ما الأسبابُ العسكريَّة للانتصار الأغرب عبر التاريخ؟

 

شارل أبي نادر*

تجاهَل التحالُفُ السعوديّ الاطلاع على تاريخ الشعب اليمني في القتال، وخُصُوصاً “أنصار الله”، فكانت هذه النقطة الأكثر تأثيراً في خسارة تحالف العدوان للمواجهة.

من يسيطر على اليمن يمتلك أهم نقاط التأثير الاستراتيجية في منطقة المعابر المائية الأكثر حساسية في العالم.

يتميَّز اليمن بموقع استراتيجي يربط الشرق بالغرب، وذلك عبر مضيق باب المندب الذي يعدّ من الممرات المائية الأكثر أهميّة على صعيد التجارة الدولية البحرية في العالم، ما جعله محطَّ أطماع دول الجوار والإقليم وتدخلاتها ونقطة صراع القوى الدولية والاستعمارية؛ بهَدفِ حماية مصالحها الحيوية والاستراتيجية، فمن يسيطر على اليمن، يمتلك أهم نقاط التأثير الاستراتيجية في منطقة المعابر المائية الأكثر حساسية في العالم.

على خلفيّة هذه الأهميّة الجيوستراتيجية لليمن، بدأت الحرب للسيطرة عليه في 25 آذار/ مارس 2015 عبر عملية “عاصفة الحزم”، كما أسمتها السعوديّة. وبعد أن ادَّعت المملكة أن هدف العملية “استعادة شرعية” عبد ربه منصور هادي، قادت تحالفاً من عدة دول نفّذت عدواناً عسكريًّا على اليمن، وبنسبٍ متفاوتة، بعد أن حازت تغطية دولية مشبوهة لا تختلف عن التغطيات “الدولية” التي تستغلها الولايات المتحدة الأمريكية زوراً لتشريع أغلب اعتداءاتها عبر العالم.

في بداية العدوان، انطلقت العملياتُ العسكريةُ للتحالف باستهداف المناطق التي يسيطر عليها “أنصار الله” مع وحداتٍ علي عبد الله صالح بين صنعاء وصعدة والجوف وحجّـة، وفي البقعة الشمالية الغربية من اليمن. وبعد مرور فترة قصيرة من المواجهات، بدأ تعسّر التحالف في الميدان بالظهور، والذي كانت أغلب عملياته العسكرية في البداية عبارة عن قصف جوي نفَّذته القاذفات والطوافات السعوديّة والإماراتية بشكل رئيسي، بدعم لوجستي وفني واستعلامي غربي، أمريكي وبريطاني بشكل أَسَاسي، فتمّ استهداف أغلب مواقع الجيش اليمني المتعلقة بأنظمة الدفاع الجوي ومخازن الأسلحة والثكنات العسكرية الأَسَاسية؛ بهَدفِ شل القدرة النوعية الدفاعية للجيش واللجان الشعبيّة.

وقد ترافقت هذه العملياتُ مع ضغوط إعلامية وسياسية واسعة تحمل الكثير من التهويل والتحذيرات والتهديدات، والتي تركَّزت على ضرورة استسلام الجيش واللجان و”أنصار الله”؛ لكون الآتي من العمليات المدعومة غربياً وإقليمياً سوف يتعاظم، ولن تقوى الوحدات المستهدفة على مواجهته، وبالتالي عليها الاستسلام.

مع تقدّم المواجهة يوماً بعد، يوم كان لافتاً الصّمود وأُسلُـوب القتال وطريقة الدفاع والثبات اليمني. ومع الوقت، بدأت معالم المواجهة تتغيَّر، لتنقل اليمنيين في المرحلة الأولى من الدفاع نحو تثبيت الجبهات وتحصينها وفرض تماسكها، ولتنقلهم لاحقاً في المرحلة الثانية نحو الانتقال إلى الهجوم والضغط على أغلب مواقع التحالف السعوديّ داخل الجبهات اليمنية وعلى الحدود الشمالية مع المملكة، مع تميّز المرحلة الأخيرة بأنَّها ترافقت مع تصنيع وحدات الجيش واللجان و”أنصار الله” أسلحة وقدرات نوعية استراتيجية وتطويرها، من صواريخ باليستية وطيران مسيّر ومنظومات دفاع جوي، ساهمت، وبشكل لافت وصادم للتحالف وداعميه الإقليميين والغربيين، في دعم مناورة الدفاع والثبات والهجوم من جهة. ومن جهة أُخرى، فرض معادلة ردع وتوازن رعب جمّدت كُـلّ مشاريع تحالف العدوان الميدانية والعسكرية.

اليوم، وبعد حوالى 6 سنوات على بداية العدوان، وحيث لم يعد أي متابع للحرب على اليمن يملك أية فكرة معينة عن سبب استمرارها، بعد أن توقفت بالكامل كُـلّ إمْكَانية لتحقيق العدوان أي تقدّم أَو تغيير ميدانيّ أَو عسكريّ داخل اليمن، وبعد أن شكَّلت هذه الحرب، في نظر جميع المختصين في الشأن العسكري – الميداني، انتصاراً كاملاً للجيش واللجان الشعبيّة ووحدات “أنصار الله” بكل ما للكلمة من معنى، ما الأسباب العسكرية لهذا الانتصار الذي يمكن توصيفه بالأغرب عبر التاريخ؟

 

إرادَةُ الصمود والقتال لدى اليمنيين

كما يبدو، تجاهَل التحالُفُ العربي بقيادة السعوديّة الاطلاعَ على تاريخ الشعب اليمني، وخُصُوصاً “أنصار الله”، في القتال دفاعاً عن سيادته وأرضه وكرامته، فكانت هذه النقطة الأكثر تأثيراً في خسارة تحالف العدوان للمواجهة. وقد ظهرت إرادَة القتال لدى اليمنيين في جميع معارك المواجهة المباشرة، في جبال صعدة ومداخلها من السعوديّة، وفي صحراء نجران الصعبة جغرافياً، وفي المناطق الجبلية الوعرة الفاصلة بين جيزان وشمال غرب اليمن. وكانت تلك المناطق عصية أمام وحدات التحالف المدعومة بأحدث القاذفات والطوافات والمدرعات التي فشلت جميعها في إحداث أي خرق ذي معنى عسكري تكتي.

أيضاً في مواجهات الداخل اليمني، من المناطق الشرقية الوسطى على حدود صنعاء ومأرب إلى الساحل الغربي، أظهرت وحدات الجيش واللجان الشعبيّة مستوى غير مسبوق من القتال المنظم والمنسق والثابت، شكّل سداً منيعاً أمام أي تقدم للتحالف الذي وجد نفسه مستنزَفاً في عناصره وجنوده وضباطه وآلياته المتطورة، التي بدت عاجزة أمام إرادَة القتال والصمود لدى اليمنيين.

 

 تطوّر قدرات اليمنيين في القتال وتطوير الأسلحة النوعيّة وتصنيعها

إضافةً إلى القدرات التكتيكة والعملياتية في المواجهة، دفاعاً وهجوماً، كان لتطوير الوحدات اليمنية، من جيش ولجان شعبيّة أسلحةً وقدراتٍ استراتيجيةً، الدورُ الأبرزُ في فرض توازن مقبول في مواجهة قدرات العدوان بشكل عام، وقدراته الجوية بشكل خاص، فكانت الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة ومنظومات الدفاع الجوي التي أدخلها اليمنيون في المعركة النقطة الرابحة في دعم عملياتهم العسكرية المباشرة في الدفاع والهجوم، ونقطة التحول الأبرز في المعركة الاستراتيجية، بعد أن طالت صواريخهم وطائراتهم المسيّرة عمق دول العدوان وعواصمه في أبو ظبي أَو السعوديّة على وجه الخصوص.

وفي حين نقل “أنصار الله” والجيش اليمني معركتَهم إلى عمق الداخل السعوديّ، فرضوا معادلةَ ردع ثبَّتَت انتصاراتهم العسكرية والميدانية في الداخل اليمني وحصَّنتها.

 

ضعفُ القدرة القتاليّة لدى تحالف العدوان

على الرّغم من القدرات التي يملكها التحالف أَو تلك التي وضعها بتصرف مرتزِقته، لم تظهر خلال كُـلّ مراحل الحرب أي قناعة لدى جنوده وضباطه بجدواها، وخُصُوصاً أن القيادة السعوديّة لم تستطع، في أية مرة كانت، وخلال عشرات المؤتمرات الصحافية أَو النشرات الإعلامية عن الحرب، أن تطرح تبريراً مُقنِعاً يستدعي انخراط وحداتها في مستنقع سبّب لها الكثير من الخسائر، كما أنّه لا يوجد أيُّ دافع مهمٍّ للقتال بالنسبة إلى المرتزِقة الذين زُجَّ بهم في أشرس المعارك بمواجهة “أنصار الله” واللجان الشعبيّة الّذين يقاتلون عن عقيدة وقضية مقدسة، وهي الدفاع عن أرضهم وكرامتهم، بخلاف هؤلاء المرتزِقة.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني- بتصرُّف يسير

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com