السيد عبدالملك الحوثي في محاضرته الرمضانية التاسعة:

 

المرأة المؤمنة التي أطاعت الله واستقامت على منهجه هي من الحور العين في الجنة يهبها الله الجمال والسعادة

الأسرة المؤمنة يلتئم شملها في الجنة ومن دون نقصٍ على أحد

التكريم نعيمٌ أَسَاسي في الجنة إلى جانب نعيم مادي على أرقى مستوى وفوق طموح الإنسان

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ.

وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.

اللَّهُّم اهْدِنَا، وَتَقَبَّــــلَ مِنَّـا، إِنَّــكَ أَنْتَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّــكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيْــمُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ..

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

في سياقِ الحديثِ على ضوءِ الآيات المباركة من سورة الرحمن، كنا نستعرضُ بالأمس ما وصف اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” من نعيم الجنة، وفيما تحدثنا عنه بالأمس من أنَّ الجنة عالمٌ واسعٌ جِـدًّا، كما قال الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” عنها: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرض}[آل عمران: من الآية133]، فَـإنَّ الله أعدَّ لعباده المؤمنين، المتقين، المستجيبين له، المتمسِّكين بهديه، لمن خاف مقام ربه جنتان، ويأتي أَيْـضاً إضافة إلى ذلك قوله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}[الرحمن: من الآية62]، فيكون المجموع أربع جنات خَاصَّة بكل مؤمن، وقد تكون متفاوتة في مستوى سعتها، جمالها، ما أعدَّ الله فيها بحسب المراتب الإيمانية؛ لأَنَّ الله قال عن عباده المؤمنين: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ}[آل عمران: من الآية163]، وقال “جَـلَّ شَأْنُــهُ”: {وَلَلآخرة أكبر دَرَجَاتٍ وَأكبر تَفْضِيلًا}[الإسراء: من الآية21]، يعود الأمر إلى مستوى الإيمان، مستوى الالتزام والتقوى، مستوى الطاعة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” والاستجابة له.

فعندما تأملنا في الآيات المباركة بالأمس في محاضرة الأمس، وجدنا هذا النعيمَ العظيمَ العجيب، ففي الجنةِ بكلها يتوفر كُـلُّ أصناف النعيم، من كُـلّ الثمرات، من كُـلّ الفواكه، الأنهار العجيبة من الماء غير الآسن، من اللبن الذي لم يتغير ولا يتغير طعمه، أنهارٌ من الخمر لذةٍ للشاربين، أنهار من العسل المصفى، نعيم واسع جِـدًّا، ومناظر بهيجة، وأشجار عالية، وظل، وليس هناك ما ينغِّص هذا النعيم، نجد أَيْـضاً فيما سنقرأه من الآيات المباركة في محاضرة اليوم النعيم العجيب جِـدًّا.

يقولُ اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}، يعني: إضافة إلى الجنتين اللواتي قد مرَّ الحديث عنهن: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}[الرحمن: الآية50]، {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ}[الرحمن: من الآية54]، {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}[الرحمن: من الآية56]… إلى آخر ما مرَّ، نجد أنَّ الله أضاف إلى ذلك: الحديث عن جنتين أَيْـضاً، تضاف إلى تلك الجنتين، فيكون المجموع -كما قلنا- أربع جنات، كُـلّ جنة منها يتوفر فيها أصناف الفواكه، والأشجار من الزينة والجمال، والمنظر البهيج جِـدًّا إضافة إلى ذلك: ما مرَّ من النعيم.

{وَمِنْ دُونِهِمَا}، يعني: الأقرب إلى مقرك الرئيسي، الأقرب إلى قصرك، فهناك أربع جنات قد تكون -والله أعلم- متواصلة وممتدة، فالأقرب إلى قصرك، وإلى مقرك الرئيسي {جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، تجاه هذا النعيم العجيب الذي أعدَّه الله لكم.

{مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن: الآية64]، هاتين الجنتين خضرتهما خالصةٌ جِـدًّا، وشديدة الخضرة، كُـلّ جنةٍ منها شديدة الخضرة، إلى درجة أن يكون لونها أدهم، يعني: أخضر غامق، شديد الخضرة جِـدًّا، فمنظره أجمل؛ لشدة خضرته، وخلوص خضرته، وما فيه من الزينة والجمال، حتى يكاد أن يكونَ من شدة خضرته مائلاً إلى شيءٍ من السواد، لكنه خضرة غامقة جِـدًّا، فمنظره بهيجٌ وجميلٌ جِـدًّا، في غاية الروعة والجمال، حينما تطل من قصرك ومن نوافذ قصرك عليه؛ تبتهج بذلك المنظر البهيج الرائع جِـدًّا.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن: 65-66]، في كُـلّ جنةٍ من هاتين الجنتين عين ماء نضَّاخة، وهي بشكل نافورة تضخ الماء نحو الأعلى، وبغزارةٍ كبيرة، ليست ضعيفة بالكاد تكاد تسكب، لا، عين فوارة ونضَّاخة، تضخ الماء إلى الأعلى على شكل نافورة، فتشكل منظراً جميلاً وبهيجاً، وفي نفس الوقت مُستمرّ، لا ينقطع هذا الماء الذي يطلع إلى الأعلى على نحو نافورة، وبشكل جميل جِـدًّا، ويجري من خلاله الماء لهذه الجنتين، لكلٍّ منهما، الآن النوافير في الحدائق وعند القصور مما يعتمده البشر كمنظر جميل وجو منعش.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}[الرحمن: 67-68]، في كُـلٍّ من هاتين الجنتين تتوفر الفواكه، وأشجار الزينة، والفواكه بمختلف أصنافها تشكِّل منظراً جميلاً بتنوعها، بتنوع فواكهها وأشكالها، تشكِّل منظراً جميلاً، إذَا نظرت أحياناً إلى سوق الفواكه وهي منظَّمة، وترى منظرها بهيجاً وجميلاً ورائعاً، فكيف هو منظر الجنة، إضافةً إلى أنها ضمن ترتيب وتنظيم من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، بديع السماوات والأرض، الذي يجعلها وفق ترتيبٍ عجيبٍ جِـدًّا، وتهيئةٍ عجيبة، وتركيبةٍ عجيبةٍ جِـدًّا، فريدة، وذات منظر جميل للغاية، يتوفر فيها النخل والرمان، يتوفر فيها من مختلف أصناف الفواكه، ويتوفر فيها من هذه الأشجار المعروفة، المعروفة لدى الكثير من الناس؛ لأَنَّ الكثير من الفواكه قد لا تُعرف هنا أَو هناك في منطقة أَو أُخرى، ولكن قد تكون هذه من أكثر الأشجار معرفةً، من أكثر الفواكه شهرةً ومعرفةً، إضافة إلى أنها من أروع الفواكه، ومن أحسن الفواكه، ومن إجمال الأشجار في نفس الوقت، النخيل إذَا كان مرتوي ومستقيم، يكون منظره جميلٌ جِـدًّا، الرمان -كذلك- إذَا كان روياً، وبأزهاره، وبثماره، يكون منظره جميلاً جِـدًّا؛ وبالتالي تتوفر هذه الأشجار، ومنها الأشجار ذات الطابع الجمالي، وتكون هي الأقرب إلى مقرك الرئيسي وإلى قصرك.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: الآية69]، فواكه الجنة وأشجارها لا تتأثر بأي عوامل سلبية، لا عوامل مناخية، ولا غير مناخية، ولا من عطش، لا يأتي لها عطش، الماء متوفرٌ بشكلٍ مُستمرٍّ وبدون انقطاع، وبكل غزارة، الجو نفسه جوٌ يبقى معتدلاً على الدوام، ليس هناك بردٌ قارس، ولا حرارةٌ شديدة، وليس هناك آفات ولا أمراض ولا أية عواملَ مؤثرة سلباً تعتري هذه الأشجار، وهذه النباتات، ولا تحتاج إلى أي عناء، لا إلى حراثة، ولا إلى سقي، ولا إلى رعاية، ولا إلى حراسة وانتباه من اللصوص… ولا إلى غير ذلك.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ}[الرحمن: 69-70]، يعني: في هاتين الجنتين، {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}[الرحمن: من الآية70]، حورٌ من الحور العين، متواجدات في هاتين الجنتين، لهن هذه المواصفات الممتازة جداً: {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} خيراتٌ في أخلاقهن، أخلاق كلها من خير الأخلاق، من مكارم الأخلاق، تعاملك بأحسن معاملة، أخلاقها راقيةٌ جِـدًّا، ليس فيها أي خُلُق من الأخلاق المذمومة، أَو من الأخلاق غير المرغوبة، كُـلّ الأخلاق الطيبة، والأخلاق المحترمة، والصفات الحميدة تتوفر فيها، {حِسَانٌ}: في خَلقهن، في جمالهن على مستوى فائق وبارع جِـدًّا من الحسن والجمال، فيجتمع لهن حسن الخَلق، وحسن الخُلق، في أخلاقهن، وفي خلقهن، وجمالهن، وشكلهن، على مستوى رائع جِـدًّا من الجمال، وهنَّ في هاتين الجنتين، يعني: معك في كُـلّ جنةٍ منهما من هذه الحور العين.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ}[الرحمن: 71-72]، والحور هو وصفٌ لعيونهن، ومن أجمل ما في الحور العين في الجنة: هو جمال عيونهن؛ لأَنَّه من أروع الجمال: جمال العيون، جمال بارز، فإضافة إلى جمالهن الكامل، حَيثُ لا يوجد فيهنَّ أي نقصٍ، أَو أي وصفٍ غير مناسب، جمال كامل، ولكن يمتاز هذا الجمال أَيْـضاً بجمال بارز في جمال عيونهن، فسعة عيونهن بالقدر المناسب، الخلوص في البياض في داخل العين، وفي السواد في داخل العين، وكلما يتعلق بجمال العين موجودٌ فيهن، فنظراتها إليك ستكون نظرات جذَّابة بجمال باهر، وجمال خارق.

{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}[الرحمن: الآية72]، هنَّ منتظرات في داخل الخيام، يتوفر في هاتين الجنتين خيام، خيام رائعة جِـدًّا، ليست من الطرابيل، ليست من العشش، ليست من أقمشة مهترئة، لا، من خيام الجنة، من خيام الجنة، في بعض الروايات أنها معدَّةٌ من اللؤلؤ، من اللؤلؤ الرطب، خيام من مواد مصنوعة من داخل الجنة، على درجة عالية جِـدًّا من الروعة والمتانة والجمال، وفيها أَيْـضاً مأخوذٌ بعين الاعتبار جمالها، فعندما تذهب إلى جنة من هذه الجنات، من جناتك الخَاصَّة، وهي متسعةٌ جِـدًّا، تتجول، وتتنزه، وترتاح، ففيها أماكن معدَّة للراحة، وفيها هذه الخيام، وفي هذه الخيام هذه الحور، وهي تنتظر مجيئك، هي لا تخرج من هذه الخيمة وتغيب أكثر الوقت، هي في كُـلّ الأحوال محبةٌ لك، عاشقةٌ لك، شغوفةٌ بك، وهي دائماً في انتظارك بكل محبةٍ، وبكل شوقٍ، وبكل عشق، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}، وأنت تتجول يمكنك أن تذهب إلى خيمتك الرائعة جِـدًّا، وهي بانتظارك في تلك الخيمة.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ}[الرحمن: 73-74]، لم يدخل بالحوريات الإنسيات {إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}[الرحمن: من الآية74]، ولم يدخل بالحوريات الجنيات اللواتي للجن جنٌ قبلهم.

فنجد أنها تتوفر كُـلّ أسباب وعوامل الراحة التي يرتاح بها الإنسان، تتوفر هناك، كُـلّ أصناف النعيم يتوفر هناك، المساكن على أرقى مستوى، المأكولات، المناظر، وهكذا الحور العين.

فيما يتعلق بالنساء المؤمنات، يحصل أحياناً تساؤل: وأين هو مكانهن؟ وأين هو دورهن؟ أين هو نعيمهن؟ ماذا سيكون عليه حالهن؟ بالتأكيد بالتأكيد أنَّ المرأة المؤمنة التي عملت بطاعة الله، واستقامت على منهج الله، هي من الحور العين في الجنة، الله يهبها هذا الجمال، وينشئها في النشأة الآخرة على هذا المستوى من الروعة والجمال، وتكون حوراء، إذَا كان زوجها في الجنة من أهل الجنة تكون معه، وتكون حوراء معه في الجنة، يهبها الله هذا الجمال، وهناك لن تحتاج إلى أي من وسائل التجميل في خلقها، وفي اعدادها، وفي نشأتها الأُخرى يكسبها الله ويصنعها على هذا النحو من الجمال، كبقية الحور العين في الجنة، ولن يضيع عملها، وسعيها، وإيمانها، وتقواها في هذه الحياة.

في الأَسَاس نجد أنَّ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يتمنن في القرآن الكريم على عباده المؤمنين بأنه خلق وعلى البشر عامةً {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنفسكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}[الروم: من الآية21]، يعني:؛ باعتبَارها كائن بشري، فهذا من نعمة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ومن الأُنس، فهنَّ لا يغبنَّ عن هذا النعيم، المرأة المؤمنة إنما هي حوراء في الجنة، وفي نشأتها الأُخرى يمنحها الله كُـلّ هذا الجمال، وكل هذه الروعة، وتعيش في نعيمٍ مع زوجها في الجنة، كحوراء لها هذا الجمال، وهذه الروعة، وتتنعم هي وزوجها في الجنة، والله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” وعد بذلك في آياتٍ قرآنية، منها: في دعاء الملائكة للمؤمنين: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}[غافر: من الآية8]، {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}[غافر: من الآية8]، وآيات كثيرة تتحدث عن ذلك، فلا يعني ذلك أنَّ المرأة المؤمنة ستكون لا قيمة لها، ولا أهميّة لها، ولا مستقبل لها.

أختي المؤمنة: هذا هو مستقبلك في الآخرة، هذا هو مستقبلك في الجنة، بإيمانك، بعفتك وأنت كنت تلتزمين العفة، والتقوى، وتستجيبين لله، وتقومين بدورك في هذه الحياة بشكلٍ صحيحٍ، وفق هدي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” وتعليماته، فمستقبلك في الجنة: هو أن يهبك الله هذا الجمال، وهذا النعيم، وهذه السعادة في عالم الآخرة في الجنة، وهذا ما أكّـد عليه القرآن الكريم في وعد الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى}[النحل: من الآية97]، وعد الله الجميع: الذكر والأنثى بالأجر العظيم، والفضل العظيم.

على مستوى الأسرة الواحدة، إذَا كانت أسرة مؤمنةً، حياتها قائمةً على أَسَاس التقوى، والإيمان، والاستجابة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، والتمسك بهديه، يلتئم شملها في الجنة، ومن دونٍ نقصٍ على أحد، من دون نقصٍ على أحد، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور: من الآية21]، يعني: لا ينقص عليهم شيءٌ من أعمالهم، إنما يلتئم شملهم في نعيمٍ واسع من دون نقصٍ على أحد، كُـلّ سيمنحه الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” من نعيم الجنة النعيم الواسع، ويوفيه أجره بغير نقصٍ عليه.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[الرحمن: 75-76]، هناك قصور في الجنة، وهناك خيام في الجنة، وهناك أَيْـضاً متكآت في حدائق الجنة، في بساتينها، في مزارعها، في هذه الجنات الأربع، وأنت عندما تتجول ستجد الأماكن المعدَّة والمهيَّأة للراحة، والانسجام والنعيم، بين مناظر الجنة، بين أشجار فواكهها، وأشجار زينتها، وأشجار رياحينها، ويمكنك أن ترتاح، وهذه الأماكن المعدَّة للراحة تفوق كَثيراً -وبلا مقارنة- ما نجده في الحدائق من مظلات، أَو أماكن معدَّة للراحة، هناك الأماكن المعدَّة للراحة على أرقى مستوى، حتى الفرش، فرش الحرير من حرير الجنة الناعم والجميل جِـدًّا، ليست فقط في داخل القصور، وفي داخل الخيام، إنما هي أَيْـضاً متوفرة على هذه المتكآت، على هذه الأماكن المعدة للراحة، حَيثُ يمكنك أن تجلس عليها، وتتكئ وتتمتع بتلك المناظر الجميلة جِـدًّا، وبأكسجين الجنة المنعش جِـدًّا، ثم وأنت في ذلك النعيم تتناول ما شئت ومتى شئت من تلك الفواكه من أصنافها وأنواعها العجيبة جِـدًّا، والكثيرة والمتوفرة، وبلا انقطاع، بلا انقطاع.

{مُتَّكِئِينَ}: هذه الأماكن المعدة للجلوس والراحة، والنظر من خلالها، والتفرج من خلالها، {عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ}: هذا الفرش الممتازة جِـدًّا، الجميلة جِـدًّا، الناعمة جِـدًّا، {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}، فكل الفرش، وكل المتاكئ، وكل الأماكن المعدة للجلوس، لا يساويها أفخر ما صنع في الأرض من الكنب، أَو من أنواع المتكآت والأماكن، أبداً، على أرقى مستوى، وتجمع بين الحسن والجمال والروعة في التصميم والشكل، وفي أنها من حرير الجنة الناعم جِـدًّا، الذي لا يتوفر مع أي ملك في الدنيا، ولا مع أكبر تاجرٍ في الدنيا.

{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن: الآية77]، وهذا النعيم العظيم ليس هناك ما ينغصه، هو نعيمٌ خالص، ليس هناك ما ينغصه، لا من أمراض، ولا من هموم، ولا من غموم، ولا من مشاكل، ولا من محن، ولا من هرم، ولا من إشكاليات في التعامل، سواءً مع الحور العين، ليس هناك أي مشكلة، تدخل في مشكلة معها، تصبح غاضبةً عليك، أَو مستاءةً منك، أَو معاتبةً لك على الدوام، أَو أياً من ذلك، ولا مع بقية سكان أهل الجنة، الذين هم الطيبون، الذين طابوا، صلحوا، زكت أنفسهم، استقامت أعمالهم، ومنحهم الله المزيد من هدايته، {وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[الحج: الآية24]، فأنت هناك لا تسمع في ذلك العالم بكله كما قال الله: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}[الغاشية: الآية11]، ولا كلمة واحدة غير مناسبة يمكن أن تجرح مشاعرك، أَو تنغص حياتك.

وليس هناك انقطاع، لو كان هناك انقطاع مع عظم هذا النعيم، لكانت مشكلة، لكانت المحنة شديدة، ولكان الهَمُّ كَبيراً، عندما ترى نفسك في نعيم عظيم، ولكنك ترى أنه سينتهي، سينقطع.

في هذه الدنيا مهما امتلكت من الإمْكَانيات، ومن وسائل الراحة، فهناك ما ينغصه أولاً، وَأَيْـضاً سينقطع، سينتهي، إما يسلب منك، إذَا لم تشكر النعمة، أَو تأتي في ظروف هذه الحياة المنغصات والمتغيرات، وإما بموتك المحتوم، برحيلك من هذه الدنيا، بفنائك الذي لك موعدٌ معه لن يتخلف، فأكبر أهل الدنيا ثراءً وإمْكَانيات كم يعيش من الهموم في ثروته حتى، وأكثرهم ملكاً وسلطاناً كم يستقبل من المشاكل، والقلق، والمحن، والأرق، وطول حياته يأتي فيها الهرم، يأتي فيها الضعف بغير اختيار، بشكلٍ إجباري، تتنغص عليه حياته بالكثير من المنغصات.

أما في عالم الجنة، فمع أنه خلودٌ لا نهاية له، لكنه لا هرَمَ فيه، ولا شيخوخةَ فيه، ولا يؤثرُ بك عاملُ الزمن، فيضعفك وتبلى، ولا يبلى النعيم، وهو نعيمٌ يتجدد من عطاء الله المتجدد، موديلات جديدة، أصناف جديدة، نعم جديدة، يَمُنُّ الله بها، وعالم متسع جِـدًّا جداً، ليس فيه ملل تتجول في أنحاء الجنة الواسعة بدون قيود، لا تحتاج إلى إصدار جوازات، وبطاقة شخصية، وإجراءات معقدة، وتكاليف باهظة، يمكنك أن تتجول، كما قال الله عنهم وهم يقولون أهل الجنة في الجنة: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}[الزمر: من الآية74]، في عالمها الواسع جِـدًّا.

والتكريم نعيمٌ أَسَاسيٌّ في الجنة، إلى جانب النعيم المادي، الذي هو على أرقى مستوى، فوق طموح الإنسان، إذَا كنت تطمح في النعيم، تطمح في الراحة، تطمح في متطلبات حياتك من مأكولات، ومشروبات، ومساكن، وزوجة، إلى غير ذلك، فما هو في الجنة هو أرقى وأسمى وأعظم وأكبر من طموحك حتى، يعني هو بمثل طموحك، ولكنه أكثر بكثير، أعظم بكثير، ومعه التكريم، التكريم، يكون لك قدرك، احترامك، من تكريم الله العجيب في الجنة: زيارة الملائكة، إبلاغ أهل الجنة بالسلام من الله، السلام يقرئكم السلام، إبلاغهم برضى الله عنهم، وأن ما هم فيه من النعيم هو من رضوان الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وأشياء كثيرة تدخل في أُسلُـوب التكريم، التكريم لأهل الجنة في الجنة، وهو نعيم كبير وعظيم، هو يجعل لكل شيءٍ قيمة، لكل شيءٍ من نعيمها يجعل له قيمة، تكريم عظيم.

وهكذا نجد أن هذا النعيم العظيم هو فوق حتى ما يطمح إليه إنسان، نعيمٌ عظيمٌ جِـدًّا، لا يمكن أن تقول الله عرض لنا عرضاً محدوداً وضعيفاً، وهناك عروض أُخرى مغرية، بأكثر مما عرضه الله لنا، لا يمكن أن تقول ذلك، لا يمكن لأحد في الدنيا أن يقدم إليك في مقابل موقفٍ تقفه، أَو عملٍ تعمله، أَو ولاءٍ، أَو توجّـه يكسبه منك، أي شيء مقارنةً بهذا، هنا أعظم عرضٍ قدمه الله لك، وبالتالي ففيما يتعلق بالوعد، ما وعد الله به في الجنة، وما وعد الله به في الدنيا، والوعيد، وعيد الله بالعذاب والشقاء في الدنيا والآخرة، فليس هناك شيءٌ مما لدى الآخرين، في وسائل جبروتهم، وتهديدهم، وإخافتهم لك، ما يساوي القليل القليل من عذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وليس هناك في مقابل ما يقدمونه لك فيما يقدمونه لك من إغراءات، بكل أنواع الإغراءات، بكل أشكالها المادية، ما يساوي شيئاً مما يعرضه الله لك “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ويقدمه لك، ولذلك لا مبرّر للإنسان أن ينحرف عن نهج الله، أن يتمكّن الآخرون من إخضاعه لباطلهم، أَو تحريكه في باطلهم، لا بدافع التخويف، ولا بدافع الإغراء، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” قدم إلينا بالوعيد، وما قدمه من الوعيد مخيف جِـدًّا، العاقبة السيئة جِـدًّا للإنسان عندما ينحرف عن نهج الله، عندما يقف في موقف الباطل، عندما يتجه في صف الباطل، عندما يوالي أهل الباطل، عندما يعصي الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” بأيٍّ من المعاصي، فهو يورط نفسه، يورط نفسه، يورط نفسه إلى هذا الهلاك الرهيب جِـدًّا، في الدنيا الشقاء، والعقوبات الإلهية المتنوعة؛ أما في الآخرة، وهو الأمر الرهيب جِـدًّا، فنار جهنم، وحميمها، عذابها الدائم الذي ليس فيه لحظة من الراحة أبداً، دائمٌ بلا انقطاع وأنت تحترق في سعير جهنم، في لهبها المتسعر دائماً، تشرب من حميمها، من صديدها النتن جِـدًّا، والقذر جِـدًّا، والحار جِـدًّا، هو شرابك، من ثيابها التي هي ثيابٌ نارية، تستمر دائماً في الاحتراق منها بكل أصناف العذاب فيها، مع الإهانة، والذل، والحسرة الشديدة، والندامة الشديدة، والعذاب النفسي الدائم.

ما نسمعه من هدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وما نقرأه من هدى الله، عن وصف العذاب في جهنم، أمرٌ رهيبٌ جِـدًّا، فكيف عند المعاينة، كيف عند المشاهدة؟ والإنسان سيشاهد ويرى، عندما يرى منظرها الرهيب جِـدًّا، ويسمع أصواتها المرعبة جِـدًّا، كيف سيكون حاله، كيف سيكون وضعه، الشاعر قال:

 

سماعك بالنار يا ذا الحِجا شديدٌ شديدٌ شديدٌ شديدٌ فكيف إذَا أنت عاينتها، فكيف الوقوع، فكيف الخلود؟

أخذك بالنواصي والأقدام، تنقلك إلى نار جهنم، وتلقي بكل إلقاءً إلى جهنم والعياذ بالله، كيف هو حالك؟ كيف هي مشاعرك؟ كيف حالة الرهبة والخوف التي تتملك قلبك ومشاعرك؟! لو بقي إمْكَانية لخروج قلبك من جسدك لخرج من شدة الرعب، من شدة الخوف، {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ}[غافر: الآية18]، تطلع القلوب حتى تصل إلى الحنجرة؛ من شدة الرعب والخوف، مع حسرة شديدة، مع ندامة شديدة؛ لأَنَّ الله هيّأ لنا أسبابَ النجاة، أسباب الفلاح، أسباب الفوز، أن نقي أنفسنا من ذلك العذاب، وأن نصل إلى ذلك النعيم العظيم في الجنة، فنقي أنفسنا من عذاب النار، ونصل إلى نعيم الجنة، هذا شيءٌ عرضه الله لنا بتفاصيله، حتى بهذه التفاصيل: عن الفواكه، عن المساكن، عن… مختلف أنواع النعيم في الجنة، يعرضه لنا هنا؛ لنكون حريصين عليه، وليبين لنا أننا لن نخسر معه “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، لن نخسرَ معه.

مفتاح هذه النعم في الدنيا والآخرة هو القرآن، وابتدأت السورة بقوله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ القرآن}[الرحمن: 1-2]، إذَا اتبعنا القرآن، إذَا تمسكنا بالقرآن، إذَا اهتدينا بالقرآن، إذَا استجبنا الاستجابة الكاملة؛ لأَنَّ المشكلة هي هنا: في الاستجابة الجزئية، يختار كثيرٌ من المسلمين أن تكون استجابتهم جزئية، وفق مزاجهم الشخصي، وفق أهوائهم، الأشياء التي قد يرونها بسيطةً وسهلة، ويتصورون أن ليس فيها شيءٌ من المخاطر، يستجيبون لله فيها، فلا بأس بالصلاة، طالما ليس هناك أي مشاكل على الصلاة، الصيام، لا بأس، ولو حصل شيءٌ من الجوع والظمأ، طالما ليس فيه مشاكل ولا مخاطر، والبعض من العبادات والطقوس الروتينية التي يعتاد عليها الإنسان، ولكن وفق مزاجه، وفق هوى نفسه، ثم يترك مسؤوليات مهمة، أعمال أَسَاسية في أن يقبل الله منك عملك، في أن تتحقّق لك التقوى، ومنها:

  • الاعتصامُ بحبل الله جميعاً؛ لتجتمع كلمة المؤمنين والمؤمنات للاعتصام بحبل الله.
  • والتمسك بكتابه.
  • والعملُ على إقامة القسط في هذه الحياة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النسا: من الآية135].
  • والجهاد في سبيل الله وفق مفهومه القرآني، الذي يحرّر الأُمَّــة من التبعية لأعدائها، ومن سيطرة أعدائها، ويكفل لها أن تكون أُمَّـة مستقلةً، تبني مسيرة حياتها على أَسَاس من هدي الله وتعليماته المباركة.

لأن مشكلتَنا مع أعداء أمتنا، مع أعداء الإسلام والمسلمين، هي هذه المشكلة: هم يريدون التحكم بنا، والسيطرة علينا، والتدخل في كُـلّ شؤوننا، والإملاء علينا بسياساتهم، بتعليماتهم، بتوجيهاتهم.

والبعض من المسلمين يتجاوب معهم، إما رهبةً وخوفاً، ينسى عذاب الله، ويخاف من أشياء بسيطة تافهة من جانبهم، وإما جهلاً وغروراً، يتصور أنهم هم أهل الحضارة، وهم أهل الأفكار الصحيحة، وهم التقدميون، وهم من يمتلكون رؤيةً صحيحةً لهذه الحياة، فينبهر بهم بأكثر مما ينبهر من القرآن؛ لأَنَّه يجهل بالقرآن، يجهل بهدى الله، لا يعرف كم عظمة هذا الهدى فيما فيه من توجيهات، وتعليمات، وبصائر، وحقائق، نبني عليها مسيرة حياتنا، وتستقيم بها حياتنا، هو يتصور أن ما لدى أُولئك هو الذي تستقيم به حياتنا، ينسى أن هم أعداء، وينسى أنهم يسعون بكل جهد إلى السيطرة علينا، والاستعمار لنا، والاستعباد لنا، والامتهان لنا، والنهب لثرواتنا، والاستغلال لنا في ما يخدمهم هم، وفق مصالحهم هم، البعض لا يفهم، لا يعي، عنده نقص حاد في وعيه، وفي فهمه، لا يستفيد من الأحداث، لا يستفيد من الوقائع، لا يستفيد من الحقائق، هو ينبهر بدعاياتهم فقط، دعاياتهم، كفته دعاياتهم، ولم يعتبر بالواقع، لم يعتبر بالحقائق الماثلة بين أعين الجميع، الماثلة أمام أعين الجميع، الواضحة في الواقع.

هو لا ينظر إلى ممارساتهم الإجرامية، وإلى تاريخهم وسجلهم الإجرامي الأسود، وهم الذين ارتكبوا أبشع الجرائم، عندما تأتي إلى السجل الإجرامي لأمريكا (في العالم الإسلامي، وفي غير العالم الإسلامي) سجل إجرامي بشع جِـدًّا، كم قتلوا من الأبرياء، بكل أنواع الأسلحة، من القنابل الذرية والنووية، إلى مختلف أنواع السلاح، وما يفعلونه اليوم كيف هي ممارساتهم الإجرامية في عالمنا الإسلامي.

ولا ينظر إلى ما تفعله إسرائيل، إلى ممارساتها الإجرامية، إلى أن العدوّ الإسرائيلي هو كيانٌ نشأ أصلاً على الاغتصاب، على الظلم، وعلى القتل، وعلى الجريمة، ولا يمتلك أي حق في تواجده في أرض فلسطين.

هو لا ينظر إلى ما فعلته أُورُوبا، سواءً بريطانيا في سجلها الاستعماري، الإجرامي، الرهيب، الشنيع جِـدًّا، جرائم رهيبة جِـدًّا، في كُـلّ مستعمراتها التي استعمرتها، وفي كُـلّ سياساتها المُستمرّة عليها، ما فعلته فرنسا، سواءً في الجزائر، أَو في غير الجزائر.

تقدم تلك الدول التي لها سجل إجرامي بشع جِـدًّا، ولم تعتذر عنه حتى، هي مصرةٌ عليه، تقدم نفسها بدعايات ينبهر بها السذج، والأغبياء، والمغفلون، من أبناء أمتنا، فتكون نظرتهم إلى أن ما يمكن أن نحصل عليه من أُولئك، من أفكار، من نظريات، من رؤى، هي الصواب، وفيها مصلحتنا في هذه الحياة، ثم يبني على ذلك التبعية لهم، التأثر بهم، وليس فقط استيراد الفكرة، مع استيراد الفكرة التبعية على المستوى العملي، ارتباط عملي؛ لتنفيذ أجندتهم، للعمل وفق إملاءاتهم وتوجيهاتهم، وبديلاً عن ماذا؟ بديلاً عن القرآن، الذي هو كتابٌ للحياة، منهجٌ للحياة، نظامٌ للحياة، وصلاح حياتنا، واستقامة حياتنا، حتى تتحول نعم الله التي أنعم بها علينا إلى نعيم في الدنيا، ونصل إلى نعيم الله العظيم في الآخرة، هو القرآن، هو القرآن، {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جميعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه: 123-124].

ثم البعض الذين لهم موقف من جانب المسؤوليات: الجهاد في سبيل الله وفق مفهومه القرآني الصحيح، إقامة القسط، التعاون على البر والتقوى، اجتماع الكلمة على الحق، الولاية الإيمانية، الولاء بين المؤمنين أن يكون بعضهم أولياء بعض، متعاونون، كالجسد الواحد، كالبنيان المرصوص، هذه العناوين الكبرى التي شطبت عند الكثير من أبناء أمتنا، وأخرجت من حيز اهتمامهم الديني، ومن التزامهم الإيماني، وكأنها ليست من الإيمان في شيء، ولا من القرآن في شيء، ولا من الدين في شيء، ما الذي يصرفهم عنها؟ هل ينظرون إليها على أنها أشياء صعبة، أَو أشياء خطيرة؟

الخطر هو في الإخلال بها، الأُمَّــة إذَا تركت الجهاد في سبيل الله، في مفهومه التحرّري الصحيح، وفق المنهجية التي رسمها القرآن، وليس وفق الأُسلُـوب الداعشي، والأُسلُـوب الآخر الذي في إطار التبعية لأعداء الله، لأعداء الأُمَّــة، لأعداء الإنسانية، إذَا تركت ذلك ذلت، هانت، تحكم بها أعداؤها.

عندما فرطت الأُمَّــة في مبدأ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: من الآية60]، تحولت إلى أضعف أُمَّـة؛ بينما الآخرون يبذلون كُـلّ جهد في أن يعدو ما استطاعوا من قوة، ويسطرون إلينا أفكاراً ساذجة، أفكاراً غبية، يستغبون أمتنا بها، يعلمون أمتنا أن الضعف حضارة، أن عدم الاهتمام ببناء أنفسنا لنكون أُمَّـة قوية هو حضارة، هو رقي، هي مفاهيم راقية؛ بينما هم يحرصون على أن يكونوا في أقوى ما يستطيعون، أن يمتلكوا مختلف أنواع الأسلحة، من الترسانات النووية إلى أبسط سلاح.

فعلينا أن نعي جيِّدًا أن استجابتنا لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” هي في صالحنا، هي لاستقامة حياتنا في الدنيا، وأن ننعم بما أنعم الله به علينا في هذه الدنيا، وتصل بنا، تصل بنا إلى النعيم في الآخرة، وأن القرآن الكريم هو نور الله، يرشدنا لليسرى، هي الطريق الأيسر، الطريق التي تصل بك إلى الجنة هي الأيسر، لا تنظر إليها وكأنها الشاقة، المشقة والعناء والخزي والهوان: هو في الانحراف عن هدى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”؛ أما في إطار الاستجابة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، والاتباع لكتابه، والاهتداء بهديه، فهنا العزة، هنا الكرامة، هنا القوة، هنا السعادة، هنا الطريق التي تحظى فيها برعايةٍ من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، معونةٍ من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، توفيقٍ من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، البديل عن ذلك هو الذي يشقي الأُمَّــة.

مشكلة أمتنا اليوم في الاستجابة الجزئية، أن تتفصل عملية الاستجابة لله وفق المزاج الشخصي، وفق الهوى النفسي، وأن تترك الأشياء الأَسَاسية من توجيهات الله ومن تعليماته.

من المهم في هذا الشهر المبارك (في شهر رمضان) التركيز على التأمل في الوعد والوعيد، الذي يجعل عند الإنسان قناعةً بأن يتجه وفق هذا الاتّجاه الصحيح الذي يحقّق لنفسه هذا الخير العظيم، ويقي به نفسه عذاب الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، هذا النعيم متاح أمام كُـلّ منا، كُـلّ ذكرٍ وكل أُنثى يمكنه أن يصل إلى هذا النعيم العظيم، إلى هذه الجنات، إلى عالم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، ومن أقصر الطرق وأسرعها وُصُـولاً، عن طريق الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ما الذي يمنعك عن الاستجابة، عدم الاستجابة هي الخسارة، الخسارة الرهيبة الفادحة، عندما يفوتك هذا النعيم، ليست المسألة فقط فوات هذا النعيم فحسب، ويقولون لك: [عد إلى منزلك، أنت لم تربح هذا النعيم، لا بديل عن هذا النعيم إلا النار، إلا ذلك العذاب، إما أن تعمل لتكون ممن يطوف في هذه الجنات، وينعم بها، وإما البديل أن تكون ممن يطوفون بين حميم جهنم وبين نيرانها المستعرة للأبد، بدون لحظة واحدة، ولا ثانية واحدة، من الراحة، فاختر لنفسك، وفكر بجدية، بجدية؛ لأَنَّ هذه أمور جادة، أمور جادة، ليست خيالاً، وليست أوهاماً، هي حقائق، يفصل بينك وبينها فاصلٌ قصيرٌ هو الفناء، تنتقل من خلاله وفيما بعده -وهو يمضي في فترة وجيزة- إلى هذا العالم.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا وإيَّاكم لما يُرضيه عنا، وَأَنْ يتقبَّلَ مِنَّا ومنكم الصيامَ، والقيامَ، وصالحَ الأعمال، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وأن يشفيَ جرحانا، وأن يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com