى أن أية الهُــدن السابقة لن تجدي نفعاً لهم وأن أي تمديد دون الفتح الشامل للحصار مرفوض.

ويحمل المرضى في حديثهم لصحيفة “المسيرة” الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية كامل المسؤولية، لافتين إلى أن المجتمع الدولي ومنظماته شركاء في القتل والإبادة المتعمدة للمرضى اليمنيين.

ويطالب المرضى المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالقيام بدورهم لإنهاء العدوان ورفع الحصار وتقديم المتورطين في قتلهم للعدالة الدولية، مذكرين بأن جرائم العدوان والحصار لن تسقط بالتقادم وأن ما يمارس بحقهم يمثل تاريخاً أسود في جبين الإنسانية.

 

مرضى الضمير يفاقمون معاناة المرضى المحاصرين

المواطن علي علي الجديعي، مصاب بمرض الكلى والسل الرئوي والبروستات وهذه من الأمراض المتطلبة لرحلة علاجية في الخارج، يرقد في مستشفى الكويت بالعاصمة صنعاء يقول: “بعد أن فشلت كُـلّ محاولاتنا للحصول على رحلة علاجية في الخارج طرقنا كُـلّ الأبواب في المستشفيات للحصول على العلاج المناسب فحوّلونا إلى هنا”.

فيما يقول المريض أحمد سفيان القفر، أحد مرضى السرطان الباحثين عن مصدر نجاة منذ سنوات: “إن كُـلّ مرضى العالم مكفول لهم حق العلاج في أية دولة ما عدا المواطن اليمني، لماذا يحرمنا العدوان الأمريكي السعوديّ من حقنا في الحياة ولماذا يشارك مجلس الأمن والأمم المتحدة في قتلنا والفتك بناء وإبادتنا؟”، ويوجه سفيان جملة من التساؤلات بقوله “أين هي المواثيق والمعاهدات الدولية؟ أين هي حقوق الإنسان التي طالما سمعناهم يتحدثون عنها؟ أين هي كرامة الآدمي والإنسان؟ نحن لا حول لنا ولا قوة في هذه الحرب، فلماذا يتعمدون قتلنا وحرماننا من حقنا المشروع في الحصول على الرعاية الطبية؟”.

ويتابع سفيان القفر في حديثة لصحيفة المسيرة “نخاطب ضمير كُـلّ أحرار العالم بأن يقفوا إلى جانب مظلوميتنا التي لم يسبق لها مظلومية في التاريخ، نقول لهم أما كفاكم صمتاً عَمَّا تمارسه أمريكا وأدواتها بحق الشعوب؟ اكشفوا حقيقتها، لا تصمتوا اليوم فقد يأتي اليوم الذي تقتلكم فيه أمريكا بدم بارد ودون ما تجدون من يقف إلى جواركم ويناصركم”.

ويدعو القفر كُـلّ أحرار العالم والمنظمات الإنسانية والحقوقية إلى الصدح بالحق وإشهار مظلومية الشعب اليمني وكشف أمريكيا وأدواتها المُستمرّة في قتل الشعب اليمني وحصاره ومصادرة حقوقه.

بدوره، يقول ياسر الحاشدي والد الطفلة “مودة” التي فارقت الحياة قبل عام؛ بسَببِ مرض السرطان: “كنت أبحث عن أية فرصة لعلاج طفلتي في الخارج لكني لم أجد أي أمل غير الاستسلام والبقاء في المستشفيات اليمنية المحرومة من الأجهزة الطبية الحديثة والكثير من العلاجات المناسبة، فكانت النتيجة أن ارتقت روح ابنتي إلى باريها مودة مقتولة شهيدة بحصار العدوان على مطار صنعاء”.

ويردف الحاشدي بالقول: “العدوان الأمريكي السعوديّ يتلذذ في قتل أطفالنا ومنعهم من حقهم في العلاج، ومع هذا لم نشهد أي دور للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الإنسانية غير الصمت وجني الأموال مقابل ذلك، فلنا الله وسوف نأخذ بحقنا دون أي نقصان، ما زال في عروقنا قطرة دم تتحَرّك وما دام أنفاسنا مُستمرّة، وسنأخذ بثأر كُـلّ مرضانا وشهدائنا، وشعبنا العظيم من يوم إلى آخر يؤكّـد ذلك في مختلف الجبهات”.

 

“الحقوقُ المسلوبة تنتزع”

بهاتين الكلمتين يلخص المواطن محمد غالب الوصابي، المصاب بمرض الفشل الكلوي بمستشفى الثورة العام بالعاصمة صنعاء، حديثه لصحيفة المسيرة قائلاً: “صحيح حرمونا من حقنا في السفر للعلاج في الخارج وهذا انتهاك صارخ لكل القيم والمبادئ الإنسانية، لكن ما نعول عليه اليوم هو قدرة شعبنا على مواصلة الصمود وانتزاع حقوقه كاملة، والحمدُ لله ما شاهدناه في العروض العسكرية يعيد لنا الأمل بذلك وبأن قيادتنا وقواتنا العسكرية قادرة بعون الله على انتزاع حقوقنا، والأخذ بثأر شعبنا من الغزاة والمحتلّين والمحاصرين لنا ولكل المرضى”.

 

“من حقي أن أعيش”

من جانبِها الطفلة فاطمة الريمي ذات العشرة الأعوام تقول: “ما ذنبي بأن أحرم من حقي في العلاج أنا لم أوذِ أحدًا وليس لي دخل في الحروب وأبي مشغول بمعالجتي فلماذا يتعمدون قتلنا بالمرض وحرماننا من العلاج؟ ماذا نمثّل لهم؟ ولماذا كُـلّ هذا الحقد على طفولتنا؟ هل طفولتنا تختلف عن طفولة أبنائهم وصغارهم! لا أكاد أعرف في أي عالم ولدت؟ هل نحن في غابة يفتك القوي بالضعيف؟ أين هي حقوق الطفولة في وطني الجريح؟ لم نعد نستوعب الواقع وبتنا نراقب الموت ليلَ نهارَ”.

وتواصل الطفلة فاطمة الريمي حديثها وهي تذرف الدموع والآهات وتتساءل: “من حقي أن أعيش؟ من حقي أن أواصل دراستي وتعليمي، من حقي أن أكون طبيبة حين أكبر لأعالج المرضى، فلماذا ينتزعون حقوقي ويصادرون أحلامي؟”، مردفةً بالقول: “لا أمتلك نفسي فتذرف الدموع”، وأنا أسجلُ الكلامَ الفصيح والمطالب المشروعة من طفلة في عمر الزهور تعرف جرم عدو البشرية، إنها أمريكا يا سادة من تقتل البشرية اليوم تحت ذرائع واهية.

مرضى السرطان والكبد والقلب والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض التي تفتك بالشعب اليمني المحاصر منذ 8 أعوام تزداد أعدادهم يوماً تلو آخر، ويفارق العشرات منهم الحياة على أمل الانتظار لفك الحصار على مطار صنعاء الدولي، في ظل صمت أممي مطبق وتواطؤ من قبل المنظمات الدولية والإنسانية والحقوقية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com