ما هي فُــرَصُ نجاحِ الوفد السُّلطاني العُماني إلى صنعاء؟

 

علي ظافر

عقبَ أسبوع من الحراك الدبلوماسي المكثّـف وغير المسبوق للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، والمبعوث الأمريكي تيم ليندر كيينغ، ووزيرة الخارجية السويدية آن ليند، ومن دون نتيجة تُذكر، أَو على الأقل أفق واضح، طار وفد من المكتب السلطاني العُماني على جناح السرعة إلى العاصمة اليمنية صنعاء، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سنوات، ويُرجح أنها بطلب أمريكي مباشر؛ لكونها جاءت بعد يوم واحد من اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بنظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي.

الوفد العُماني قدم من مسقط على متن طائرة صغيرة تابعة لسلاح الجو السلطاني، برفقة الوفد الوطني المفاوض المقيم هناك منذ العام 2018، في زيارة تهدف إلى “استكمال الجهود التي بُذلت في السلطنة خلال الفترة الماضية، والتباحث في فرص الدفع بعملية ترتيبات الوضع الإنساني وعملية السلام”، كما صرّح رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام فور وصوله إلى مطار صنعاء.

الزيارةُ تبدو من حَيثُ الشكل مؤشراً إيجابياً وباعثاً على التفاؤل نسبياً، بعد أجواء مشحونة بالتشاؤم وتبادل الاتّهامات بعرقلة مسار السلام، على أمل أن تدفع هذه الزيارة باتّجاه حلول عاجلة لملف إنساني كارثي أنتجته الحرب الظالمة والحصار الجائر على اليمن منذ قرابة 7 سنوات، وذلك بدءاً بفتح المطارات أمام الرحلات الجوية التجارية والإنسانية المتوقفة منذ قرابة 5 سنوات، وفتح ميناء الحديدة، الشريان الأَسَاسي لأكثر من 20 مليون نسمة، وضمان تدفق السلع والخدمات إليه من دون قيود وشروط، بعيدًا من منطق الصفقات والمقايضات الذي دأب عليه التحالف الأمريكي السعوديّ؛ باعتبَار ذلك كله حقوقاً إنسانية مكفولة، وكبادرة حسن نية وخطوة تمهيدية للوصول إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار، والدخول في مفاوضات جدية بين الأطراف الأَسَاسية في الحرب، وإنهاء مظاهر الاحتلال وانتهاك السيادة اليمنية، وبما يؤسس لعلاقات حسن جوار قائمة على الندية، بعيدًا من منطق التبعية والوصاية الذي ساد خلال العقود الماضية، وهي مهمة صعبة أمام الوسيط العماني، في ظل محاولة دول العدوان القفز عن الواقع الإنساني، والإبقاء على الحصار كورقة ضغط وسيف مسلط على رقاب الشعب اليمني، والسعي إلى أن تحقّق بالدبلوماسية ما عجزت عنه بالحرب خلال قرابة 7 سنوات.

من ناحية المضمون، علمنا من مصادر مطّلعة أن الوفد العُماني يحمل في جعبته ملفات جوهرية وأَسَاسية، تتمثل بوقف إطلاق النار، وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، والتهيئة لعودة المفاوضات السياسية.

وقد التقى الوفد حتى كتابة هذا المقال عدداً من القيادات في صنعاء، أبرزها رئيس المجلس السياسي الأعلى. ومن المرجح أن يلتقي، قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي.

ولم ترشح حتى اللحظة أية معلومات عن خلاصات ونتائج المباحثات الدائرة في غرف مغلقة، وسط تكتّم شديد على مخرجاتها وخلاصاتها، وبالتالي مآلاتها. ومن المتوقع إعلان النتائج بعد نضوج الأمور، ذلك أن صنعاء تثق بالوسيط العُماني وصدق نياته، لكنها في المقابل لا تثق بصدق نيات الأمريكي والسعوديّ.

ورغم ذلك، يبدو البعض متفائلاً بإمْكَانية إحداث خرق في جدار الأزمة، إذ ترجّح مصادر دبلوماسية أمريكية أن “الوساطة العُمانية لا يمكن أن تتحَرّك من لا شيء، بل من مطلق الشعور بأن هناك فرصة مؤاتية لحل العقد ووضع السلام على المسار الصحيح”.

تستند تلك المصادر إلى اتصال (يوم الجمعة، المنصرم) جرى بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره العُماني بدر البوسعيدي، اللذين أكّـدا، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء العمانية، “أهميّة تكثيف الجهود للتوصل إلى وقف الحرب، لإفساح المجال أمام حَـلّ سلمي”، كما أكّـدا “أهميّة وأولوية وصول المواد الإنسانية والحاجات المعيشية إلى الشعب اليمني”، غير أن سلوك واشنطن الدبلوماسي والعسكري مثير للجدل، ذلك أن إدارة بايدن، وفي الوقت الذي تدعو إلى “وقف إطلاق النار”، فَـإنَّها تبحث في “الجهود الثنائية الجارية لتحسين دفاعات السعوديّة”، كما جاء في اتصال الخميس بين وزير الحرب الأمريكي أوستن ونظيره السعوديّ محمد بن سلمان، وهي خطوة توحي بأمرين؛ الأول أن ما يجري من حديث عن وقف إطلاق النار هو مُجَـرّد مناورة سياسية وتكتيك لضمان وقف العمليات باتّجاه مأرب والعمق السعوديّ، وأن لا جدية لديهم في إنهاء العدوان.

من ناحية ثانية، يوحي الحديث عن تحسين الدفاعات السعوديّة والاعتراف بهزيمة منظومات الباتريوت الأمريكية أمام صواريخ اليمن، بأن الولايات المتحدة تسعى لترميم قوة الردع السعوديّة، تماماً كما تسعى لترميم قوة الردع الإسرائيلية بعد فشل القبة الحديدية خلال جولة 11 يوماً في معركة “سيف القدس”، وبالتالي فَـإنَّها تسعى فعلاً لإنهاء الحرب بعد هزيمة السعوديّة وهزيمة التقنية الأمريكية، وباتت هذه الهزيمة قناعة لدى كثير من الأمريكيين.

وفي هذا السياق، ناقشت مجلة “فورين بوليسي”، في مقال نشر الخميس، هزيمة السعوديّة أمام اليمن، وقالت إن على بايدن أن يعترف بهذا الواقع، كما أشَارَت إلى أنه لا يمكن للمهزوم أن يفرض شروطه على المنتصر، في إشارة إلى اليمن.

 

الأمريكي فشل، فلجأ إلى “تعدد الوسطاء”

يبدو أن صانع القرار الأمريكي (وهو المخادع) وصل إلى هذه القناعة، ولكنه يحاول وقف الحرب بشروطه، مع إبقاء ورقة الحصار وخريطة التقسيم التي رسمتها الحرب، والتي فصلت الجنوب عن الشمال، وهي تسعى لفصل مأرب والساحل أَيْـضاً.

ونتيجة فشله في فرض الحلول الجاهزة والمعلبة عبر المبعوثين الأمريكي والأممي، لجأ إلى استراتيجية تعدد الوسطاء، ووقع اختياره على الوسيط العُماني هذه المرة، وهو يعرف أن صنعاء تقدر عاليًا سلطنة عُمان، التي تحترم حق الجوار، والتي أَدَّت دوراً إيجابياً على الصعيد الإنساني والسياسي، ورفضت باكراً في عهد السلطان قابوس الانخراط في تحالف العدوان على اليمن، وهو النهج الذي مضى عليه السلطان هيثم، وبالتالي قد تعتقد واشنطن بأن الوسيط العُماني سينجح في هذه المهمة، كما نجح في التوسط للإفراج عن عدد من الجواسيس الأمريكيين الذين احتجزتهم الأجهزة الأمنية في صنعاء، ما يرجح نجاح السلطنة في تحقيق اختراق ما، وخُصُوصاً أنها تتبنى مدرسة خَاصَّة لا تشبه نظيراتها في الخليج، إذ تنتهج الحياد الموضوعي بعدم التدخل في شؤون الدول، ولها تجربة تاريخية في التوسط وتقريب المسافات بين الأطراف المتباعدة، من الاتّفاق النووي الإيراني، إلى المصالحات في الخليج والتكامل الخليجي، مُرورًا بموقفها المحايد حيال الأزمتين السورية والليبية، وُصُـولاً إلى الملف اليمني.

وتحظى عمان في الملف اليمني خُصُوصاً باحترام الفرقاء اليمنيين، على اختلاف مشاربهم السياسية ومذاهبهم، كما أن دورها الإيجابي في اليمن نابع من إدراكها أهميّة موقعها الجيوسياسي المجاور لليمن، والمطل على الخليج، وبالتالي فَـإنَّها تتأثر باستقرار الوضع أَو تأزمه في محيطها الجيوسياسي.

على المستوى الدولي، إن للسلطنة علاقات طيبة مع إيران، وَأَيْـضاً مع أمريكا، لكن التحدي الأكبر يتمثل في أن علاقاتها ليست مثالية مع السعوديّة والإمارات؛ بسَببِ الأدوار السلبية للرياض وأبو ظبي ضد السلطنة نفسها، وهو ما يهدّد مهمتها في اليمن.

الملفات الخاضعة للبحث والنقاش في صنعاء هي النقاط الإشكالية والجدلية بين أطراف الحرب المحلية والإقليمية والدولية. وهناك خلاف شديد في ما يتعلق بترتيبها وما يمثل الأولوية بينها، إذ إن هناك تبايناً حاداً في مقاربات الملفات الأربعة؛ فثمة طرف يتمسك بضرورة فصل الملفات الإنسانية عن الملفات العسكرية والسياسية، ويجعل الملف الإنساني أولوية على غيره، ويرفض أي مقايضة أَو ابتزاز في حقوق إنسانية مكفولة لكل البشرية، ويؤكّـد أنّ “وصول الدواء والغذاء والمشتقات النفطية إلى الشعب اليمني حقٌ مكفول من دون قيدٍ أَو شرط”، بل يعتبر أن إنجاز اتّفاق إنساني يضمن استمرارية تدفق السفن التجارية وفتح المطارات أمام الرحلات التجارية والإنسانية وغيرها من المواضيع الإنسانية، أهم خطوة لبناء الثقة، وأهم خطوة تمهيدية للدخول في نقاشات أوسع لوقف دائم لإطلاق النار وتسوية سياسية شاملة، وهو ما سمعه غريفيث من السيد عبد الملك الحوثي في العاصمة صنعاء قبل أسبوع، مع ترحيب صنعاء بأي جهد دبلوماسي لرفع الحصار أولاً، والتمهيد لمفاوضات وقف إطلاق النار الشامل، وإعلانها مؤخّراً على لسان السيد عبد الملك، في خطاب بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة، بأن الطريق معبّد للسلام، شرط إنهاء العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال.

في المقابل، يصر التحالف الأمريكي السعوديّ على إبقاء الحصار الشامل على اليمن، وهو يحاول القفز على الملف الإنساني كأولوية ملحة، ويعتبر أن “وقف إطلاق النار هو الأولوية الإنسانية القصوى”، ولا سيما في مأرب، يليه “التوصل إلى حَـلّ سياسي شامل للأزمة في اليمن”، مع التمسك بإعلان الرياض أَو ما أسموها بـ “المبادرة السعوديّة”، وهو ما ظهر في تصريحات المسؤولين السعوديّين والمبعوثين الأممي والدولي، ومعهما وزير الخارجية السويدية آن ليند، التي تتم تهيئة بلادها حتى تكون محطة للمفاوضات المقبلة، كما جرى في اتّفاق السويد “الهش”. بطبيعة الحال، تتبنى هذه السردية حكومة “اللا حول ولا قوة” اللاجئة في الرياض.

في المقابل، لا ترفض صنعاء “وقف إطلاق النار”، وهي أول المطالبين به منذ أول غارة على اليمن، ولكنها تدرك أن هذه السردية الأمريكية السعوديّة تهدف إلى عدة أمور، أبرزها إظهار صنعاء في موقع وموقف الرافض للسلام أمام الرأي العام الدولي، وسعي التحالف الأمريكي السعوديّ لتجميد العمليات العسكرية باتّجاه مأرب التي باتت على وشك التحرير، لضمان الإبقاء على المستقبل السياسي لحكومة الفنادق؛ باعتبَار مأرب آخر معاقلها، ولحرمان صنعاء من إنقاذ هذه المحافظة الغنية بالنفط والغاز من ميليشيات الإصلاح وعناصر “القاعدة” التي تنهب ثروات هذه المحافظة، وتحرم 80 % من سكان اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء من حقوقهم وثرواتهم التي من شأنها معالجة أبرز المعضلات الاقتصادية والإنسانية بعد 5 سنوات من توقف مرتبات قرابة مليوني موظف رسمي.

والأهم من ذلك أن التحالف يحرص على إبقاء خارطة التقسيم التي رسمتها الحرب بفصل الجنوب عن الشمال، وفصل مأرب والساحل الغربي عن صنعاء، علماً أن هذه المناطق هي الأهم من ناحية الجيوبوليتك، سواء في ما يتعلق بالموقع على 3 واجهات بحرية، وعلى مضيق باب المندب، أَو الثروات السيادية من النفط والغاز في مأرب وشبوة وحضرموت، وبالتالي ما الضامن لاستعادة السيادة على هذه المناطق؟ ما الضامن لخروج القوات الأجنبية الأمريكية والبريطانية والسعوديّة من عدن وشبوة وحضرموت والمهرة وباب المندب والساحل الغربي ومأرب؟ ما الضامن لحلحلة الملفات الإنسانية بعد وقف إطلاق النار، وتحييد السعوديّة عن وسائل الضغط على صنعاء بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية! هذه هي المعضلات والتحديات التي تواجهها الوساطة العمانية.

الأخطر من ذلك أن الأطراف الأَسَاسية في الحرب، وأقصد أمريكا والسعوديّة، تحاول أن تصور هذه الحرب بأنها حرب أهلية، وبالتالي يكون التفاوض مستقبلاً بين صنعاء وحكومة لاجئة لا تملك قرار حرب ولا سلم، ولا تزال تتمسك بصنميات سياسية ثلاث، تجاوزتها التحولات والمتغيرات التي سجلتها 7 سنوات، وبالتالي إن إحياء المبادرة الخليجية، والقرارات الدولية الظالمة، وحتى مخرجات الحوار الوطني التي جاءت لمعالجة إشكاليات تجاوزتها الحرب، وفرضت متغيرات جديدة، وأفرزت قوى جديدة، باتت كلها من الماضي، كما بات هادي وحكومته من الماضي، وبات من سابع المستحيلات إعادة فرض هذه الحكومة العاجزة والضعيفة وغير الشرعية، كما أن إحياء الموتى بمفاوضات أَو بغيرها ضرب من الجنون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com