الذكرى السنوية السادسة لمذبحة آل الرميمة.. كربلاء تحضر من جديد!

المسيرة – أحمد داوود

يستحضر المكلومون في كُـلِّ عصر ذكرى كربلاء للتذكير بمآسي الطغاة والمجرمين في كُـلّ زمان وعصر، وفي وقتنا الحاضر يعيش اليزيديون بيننا بكل قوة، فالشعبُ اليمني يعيشُ طيلةَ ست سنوات مضت مظلومية كربلاء، وظلم كربلاء، وكربة كربلاء.

وفي ١٦ أغسطُس ٢٠١٥، عاشت أسرة آل الرميمة أحداثاً مؤلمة، وفاجعةً كتلك التي أصابت الحسين -عليه السلام-، ومن المفارقة أننا نستذكر هذه الأيّام ما حل بآل بيت رسول الله في كربلاء، لنعيش الألم ذاته والحزن ذاته، ونحن نتذكر ما حَـلّ بهم من ظلم واضطهاد وجرائم متوحشة من قبل مرتزِقة العدوان بحق آل الرميمة.

لقد تم الغدر بهم وأخذ المرتزِقة بعضهم أسرى، وعذب بعضهم أشد عذاب، حَيثُ انهال المرتزِقة عليهم بالشتائم والكلام البذيء، وهنا صرخ الشهيد عفيف الرميمة عليهم بالعار، فأخذوه وعذبوه وقاموا بتقطيع أرجله بالسكاكين، وأطلقوا عليه ثلاثين طلقة من رصاصات الحقد والكراهية، ثم رموا به من أعلى المجمع الذي كان فيه (الدور الرابع)، فأتت زوجته وأختها أم الكرار ومن هول الفاجعة لم تصدِّقا ما حدث، فالشهيد مرمي على الأرض، ولا أحد جواره سواء زوجته.

ذهبت أختها تبحث عمن يدفن الشهيد، وللأسف فقد أخذوا جميع الرجال، ولم يبق سوى النساء اللواتي تجمعن لحمل جنازته، وكان الدواعش يطلقون عليهن النار ويقذفونهن بأشنع الشتائم.

رجل آخر من آل الرميمة كان يحاول تذكير المرتزِقة بالله، وأن هذه الأعمال التي يمارسونها لا تجوز، فأطلقوا النار عليه طلقتين في مكان الكلى، وعذبوه أشد العذاب، في حين أقدم المرتزِقة على تعذيب رجل آخر من آل الرميمة، وقاموا بذبحه، وتقطيع جسده، وإخفاء جثته، وبالنسبة لهدم القبور والأضرحة فحدِّثْ ولا حرج عن جرائم هؤلاء المتوحشين، الذين وصل بهم الحال إلى نبش القبور والأضرحة، في مشهد يدل على الخسة والنذالة والتوحش.

ومن المشاهد المؤلمة في مثل هذا اليوم، أن تم قتل أحد أفراد هذه العائلة، وذلك بإطلاق الرصاص عليه من الخلف، بأكثر من 40 رصاصة، ملتحقاً بابنه الذي سبقه بالشهادة قبل يومين فقط، كما تم سحل أحد الشهداء وهو حي، وتم إطلاق الرصاص عليه حتى فارق الحياة، وصعدت روحه الطاهرة إلى السماء، في حين قاموا بدفن نصف جسد أحد الشهداء من آل الرميمة والنصف الآخر تركوه في العراء.

وللأسرى والمخفيين قسرياً حكايات أليمة مع العذاب والتنكيل، حَيثُ تم اقتياد بعضهم إلى مدينة تعز، وأماكن تواجد المرتزِقة، وهناك عذبوهم أشد العذاب، محاولين زعزعة إيمانهم، غير أنهم ازدادوا قوة وصلابة، والبعض لا أحد يعرف لهم أثر حتى هذه الساعة.

لقد نزحت نساء آل الرميمة من قريتهن، كما نزح الأطفال، غير قادرين على حبس دموعهم إلى يومنا هذا، وقلوبهم محترقة، وفي المحصلة لقد تم تهجير العشرات من الأسر بشكل قسري، وأُحرقت المنازل، ونُهبت، وعاش فيها المجرمون الفساد.

ومثلما نكل المجرمون المرتزِقة بأسرة “آل الحرق” في منطقة بير باشا بمحافظة تعز؛ بسَببِ النزاع على الأراضي قبل أَيَّـام، فقد تم التنكيل والتهجير القسري، والأعمال الوحشية بحق أسرة آل الرميمة قبل ست سنوات مضت وعلى خلفية طائفية مقيتة، وكل ذنب هؤلاء أنهم من أسرة “هاشمية” تنتمي إلى الوطن والجيش واللجان الشعبيّة لمقارعة توحش العدوان الأمريكي السعوديّ وقسوة ووحشية المرتزِقة.

الدعشنة محل المدَنية

ومع الشرارة الأولى للعدوان على اليمن، كانت أهداف الأمريكيين والسعوديّة قد اتضحت لكل ذي لب، فكانت مدينة تعز -التي كان يطلق عليها الجميع مدينة الثقافة والمدنية والتنوير- تغير ثوبها، لترتدي ملابس التكفيريين والإرهابيين المجرمين، في مخطّط واضح للعدوان يهدف إلى تغيير هُــوِيَّة المجتمع، ونمطه، وضرب نسيجه الاجتماعي، وزع الفُرقة بين أبنائهم، وتغذية الصراع المناطقي والطائفي، وما حدث لآل الرميمة كانت مُجَـرّد مقدمة فقط.

ويمكن القول: إن مدينة تعز قد اختطفت، فالمجاميع المسلحة التي تنتمي إلى التنظيمات الإجرامية “داعش والقاعدة” ومليشيا حزب الإصلاح تسيطر على بعض أحيائها وقراها، وهناك يمارسون كُـلّ أساليب التوحش والتنكيل بحق المناوئين لهم، ومن كان له انتماء لأنصار الله، فلن يذوق سوى الجحيم، وكل هذه الأعمال تمارس بحماية من العدوان الأمريكي السعوديّ الذي وفر لها الغطاء والسلاح وجعلها تنفذ مهام القتل والسحل والاختطافات والإخفاء القسري لأبناء المحافظة، بعد أن توجّـه لهم مختلف التهم.

وأحيى العشرات من الأكاديميين والإعلاميين والحقوقيين، أمس، الذكرى السادسة لمذبحة آل الرميمة، وذلك بوقفة احتجاجية أقيمت أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء، موصلين رسالة للمجتمع الدولي بضرورة مغادرة دائرة الصمت إلى التحَرّك والإنصاف للمظلومين.

وقال القائم بأعمال حقوق الإنسان بحكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء، علي الديلمي: إن جرائم العدوان والمرتزِقة كثيرة ومتعددة، وإن هؤلاء يرتكبون الجرائم مع توثيقها ونشرها عبر اليوتيوب، غير مبالين بمواثيق الأمم المتحدة.

وأشَارَ الديلمي إلى أن هذا الحضور أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء هو لإيصال رسالة واضحة بأن الأمم المتحدة شريكٌ رئيسٌ في كُـلّ ما يحدث من جرائم في اليمن، وأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، منوِّهًا إلى أن الشعب اليمني ذاكرته قوية ولا يمكن أن يسكت أو يتنازل عن حقوقه وما يتعرض له من انتهاكات.

وبخصوص موضوع المعتقلين أَو المخفيين قسرياً من أسرة بيت الرميمة، أكّـد الديلمي أن وزارة حقوق الإنسان بصنعاء لا تعرف مكانهم حتى الآن، وماذا حَـلّ بهم، وقد تم قتلهم وسحلهم، وتشريد النساء، حتى القبور والأضرحة لم تسلم منهم، وتم استهدافهم بشكل خطير، مطالباً الأمم المتحدة بالتحَرّك في هذا الشأن.

من جانبه، قال اللواء يحيى المهدي -عضو مجلس الشورى-: إن هناك جريمة بشعة ارتُكبت في تعز بحق أسرة كريمة من بيت آل الرميمة، وقُتل فيها الأطفال والنساء والمدنيون، وتم حرقهم وسحلهم وتعذيبهم بطريقة وحشية لم يسبق لها في التاريخ المعاصر مثيلاً، مُشيراً إلى أن هذه الجريمة تمت بحماية العدوان وحكومة الفارّ هادي التي انتهكت كُـلّ شيء، مطالباً بالمحاكمة العادلة للمسؤولين عن هذه الجريمة، ومحاكمة مرتكبي تلك المجزرة وتقديمهم للعدالة؛ لأَنَّ هذه المذبحة لم تكن في مواجهة عسكرية، وإنما عن طريق النفَس الطائفي والمذهبي؛ لأَنَّهم من أسرة معنية، فاستباحوا دماءهم، ورموا بهم من أعلى المباني، وتم سلخهم وحرقهم، لافتاً إلى أن هذه الذكرى تصادف ذكرى كربلاء، وهذه المذبحة تشبه ما حدث للإمام الحسين –عليه السلام-.

أما خالد أحمد محمود -عضو مجلس الشورى-، فأشار إلى أن هناك مآسيَ وجرائمَ للحرب ارتُكبت في تعز ولا تزال، وخَاصَّة ما حَـلّ بأسرة آل الرميمة، من جرائم بشعة تندى لها جبين الإنسانية، مبينًا أن دماءهم سُفكت ظلماً وعدواناً في مختلف أرجاء تعز دون أي ذنب ارتكبوه، سوى أن كان لهم رأيٌ مخالفٌ لتلك الجماعات المتحالفة مع تحالف العدوان.

وتوجّـه محمود للأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية بتشكيل فريق تحقيق محايد؛ للتحقيق في هذه الجرائم، وخَاصَّة هذه الجرائم؛ لأَنَّ الجناة بعيدون عن العدالة، مطالباً بعدم التماهي مع الجناة.

بدوره، قال أُستاذ القانون الدولي بجامعة صنعاء، الدكتور حبيب الرميمة: إن هدفَ هذه الوقفة أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء هو تذكير المجتمع الدولي بما ارتكبه تحالف العدوان والمرتزِقة يوم 16 أغسطُس 2015 في قرية حدنان من ارتكاب جرائم إبادة ضد الإنسانية عن طريق الألوية العسكرية التي اقتحمت القريةَ وقتلت الأطفال والنساء.

وطالب الرميمة المجتمعَ الدوليَّ بتحمُّلِ مسؤولياته ضِدَّ هذه الإبادة الجماعية، وفقاً للاتّفاقيات الدولية، بما نَصَّ عليها روما الأَسَاسي، مُشيراً إلى أن الرهانَ على الأمم المتحدة غيرُ مُجدٍ، وإنما هو على الجيش واللجان الشعبيّة.