مع العَلَم القائد في وثيقة العهد «4»

 

هنادي محمد

  • استمر العَلَمُ القائدُ -يحفظه الله ويرعاه- في الدرس الرابع بالحديث عن الأُسُسِ الإيمَـانية في التعامل مع المجتمع من موقع المسؤولية، ثم انتقل للحديث عن المحيط العملي الذين يَعتَمد عليهم من هو في موقع المسؤولية بدءاً بالمستشارين، وأتى التحذير من نوعية معينة منهم، وبدأ شرحه في سياق الحديث عن من هم في موقع المسؤولية التنفيذية، الذين يعتمد عليهم من هم في موقع المسؤولية، قال -عليه السلام-:

((إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأشرار قَبْلَكَ وَزِيراً)): الإنسان عندما يصل إلى موقع المسؤولية قد يتصوّر أن من الحكمة أن يعتمد على البعض ممن لهم سابقة في التجربة والعمل في موقع المسؤولية؛ باعتبَار خبرتهم، لكن عندما كان البعض منهم فيما مضى معاونا للأشرار في شرهم وممارساتهم الظالمة وأصبح لديه رصيد إجرامي فتكون نفسيته قد تلوّثت وأصبحت منطلقاته للعمل تشوبها الأطماع والمكاسب والأهداف الشخصية ويكون جريئا على ارتكاب المآثم والظلم، وبالتالي ليس مؤتمناً في أداء المسؤولية.

((وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ)): من كان شريكاً للظالمين والطغاة والمجرمين في ارتكاب الجرائم والمظالم والمفاسد فقد تلوثت نفسيته وفسدت وليس له وازع من الإيمَـان والدين والحياة وليس عنده إحساس بالمسؤولية يمكن أن يساعده على الاستقامة والمصداقية في أدائها.

((فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً)): لا يكونوا هم خواصك، المقربون منك، تحت عنوان أصحاب التجربة والخبرة وغيرها من المبرّرات.

((فَإِنَّهُمْ أعوان الْأَثَمَةِ)): كانوا من يتعاونون على الإثم، وارتكبوا الآثام فتلوثوا وفسدوا بها.

((وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ)): كانت ارتباطاتهم بالظلمة ارتباطات أخوة وولاء وتعاون بتوجّـه جاد، ولذلك فهم ليسوا مؤتمنين في ولاءاتهم وارتباطاتهم التي تكون عاملاً من عوامل الغش في أداء المسؤولية فلا يؤدوها بنصح وصدق وإخلاص.

((وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ، مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ)): إذَا كان ما يشدك إليهم ما عُرفوا به من الخبرة والتجربة في مواقع المسؤولية فأنت واجدٌ من هو خيرٌ منهم، سليمٌ من سلبياتهم وسيئاتهم ومساوئهم، ليس ملوثاً بالجرائم والمفاسد، من يمتلك حسن التدبير والتصرف والإصابة في الرأي والقدرة على الإنجاز العملي، ومثل هذا النوع كثير، وقد يجهل الإنسان مثل هؤلاء؛ بسَببِ معرفته المحدودة، ويمكن أن يكون هناك آليات عملية تساعد على معرفتهم.

((مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ)): يمتلك ما كان لدى أُولئك من القدرة الإدارية والإنجاز العملي.

((وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَآثَامِهِمْ)): ليس ملوثاً بالجرائم والمفاسد والمظالم والأشياء السيئة بكل ما لها من تبعات وتأثيرات سيئة في نفس الإنسان وأعماله ومنطلقاته وتوجّـهاته وسمعته في أوساط المجتمع، وليس محمَّلاً برصيد سيء يذكّرونه الناس به.

((مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ، وَلَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ)): ليس له رصيدٌ إجرامي يُذكر ويُعرف به.

((أُولئك أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً)): النوع النظيف ليسوا ثقلاً عليك، لا من حَيثُ طريقتهم في العمل ولا تشويههم، أداؤه سليم غير ملوث ولا ثقيلا بالطلبات والأهداف والمكاسب الشخصية والميزانيات الضخمة؛ لأَنَّ معونته لك تكون بصدق وإخلاص ونقاء وجد واهتمام.

((وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً)): حريصٌ على نجاحك، يتفهم ظروفك، يشاطرك الاهتمامات والتوجّـهات والموقف والعمل.

((وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً)): ليس له ارتباطاتٌ وولاءات بعيدة تؤدي إلى إفشالك.

((فَاتَّخِذْ أُولئك خَاصَّة لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلَاتِكَ)): هذا النوع النظيف الصالح المستقيم، اعتمد عليهم اعتمادا أَسَاسيا في اجتماعاتك وقضاياك الخَاصَّة وأمورك المهمة والحساسة، وفي مناسباتك العامة.

((ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ)): ليكن الآثر عندك والأقرب منزلة إليك، والأكثر اعتمادا من بينهم هو الأنطق بالحق في كُـلّ الحالات والمواقف والأمور حتى لو كان مُراً ولا يعجبك؛ لأَنَّه ليس مشغولا بمجاملتك ومراعاة مزاجك الشخصي.

((وَأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ، مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ)): لأنه الأكثر حرصا على أن تكون الأمور وفق ما يريد الله سبحانَه وتعالى؛ لأَنَّ معيارَه إيمَـاني قائمٌ على أَسَاس التقوى والصدق والإخلاص لله، لذلك فهو جديرٌ بثقتك واعتمادك عليه.

((وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ، حَيثُ وَقَعَ)): لا تركز على مزاجك الشخصي وتجعله المعيار والمقياس في مسألة القرب منك والثقة والاعتماد على محيطك العملي وأعوانك في موقع المسؤولية.

((وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ)): هاتان الصفتان مهمتان جِـدًّا جداً في أداء المسؤولية؛ لأَنَّ أهل الورع عن محارم الله هم الأمناء والذين يوثق بهم، فأكثر مخالطتهم.

((ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ)): عوّدهم على ألا يكثروا من المدح لك، هذه مسألة مهمة جِـدًّا.

((وَلَا يُبَجِّحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ)): لا ينسبون إليك أعمالاً وإنجازات لم تفعلها ليتقربوا إليك.

((فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ، وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ)): كثرة المديح له تأثيرات سلبية على مشاعر الإنسان، تحدث العجب بالنفس وأنفة الكبر التي تلازم الغرور، وهي من أسوأ الخصال وحالة خطيرة جِـدًّا، وأنت من أكثر الناس عرضةً لها، وأنت في موقع المسؤولية استع لأن تحافظ على واقعك النفسي أن لا يتأثر سلبا، اعتبر كُـلّ الحسنات والإيجابيات والنجاحات وكل الأشياء الجيدة في الحياة مصدرها هو “الله” ولي كُـلّ نعمة، وأنت مصدر العجز والضعف، والإنسان المؤمن يعي هذه الحقيقة ويحمل الشعور بالتقصير مهما كان إنجازك، والكثير من الناس في حالات الإنجاز يستغرقون في مستوى التفكير في التسبيح بحمد أنفسهم ويذوبون في ذلك ويريدون من الآخرين أن يسبّحوا بحمدهم بكرةً وأصيلاً، لكن التربية الإيمَـانية تنتج خلاف ذلك.

((وَلَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ، وَتَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإساءة عَلَى الْإساءة)): من الحكمة والعدل أن تفرّق بين المحسن والمسيء في محيط واقعك العملي ومسؤوليتك ومجتمعك، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب للتفريق بينهما من خلال هذا المبدأ وفي التعامل والمنزلة والاحترام، وَإذَا لم يحدث ذلك سيرى المحسن أن إحسانه لا قيمة ولا أهميّة له، وسيشجع أهل الإساءة على إساءتهم.

((وَأَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ)): مسألةٌ مهمة جِـدًّا أن تلزم كلاً من المحسن والمسيء مسؤولية عمله ليتحمّل النتائج والتبعات وهذا من مقتضى الحكمة والعدل.

((وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِأَدْعَى إلى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَؤونَاتِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ)): العلاقة ما بينك وبين من هم في نطاق مسؤوليتك يجب أن تكون علاقة إيجابية من جانبك ومن جانبهم؛ لأَنَّك تتحمل مسؤولية تجاههم، وتتوفر هذه الحالة من الاطمئنان وحسن الظن بهم بإحسانك إليهم حتى لا يستجيبوا لخصمٍ لك يثير الفتن؛ لأَنَّهم يعرفون نصحك وصدقك ويلحظون اهتمامك.

((فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجَتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلاً)): حسن الظن له تأثيره الإيجابي في أن يخفف عليك الكثير من الإجراءات الاحترازية الناتجة عن مخاوفك منهم، ولا تسود حالة المخاوف والقلق إلا عندما تكون مقصرا نحوهم أَو مسيئا لهم ومثقلا عليهم وغير مهتم بهم فيتمكّن العدوّ من استقطابهم واستمالتهم وتحريكهم في إثارة الفتن، وهذا سيكلفك الكثير من الإجراءات الاحترازية على مستويات متعددة، فحسن الظن يكفيك المتاعب والمشاكل الكثيرة.

((وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ)):فأنت تكون حسن الظن، وأكثر اطمئناناً، إلى من أحسنت إليه أكثر، وتكون أكثر قلقاً وتوتراً وسوء ظن بمن أسأت إليه، أَو قصرت تجاهه وأهملت حقوقه، وهذه حكمة مهمة جِـدًّا، وسياسة راشدة في أداء المسؤولية.

((وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الأُمَّــة، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الأُلْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ، ولَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيء مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا)): البعض قد يأتي تحت عنوان التغيير حتى لما هو إيجابيٌ من موروث الماضي وما يتعلق بالمصلحة العامة وصلُحت عليه الرعية واستقام به حالهم، وهذا أُسلُـوب خاطئ التغيير لكل شيء.

((وَأكثر مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإقامة مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ)): لا تفكّر لوحدك وتقتصر على ما تفكر به أنت وعلى ما تخطط به، استفد من الآخرين وأولهم العلماء في كُـلّ التخصصات، والحكماء من ذوي حسن الرأي والتدبير بما يصلح واقع البلاد والمجتمع وحضارتهم في كُـلّ المجالات، ويفترض أولاً إصلاح الواقع التعليمي وربطه بشؤون الحياة.

كل ما ذُكر في هذا الدرس من توجيهات وتوصيات فَـإنَّنا نحتاج إليها بشكل كبير في أداء المسؤولية، والعاقبــةُ للمتَّقيــن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com