إحياء المولد النبوي.. أصالةٌ إيمانية وهُـويةٌ يمانية

 

أفنان محمد السلطان

مَن يتدبَّرِ القرآنَ وآياتِه العظيمة المحفوظة من التحريف المعجزة الخالدة لنبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم- يجدْ بأن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب وأية شعائر هي أعظم من الرسول النبي الخاتم الذي أرسل للعالم أجمع، الذي اختصه الله برعايته الدائمة وتربيته فلم يتركه في طفولته للبيئة الجاهلية بل كانت رعاية الله تحيطه وتلازمه على الدوام فلم يكن وهو في طفولته كالأطفال آنذاك يضيع وقته في اللهو واللعب بل كان المجتمع المكي يشهد له بمكارم أخلاقه التي جعلها الله للتعريف بهذا النبي الأكرم فلم يَذكرهُ بنسبه أَو حسبه بل بمكارم أخلاقه فقال عنه: ((وإنك لعلى خُلقٍ عظيم)).

ومن يقرأ السيرة النبوية العَطرة التي تفوح بشذى سيرة رسول الله الصادق الأمين ويتصفح صفات ومواقف المصطفى يجد فيها كيف كان قائداً عسكريا مُحنكاً ويجد كيف كان مُجاهداً مقداماً يُحتذى به، ويجد مواقفه الصارمة ضد اليهود، حَيثُ لم يُداهن ولم يتحالف معهم أبداً حتى عندما أخرجهم من المدينة كان ذلك على هامش الغزوات، مما يدلل على العزة والقوة للمؤمنين التي أعطاها الله لمن يسيرون على النهج السليم والصراط المستقيم.

وفي هذه السيرة ما يبين لنا كيف كان العرب في انحطاط أخلاقي وضلال وشرك ما قبل الإسلام، حتى أتى رسول الله كمشكاة نور يضيء هذه الظلمةَ الحالكة بالقرآن والتوجيهات الإلهية التي ترفع من شأن الإنسان وتُكرمه بإنسانيته وتسمو بروحه بعد أن كانت تُدنس بالعادات الجاهلية من فساد أخلاقي وديني إلى مستوى يستحق أن يكون ضمن خير أُمَّـة أُخرجت للنّاس.

وفي الصفحات المُشرقة لأهل اليمن ومواقفهم المُشرفة في مناصرة رسول الله والبذل والعطاء لاستمرار هذه الدعوة المحمدية من شهد لهم الله عز وجل بإيثارهم وبذلهم لأنفسهم في سبيل الله، حَيثُ كان أول شهداء في الإسلام من اليمن وَهم والدي عمار بن ياسر، والأنصار كانوا الأوفياء لرسول الله في زمن كذب به حتى أهله وقبيلته، فأهل اليمن من قال فيهم النبي الأكرم: ((يريد الناس أن يضعهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم)) مما يعرفنا كيف كانت علاقة الأنصار برسول الله علاقة وثيقة إلى درجة أن رسول الله لو خير بين واد يمشي منه الناس وآخر يمشي منه الأنصار لسلك الوادي الذي يمشي منه الأنصار، فهم من شهد لهم بالحكمة والإيمَان ويوم تقسيم الغنائم أخذ أهل مكة الشاه والبعير ونحنُ رجعنا برسول الله.

فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف لم يكن مستحدثاً في عصرنا أَو هو شيء مبتدع بل أجدادُنا أَيْـضاً استقبلوه بحفاوةٍ وبكل شوق حتى أنهم في حال مجيء رسول الله بدلوا اسم يثرب إلى مدينة رسول الله فكانوا هم من يستحقوا أن يكونوا هم الحاضنة لهذه الرسالة المحمدية بخلاف المجتمع المكي الذين فقدوا مؤهلات حملهم للرسالة الإلهية.

فالمولد النبوي والاحتفال بهذا اليوم الأغر أصالة إيمَانية وهُـوِيَّة يمانية لن تُمحى على مر الدهر وسيبقى ذِكرى خالدة في قلوبنا نحتفل بها عبر الأجيال، وسنظلُ نهتف لبيك يا رسول الله حتى تفنى أرواحنا، لبيك يا رسول الله رغم حصارنا وحربنا، لبيك يا رسول الله حتى آخر قطرة دم في أجسادنا، لبيك يا رسول الله في جاهلية أُخرى أشد هي من الأولى، لبيك في الدُنيا وفي الأُخرى، لبيك يا رسول الله حتى تنجلي أعمارنا ونبقى في التراب رميما.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com