كيفيةُ التعامل مع القرآن وتدبُّر آياته

مقتطفات نورانية للشهيد القائد رضوانُ اللهِ عليه

 

عبدالله الجرادي

عندما نتعامل مع القرآن الكريم، عندما نتعامل معه، نتعامل معه بإجلال، باحترام، بتعظيم، بتقديس، بنظرة صحيحة للقرآن أنه كتاب للحياة، {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: من الآية 89) كما قال الله عنه: {هُدىً لِلنَّاسِ} (البقرة: من الآية 185)، وعندما يقول الله لك، عندما يقول الله لنا: {هُدىً لِلنَّاس} فهل من المعقول أن يكون فقط هدى في القضايا البسيطة في المشاكل الصغيرة، أما المشاكلُ الكبيرةُ التي هي أخطرُ علينا من تلك، وأسوأُ آثاراً من تلك علينا وعلى ديننا فَـإنَّه لا يهدي إلى حَـلٍّ لها، هذا غيرُ صحيحٍ.

فعندما يقول: {هُدىً لِلنَّاسِ} هو هدى للناس في كُـلّ القضايا، أمام كُـلّ الاحتمالات، في كُـلّ الميادين، لماذا لم ننظر إليه بأنه هدى للناس في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى من يهدينا في مواجهة أعداء يمتلكون إمْكَانيات هائلة، {هُدىً لِلنَّاسِ} معناه يُعلّم الإنسان كيف يكون [طيِّب] وأشياء من هذه، يصلى ويصوم [وما له حاجة من شيء]!! فنقدم القرآن وكأنه لا يمتلك أية رؤية، ولا يعطي أي حَـلٍّ، ولا يهدي لأي سبيل فيما يتعلق بالمشاكل الكبيرة، فيما يتعلق بالمخاطر العظيمة، هو {هُدىً لِلنَّاسِ} في كُـلّ مجال، في كُـلّ شأن، فتكون نظرتنا للقرآن الكريم نظرة صحيحة، أنه كتاب حي، كتاب يتحَرّك بحركة الحياة، بل تستطيع فعلاً؛ -لأَنَّه أوسع من الحياة- تستطيع، إذَا ما أُعْطِيت فهمه، إذَا ما كنت تعيش معه وفق نظرة صحيحة، أن يُقيّم لك الأحداث فتكون أدق من أي محلل سياسي آخر، أدق من أي صحفي آخر، أدق من أي مهندس لسياسة أمريكا وفي غيرها في تقديرك للأحداث؛ ولأنه يمنح الإنسان ثوابت، تعتبر مقاييس ثابتة، يربيه على أن تكون لديه رؤية تمنحه المبادرة في المواقف، فهو لا يجعلك بالشكل الذي تنتظر ماذا سيعمل بك العدوّ لتفكر بعد ماذا تصنع، هو من يربيك على أن تعرف كيف تضرب العدوّ من البداية.

 

التذكر بآيات.. في حالة التمييز والإدراك

التذكر بآيات القرآن ممكن لأي إنسان قد أصبح يميز ويدرك، يستطيع أن يتذكر وليكن تذكره على هذا النحو وهو يقرأ القرآن في سوره كلها من أوله إلى آخره، فالله قد يسَّر القرآن على هذا النحو للذكر..

 

التذكر يجعلك تعيشُ اليقظة

وأنت بعد أن تذكر نفسك بمثل آية: {قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} وأمثالها فأنت ستعيش حالة من اليقظة، حالة من الاهتمام تصبح أنت قريباً من الأعمال التي تعتبر وقاية لنفسك من النار، تُدعَى إلى عمل صالح في مواجهة أعداء الله تكون أنت قريباً من هذا؛ لأَنَّك يَقِظ.

 

من مواصفات المتقين أن يكونوا يقظين

ولهذا وصف الله المتقين بحالة اليقظة، عندما يحكي عنهم بأنهم ينفقون في السراء والضراء ويكظمون الغيظَ ويعفون عن الناس؛ لأَنَّهم يحملون اهتماماً بقضايا كبيرة، ويعرفون أن هذه القضايا لا بد مِن أجل خدمتها أن يكون هناك إنفاق، فهو ينفق في السراء والضراء، لا يبالي.

 

المتقون يحملون اهتمامات كبيرة للإسلام

ارجع إلى واقعنا من جديد تجد أننا لا نعيشُ حالة التقوى ولا نعيش مشاعر المتقين، تجدنا لم نستطع أن نصل في خدمة الإسلام إلى أن يكون كأبسط خصلة من الكماليات اليومية، نحن بعد لم يصل اهتمامنا في مجال الإنفاق في سبيل الله، أن يصل إلى اهتمامنا من لم يحسب للإسلام قيمة كالكماليات فهو لا يعيش حالة التقوى ومشاعر التقوي.

 

لا تتعامل مع القرآن بابتذال

انظر إليه ككتاب أنه من الله، أنه كلامُ الله فعلاً ستهتدي بالقرآن وستزكّي نفسك، وستصل إلى فهم كثير من آياته، والقرآن في ظاهره يعطي أشياء كثيرة، القرآن في ظاهره يعطي أشياء كثيرة جِـدًّا، على الرغم من أنه ((بحر لا يُدرَكُ قعره))، لكن هذه من خصوصيات القرآن التي امتاز بها عن أي كلام آخر، أنه يعطي الناس الكثير الكثير من المعارف بظاهره، وإن كان لا زال بحراً لا يُدرك قعره، فالخَواص يعرفون.. يعرفون منه الكثير الكثير الذي لا تستطيع أعمارهم أن تستوعبه، ((بحر لا يدرك قعره)).

فعندما نتعامل مع القرآن لا نتعامل معه بابتذال، [ننطلق وكأن كُـلّ شخص يستطيع أن يفسره هو من عنده… ]، بل يكون همك هو أن تتدبر أنت، وتتذكر، وأن تقرأ القرآن للناس، كما قال الله عن رسوله: {وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن} (النمل: من الآية92) القرآن بظاهره يعطي الكثير للناس، ولأن الناس قد تأثرت نظرتهم إلى القرآن سلباً، اعط تعليقات كمقدمات بسيطة حول الموضوع ثم تأتي بالآيات القرآنية، لا تنطلق كمفسر.. مَنْ انطلقوا كمفسرين لم يقدموا القرآن بالشكل الصحيح.

 

هَمُّك أن تتدبر

التدبر للقرآن الذي دعا الله الناس إليه حتى الكافرين: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (المؤمنون: من الآية68) {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (صّ:29) {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر: 17) على هذا النحو تقرأ الآيات القرآنية، عندما تمر بآيات الوعد والوعيد تسمع الحديث عن جهنم، أَو تقرأ الآيات التي تتحدث عن جهنم، عن الحساب العسير، والقرآن يعرض في هذا الموضوع يعرض أَيْـضاً حتى الحالة النفسية السيئة، الحالة من الخوف والرعب والفزع واليأس الذي يسيطر على أعداء الله في ساحة القيامة، يعرضها القرآن الكريم، في جهنم نفس الشيء يعرض العذاب الشديد تفاصيله، يتحدث عنها، شدة العذاب، وقود العذاب كما قال: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (البقرة: من الآية24) كذلك يتحدث عما يقوله أهل النار في النار، عندما يحاولوا أن يطلبوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (الأعراف: من الآية50) هكذا يريدون شربة ماء ليست باردة، شربة ماء طبيعية عادية فلا يحصلون عليها.

احسب أنك من أُولئك الذين يصرخون من شدة العذاب وكيف تعمل كي تقي نفسك.

أنت عندما تقرأه تجد بأنه من المحتمل أن تكون أنت واحداً من أُولئك، لا تقرأه وكأنه ناس مدري من هم؛ إن من المحتمل أن تكون واحداً من أُولئك الذين قال عنهم: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} (فاطر: من الآية37) حينئذٍ يجب أن تلحظ بأنه كيف أعمل حتى أقي نفسي من عذاب الله.

فالآيات في الوعد والوعيد آيات الوعيد صريحة، تفكر هنا عندما يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

عندما تقرأها تذكر هَولها.

تذكر هنا أنه إذَا مصير سيئ، الله يدعونا هنا عندما يقول لنا ونحن هنا يعني أن هذه هي الفرصة الوحيدة، العمر في هذه الدنيا هو الفرصة الوحيدة للإنسان أن يبحث عما يقي نفسه من جهنم، أن تتفكر في هذه الآية معناه ماذا؟ أن تنطلق بجدية وتفكير واهتمام حول ما يقي نفسك من عذاب الله، أليس هذا ممكن أن يتذكر الإنسان بمثل هذه الآية؟: {قُوا أنفسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} لكانت كافية وكفيلة بأن تجعل كُـلّ إنسان يقظاً، وتجعل كُـلّ إنسان يدرك أن هذه فرصة، أن هذا عمل مهم، أن هذا باب من أبواب الخير فُتح له، أن هذا فضل عُرض عليه، وبالتالي سيكون الناس قريبين جِـدًّا من أن ينطلقوا في أعمال تقي أنفسهم من جهنمَ.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com