للشهداء في ذكراهم

 

بتول عبدالله الحوثي

سحابة بيضاء سقت الأرض بغيثها المدرار، فنبتت أشجاراً ذات سيقان ضخمة، لا تزحزحها الاهتزازاتُ ولا تثنيها العواصف، تثمر رغم الألم وتظللنا بالأمل، أغصانُها رحمة وأوراقها إحسان، ليست كتلك الشجيرات المتسلقة صغيرة القوام هشة الفروع، تعتمد في نجاحها على صلاح الآخرين وتعوض ضعفَها باستنادها على قوة الصامدين، لا ثمر تثمره في الواقع ولا ظل تظل به الناس ولا تصلح حتى أن تكون وقوداً للنار، انعدمت فائدتها فليس لها قيمة.

أما تلك الأشجار الصادقة التي قاومت الرياحَ العاتية، تمنع عنا بطشَها وشدتَها، ونحن بين أغصانها تحتضنُنا كـ الأم الحانية وتتحمل حرارة الشمس ولذعاتها الحارقة، ونحن تحت ظلها نمرح بدون أدنى ضرر، كُـلّ هذا وهي مستبشرة ضاحكة حتى النواجذ لا تشكو ألماً ولا تطلب مقابلاً ولا تنتظر شكراً فازدادت رسوخاً وزادتنا ثباتاً.

ومع مرور الأيّام تمتلئ الغابة بتلك الأشجار المخلصة ذات الغصون الكثيرة والأوراق الكثيفة هنا تأتي لحظة اليقين وانتقاء الخُلَّص من الأخلص، وتقتربُ لحظة التضحية التي تودع فيها تلك الشجرة مثيلاتها حباً فيهم وحرصاً عليهم فتسقط لتفسح المجال لغيرها وتصنع فراغاً في مكانها لنشرِ الضياء ودخول النور، وتسقُطُ معها كُـلُّ الأقنعة وتموت تلك الشجيرات التي لا ثمن لوجودها وتبقى هي خالدة الذكر مقدسة عند أحبابها ومن يعرف قدرها وحجم تضحيتها، يُكرّر اسمها على ألسنة الصادقين ويشدو بمدحها العارفون، وتقام لها ذكرى كُـلّ عام فخراً وعزاً وتقديراً وإشادة بجهودها تجاه أمتها، ورغبة في رد القليل من جميلها، وتذكيراً لأبناء جلدتها بالقضية العادلة التي باسلت؛ مِن أجلِها والمبادئ السامية التي زكت بها حتى تقبلها ربها وصارت في مقام الخلد ودار المقامة.

لم تنسَ رغم النعيم المقيم قرناءَها الذي كانوا بجانبها وفي صفها بل تتلهف لرؤيتهم وتستبشر للقائهم وتبشرهم بأن لا خوف ولا حزن لمن سار في هذا الدرب.

إنهم الشهداءُ من أثمرت تضحياتهم عزاً وكرامةً ولا زالت تثمر إلى يومنا هذا، فأي عطاء ذاك العطاء وأي معين هو ذاك الذي لا ينضب فهنيئا هنيئا لكم وكل الشكر والعرفان والتقدير والإجلال لتضحياتكم فأنتم لم تعلمونا دروساً في الفداء والاستبسال وحسب بل كنتم مدرسة في الإنسانية حَيثُ لا إنسانية، وفي الدين حين عزف الجاحدون، وفي الإخلاص حَيثُ خان الجاهلون ووطنيون حين سقط الزائفون.

فسلام عليكم وطوبى لكم وعهداً منا تخُطُّه بنادقُ رجالنا وتمده دماءُ نسائنا وتفي به فلذاتُ أكبادنا أننا لن نحيدَ عن دربكم ولن نخون دماءَكم ما دمنا نحمل ثقافة: أن نتحول إلى ذرات تبعثر في الهواء أشرف لدينا وأحب إلينا وأرغب إلينا من أن نستسلمَ لكل أُولئك الأنذال المجرمين المفسدين في الأرض، الطواغيت المتكبرين هذا هو المستحيل الذي لا يكون ولن يكون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com