أبو غريب وذاكرةُ التعذيب الأمريكي

 

أنس القاضي

لو كنا نمتلكُ الكاميرات في سلفادور وهندوراس وتشيلي، لَكان العالَمُ تلقى الصورَ القادمةَ من أبو غريب في سبعينيات القرن الماضي، هكذا علّق بيتر كونيولس من أرشيف الأمن الوطني الأمريكي، على فضيحة سجن أبو غريب.

فظائعُ الولايات المتحدة الأمريكية في سجنِ أبو غريب في العراق بعد الاحتلال ليست الأسوأ، لكن هذه الجرائم كشفت أمام العالم حقيقةَ الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحقيقة التي ظلت بعيدة عن الكاميرا حتى غزو العراق في العام 2003م، وفي كُـلّ غزواتها الاستعمارية مارست الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ جرائمَ يندى لها جبينُ الإنسانية، ولا يُمكِنُ تصوُّرُها من الوحوش!

أيقظت جرامُ أبو غريب ذاكرة دموية في أنحاء العالم، ليتبادلَ الجميع تجاربهم مع التعذيب الأمريكي مباشرة، أَو عن طريق سلطات الاستبداد العميلة التي انتقلت إليها الخبرة الأمريكية في التعذيب.

بدأت قصة سجن أبو غريب مساء الأربعاء 28 أبريل عام 2004م، عندما عرض برنامج “60 دقيقة” التي تبثه قناة سي بي إس الأمريكية، عدة صور فوتوغرافية تذكارية لعدد من الجنود والجنديات الأمريكيين، وهم يلتقطون صوراً مخزية أمام أكوام بشرية عارية من المعتقلين العراقيين.

عقب فضيحة أبو غريب ظهر كتاب جديد للأمريكي لانغوش، يُسمى “الإرهاب الخفي”، في كتابه الإرهاب الخفي أيقظ الكاتبُ ذاكرةً دموية مارستها الولايات المتحدة الأمريكية في تعذيب السجناء في البرازيل والأرغواي في ستينيات القرن الماضي.

أليكس تايلور، الناطق باسم اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب ومساعدة الناجين، اختبر شخصيًّا نوعاً من الإجرام الأمريكي، شبيه بما جرى في سجن أبو غريب، يقول آليكس:

“والدتي اعتقلت عام 1971 في غواتيمالا عندما كنت في التاسعة، وقد شهدت ذلك شخصياً”.

وكانت المخابرات المركزية الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي قد أسست نظام التعذيب في غواتيمالا، وقدمت النصح الإجرامي والمساعدة والتمويل والمعدات للقوات الغواتيمالية المسماة “جي تو”.

فيرونيكا دي نيغرو، مناضلة يسارية تشيلية، هي إحدى ضحايا التعذيب الأمريكي، التي قرّرت أن توثق شهادتها، عن انتهاكات حقوق الإنسان في تشيلي، اثناء حكم الدكتاتور العميل للولايات المتحدة “أوغستو بينو شيه”.

قرّرت فيرونيكا توثيق ما جرى معها بعد أن شاهدت الفظائع الأمريكية في سجن أبو غريب، قائلة ذلك النوع من الانتهاكات هو ما عاينته في تشيلي تحت حكم “بينو شيه”.

تصفُ فيرونيكا ما تعرضت له عام 1976 عند اعتقالها قائلة: “لقد ضُربت، وصُدمت بالكهرباء، وتم اغتصابي، ليس فقط من قبل القائمين على تعذيبي، بل أَيْـضاً بواسطة أحد الحيوانات، إن أياً من المخيلات الكريهة لا يُمكن أن تقارب الواقع الحقيقي الذي حدث لي”..

وتضيف فيرونيكا:

“الجلادون في حالتي كانوا تشيليين”، لكنها تحمل المسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية التي دعمت الانقلاب على الرئيس الشرعي سلفادور ليندي ودعم سلطة بينوشيه الإجرامية، ودعمت الأجهزة القمعية التشيلية على فنون التعذيب الإجرامي.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي قرّرت التدخلَ والانقلابَ على الرئيس المنتخب سلفادور ليندي لكونه اشتراكياً، وصرحت أمريكا للعالم يومها بأنها متجهة إلى تشيلي؛ مِن أجلِ إنقاذ الشعب من خطر الشيوعية، وهي الذريعة ذاتها التي تستخدمها الولايات المتحدة في تدخلاتها العدوانية، ذريعة حماية الشعوب من الدكتاتوريين، وذريعة حماية الأمن والسلم الدوليين.

تركت فيرونيكا بلدها تشيلي مع عائلتها عام 1977م ولكن غبنها عاد ليشارك في النضال الوطني ضد النظام الإجرامي الموالي للولايات المتحدة الأمريكية.

وقد اعتقل ولدها ردريغو راغاس، وضرب بقسوة وأُجلس على النار، وأحرق حياً على يد قوات النظام العميل للولايات المتحدة الذي جاء إلى السلطة عن طريق انقلاب نفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.

تضيف فيرونيكا:

“الأمريكان كانوا سلبيين جِـدًّا، ومتواطئين، ولم يريدوا أن يكشف ما حدث، وقد تورطت الولايات المتحدة في أعمال التعذيب لسنوات طويلة”.

* مرجع هذه المادة كتاب الموسوعة الحمراء، صادر عن المركز الدولي للاستراتيجيات والتخطيط.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com