واقعةُ جيزان التاريخية.. رسائلُ الردع والقوة والسلام

خبراءُ عسكريون وسياسيون يؤكّـدون أن العملياتِ القادمةَ ستكونُ أقسى وأوجع:

المسيرة- خاص

أوصَدَ أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة جميعَ الأبواب أمام جيش العدوّ السعوديّ، بتحقيق أي اختراق في الميدان العسكري، وبات غزوُ اليمن هو المستحيلَ بعينه، باستثناءِ المحافظات الواقعة تحت سيطرة المرتزِقة والخونة.

المشاهدُ البطوليةُ لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة في الحد الجنوبي للمملكة السعوديّة بجيزان أظهرت الجيشَ السعوديّ “نمراً من ورق”، وعرَّت كبرياء بن سلمان، ومرَّغت أنفَ المرتزِقة في التراب، وسيظل التاريخ يكرّر هذه المشاهد ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة قهروا المستحيل، وسجّلوا أروع البطولات وقادوا أقدس المعارك.

وفي المجمل، فَـإنَّ تساقُطَ الجنود السعوديّين والمرتزِقة السودانيين واليمنيين وتدحرجهم من أعالي الجبال كأوراق الخريف يدل بأن قضيتهم فاشلة وعقيدتهم باطلة؛ لأَنَّ المؤمنين حقاً لا يولون الدُّبُرَ، والشجاعُ هو الذي يقاتلُ تحت أي ظرف بروح تتوقف للشهادة والاستبسال، وخيرٌ له أن يموت بالرصاص بدلاً عن السقوط من أعالي المنحدرات.

لقد أحدثت ملحمةُ “جيزان” تحولاً استراتيجياً في سير المعارك القادمة والمستقبلية، وبالتأكيد فَـإنَّ جيشَ العدوان والمرتزِقة سيحسبون ألف حساب لأية منازلة قادمة، وأن العدوّ الذي كان يفكر باحتلال اليمن وإذلاله أصبح اليوم عاجزاً عن حماية حدوده، كما يقول العقيد مجيب شمسان، معلقاً عن هذه الأحداث.

وينطلق العقيد شمسان من منطق أن هذه العملية الواسعة التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبيّة داخل العمق السعوديّ وداخل جبهة كان العدوّ قد حشد إليها كُـلّ إمْكَانياته وقدراته لاختراق الأراضي اليمنية عن طريق البر، بحكم أن جيزان محاذية لمحافظة صعدة شمالي اليمن، ومن الطبيعي أن تكونَ قواتُ العدوّ المسنودةُ بالطيران والإمْكَانات الهائلة في قلب الأراضي اليمنية، لكن أبطالَ الجيش واللجان الشعبيّة وبإمْكَانياتهم البسيطة والمحدودة صنعوا المستحيل، وغيروا المعادلات، وتمكّنوا من نقل المعركة من الميدان اليمني إلى الميدان السعوديّ.

ويرى العقيد شمسان أن ما وثقته عدسة الإعلام الحربي ليس له نظير ولا مثيل، فالمشاهد تظهر فرار الجنود السعوديّين من أرض المعركة ومن مواقعهم المحصنة، وتظهر كذلك الاقتحامات والمواجهة من مسافة صفر، باتّجاه تحصينات العدوّ، كما تظهر الجنود السعوديّين وهم يفرون من مواقعهم، ورغم التحصينات القوية والإمْكَانيات الرهيبة لجيش العدوّ السعوديّ في جيزان إلا أن أبطال الجيش واللجان الشعبيّة اقتحموا تلك المواقع المحصنة، واستطاعوا السيطرة عليها، وشاهدنا فرار العدوّ بأعداد كثيرة دون أية عقيدة قتالية ودون أن تيكون هناك رؤية سابقة، وظهر العدوّ في حالة من التخبط الشديد، وموقعاً بعد آخر تتساقط الثكنات بيد الجيش واللجان الشعبيّة، بعزيمة قوية صلبة؛ لأَنَّ أصحاب القضية هم دوماً من يثبتون مثل هذه الانتصارات، وهنا الكلام للعقيد شمسان.

ويشير العقيد شمسان إلى أن تراكم هذه الانتصارات بدأ من عملية “نصر من الله” وَعملية “فأمكن منهم” وَ”البنيان المرصوص” وما تلاها من عمليات، وُصُـولاً إلى مثل هذه العمليات الكبرى والواسعة.

ويقدم العقيد شمسان قراءةً حول تضاريس العملية الواسعة في جيزان، فهي مشابهة للطبيعة الجبلية لمديرية “نهم” من حَيثُ المواقع القتالية، في حين أن أهميّتها تكمن في أنها مطلة على مدينة “الخوبة” بجيزان، فهذه الرقعة الجغرافية بكل ما تشكله من ثقل استراتيجي وبكل ما لهذه المشاهد النوعية من تحول كبير، بكمائنها والاستدراج وتساقط الجثث وفرار العشرات واغتنام العتاد دليلٌ على التحول الواسع بعد ست سنوات من العدوان على الشعب اليمني، وتعني أن هناك عزيمةً وإصراراً لدى الجيش اليمني واللجان الشعبيّة، وأن لديهم القدرة والإمْكَانية على اجتياز الصعاب التضاريسية والقوة النارية التي كان يتمتع بها العدوّ، وبالتالي تحييدها والتقدم، فصار العدوّ الذي كان يراهن على هذه الجبهة منذ بداية العدوان وكان يفكر بالاحتلال أصبح عاجزاً عن حماية حدوده، بينما تتقدم القوات اليمنية داخل هذه المواقع بصعوبة تضاريسها والكثافة النارية التي لدى العدوّ، ولكن كُـلّ ذلك لم يمنع الجيش واللجان الشعبيّة من التقدم وأن يطلوا من تلك المواقع الحاكمة على مدينة جيزان ومختلف المناطق التي يتواجدون فيها اليوم.

 

مشاهدُ لا تُصدَّق

بالنسبة للمشاهدين غير اليمنيين حين يرون ما وثّقته عدسةُ الإعلام الحربي، فَـإنَّهم ينبهرون كثيراً لهذه المشاهد البطولية النادرة وللشجاعة الفريدة للمجاهدين اليمنيين، وهم يتحدون التضاريس الوعرة وإمْكَانات العدوان الهائلة، ويحقّقون بعد ذلك المستحيل.

ويقول الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي العميد محمد عباس في حديثه لقناة المسيرة تعليقاً على هذه العملية الواسعة إنه عندما يشاهدُ العمليةَ لنصف ساعة فَـإنَّه لا يصدقُ ما تراه عيناه، متابعاً حديثه بالقول: “لاحظنا جودةَ ودقةَ التصوير، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى لاحظنا كيف يتقدمُ أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة بثبات وصمود وشجاعة ومعنويات مرتفعة، وَمن المشاهد شاهدنا فرار أعدائه من الجيش السعوديّ ومرتزِقته السودانيين وغيرهم ممن ليس فيهم أي صبر أَو ثبات ولا شجاعة ولا قضية، فكانت معنويات الخصم منهارةً وشاهدنهم وهم ينتحرون من أعلى الجبال؛ نتيجة الخوف، وهنا الجيش واللجان يمتلكون قضية والآخرون ليست لهم قضية”.

ويضيف العميد عباس قائلاً: ما شاهدناه اليومَ هو مسلسلٌ من الانتصارات ونموذجُ تحوُّلٍ على العدوان الأمريكي السعوديّ الذي بدأ من العام 2015م، وبدأنا نشاهدُ التحولاتِ الاستراتيجيةَ التي تحدث عنها قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي على الأرض، وليس التركيز على الصواريخ والمسيرات، وإنما من خلال المقاتل اليمني والانتصارات التي يحقّقُها في الميدان بشجاعته وصبره وثباته ومعنوياته وإيمانه وسكينته، كما شاهدت منظراً تقشعر له الأبدانُ حين كان الطيران الحربي السعوديّ يقصفُ مواقعَ قريبةً من المجاهدين فلا المقاتلون اليمنيون اختفوا ولا المصور تحَرّك بل استمر في التصوير وكأن المشهد لم يحصل، بينما نشاهدُ الرعبَ في عيون الجنود السعوديّين ومرتزِقتهم، وهذا مؤشرٌ على المرحلةِ القادمةِ وعلى الانتصار الذي سيتوج نهايةَ الصبر ونهاية الصمود الذي استمر منذ 6 سنوات، ومؤشر انتصار مكمل لانتصار غزة في ذكرى انتصار 25 أيار الذي فر العدوّ الصهيوني من جنوب لبنان، وهذا هو شهرُ المقاومة وشهرُ الانتصارات.

ويؤكّـد الخبير الاستراتيجي عباس أن الجهودَ المبذولة في كُـلِّ ساحات محور المقاومة أثمرت نصراً متصاعداً، ورسمت خارطةَ طريق جديدةً أمام شعوب الأُمَّــة، وعززت لديها الثقة بقيادة المحور وكشفت حجز ووهن المحور الأمريكي والمتحالفين معه في المنطقة.

 

أوهنُ الجبهات

ووفقاً للرؤية العسكرية فَـإنَّ ما حدث في جيزان خارقٌ للعادة، وأن شجاعة المقاتلين اليمنيين وبسالتهم وخططهم الرهيبة ستدوَّنُ في صفحات التاريخ، وستكون أهلاً لأن تُدَرَّسَ في الكليات العسكرية الدولية المتخصصة.

ويرى الناشط السياسي، عضو الهيئة العامة لمكافحة الفساد، الدكتور حبيب الرميمة، أن العمليةَ النوعيةَ بمحور جيزان تحمل ثلاثَ رسائل أَسَاسية، أولها رسالة قوة وثانيها رسالة ردع وثالثها رسالة سلام.

ويؤكّـد الرميمة أن رسالة القوة تفيدُ بأن الجيش واللجان الشعبيّة وبعد سبع سنوات من العدوان هو مَن يتحكم بمجريات المعركة العسكرية في كافة الجبهات، ومنها جبهة الحدود، معتقداً أن جبهاتِ الحدود من أضعف جبهات العدوّ لعددٍ من الأسباب، أبرزها ضعف الجيش السعوديّ، وفقدان القضية عند المرتزِقة من ناحية، ووجود علاقة تاريخية وارتباط شعبوي للوطن الأُمِّ على امتداد تلك المناطق.

ويشير الرميمة إلى أن رسالةَ الردع تكمن في توقيت إعلان هذه العملية، والذي يأتي رداً على تمادي دول العدوان في استخفافها بالسيادة اليمنية وإعلانها الوقح ببناء قواعدَ عسكرية في بعض المدن الجنوبية وَالجزر اليمنية، مُضيفاً أن من هذا المنطلق نعتقدُ أن هذه العملية هي مقدمة لعمليات أقوى وأنكى، سواءً بالسيطرة على الأرض أَو بعمليات القوة الصاروخية لدول العدوان ممثلةً بالسعوديّة وَالإمارات.

وعما حملته العملية النوعية من رسالة السلام، يحكي الرميمةُ أن العدوَّ الإسرائيلي هو العدوُّ الأبرزُ للأُمَّـة العربية والإسلامية، وأن تحَرّك تلك الأنظمة كأدوات لخدمة هذا المشروع لن يكون لصالحهم فيما يخدم أمن واستقرار بلدانهم.

ويتابع: “المنطقُ والعقلُ يقضي أن توجَّـهَ جهودُ الأُمَّــة كُلُّها لمواجهة هذا العدوّ الإسرائيلي؛ لأَنَّ الجميع يعرف أن العدوان الذي يشنه آل سعود وآل زايد هو فقط لخدمة الصهيونية والتقليل من مخاوفها.

ويرى الرميمة أن الإعلانَ عن إنشاءِ قواعدَ عسكرية في جزيرة ميون بعد الدور الشعبي البارز لليمن بالوقوف مع فلسطين والهزيمة التي تلقاها العدوّ الإسرائيلي يأتي باعتقادنا في هذا السياق، متسائلاً: هل يفهمُ آلُ سعود وآلُ زايد هذه الرسائل؟، مردفاً بالقول: “وَلا أعتقد ذلك “ليقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com