المواجهةُ بين ثقافتين حربيتين

 

عبد الحميد الغرباني

وقائعُ مواجهات جيزان بين مجاهدي الجيش وَاللجان من جهة وعناصر الجيش السعوديّ ومرتزِقة السودان والمنافقين من جهة أُخرى، حيَّرت المراقبين والمحلِّلين للشأن العسكري، لا يدرون إلى أي شيءٍ يَعزُون واقعَ ومستوى معسكرِ العدوان، هل مَـــرَدُّ الذُّلِّ وَالهوان والمهانة الموثقة بعدسات مجاهدي الإعلام الحربي هو أن معسكرَ العدوان يعتمدُ وَيركنُ إلى القوة الغاشمة (سلاح الجو) والتقنيات الحديثة، وَبالتالي لا يعطي لإدارة القتال على الأرض ما يلزمُ؟ أَم أن هذا المعسكر بكل فصائله لا يملِكُ خطةً واضحةً في مسرح المواجهة، وَيفتقر للقوة البشرية المدربة والعقيدة القتالية اللازمة و… إلخ ما قد يجره المحللون والخبراء العسكريون في سياق التحليل وَالقراءة لواقع معسكر العدوان في مقابل معسكر اليمن.

لكن قراءة فاحصة تأخُذُ في الحسبان عدةَ أمور، أهمها حضورُ أمريكا وبريطانيا وكيان العدوّ في جبهة العدوان، بدايةً بغرف العمليات والتخطيط وإدارة القتال والانخراط فيه ليس عبر سلاح الجو، بل في خطوط النار والاشتباك، كما كُشف سابقًا عن مشاركة ما يُسمى بأصحاب القبعات الخضراء، ستؤكّـد أن ما يسوِّقُه الكثيرُ من المحللين والمعلقين على مجريات المواجهة الأخيرة التي تم إظهار مشاهدَ منها ليسَ لأسبابٍ كامنة وراء هُزال معسكر العدوّ؟ وبالتالي دعونا نعيدُ من جديد بَحْثَ خلفية وأسباب ذلك، وبالاعتماد أولاً على ما تتضمَّنه النظرياتُ العسكرية وقواعدُ ومبادئ الاشتباك ومنها:

قولُ مخطّطي ومنظري الحروب “مَن ينتصر يعرفُ جيِّدًا متى يُحارب ومتى لا يُحاربُ، وكيف يتعاملُ مع مختلف أشكال القوة كثيرها وقليلها”، وهو ما هدى اللهُ إليه المجاهدين في جيزان، بمعنى أنه سبق للمجاهدين تقديرُ قوة العدوّ وحالته، وُصُـولاً إلى أخذ قرار بالهجوم والتخطيط لتنفيذه بسرية كاملة، وهذا مبدأٌ آخر في الحرب نفذه المجاهدون ووصلوه بمباشرة ذلك بحذرٍ شديدٍ، وهذا الذروة في العبقرية، لكنها لم تكن تُجدي لو لم يكن توفيقُ الله ورعايتُه قد أظلت تحَرّكهم وَأعمت عينَ العدوّ في الجو والأرض، تماماً مثلما لم تكن الخططُ التي هدى الله المجاهدين إليها قد وجدت طريقَها سالكةَ التنفيذ وبدقة فائقة ضبطها مبدأُ “إن الله معنا” الذي ملأ روحية وَنفوس وعقول المجاهدين فأسفر عن تحويل القوة البشرية للعدو والترسانة العسكرية إلى طرائد سهلة جرى إيقاعها وَتدميرها ومحاصرتها حتى لم تجد أمامها ملجأ أَو مغارات إلا الفرار ولو بالتردي من هذا المرتفع الجبلي أَو ذاك أَو محاولة التحاذُقِ لاستغلال أخلاق المجاهدين في ميدان المعركة وَوسط لعلعة الرصاص وقرقعة السلاح..

التشخيصُ السليمُ لواقع المعسكر المعادي لليمن وما يحوزه من المهارات والقدرات والتكتيكات المتبعة لديه وخطط الانتشار والتنظيم المُعتمدة بالنسبة له وَأَيْـضاً الإجراءات الاحترازية المتخذة على الصعيد الميداني يبدأُ من معرفة الاستراتيجية العسكرية المواجهة والمُعتمدة من قبل بواسل القوات المسلحة واللجان الشعبيّة في مسرح العمليات ومدى إيمانهم بفاعليتها وركونهم عليها والانطلاق على أَسَاس منها.

وكلنا يعلمُ أن المعسكرَ الأمريكي السعوديَّ يحوزُ في العتاد أفتكَه وفي التقنيات المختلفة أحدثَها وتجمع له من مهارات التدريب والتأهيل ما تعتمدُه وتنفذه النظرياتُ الغربية المختلفة، بَيْدَ أن كُـلَّ ذلك مع اجتماعها تُصابُ بالهزيمة أمام الاستراتيجية العسكرية القرآنية الشاملة ودرجة ومستوى الالتزام العملي من قبل الجيش وَاللجان بالأخذ بأسباب النصر وشروطه والإعداد لذلك وفقاً لتعاليم القرآن وترجمانه.

إن المعارك الحاصلة والدائرة في غيرِ ميدانٍ وَجبهةٍ قبيل أن تكون احتداماً بين أدواتها المختلفة، هي مواجهةٌ بين ثقافتين حربيتين تتحكَّمُ بطرفي الصراع..

وهكذا فنحن حين نُعير أسماعَنا لضجيجِ المحللين الذي يختلقُ أَو يختارُ أسباباً لا تنصِفُ المجاهدين ومهاراتِهم وَعبقريتَهم، وارتباط ذلك في المقام الأول بالمنظومة الثقافية التي تحكم سلوكَهم العملي وتهيمنُ على عقولهم وقلوبهم معاً، فَـإنَّنا وباختصار نكونُ قد شاهدنا جميعاً انتصارَ المجاهدين في معركة جيزان، لكن ما لم نره ونستوعبْه ونَعِـــهِ هو سِرُّ الانتصارِ أَو قُــلْ ثقافة المواجهة التي صنعته، وصدق اللهُ القائل: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com