أعاصيرُ اليمن.. الرسائلُ والدلالاتُ والأبعاد

المسيرة – عبد القوي السباعي

لا يبدو الهاجِسُ الأمنيُّ لدويلة الإمارات هو وحدَه المعضلة التي تبقيها رهينةً للدعم والموقف الصهيوني والأمريكي والبريطاني، بل إن حاضرَ ومستقبلَ نظامها ووجودها السياسي والجغرافي الذي يعتمدُ كليًّا على ذات الدعم وذات الموقف معرَّضٌ أَيْـضاً لتهديد الاندثار والهلاك، ولا يبدو أن لدى الداعمين عُمُـومًا والكيان الصهيوني خَاصَّة حلولاً سحرية يمكن أن تُقدَّم للحليف الإماراتي في مواجهة الضربات الصاروخية والمسيرات التأديبية، التي ليس الكيان العبري نفسه آمناً منها.

إن استضافة النظام الإماراتي الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ، في هذا التوقيت بالذات، من شأنها توضيح حقيقة الاصطفافات ضد اليمن، وتجلية الحرب العدوانية عليه بوصفها باتت، بالفعل، حرباً بالوكالة عن دويلة الكيان الصهيوني “إسرائيل”، والتي يمكن للمتابع أن يقرأها في كلمة هرتسوغ لابن زايد، أمس الأول، والتي أكّـد فيها “نؤيد متطلباتكم الأمنية ونندّد بأي اعتداء على سيادة بلدكم”، مُضيفاً، “نحن هنا للتوصل لتحقيق الأمن لمن يسعون للسلام بالمنطقة”.

لكن مع ظهور الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، أمس الاثنين، معلناً عن العملية الجديدة التي أشار فيها بالقول: “نفذت القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ عمليةً عسكريةً نوعيةً (إعصار اليمن الثالثة) استهدفت عمقَ دويلةِ العدوّ الإماراتي وعلى النحو التالي: ضربُ أهداف نوعية وهامة في إمارةِ أبوظبي بعددٍ من صواريخ ذي الفقار الباليستية.. ضربُ أهداف حساسةٍ في إمارةِ دبي بعددٍ من الطائراتِ المسيرةِ نوع صماد 3″، بددت طموحاتُ الإماراتيين وأسكتت تخرُّصات الصهاينة، وحملت أبعاداً ودلالات يمكن قراءتها من كُـلّ الاتّجاهات.

إذ أن زيارة الرئيس الصهيوني هرتسوغ، إلى الإمارات، لم تأتِ خارجةً من سياق الزيارات المماثلة التي سبقتها، في سياق الهرولة التطبيعية المبتذلة، التي بدأتها دويلةُ الإمارات مع كيان العدوّ، تحتَ عنوان الشراكة الكاملة على المستويات كافة، والتي عبَّرَ عنها ابنُ زايد في لقائه الأول بهرتسوغ بالقول: “هناك إرادَة مشتركة وقوية لتعزيز علاقاتنا مع إسرائيل لمصلحة بلدينا وشعبينا”، في انسلاخٍ صريحٍ عن القضايا المصيرية للأُمَّـة العربية وإدارة الظهر لفلسطين والفلسطينيين، لذلك فالقراءة التحليلية لعملية إعصار اليمن بنسختها الثالثة في عُمق العدوِّ الإماراتي، في جوهرها، إنما جاءت في إطار المعركة المصيرية العادلة للأُمَّـة اليمنية، والتي تعتبرها جزءاً من المعركة المصيرية الكبرى المتمثلة بتحرير فلسطين، ولذلك شاهدنا كيف قرأها العدوّ الصهيوني فكان أول الموجوعين والمولولين وأكثر المذعورين من ثالثة الأعاصير اليمنية.

إننا نقف اليوم أمام مستوًى عالٍ جِـدًّا من الاحترافية للقوات المسلحة اليمنية في توظيف الإمْكَانات والقدرات العسكرية بشكلٍ متزامن وضمن خطةٍ واحدة قابلةٍ لاستيعاب كُـلّ الخيارات الميدانية الناشئة، وفي عملية إعصار اليمن بنسختها الثالثة، تنوعت هذه العملية في قوتها وزخمها وفي تأثيراتها وبحسب الحاجة والتركيز التي أراد الجيش اليمني بلوغَها وتأكيد معدلة الأمن بالأمن، وهو ما أراد الناطقُ الرسمي للقوات المسلحة العميد سريع توصيلَه في معرض إعلانه الأخير، بالإشارة إلى أن “القوات المسلحةَ تؤكّـد أن دويلةَ العدوّ الإماراتي ستظلُ غيرَ آمنةٍ طالما استمرت أدوات العدوّ الإسرائيلي في أبوظبي ودبي في شنِ العدوانِ على شعبنا وبلدنا”، وهو ما يثبت أن القوات المسلحة اليمنية، أصبحت قادرةً ومؤهلة على تطبيق معادلات عسكرية معقدة وواسعة جِـدًّا، وبدقة متناهية، وبأفضل شكل ممكن، بل تتجاوز أعلى التوقُّعات، ويجعل تلك المعادلات أكثر تأثيراً مما تبدو عليه في مراحلِها التخطيطية التي تعتبر أَيْـضاً من مهاراتها الاحترافية، أن تفرض قواعدها الخَاصَّة بالاشتباك، والتي تضافُ إلى رصيدٍ كبيرٍ وتراكُمي من العمليات النوعية الواسعة والناجحة، في العمق من دول العدوان.

عمليةُ إعصار اليمن3 حملت مساراً تحذيرياً أخيراً جاء معززاً لمعادلة الأمن بالأمن حَيثُ أوضح سريع قائلاً: “وعليهِ فَـإنَّها –أي القوات المسلحة اليمنية- تجددُ تحذيرَها للمواطنينَ والمقيمينَ والشركاتِ بالابتعادِ عن المقراتِ والمنشآت الحيويةِ؛ كونَها عرضةً للاستهداف خلالَ الفترةِ المقبلةِ”، والملاحَظُ هُنا أن الضربات الصاروخية البالستية والطائرات المسيّرة المشتركة، التي تضمنتها هذه العملية التأديبية، جاءت بصورةٍ تكاملية في أدوارها وبشكلٍ مدهشٍ واحترافي، برزت في اتساع أفق المسرح العملياتي وخطة العمليات وتكتيكاتها القتالية، وكثافتها ومدياتها وتنوع بنك أهدافها، كما أنها جاءت بتوقيتاتٍ مقصودة، وظهرت رسائلُها التأديبية واضحةً جلية، ممّا يؤهلها لأَنْ تشكل عمّا قريب، مساراً مستقلاً من مسارات الردع الاستراتيجي ومسارات العقاب التأديبي لدويلات تحالف العدوان ومن سار على فلكهم، وهو الأمر الذي أكّـد عليه ناطق القوات المسلحة بالقول: “إن القواتِ المسلحةَ لن تقفَ مكتوفةَ الأيدي وهي ترى شعبَ اليمنِ العظيمِ يعاني من ويلاتِ الحصارِ الخانقِ وترتكبُ في حقّهِ المزيدُ من الجرائمِ العدوانيةِ”.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com