السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية الـ 11:

 

الثمرة الصحيحة للتوحيد هي الاستجابة العملية لله والتسليم التام لأمره

الشرك العملي يدخل فيه طاعة أحد في معصية الله والرياء والسمعة

أخطر ما في الشرك أنه يصرفك عن الاهتداء بهدى الله وعن الصلة العملية بطاعته

الشرك بالله أول المحرمات وتنكرٌ لأكبر حق وجحودٌ لأعظم حقيقة، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”

 

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.

وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.

اللَّهُّم اهْدِنَا، وَتَقَبَّــــلَ مِنَّـا، إِنَّــكَ أَنْتَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّــكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيْــمُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ..

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

يقولُ اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في كتابه المبارك في القرآن الكريم:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شيئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: 151-153]. صدق الله العلي العظيم.

الآيات المباركة من سورة الأنعام.

في هذه الآيات المباركة قائمةً من المحرمات، وَأَيْـضاً يضاف إليها، وأتى من ضمنها، بعضٌ من الواجبات المهمة، والإلزامات الإيمانية، وأتت هذه القائمة، وأتى من ضمنها التأكيد عليها بقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}، فتكرّرت لثلاث مرات؛ مما يدل على أهميّة ما ورد في هذه القائمة، وعلى ضرورة الالتزام به، الالتزام بترك ما نهانا الله عنه في هذه الآيات المباركة، والاهتمام بما أمرنا به “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.

في بداية هذه القائمة قوله جل شأنه: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}، ونحن -إن شاء الله- سنتحدث في المحاضرات على ضوء ما ورد في هذه الآيات المباركة، ببعضٍ من الحديث، وإلا فالحديث على ضوء الآيات القرآنية عادةً هو حديثٌ واسعٌ جِـدًّا، وكما كرّرنا: القرآن الكريم هو بحرٌ لا يدرك قعره، ومعينٌ لا ينضب، وهديه واسعٌ جِـدًّا، يأتي التذكير على ضوء الآيات المباركة ببعضٍ من النقاط المهمة، على رأس هذه القائمة قوله “جَـلَّ شَأْنُــهُ”: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}.

الشركُ بالله هو أولُ وأكبرُ المحرمات، وهو ذنبٌ عظيم، وهو أكبر الذنوب، الشرك بالله هو تنكرٌ لأكبر حقٍّ، وجحودٌ لأعظم حقيقة، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ربنا، رب العالمين، رب السماوات والأرض، رب كُـلّ شيءٍ، وخالق كُـلّ شيء، هو وحده الإله الحق الذي لا تحق العبادة إلا له؛ لأَنَّه “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” الخالق لكل شيء، والمالك لكل شيء، والملك ملك السماوات والأرض، وهو رب العالمين، وهو “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ذو الكمال المطلق، ليس أحد في كماله يرقى إلى مستوى أن يكون إلهاً إلا الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، هو ذو الكمال المطلق، فعندما تشرك في عبادتك بالله أحداً، فأنت هنا ترتكب أبشع وأعظم الكبائر والذنوب، وتتنكر لربك، لخالقك، لإلهك الحق، المنعم عليك، الذي بيده حياتك، وموتك، وإليه مصيرك، وبيده مستقبلك، وأنت تجعل أَو تقدم ما ينبغي أن تقدمه له؛ لأَنَّه من يستحقُّ ذلك وحده من العبادة، أَو ما يعبِّر عنها، تقدمه لغيره، أَو تشرك معه غيره في ذلك، فأنت هنا ترتكب باطلاً كَبيراً، وجرماً عظيماً، وتتنكر لحقٍ عظيم، وهذا أَيْـضاً هو ظلمٌ عظيم، ظلمٌ للحق والعدالة، وظلمٌ لنفسك، ولهذا أتى التحذير من الشرك؛ لأَنَّه تنكر للحق العظيم، لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وتوجّـه بما لا ينبغي أن نتوجّـه به إلا لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لربنا، لإلهنا الحق، وعندما تتوجّـه بهذا إلى غيره، فأنت هنا تخطئ هذا الخطأ الجسيم، وترتكب هذا الذنب العظيم.

ومن أخطر ما في الشرك، ومن أسوأ ما يترتب عليه: أنه يصرفك عن الاهتداء بهدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عن هذه الصلة العملية بطاعة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وهذه مسألة خطيرة جِـدًّا؛ لأَنَّك إن لم توحد الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، واتجهت إلى غيره، وأشركت به غيره، فهذا يؤثر على مدى استجابتك لله، مدى طاعتك لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وهذا تأثيره عليك أنت؛ لأَنَّ كُـلّ ما يأمرنا الله به، ما يوجهنا إليه، ما يدعونا إليه، وما نهانا عنه، هو فيما هو مصلحةٌ لنا وخيرٌ لنا.

إضافة إلى أن الشرك هو ضياعٌ كبيرٌ للإنسان؛ لأَنَّ الذي تتجه به إلى غير الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لن تنال منه ما ترجوه، نحن عندما نتجه إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”؛ لأَنَّه الربُّ الحقيقي، الرب المالك، ذو الكمال المطلق، ولذلك عندما نرجوه، عندما نأله إليه، عندما نخاف من عقابه، فهذا الرجاءُ هو رجاءٌ في محله، في اتّجاهه الصحيح، إلى حَيثُ مَن يمتلك كُـلَّ شيء، من بيده الخير كله، من هو على كُـلّ شيءٍ قدير، من إن يردك بخيرٍ فلا رادَّ لفضله، عندما نخاف من عقابه، فنحن نخاف من عقاب من هو على كُـلّ شيءٍ قدير، من إن أرادنا بضرٍ، فلا يستطيع أحد أن يكشفه عنا، ولا أن يرده عنا، ولا أن يدفعه عنا، ولا أن يحوله عنا، من هو القاهر فوق عباده، من هو بكل شيءٍ خبير، وعلى كُـلّ شيءٍ قدير، وبكل شيءٍ محيط، وتنفذ قدرته على كُـلّ شيءٍ، وهو المهيمن على كُـلّ شيء، وهكذا، أما غيره فهم كلهم من خلقه، تحت سيطرته وقهره وهيمنته، وفي إطار ملكه، وتحت سلطانه، ولذلك يعتبر ضياعاً كَبيراً، الشرك بالله، والتوجّـه إلى غير الله، بما هو حقٌ لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.

الشرك بالله له شكلان:

  • الشكل الأول: عقائديٌّ، ويتبعه العمل:

من يعتقدون أن مع الله إلهاً آخر كعقيدة، ويشركون به من منطلق هذه العقيدة، ذلك الذي يظنونه، أَو يتوهمونه، أَو يزعمونه، إلهاً مع الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وهذه الحالة كانت سائدة، ولا زالت منتشرة في واقع البشر، لا تزال كثيرٌ من الأمم من البشر لها هذه العقيدة: تعتقد مع الله إلهاً آخر، وتشرك به في العبادة، ومن منطلق عقيدة باطلة تعتمد عليها، أَو تنطلق على أَسَاسها، ويتبع ذلك -كما قلنا- العمل.

  • الشكل الآخر من أشكال الشرك: هو الشرك العملي:

فقد تكون في عقيدتك موحداً، وتعتقد أنه لا إله إلا الله، وأنه وحده “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” الإله الحق، ولكن على مستوى الواقع العملي، والالتزام العملي، والعبادة، والطاعة، تشرك به غيره، غيره من الآخرين من الأرض، من مخلوقاته، أَو شيئاً آخر، كمثل الهوى، هوى النفس.

الحالة التي تعودُ إلى الشرك العملي يدخل فيها: الطاعة في معصية الله:

عندما تؤثر طاعة أحد، فيما هو معصيةٌ لله، فآثرت طاعته على طاعة الله، يعني: جعلت طاعته بالنسبة لك أقدم، وأهم من طاعة الله، فأنت عصيت الله، في مقابل أن تطيع ذلك الغير، هذه الحالة هي حالة من الشرك العملي.

أيضاً من حالات الشرك العملي: الشرك في التشريع:

عندما يأتي من يشرع لك ما فيه مخالفةٌ لشرع الله، فيحرم عليك ما أحلَّ الله، أَو يحل لك ما حرم الله، ويقدمه لك كحلال، سواءٌ أكان بعنوانٍ ديني، أم بغير عنوانٍ ديني، كالعنوان القانوني، والعنوان الدستوري، أَو أي عنوان آخر، عنوان تنظيمي، أي عنوان آخر، ينتج عنه هذا المحذور: فيحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، فإذا قبلت منه ذلك، واعتبرت ما أحله لك من الحرام الذي حرمه الله، اعتبرته حلالاً؛ لأَنَّه أحله لك، أَو حرمت ما أحل الله؛ لأَنَّه حرمه، فهذه حالةٌ من الشرك، أنت أعطيته ما ليس إلا لله، حق التشريع، والحق في التحليل والتحريم، هو لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”؛ لأَنَّه المالك لنا، والمالك لكل هذا العالم، والمالك للأرض، والمالك لكل ما استخلفنا فيه، المالك الحقيقي وهو “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” العليم بكل شيء، والحكيم، والرحيم، والعدل، هو الذي يقرّر ما هو حلال، وما هو حرام، هذا حقٌّ خاصٌ به، فإذا تعاملت مع غيره على أن له هذا الحق، وقبلت منه ذلك، فهذه حالة من الشرك العملي. وهذه الحالة هي حالة خطيرة: الشرك العملي.

من حالات الشرك العملي: حالة الرياء، حالة الرياء: عندما تعمل عملاً من الأعمال التي هي عبادة، وطاعة، وقربة إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وشرعها الله لتكون طاعةً له، وقربةً إليه، كالصلاة، كالصيام، كالجهاد، كسائر الأعمال الصالحة التي أمر الله بها وشرعها، وهي قربةٌ إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” نتقرب بالطاعة فيها لله “جَـلَّ شَأْنُــهُ”، فإذا أردت من أي عملٍ منها أن تتودد به إلى الآخرين، وأن تحظى بالقرب منهم، أَو بالسمعة لديهم، أَو بالذكر الحسن منهم، والإشادة، والذكر الجميل، أَو أن يكون لك في نظرهم منزلة ومرتبة عالية، فهذه حالة من حالات الشرك.

الشرك العقائدي: هو شركٌ يخرج من الملة، يعني: من أشرك بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” من منطلق عقيدة، يعتقد في غيره أنه إله، فهذا هو شركٌ يخرج من الملة، شرك يعتبر شركاً كاملاً؛ لأَنَّه انحرف بالإنسان بشكلٍ كلي، حينها لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ومسلماً، هذا شرك يخرجه من الملة.

الشرك في الواقع العملي: أَيْـضاً هو جرمٌ عظيم، وذنبٌ كبير، وهو في مقدمة الذنوب.

الشركُ في كُـلّ أحواله: على المستوى العقائدي وما تبعه من عمل، وعلى المستوى العملي، هو أكبر الذنوب وأعظمها، ولهذا يأتي في أول القائمة، في أول قائمة المحرمات، التي حرمها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وما يترتب عليه هو أشياء سيئة جِـدًّا.

في المقابل مبدأُ التوحيد لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: هو أول وأكبر وأعظم المبادئ الإيمانية، والالتزامات الإيمانية، ويترتب عليه في الواقع العملي مستلزماته العملية، وهذا من أكثر ما يغيب عن ذهنية الكثير من أبناء الأُمَّــة (من المسلمين)، يغيب عن بالهم، وعن ذهنيتهم، ويغيب حتى في التثقيف الديني، والتعليم الديني، إلى حَــدّ كبير، ثمرة التوحيد، الحديث عن ثمرة التوحيد، عن نتيجة التوحيد، عن نتيجة هذا المبدأ العظيم، عمَّا ينبغي أن يبنى عليه.

ولأهميّة هذا المبدأ العظيم، فهو من المبادئ الأَسَاسية التي يجب الترسيخ لها، والتركيز عليها بشكلٍ مُستمرّ، أن ترسخ هذا المبدأ بشكلٍ مُستمرّ، طول مسيرة حياتك، كلما ترسخ أكثر؛ كلما كانت نتيجته في الواقع العملي أكبر وأهم.

ولهذا يأتي الخطاب للنبي “صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله”، وهو من هو في كمال إيمانه ويقينه، وهو من هو في توحيده لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وإيمانه بالله “جَـلَّ شَأْنُــهُ”، فيقول له الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد: من الآية19]، {فَاعْلَمْ}، هكذا يخاطب نبيه، ولم يقل: [قد أنا عالمٌ بذلك، وقد عرفت بهذا، ما هي الفائدة أن تقول لي ذلك]، {فَاعْلَمْ}؛ لأَنَّه مهما بلغ إيمانك، مهما بلغ يقينك، مهما كنت في توحيدك لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وفي بصيرتك تجاه هذا المبدأ العظيم، يجب أن ترسِّخ ذلك في قرارة نفسك أكثر فأكثر، وتجاه كُـلّ المستجدات في حياتك، تحتاج إلى هذا المبدأ العظيم، تحتاج إليه في مسيرة حياتك؛ لكي تتحَرّك بشكلٍ صحيح، لكي تستقيم، لكي تواجه به كُـلّ التحديات، التي قد تصرفك عن طاعة الله، وعن العبادة لله، وعن الاستجابة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” فيما هو من الأمور المهمة.

ولذلك نجدُ في القرآن الكريم التأكيد على مسألة الثمرة المهمة لهذا المبدأ العظيم، يقول الله “جَـلَّ شَأْنُــهُ”: {وَمَا أرسلنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: الآية25]، لاحظوا، هذه ثمرة التوحيد: {أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا}، يعني: إلَّا الله “جَـلَّ شَأْنُــهُ”، {فَاعْبُدُونِ}، النتيجة هي أن نعبده وحده، العبادة في كُـلّ معانيها، العبادة في كُـلّ ما يجسِّدها، من طاعةٍ كاملةٍ لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من توجّـه كاملٍ إليه بالرهبة، والرغبة، والرجاء، والمحبة، والطاعة المطلقة.

يقول “جَـلَّ شَأْنُــهُ” مخاطباً لنبيه محمد “صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله”: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[الأنبياء: الآية108]، هذه ثمرة التوحيد أن نسلم لله، وأن نستجيب له الاستجابة الكاملة، وأن نذعن له في كُـلّ أوامره وتوجيهاته، ألَّا يصرفنا عن ذلك هوى نفس، ألَّا يصرفنا عن ذلك مخاوف من الآخرين، ألَّا يصرفنا عن ذلك أطماع ورغبات فيما لدى آخرين، ألَّا يصرفنا عن ذلك توجس، فالإيمان بالله والتوحيد له يجعلك تحب الله فوق كُـلّ شيء، ترغب فيما وعدك به فوق كُـلّ شيء، تخشى من عقابه فوق كُـلّ شيء، فتتحرّر من كُـلّ ما يمكن أن يصرفك، أَو يعيقك، أَو يؤثِّر عليك في مقام الاستجابة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” سلباً.

يقول “جَـلَّ شَأْنُــهُ”: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[النحل: الآية51]، الجدير بأن نرهب من عقابه فوق كُـلّ شيء هو الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”؛ وبالتالي لا ينبغي أن يخيفك الآخرون، مهما كانت إمْكَاناتهم، مهما كان جبروتهم؛ لأَنَّه لا شيء في مقابل جبروت الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فلا يخيفوك، ولا يعيقوك عن الاستجابة لله، في أي أمرٍ من أوامره وتوجيهاته.

يقولُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل: الآية2]، (فَاتَّقُونِ) هي ثمرة من ثمار ترسيخ مبدأ التوحيد، والإيمان بأنه (لا إله إلا الله وحده)، فهو الذي يجب أن تتقيه، فلا يصرفك الآخرون عن الاستجابة له في أي أمر، في أي توجيهٍ يأمرك به “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، عليك أن تطيعه الطاعة الكاملة، وأن تخشى من عقابه، أن تخشى من التفريط فيما أمرك به.

يقولُ اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” مخاطباً نبيَّه “صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله”: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}[فصلت: من الآية6]، هذه هي ثمرة، ثمرة لهذا المبدأ العظيم، ليست المسألة أن تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله) وانتهى الموضوع، لا تفصل هذا المبدأ عن العمل، عن مسيرة حياتك، عن أن تكون مسيرة حياتك بكلها طاعةً لله، وعبادةً لله، والتزاماً بمنهج الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، واستقامة على أَسَاس ما وجهك إليه، وسيراً إليه في طريقه وصراطه المستقيم، وأن تستغفره، وأن تستشعر تقصيرك نحوه، وأن تبادر بالتوبة عند الزلل، وعند التقصير، وعند التفريط، تبادر بالاستغفار إليه.

يقولُ اللهُ “سبحانَه وتعالى”: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}، هو وحده ربكم، المالك لكم، الخالق لكم، الرازق لكم، المربي لكم، المنعم عليكم، الذي حياتكم بيده، رزقكم بيده، موتكم بيده، مصيركم إليه؛ لذلك هو وحده الجدير بأن تحبوه فوق كُـلّ شيء، فوق كُـلّ محبة، أن تخافوا من عقابه فوق كُـلّ شيء، فوق كُـلّ عقابٍ وخوف، أن ترجوه وأن ترغبوا فيما وعد به فوق كُـلّ رغبةٍ ورجاء، وبالتالي أن تطيعوه الطاعة الكاملة، وأن تستجيبوا له الاستجابة الكاملة، وألَّا يصرفكم أحد، أَو يعيقكم أحد، عن هذه الاستجابة الكاملة.

يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” مذكراً لنا بكماله العظيم، وأنه وحده الإله الحق، هو الجدير منا بالعبادة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[البقرة: الآية163]، هو وحده إلهنا الحق، وهو أرحم الراحمين، هو الرحمن الرحيم، من وسعت رحمته كُـلّ شيء، ليس إلهاً يتجبر، ويتكبر، ويظلم، ويبطش، ولا يرحم عباده، هو أرحم الراحمين، وكل توجيهاته لنا، وكل أوامره لنا، وفي كُـلّ ما نهانا عنه، إنما ذلك من منطلق رحمته بنا، ولذلك لا مبرّر لنا أن ننصرف عن توجيهاته، أَو أوامره، بحجّـة الرحمة بأنفسنا، ونتصور أننا أعرف، وأننا أرحم بأنفسنا، وأعرف بما فيه الخير لنا، عندما نتنكر لبعضٍ من توجيهاته وتعليماته بهذا الدافع، بدافع الرحمة والشفقة على أنفسنا، فنحن نخطئ بحق أنفسنا؛ لأَنَّه أرحم الراحمين، وكل توجيهاته من منطلق رحمته بنا، مع علمه ما هو الخير لنا.

يقول “جَـلَّ شَأْنُــهُ”: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، فهو “جَـلَّ شَأْنُــهُ” الإله الحق لا إله إلا هو العزيز الذي لا يقهر، أنت عندما تتولاه، أنت تتولى من لا يقهر، هو الجدير بأن تثق به، بأن تتوكل عليه، هو الجدير بأن تعتمد عليه، وأن تلتجئ إليه، وأن تعتصم به، الحكيم، كُـلّ توجيهاته وأوامره وتشريعاته حكيمةٌ لا عبث فيها، لا حماقة فيها، لا جهالة فيها؛ إنما هي بمقتضى الحكمة؛ فلذلك هو الجدير بأن تثق به، أن تعتمد عليه، أن تتوكل عليه.

يقول “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف: من الآية110]، الحالة التي ينصرف الإنسان فيها عن التوحيد لله في ثمرته العملية: هي اتِّخاذ الأنداد، أنداد من دون الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، عندما تعطي ما هو حقٌ خالصٌ لله، فتتوجّـه به إلى غيره، من الطاعة فيما هو معصيةٌ لله، من المخالفة لتوجيهات الله وأوامره، من خشيةٍ، أَو رهبةٍ، أَو رغبةٍ، أكبر مما هو لله، أَو مساوي لما هو لله، وهذه الحالة أنت تجعل فيها نداً لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وتعبِّد نفسك له، هذه حالة خطيرة جِـدًّا، ولهذا يقول الله “جَـلَّ شَأْنُــهُ في القرآن الكريم، بعد أن ذكر بنعمه السابغة والعظيمة علينا: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة: من الآية22]، يبين حال الكثير من الناس الذين يتورطون في ذلك، فيقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة: من الآية165]، الذين آمنوا أشد حبهم، وأقوى حبهم، وأعلى مرتبات محبتهم، هي لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لا يعني هذا أنك لا تحب الله، أنت تحب أشياء كثيرة غير الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ولكن يجب أن يكون حبك أكبر من كُـلّ حُبٍّ لأي شيءٍ آخر، حبك لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، أن يكون أكثر من محبتك لأي شيءٍ آخر؛ حتى لا يؤثر عليك أي شيءٍ آخر، فيصرفك عن الطاعة لله، وعن العبادة لله، وعن الاستجابة لله.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، إذ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جميعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة: من الآية165]، سيتجلى ومن أكبر ما يتجلى فيه ذلك في الآخرة، في يوم القيامة، عندما تأتي جهنم، عندما تتجلى سيطرة الله وقهره فوق عباده في يوم القيامة، عندما يأتي الكل في مقام العبودية والخضوع التام لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، يتجلى كم أن الله هو القوي، وأن القوة كلها لله، أن القوة لله جميعاً، تجلى لكل الذين اتخذوا أنداداً من دون الله، أن من اتخذوهم أنداداً من دون الله، هم عبادٌ في غاية الضعف والعجز والاستسلام أمام الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وجبروته، وقوته، فمن كانوا ينبهرون بآخرين، سواءً أشخاصاً، أَو قوى معينة، أَو دول، أَو جيوش، أَو كيانات معينة، أنها ذات قوة متكبرة، ذات قوة كبيرة متجبرة، واندفعوا بهذا الدافع: بدافع الخوف منهم، فأطاعوهم في معصية الله، فلم يستجيبوا لله فيما أمر به؛ مِن أجلِهم؛ خوفاً منهم، يتجلى لهم يوم القيامة مدى خسارتهم، ومدى ما وصلوا إليه من الخسران والهوان، والعياذ بالله، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا}[البقرة: من الآية166]؛ لأَنَّهم اتخذوهم أنداداً لله في هذا السياق: في سياق اتباع، يعني: على المستوى العملي، وليس فقط على المستوى العقائدي، هذا هو الشرك العملي، على المستوى العملي: اتبعوهم بدلاً عن منهج الله، بدلاً عن كتاب الله، بدلاً عن توجيهات الله وأوامر الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”.

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ}، رأوا العذاب، وهو مشهد رهيب جِـدًّا، ومخيف، ورأوا عجز أُولئك الذين اتخذوهم أنداداً عن أن يعملوا لهم أي شيءٍ أمام ذلك العذاب، {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأسباب}[البقرة: من الآية166]، لم يبق لهم أي وسيلة، ولا أية طريقة للخلاص من العذاب، أَو لدفع العذاب عن أنفسهم، {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: الآية167].

فنجد أن الثمرة الصحيحة لمبدأ التوحيد: هي الاستجابة العملية لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، العبادة بمفهومها الشامل، الذي فيه التسليم التام لأمر الله وتوجيهاته، وطاعةٌ كاملة، والتوجّـه بالرجاء، والرهبة، والمحبة، والخوف، إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، فوق كُـلّ شيء، وهذا ما نحتاج إلى ترسيخِه في واقعنا، وفي مسيرة حياتنا وبشكلٍ مُستمرّ؛ لأَنَّه من سيفيدك، وسيكون هذا المبدأ العظيم، هو الذي تواجه به كُـلّ من يبرز ليكون آلهةً لك، حتى هوى نفسك، حتى المطامع، حتى الرغبات، حتى الآخرين بكل جبروتهم وطغيانهم، هذا المبدأ العظيم سيحرّرك من أن تعبِّد نفسك لغير الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” بكل أشكال التعبيد للنفس، في مقام الطاعة والعمل، أَو في مقام الاعتقاد، أَو في مقام الخوف والرجاء، فهو مبدأٌ مهمٌّ جِـدًّا.

نكتفي بهذا المقدار..

وَنَسْأَلُ اللهَ سُـبْـحَـانَـهُ وَتَـعَـالَـى أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيّاكم لما يرضيه عنا، وأن يتقبَّلَ مِنَّا ومنكم الصيامَ، والقيامَ، وصالحَ الأعمال، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جرحانا، وأن يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com