خطاب السيد عبدالملك الحوثي في ذكرى الهجرة 1442هـ2020م

 

السيد عبدالملك الحوثي في خطابه بذكرى الهجرة النبوية:

 

أكّـد قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أن العلاقاتِ ما بين النظام الإماراتي وإسرائيل ليست بالجديدة، وأن الهدفَ من إعلانها الآن هو أن تتحولَ إلى حالة رسمية.

وقال قائد الثورة في خطابٍ له الخميس الماضي بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية 1 محرم 1442هـ: إن النظامَين السعودي والإماراتي دمويان ويتجهان لنشرِ الفتنة بين أبناء الأُمَّــة وأن التطبيع مع الكيان الصهيوني محرَّمٌ شرعاً وارتدادٌ عن القيم الإنسانية والإسلامية، والنتيجة الحتمية لهذا الانحراف هو الخُسران والندم.

وتطرق الحوثي إلى جُملةٍ من القضايا على المستوى المحلي والإقليمية، إضافةً إلى إفراد جزء كبير من خطابه لذكرى الهجرة وما رافقها من دورس وعبر.

وفيما يلي نص الخطاب:

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.

وارضَ اللَّهُم برِضَاكَ عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المُنْتَجَبين، وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصَّالحِين.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ..

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.

بمناسبةِ دخولِ العامِ الهجريِّ الجديدِ، نتوجَّـهُ إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز وإلى أمتنا الإسلامية كافةً بالمباركة والتهاني، وبهذه المناسبة نتحدَّثُ عن ذكرى الهجرة النبوية؛ باعتبَار التاريخ الإسلامي ارتبط أَسَاساً بالهجرة النبوية، لتكونَ هي الأَسَاسَ التاريخي الذي يعتمدُ عليه المسلمون في تاريخهم، وهذا لما تمثِّلُه الهجرةُ النبويةُ من أهميّة كبيرةٍ جِـدًّا في تاريخ المسلمين، فيما نتج عنها وترتب عليها من آثار ونتائج مُـهِـمَّة وكبيرة وإيجابية وَأَيْـضاً؛ باعتبَارها محطةً تاريخيةً في حياة الأُمَّــة مرتبطةً برسولها محمد “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” وبمسيرته وحركته بالرسالة الإلهية، في كُـلّ ما يتضمنه ذلك من دروس وعِبَرٍ تستفيدُ منها الأُمَّــةُ في كُـلِّ عصرٍ، وفي مواجهة التحديات بكل أشكالها، ولتصحيح وضعها، ولبناء مسيرتها على أَسَاس صحيح، وهذا ما تحتاج إليه أمتنا الإسلامية في هذه المرحلة الحسَّاسة من تاريخها.

عندما نَتَحَدَّثُ عن الهجرة النبوية، نَتَحَدَّثُ أولاً عن السبب في هجرة النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” من مكة إلى المدينة، وفي ذلك دروس مُـهِـمَّة جِـدًّا، رسول الله “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” عندما بعثه الله برسالته إلى الناس كافة، وبداية انطلاقته في مسيرته الرسالية من مكة، ويتوجّـه جهده في المرحلة الأولى في ذلك النطاق الجغرافي؛ ليجعل من هذا المنطلق منطلقاً يتحَرّك فيه على نحوٍ أوسع فيما بعد، وفق التدبير الإلهي في حركة الرسالة بطريقة مرحلية ومتدرجة ومنظمة، ولذلك بدأ حركته في مكة، وعلى أَسَاس أن يتوجّـه بهذه الدعوة إلى أبناء هذا المجتمع (المجتمع المكي)؛ لكي يكوِّنوا هم الأُمَّــة المسلمة، والحاضن الأول لهذا المشروع الإلهي إن توفقوا لذلك، وتأهلوا لذلك، ولكي تكون مركزاً؛ -باعتبَارها المركزَ الديني الإلهي المُـهِـمَّ في الأرض- تنطلق منه هذا الدعوة من خلال موسم الحج والمناسبات الدينية، تنطلق هذه الدعوة إلى غيرها من المناطق، فمكة هي أم القرى.

وبدأ رسولُ الله “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” عمله بشكلٍ نشط، أتى بهذه الدعوة المباركة، بهذه الرسالة الإلهية العظيمة، التي تمتلك كُـلّ عناصر النجاح، فهي دعوة حق، وهي رسالةٌ من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من الله الذي هو الرب والملك والإله، ما يأتينا منه هو الحق الذي لا باطل فيه، هو الحكمة، هو الخير لنا كبشر، وهو الحق علينا الذي ينبغي أن نتقبله، وأن نلتزم به، وأن نستجيب لله فيه؛ باعتبَارنا عبيد لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، هو ربُّنا وإلهُنا وملكنا، ثم هي الرسالة التي في مبادئها وقيمها وأخلاقها وتعليماتها تنسجم مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ويصلح بها واقع الحياة، فأتت هذه الرسالة، وتحَرّك الرسول “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” لتبليغها بكل ما تمتلكه من جاذبيةٍ في مضمونها، إضافة إلى ما كان عليه رسول الله “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” من قيمٍ رائعة، من تجسيدٍ لهذه الرسالة في روحيتها، في قيمها، في مبادئها، في أخلاقها على أرقى مستوى، فيجعل منها في واقعه العملي حالةً قائمة، جاذبيتها قائمة في الساحة كحالة عملية موجودة في واقع المجتمع، وهذا يبرز جاذبيتها، ويظهر إيجابيتها بشكلٍ كبير في واقع الناس وأمام أعينهم كحالة متجسدة في الساحة، في الواقع البشري.

وما امتلكه رسولُ الله “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” من خلال التأهيل الإلهي من مقومات عظيمة على مستوى أدائه لهذه المسؤولية، سواءً على مستوى نشاطه الدعوي، ونشاطه التبليغي لإبلاغ الرسالة الإلهية، فيما آتاه الله من البيان، والقدرة على التقديم، والقدرة على التوضيح للحق، وفيما يمتلكه أَيْـضاً من عناصر أُخرى في واقعه العملي والسلوكي وحكمته وشخصيته، وكل العناصر اللازمة لطبيعة هذه المُـهِـمَّة الإلهية العظيمة، كُـلّ هذا توفر، وأقام الله الحجّـة على ذلك المجتمع المكي على أرقى مستوى، ولم يكن في واقع الرسالة ولا في واقع الرسول “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” ما يبرّر للمجتمع المكي أن يبتعد، أَو ينفر، أَو لا يتقبل، أَو يعاند هذه الرسالة، فلم يكن هناك من قصور على الإطلاق، لا في النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، ولا في أساليبه في حركته بالرسالة الإلهية، وفي دعوته إلى الله، ولا في مضمون هذه الرسالة التي يقدِّمها، مع ما كان يستند إليه كمعجزةٍ عظيمةٍ باهرةٍ هي القرآن الكريم، الذي انبهروا به، وأطلقوا عليه مسمى السحر، وتهمة الساحر إلى النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”؛ لانبهارهم بهذه المعجزة العظيمة الربَّانية.

بقي النبيُّ “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” يتحَرّك في مجتمع مكة، ويدعوهم إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ولكن ارتباطاتِهم بزعمائهم وقادتهم الطغاة المجرمين، الذين يرون في هذا الإسلام وفي هذه الرسالة الإلهية حداً من نفوذهم، ومنعاً لسيطرتهم واستغلالهم واستعبادهم لذلك المجتمع، فارتباط ذلك المجتمع بأُولئك القادة والزعماء الطغاة، أعاق أكثرية ذلك المجتمع عن تقبل هذه الرسالة وعن الإيمان بها، فبعد فترة زمنية طويلة بذل الرسول “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” فيها أقصى جهد في العمل على هدايتهم، وبحرص كبير جِـدًّا على هدايتهم، لدرجة أنَّ القرآن كان ينزل لمواساته في ذلك: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: الآية3]، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف: الآية6]: هوِّن عليك، لا تهلك نفسك غماً وحزناً عليهم لماذا لم يقبلوا هذه الرسالة الإلهية العظيمة.

رسول الله “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” كان يحرص على هدايتهم، وكان يتألم؛ لأَنَّه يدرك عظمة هذه الرسالة، التي قال الله عنها في أهم ما تضمنها وهو القرآن الكريم: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف: الآية44]، كان بإمْكَانهم أن ينالوا شرفاً عظيماً، وفضلاً كَبيراً، لو قبلوا هذه الرسالة الإلهية وآمنوا بها، وكانوا النواة الأولى لحمل رايتها، ولكن أكثريتهم لم يقبلوا، ولم يسلموا، ولم يقتصر ذلك إلى هذا المستوى فحسب: إلى مستوى الرفض للإيمان وعدم الاستجابة، بل تحَرّكوا كضد لهذه الرسالة، وكأعداء لهذه الرسالة، وكأعداء لرسول الله “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، بعد أن صبر فترةً طويلة على تكذيبهم، على تعنتهم، على جدالهم، على أساليبهم في إطلاق الدعايات المتنوعة ضد هذه الرسالة وضده “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، ويأتي القرآن لتصبيره: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}[القلم: من الآية48]؛ حتى لا يستعجل، ويواصل مشواره فيهم أكثر حتى يأتي الإذن الإلهي، الذي أتى فيما بعد، عندما أتى قوله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}[الذاريات: الآية54].

المؤرِّخون وأصحاب السِّير يقدِّرون الفترة الزمنية التي أمضاها النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” في مكة بثلاثة عشر عاماً، في آخر هذه الفترة والرسول “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” يلتقي عادةً بالقبائل الوافدة إلى موسم الحج، ويدعوها إلى الإسلام، وفي آخر هذه الفترة عندما أتى الإذن الإلهي بالهجرة، بدأ يبحث عن مجتمعٍ بديل لهذا المجتمع، لديه القابلية لأن يتأهل لحمل راية الإسلام، ولأن يدخل في الإسلام، ويجعل من نفسه المجتمع الحاضن الذي تتكون فيه الأُمَّــة المسلمة، فلقي البعض من أهل يثرب، وهؤلاء دخلوا في الإسلام، وعادوا إلى قومهم، ونشروا الإسلام أكثر، وعاد معهم في الموسم الذي يلي ذلك الموسم عدد أكبر ممن التقوا برسول الله “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، وَأَيْـضاً دخلوا في الإسلام، وبايعوه فيما سمي ببيعة العقبة الأولى، ثم في الموسم الذي يليه أتى عددٌ أكبر منهم وبايعوه، واتفقوا معه على الهجرة إليهم، كان هذا الشرف الكبير وهذا التوفيق الإلهي العظيم من نصيب قبيلتين من قبائل اليمن، هما: الأوس والخزرج، الأوس والخزرج قبيلتان يمانيتان قطنتا في يثرب، فيما يُعرَفُ بالمدينة، وفيما أُطلق عليه فيما بعدُ (بعدَ هجرة النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”) بالمدينة المنوَّرة، وهذا الشرف وهذا الفضل الكبير الذي حظي به مجتمع أتى أَيْـضاً ضمن التدبير الإلهي، وهذا فيه دروس مُـهِـمَّة جِـدًّا، كيف أنَّ مجتمع مكة الذي أثَّر على أكثريته ارتباطه بطغاته من أمثال: أبو جهل، وأبو لهب، وأبو سفيان… وغيرهم، وعاش أسيراً لأُولئك الطغاة، خاضعاً لهم، متجهاً باتّجاههم، ووصل به الحد إلى المؤامرة على النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، في الفترة الأخيرة التي حدثت عندها الهجرة، وترتب عليها مباشرة حركة النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” في هجرته من مكة إلى المدينة.

القرآن الكريم يتحدث عن هذه المؤامرة في قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الأنفال: من الآية30]، اتجه مكرهم إلى المكر والمؤامرة على حياة النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، بعد أن درسوا عدة خيارات في الاستهداف للنبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، في سعيهم لإطفاء نور هذه الرسالة، ولمنع النبي نهائياً من مواصلة عمله في حركته بالرسالة الإلهية.

{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال: الآية30]، عقدوا اجتماعهم، وتدارسوا هذه الخيارات في اجتماعهم فيما يسمى بدار الندوة، وكانوا يجتمعون فيه لتدارس أي موقف يريدون الخروج فيه إلى قرار معين، فدرسوا هذه الخيارات؛ بهَدفِ استهداف النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” بأيٍّ منها: إما بالاعتقال والسجن، {لِيُثْبِتُوكَ}، وإما بالقتل، وإما بالإخراج من مكة والنفي منها، استقر رأيهم على خيار القتل، واختاروا لهذه المُـهِـمَّة مجموعةً من شجعانهم من بطون مكة لينفذوا هذه الجريمة بحق النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، وحدّدوا الليلة التي ينفِّذون فيها هذه الجريمة، نزل الوحي على النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” بالتفاصيل عن هذه الخطة والترتيبات المعدة لها، ومع ذلك الأمر من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” للنبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” ليهاجر من مكة إلى المدينة.

في تلك الليلة نام الإمام عليٌّ -عليه السلام- في مرقد النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” كعملية تمويهية، وخرج النبي متخفياً، وخرج باتّجاه الغار، غار خارج مكة، في الجهة المعاكسة لاتّجاه المدينة، في عملية تمويهية وتدبير حكيم، وبقي مختفياً في الغار -كما في بعض الأخبار والسير- لثلاثة أَيَّـام، تلك اللحظة لربما كانت من أخطر اللحظات على حياة النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” من جانب، وعلى مسيرة الرسالة الإلهية من جانبٍ آخر، حالة حرجة وحسَّاسة جِـدًّا، وفيها درسٌ مُـهِـمٌّ جِـدًّا، الأعداء عندما بدأوا بالبحث بعد فشل عمليتهم تلك ذهبوا تلك الليلة لمراقبة بيت النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، وهجموا في آخر الليل على منزل النبي، فلم يجدوا النبي ووجدوا عليًّا عليه السلام، وفشلت خطتهم، ولكنهم بدأوا بالبحث بشكلٍ مكثّـف عن النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، وأعلنوا جائزةً مغرية لمن يدلّ عليه، أَو يدلي بمعلوماتٍ تكشف موقعه أين هو، وكانت هذه الجائزة: مئة ناقة، عرضوها لمن يدلي بأي معلومات تساعدهم على إلقاء القبض على رسول الله “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” أَو قتله، ثم بدأوا يتحَرّكون في عملية بحثٍ مكثّـفة في كُـلّ مكة، وفي كُـلّ محيطها، وفي خارجها، واستعانوا بمن يقتفون الآثار ويتتبعونها، في الأخير اكتشفوا أثرَ خُطَى النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، وأين اتجه، فتتبعوا أثرَ الخطوات حتى وصلوا إلى الغار، كان في الغار لوحده، ليس معه إلا صاحبُهُ، كما في القرآن الكريم وهو يروي لنا ما ورد في قوله -جَــلَّ شَــأْنُــهُ-: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: الآية40].

اللحظة التي وصل فيها الأعداء إلى جوار هذا الغار كانت أخطر لحظة على مسيرة الرسالة الإلهية، وعلى الرسول “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، لكنه في تلك اللحظة كان عظيم الثقة بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وكان يُطَمْئِنُ صاحبَه قائلاً له: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، بما تعبِّر عنه هذه العبارة في تلك اللحظة الحسَّاسة والحرجة من ثقةٍ عظيمةٍ بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وتوكلٍ عليه جَــلَّ شَــأْنُــهُ، واطمئنان إلى نصره وتأييده، هي تشبه اللحظة التي قال فيها أصحاب موسى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء: من الآية61]، عندما وصلوا إلى البحر، وأصبح فرعون بجنوده خلفهم، فكان البحر من أمامهم، وكان فرعون وجنوده خلفهم، فكانت لحظة مقلقة جِـدًّا بالنسبة لهم، وصلوا فيها إلى حالةٍ من اليأس بالنجاة، فكانت هذه مقولتهم، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أصحاب مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء: 61-62]، فمقولة النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” لصاحبه في الغار: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وهو يطمئنه بذلك، كمقولة موسى عليه السلام لأصحابه في تلك اللحظة الحسَّاسة والحرجة عندما قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي}، الأنبياء والرسل في إيمانهم العظيم بالله، يشعرون بمعية الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” ويؤمنون بها في أحرج اللحظات، وأصعب المواقف، وأكبر التحديات.

{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، وفعلاً أتت الرعايةُ الإلهية والتدخُّلُ الإلهي المباشر في تلك اللحظة الحسَّاسة جِـدًّا والخطرة للغاية، {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}، يعني: على النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}، وفَّر له الدعم والإسناد الكافي واللازم على المستوى النفسي، ولما يضمن أَيْـضاً حمايته في قوله: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى}، ففشلت كُـلّ جهودهم، وخابت آمالهم، ونجحت عملية الهجرة بكل ما ترتب عليها من نتائج مُـهِـمَّة وكبيرة، استمرت وامتدت آثارها ونتائجها العظيمة والمُـهِـمَّة إلى اليوم، وتمتد إلى قيام الساعة، بكل ما يترتب عليها على امتدادها من نتائج كلما أعادت الأُمَّــة الارتباط الوثيق بمبادئ هذه الرسالة وقيمها.

{وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}، كلمة الله دائماً دائماً هي العليا، وهي لا تنخفض، وهي لا تسقط، تبقى عاليةً دائمةً، والأمة كلما تمسَّكت بها، والمؤمنون كلما التزموا بها واتبعوها، يكونون هم الأعلون، ولذلك لم يقل هنا: وَكَلِمَةَ، قال: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ} بالرفع، {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}؛ لأَنَّها دائماً كأمرٍ ثابتٍ هي العليا، {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، فنجحت عملية الهجرة.

وعندما هاجر النبيُّ “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” إلى يثرب، إلى المدينة، إلى المجتمع الذي رحَّب بهذه الرسالةِ الإلهية، ودخل فيها، وتحَرّك لنصرتها، وحظي ذلك المجتمع المشكل من الأوس والخزرج باسمٍ عظيمٍ من الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، يعتبر وسامَ شرفٍ كبير جِـدًّا، لقد سمَّاهم الله بالأنصار، هذا اسمٌ من الله.

في أَيَّـام معاويةَ، حاول معاويةُ أن يلغيَ هذا الاسمَ عنهم، فكانوا مستعدين للثورة والقتال، ولا أن يلغى عنهم هذا الاسم، هذا الاسم ارتبط بقيامهم بهذا الدور في نُصرة النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، ونصرة الإسلام، فسمَّاهم الله في كتابه الكريم بالأنصار.

الأنصارُ امتازوا عن مجتمع مكة الذي كان مجتمعاً مادياً، وكان مجتمعاً معجباً بالطغاة والظالمين والجائرين والمستكبرين، ففشل ولم يتأهل لنيل هذا الشرف الكبير، ولم يخرج منه إلا القليل، ممن كانوا أخياراً ومسلمين، وانطلقوا في صف الرسالة الإسلامية في مراحلها تلك، لكن مجتمع الأنصار امتاز بمميزات مُـهِـمَّة، تمثِّل دروساً ينبغي أن يحرص مجتمعنا الإسلامي على الاستفادة منها في كُـلّ مرحلة وفي كُـلّ زمن.

اللهُ “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” جمع هذه المميزاتِ الراقيةَ والعظيمةَ في آيةٍ مباركةٍ، عادةً ما نَتَحَدَّثُ عنها في كُـلّ مناسبة من هذه المناسبات عندما نَتَحَدَّثُ أَو نلقي كلمة، يقول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: الآية9]، هذه المواصفات المُـهِـمَّة والعظيمة هي مواصفات لم تقدَّم على أَسَاس أن تكون حصرية لمرحلة زمنية معينة، للأنصار في زمن النبي “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، إنها المواصفات التي يحتاج إليها مجتمعنا الإسلامي في كُـلّ زمن وفي كُـلّ مكان؛ لكي يكونَ مؤهلاً لحمل هذه الرسالة الإلهية، وملتزماً بها، وحاملاً لرايتها، ولكي تتحقّق له نفس النتائج التي تحقّقت لذلك الجيل الذي حمل هذه المواصفات، فارتقى من خلالها إلى مستوىً عظيم، أهَّله للقيام بدورٍ تاريخيٍ كبير، بني عليه التحولات الكبرى في المجتمع الإنساني.

الأُمَّةُ إذَا أرادت أن تعودَ إلى الصدارة في الواقع البشري بكله، الأُمَّــة إذَا أرادت أن تكون هي المؤثرة لا المتأثرة، والمؤثرة من هذا الموقع: من موقع أُمَّـة خيِّرةً، مؤمنةً تقيةً، أُمَّـة تلتزم بالقيم الإلهية العظيمة، الأُمَّــة إذَا أرادت ليس فقط أن تكون مستقلة، بل أكثر من ذلك: أن تكون مع استقلالها هي المؤهلة لقيادة المجتمع البشري كافة، فعليها أن تلتفت إلى هذه المواصفات العظيمة والمُـهِـمَّة جِـدًّا، وهي مواصفات مشرِّفة، وقابلة للتطبيق والتحلي بها في واقع الناس.

نأتي إلى هذه المواصفات المُـهِـمَّة جِـدًّا، في قوله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ}: من قبل المهاجرين الذين هاجروا من مكة ومن مناطق أُخرى إلى المدينة، {الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، {تَبَوَّءُوا الدَّارَ}؛ لأَنَّهم سكنوا في يثرب منذ مدة طويلة، الحال يختلف عنهم وعن غيرهم من بقية المهاجرين، هم في الأَسَاس هاجروا منذ مدة طويلة إلى ذلك الموقع، إلى تلك المنطقة، واستقروا فيها، تحكي السِّير والأخبار أنهم استقروا منذ زمن تُبَّع، وأنه أرادهم هناك؛ لانتظار هذا النبي الموعود في آخر الزمان “صَلَـوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ”، ولكن الآية المباركة تذكر إضافة إلى عبارة: (الدَّارَ وَالْإِيمَانَ)، {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، وهذا يلفت نظرنا إلى مدى التحلي والالتزام بالمبادئ والقيم الإيمانية التي بلغوا فيها إلى هذه المرتبة، وكأنها سكنت فيهم وسكنوا فيها، الإيمان هو العنوان المُـهِـمُّ جِـدًّا والراقي والعظيم الذي تشرُف به الأُمَّــة، وترتقي به الأُمَّــة، وتعلو به الراية، والذي يغيِّر واقع الحياة بكله، والذي يجعل الأُمَّــة في الموقع المتقدِّم، والذي يساعد على حَـلّ الكثير من المشاكل التي تعثر بها الأُمَّــة، وتسقط بها الأُمَّــة، وتضيع بها الأُمَّــة، يضع الأُمَّــة في الاتّجاه الصحيح والسوي، يترك أثره على المستوى الروحي، على المستوى الأخلاقي، على المستوى القيمي، على المستوى السلوكي، على مستوى المواقف، الإيمان حالة حاكمة، تحكم في الإنسان كُـلّ تصرفاته، كُـلّ مواقفه، حتى في روحيته، حتى في سلوكياته، حتى في مواقفه، بمعيار التوجيهات الإلهية، هذا هو الإيمان، وهذا هو الذي يرتقي بالإنسان، يسمو بالإنسان، يشرف بالإنسان، ويعظم به الإنسان، هذا هو الذي يجعل من الإنسان إنساناً لا يبقى كالأنعام أَو أضل من الأنعام، يسمو بالإنسان، فيأتي العنوان الإيماني هو العنوان الجامع، والعنوان الرئيسي، والعنوان الأَسَاس، {تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.

ثم نجد من آثار هذا الإيمان صفاتٍ راقية جِـدًّا، جذَّابة للغاية، تعبِّر عن هذه الروحية العالية، هذه الروحية الإيجابية جِـدًّا، في قوله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، نفوس سالمة من الأنانية، من الأحقاد، لديها قابلية لأن تحتضن الجميع، وأن تألف الجميع، وأن تنسجم مع الجميع، الإنسان لا يمكن أن يكون قابلاً لأن ينصهر ضمن أُمَّـة، يذوب ضمن أُمَّـة، يندمج ضمن أُمَّـة، تجتمع على مبادئ عظيمة، وعلى قيمٍ عظيمة، وعلى تعليماتٍ عظيمة مصدرها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، إلَّا إذَا تخلَّص من الأنانية، إذَا كان الإنسان أنانياً، بقدر ما يكون أنانياً، توجد هذه الحواجز والعوائق، وتنتج عنها الكثير من المشاكل الداخلية التي تمثل عوائق عن الأخوة، عن التعاون، عن التآلف، عن تكوين الأُمَّــة الواحدة.

هذا المجتمع لم يكن فقط دوره ينحصر بأن يحاول أن يستحوذ على النهوض بهذا الدور، بل يكون نواةً لأمةٍ تتسع دائرتها، هو داخلها النواة، هو داخلها البيئة الحاضنة، والأرضية الصلبة التي تستقبل هذه الدائرة فتتسع أكثر وأكثر حتى تكون أُمَّـة كبيرة وأمةً عظيمة، هذا درسٌ لأمتنا اليوم، ما أكثر الأنانيات، ما أكثر الحساسيات، ما أكثر سفاسف الأمور التي يمكن أن تضرب أخوةً بين مجتمع ومجتمعٍ آخر، كانت الحالة الصحيحة لهم أن يكونوا متآلفين، متعاونين، مجتمعين، متوحدين؛ لأَنَّهم ينتمون إلى هذا الإسلام العظيم، إلى مبادئه وأخلاقه وقيمه وتعاليمه التي تجمع ولا تفرق، والتي توحد ولا تبعث على التشظي، والتي أَيْـضاً تقوى بالأمة، تؤسس لأرقى حالة يترتب عليها: التعاون، والوئام، والإخاء، والتفاهم، والتعاضد، والتناصر، تهيئ لبيئةٍ يمكن أن تبتني فيها الأُمَّــة كالبنيان المرصوص، وأن تكون فيها كالجسد الواحد، كانوا هم في تلك المرحلة بهذه المواصفات الراقية: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، لديهم هذه القابلية لأن يكونوا نواة تنسجم مع الآخرين، لديها قابلية عالية لأن تكون نواة تتسع دائرتها؛ لأَنَّها تحب الآخرين، وتقبل بهم ممن يأتون للانضمام إلى هذا الدين العظيم، إلى هذه الرسالة العظيمة، فكانوا {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، ينسجمون معه، يتفاهمون معه، يؤاخونه، فاتسعت دائرة هذه النواة العظيمة.

{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}، {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً}: ليس عندهم أي حساسية أبداً تجاه ما يمكن أن يحصل عليه هذا الذي هاجر إليهم، هم يحبون الخير لهؤلاء الذين يهاجرون إليهم، لا يتحسس، لا يتعقد، لا يشعر بالحسد والغيرة أنَّ هذا حصل على شيء، أَو أعطي شيئاً، أَو ناله شيء من الخير، |لا|، بل أكثر من ذلك، كما قال عنهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ}، وهذه ميزة راقية جِـدًّا، إذَا وصلت الأُمَّــة، إذَا وصل أي مجتمع من المجتمعات إلى هذه الروحية العالية جِـدًّا، وهي ذات قيمة في الوزن الأخلاقي والميزان القيمي: أن يُؤْثِروا على أنفسهم، فمعنى هذا: أنهم يريدون الخير للآخرين، أنهم يحملون نفوساً كريمة، نفوساً معطاءة، نفوساً يمكن أن تقدِّم أي شيء في سبيل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وفي سبيل أن ينتصر هذا الحق، أن تنتصر هذه الرسالة، أن يسود هذا الدين، ونفوساً كريمة معطاءة، إلى هذا المستوى من العطاء: أنه يمكن ليس فقط أن تقدِّم مما في وسعها أن تقدِّمه، بل أن تُؤْثر.

البعضُ من الناس يبخل حتى في مستوى أن يقدِّم من سعته، وليس أن يُؤْثِر على نفسه، أن ينفق مما آتاه الله، أن يواسي من فضل ما معه، قد يبخل بذلك، البعض من الناس لا يفكر إلَّا في أن يأخذ، بل إذَا كان له سابقة، أَو عمل عملاً إيجابياً، أَو قام بدورٍ إيجابي، فهو يجلس يفكر كم يصنف لنفسه، كم يقدِّر لنفسه من استحقاقات في مقابل ما قد عمل، [أنا عملت، أنا ساهمت، أنا فعلت كذا، وأنا عملت كذا، كان لي دور في كذا، أريد في المقابل أن تعطوني كذا، وأن أحصل على كذا، وأن أخذ كذا… ]، ويكون في واقعه: إما يسعى لتحقيق هذه المطالب وهذه الرغبات، يحمل هذه الروحية، تسيطر عليه هذه الروحية: روحية الأخذ دائماً وليس العطاء، أَو إذَا أراد أن يقدم شيء، ففي مقابله أشياء كثيرة جِـدًّا.

هؤلاء لم يكونوا يحملون هذا التفكير: تفكير حسابات الأخذ، والمكاسب، والأطماع.. وما شاكل ذلك، بل كانوا يحملون هذه الروحية الراقية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ}، روحية العطاء والبذل والتقدمة والتضحية؛ لأَنَّهم يدركون عظمة هذه الرسالة، ولأنهم يدركون أنهم مهما قدَّموا، مهما كانت التضحيات، فليسوا خاسرين، وليسوا خائبين، هي روحية في البذل والعطاء والتضحية واعية، تعي عظمة هذه الرسالة الإلهية، وقيمة وأهميّة ما يقدِّمه الإنسان في سبيلها من جانب، وما يمكن أن تحصل عليه في المقابل، ليس من الناس، ليس وفق اشتراطات، ليس وفق تمنٍ على الآخرين بما قدمت، بل من الله العظيم الكريم الرحيم، وما يمكن أن يعطيك إياه في الدنيا والآخرة.

{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ}، عندما يكون مجتمعٌ بهذه الروحية يُؤْثِر على نفسه؛ سيكون مجتمعاً جديراً بحملِ هذا المشروع الإلهي، وجديراً بالنصر والتمكين، {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، وهذه ميزة كبيرة جِـدًّا، البعض قد يعطي إذَا كانت ظروفه متيسرة، البعض من الناس قد يصل إلى درجة أن يُؤْثِر على نفسه، لكن إذَا كانت الظروف لا بأس، يستطيع أن يجبر هذه الخلة بشكلٍ سريعٍ ومباشر؛ أما هم فهم يؤثرون على أنفسهم حتى في الظروف الصعبة.

{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، إذَا تخلَّصت الأُمَّــة من الشح -الأنانية هي نتاج الشح- فيمكن أن تكون مفلحةً، والأمة المفلحة هي التي تظفر، تتحقّق الأهداف من خلالها، تتحقّق النتائج بجهودها وتضحياتها؛ لأَنَّها بهذه المواصفات المُـهِـمَّة ستكون أُمَّـة عملية، متحرّرة من قيود الخوف، ومن قيود الطمع، والأمة إذَا تحرّرت من قيود الخوف ومن قيود الطمع كانت أُمَّـة صابرة، قوية، متجلدة، متحملة، تحمل هذا المشروع، ويمنحها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” منه العون والتوفيق والنصر والتأييد، وتواجه كُـلّ التحديات والصعوبات مهما كانت؛ لأَنَّها تعتمدُ على الله أولاً؛ وَلأَنَّها تلتزمُ في واقعها العملي بقيم عظيمة، قيم تكفل النجاح لمن يتحلى بها، تعليمات تضمن الفلاح والنصر لمن يلتزم بها.

وكما قلنا: هذه المواصفاتُ قُدِّمت للمجتمع الإسلامي؛ لأَنَّها المواصفاتُ التي يُفترَضُ أن نسعى لأَنْ تتحقّق في واقعنا، فتبقى لنا الأهلية في كُـلّ زمان، طالما التزمنا بهذه المواصفات لحمل هذا المشروع بنجاح، فنفلح نحن في نهاية المطاف، ليست المسألة أنَّ هذه الرسالة الإلهية وهذا الدين العظيم يمثِّل عبئاً، نحتاج في سبيل تحمل هذا العبء إلى تحمل صعوبات معينة، وهذه مشكلة. |لا|، ليست المسألة على هذا النحو، ولا بهذا الشكل.

المسألةُ أنَّ هذه الرسالةَ وهذا الدين العظيم شرفٌ كبير وعظيم، والأُمَّةُ التي تريدُ أن تحملَ هذا الشرفَ، وتنالَ هذا الفضل، يجبُ أن تتحلى بهذه المواصفات التي هي راقية وجذَّابة وعظيمة، تعظم بها الأُمَّــة، وتشرف بها الأُمَّــة، وتسمو بها الأُمَّــة، والنتيجة لها هي الفلاح، والذين يتحلون بها هم المفلحون، والمفلحون هم الناجحون في هذه الحياة، والناجحون في المستقبل الأبدي الدائم وهو الآخرة، هم الذين يظفرون بما يريدون الوصول إليه من النتائج العظيمة والمُـهِـمَّة التي وعد بها الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، من نصر، من عزة، من كرامة، من فلاح، من حياةٍ طيبة، من رضوان الله، من جنةٍ عرضها السماوات والأرض، وهو أرقى ما يمكن أن يطمح إليه البشر، وأن يتوق إليه الإنسان، وأن يفوزَ به من فاز به.

ولذلك نحن في هذا الزمن عندما نتطلع إلى هذه المناسبة، ونأخذ العبرةَ من مجتمع مكة الذي خسر أكثرية أبنائه، ثم نأخذ العبرة من مجتمع يثرب، من الأوس والخزرج، من الأنصار الذين سمَّاهم الله بالأنصار، وما تأهلوا به لنيل هذا الشرف الكبير من مواصفات عظيمة، نستفيد نحن في هذا الزمن سواءً كشعبٍ يمني، أَو كأمةٍ مسلمة، درسٌ كبيرٌ للجميع، درسٌ كبيرٌ لنا كمسلمين، كأمةٍ مسلمةٍ بشكلٍ عام، ونحن في مواجهة تحديات، وأمةٌ لها مشاكل، مشاكل كثيرة في واقعها، تحتاج إلى الاستفادة من سيرة نبيها وتاريخها الطويل، تستفيد الدروس والعِبَرَ التي تساعدها على حَـلِّ مشاكلها، على تصحيح وضعيتها وتصحيح مسارها، وعلى أن تبني واقعها على أَسَاس صحيح، وهذا ما ينبغي أن نركِّزَ عليه.

 

التعاونُ مع الإسرائيلي لن يكون هذا إلَّا ضمن دورٍ سلبي ضد الأمة

ومن هنا ندخل إلى بعضٍ من المستجدات على المستوى الإقليمي ثم على المستوى المحلي:

من أبرز ما ظهر مؤخراً: هو الإعلانُ الأمريكيُّ الأخيرُ عن الاتّفاق ما بين الإمارات وإسرائيل، وكان هذا الإعلانُ في المرحلة هذه من أبرز الأحداث في الساحة الإقليمية، العلاقات ما بين النظام الإماراتي وإسرائيل ليست بالجديدة، بل التحالف فيما بينهما، والتشارك في كثيرٍ من الأنشطة السلبية والتخريبية في المنطقة، هذا ليس شيئاً جديدًا، وَأَيْـضاً معهم بعض الأنظمة العربية، كما هو حال النظام السعودي، كما هو حال آل خليفة من البحرين، كما هو حال القادة العسكريين في السودان، البعض من الأنظمة العربية لها هذه الروابط مع الإسرائيلي، وإن كانت في مستويات متفاوتة، ومن الواضح أنهم يسعون لأن تكون على مستوى أكبر وعلى مستوى علني، الفارق في الموضوع هو هذا: أنهم يحاولون أن تتجه إلى العلن، أن تتحول حالةً رسمية، وأن تكون حالة مقبولة في الساحة العربية والإسلامية، ويسعون إلى أن تكون على مستوى أكبر، ربما الظروف الحالية والحالة السرية إلى حَــدٍّ ما -لم تعد سرية، كانت سريةً إلى حَــدٍّ ما- تعيقُهم عن بعض النشاطات التي لا بدَّ فيها من أن تكون ظاهرة وواضحة وعلنية ومكشوفة، فيأتي الإعلان عن هذه العلاقات وهذه الروابط المحرمة شرعاً بحسب الدين الإسلامي، وبحسب القيم الإنسانية والأخلاقية، يأتي هذا الإعلان ويأتي الدخول إلى هذه المراحل المتقدِّمة من هذه الروابط والاتّفاقات؛ ليتيحَ المجالَ للكثير من الأنشطة والأعمال التخريبية والسلبية.

من يدخل في ارتباطات مع الإسرائيلي، وتعاون مع الإسرائيلي، واتّفاقات مع الإسرائيلي، لن يكون هذا إلَّا ضمن دورٍ سلبي في الواقع، معروفٌ مَن هو الإسرائيلي، الكيان الإسرائيلي في واقعه منذ بداية تأسيسه واغتصابه لفلسطين وإلى اليوم، هل كان دوره إلَّا دوراً سيئاً وتخريبياً وشراً، هل كانت ممارساته كلها إلَّا ظالمة، هو كيان لا يمتلك أية مشروعية في اجتماعه وفي احتلاله لفلسطين، أية مشروعية؟! كيان غاصب وظالم ومجرم، وكل تاريخه قائمٌ على الإجرام، منذ أن بدأوا بتجمعهم على أرض فلسطين بحمايةٍ بريطانية وبدعمٍ غربي وإلى اليوم، ممارساتهم كلها ظلم، وإجرام، ونهب، وسيطرة، ووحشية، واغتصاب، كُـلّ تاريخهم منذ ذلك اليوم وإلى اليوم هو هكذا، وكل دورهم على المستوى العام في المنطقة وتجاه الأُمَّــة الإسلامية بشكلٍ عام هو دورٌ تخريبي وتآمري، هم حاقدون على هذه الأُمَّــة، هم أعداء لهذه الأُمَّــة بكل ما تعنيه الكلمة، الله أخبرنا عنهم في كتابه الكريم أنهم أعداء، والواقع يشهد بذلك، كُـلّ ممارساتهم، وكل سياساتهم بحق هذه الأُمَّــة، وبحق شعب فلسطين الذي هو جزءٌ من هذه الأُمَّــة عدائية، فمن يأتي ليدخل في روابط معهم، وعلاقاتٍ معهم، واتّفاقاتٍ معهم، هل سيكون إلَّا شريكاً لهم في ظلمهم، شريكاً لهم في فسادهم، شريكاً لهم في مؤامراتهم بحق أبناء هذه الأُمَّــة.

من الشيء الطبيعي أن يتَّجَهَ أُولئك الذين لهم هذه الروابط مع الإسرائيلي إلى التبرير أولاً لما يفعلونه، وداخل هذا التبرير بنفسه الكثير من الافتراء، الكثير من الأكاذيب، الكثير من التزييف للحقائق على المستوى الإعلامي، وعلى المستوى السياسي، وعلى المستوى الثقافي والفكري، حتى الفتاوى التي يحاولون أن يدعموا بها موقفهم هذا، فيها افتراء على الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وافتراء على رسوله، وافتراء على القرآن الكريم وعلى الدين الإسلامي.

أيضاً الأنشطة التي تبنى على ذلك، عندما يدخلون في روابط مع الإسرائيلي، واتّفاقات مع الإسرائيلي، ليست مُجَـرّد علاقات ثنائية وروابط ثنائية ينحصر فيها توجّـههم على مصالح يكسبونها ولا تتجاوز واقعهم إلى غيرهم، مع أنه حتى لو كانت المسألة بهذا المقدار لكانت محرمةً؛ لأَنَّهم يقدِّمون خدمةً للإسرائيلي من خلالها، وَإذَا حصلوا على شيءٍ من الإسرائيلي، ففي مقابله الكثير والأكثر الذي سيحصل عليه الإسرائيلي منهم، ومعنى ذلك: أنهم يدعمون الإسرائيلي في ظلمه لشعب فلسطين، في اغتصابه للمقدسات، في مؤامراته على هذه الأُمَّــة، ولكن مع هذا دورهم هو دور شامل، هم يرتبطون بالإسرائيلي تحت عنوان التطبيع، ويلحق بذلك أشياء كثيرة، تبدأ من التبرير، كم يدخل تحت عنوان التبرير من أنشطة كثيرة سيئة، ثم الترويج للعلاقة مع إسرائيل، للروابط مع إسرائيل، للاتّفاقيات مع إسرائيل، للتعاون مع إسرائيل، والسعي لإقناع أبناء الأُمَّــة بذلك، كم يدخل تحت هذا من أنشطة أَيْـضاً، من ضمن ذلك: تقديم صورة زائفة عن العدوّ الإسرائيلي، وتقديمه إلى أبناء هذه الأُمَّــة وكأنه صديق، وكأنه كيانٌ ودي يمكن أن تدخل الأُمَّــة معه في علاقة، وكأنه حمامة سلام يمكن أن تكون الأُمَّــة معه في علاقة ودية وإيجابية، وكم يدخل تحت هذا من كذب، من تزييف للحقائق، في تقديم صورة تتناقض مع الحقائق الصارخة المعروفة، التي ملأت سمع الدنيا وبصرها عن جرائم ووحشية الكيان الإسرائيلي والعدوّ الإسرائيلي.

عندما يأتي أحد ليحاول أن يقدِّم صورةً مختلفةً زائفةً عن العدوّ الإسرائيلي، بكل ما عليه العدوّ الإسرائيلي من بشاعة، من إجرام، من طغيان، من فساد، وهو أسس أصلاً على الإجرام، وقام على الإجرام، وكل رصيده منذ أن أتى إلى فلسطين قائمٌ على الإجرام، ومملوءٌ بالإجرام، هو من أكبر الجاحدين بالحقائق، والمتنكرين للحقائق، والمتنكرين لكل الأمور الواضحة الضرورية الجلية، كم هو ضال، كم هو فاسد، كم هو متنكرٌ وجحود من يحاول أن يعمل شيئاً كهذا.

ثم أَيْـضاً يأتون ليحاولوا أن يقدِّموا صورة مشوِّهة للشعب الفلسطيني، ولمقاومته، ولمجاهديه الأبطال، وهذا ما يحصل لدى تلك الأنظمة، ألسنا نجد هذا واضحًا لدى النظام الإماراتي، والنظام السعودي، وآل خليفة في البحرين، ونجد هذا واضحًا بالنسبة للعسكريين الحاكمين في السودان؟ من يرتبط بهم من الإعلاميين كم يتحدث اليوم بكل وقاحة بالسوء وبالإساءة عن الشعب الفلسطيني المظلوم، ويلقي باللائمة على الفلسطينيين، ويلقي باللائمة على المجاهدين ف ي فلسطين، ويسيء إليهم، ويشهد بالزور لإسرائيل، وهذه من أخطر الشهادات، ومن أسوئها حِملاً وثِقلاً ووِزراً يوم القيامة: من يشهد للإسرائيليين على الفلسطينيين.

نحن سمعنا الكثير من الإعلاميين الخليجيين المرتبطين بالإمارات، أَو بالنظام السعودي، أَو بآل خليفة، سمعنا الكثير منهم، هذا يظهر في التلفزيون، بل أكثر من ذلك: عملوا مسلسلات قاموا ببث بعضها في شهر رمضان المبارك الفائت، وهي تروِّج للعلاقة مع إسرائيل، وتسيء إلى الشعب الفلسطيني، وتشهد بالزور للإسرائيليين، ولهذا يترتب على مثل هذا الوزر والجرم الكثير والكثير من الجرائم، يتحول الإنسان من خلال ذلك إلى شريكٍ -بكل ما تعنيه الكلمة- للإسرائيليين في كُـلّ جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، وبحق الأُمَّــة بكلها، وهذا وزرٌ خطير، ولهذا نجد فعلاً أنَّ مستوى التحذير الذي أتى في القرآن الكريم في قول الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: من الآية51]، أنَّ المسألة بالفعل ترقى إلى هذا المستوى من الخطورة، وأنَّ واقع أُولئك الذين دخلوا في هذه الارتباطات يشهد على ذلك، ويجسِّد ذلك، فهم يظهرون وكأنهم في خندقٍ واحد، وكأن معركتهم واحدة، وهذا موقفهم من الشعب الفلسطيني ومن المجاهدين في فلسطين، وهو موقفهم أَيْـضاً تجاه حزب الله في لبنان، وهو موقفهم تجاه أحرار هذه الأُمَّــة، في الأخير يتحولون إلى معادين لكل من يعادي إسرائيل، فمن عادى إسرائيل فهو عدوٌ لهم، يبتدئونه بالعِداء، حتى لو لم يكن قد دخل معهم في أي مشكلة على أي شيءٍ آخر، لمُجَـرّد أنه أصبح يعادي إسرائيل فهم يعادونه.

ولهذا عندما أقدم النظام السعودي على اعتقال بعض الفلسطينيين الذين كانوا متواجدين في المملكة، وزج بهم في السجن، وهناك بعض الأخبار أنه يمارس بحقهم التعذيب، على ماذا اعتقلهم؟! هل لهم جرم؟! هل لهم مشكلة؟! هل لهم قضية يفعل بهم ذلك؛ مِن أجلِها؟! المشكلة الوحيدة لهم: أنهم يعادون إسرائيل، وهو يتجه بالتودد إلى الإسرائيلي والارتباط معه في مشاريع عمل ومواقف وتوجّـهات معادية وتخريبية لأبناء الأُمَّــة، فيرى في هذا قرباناً يتقرب به إلى الإسرائيلي، ويتجه أُولئك الذين لهم هذه الوجهة في العلاقة مع إسرائيل، والدخول في روابط وتعاون مع الإسرائيلي، وقدَّموا عنوان التطبيع ليبسطوا المسألة، المسألة أخطر من ذلك، هي الولاء المحرم شرعاً، هي الولاء الذي أتت الآيات القرآنية تحذر منه؛ لأَنَّه في أول المسألة وقبل كُـلّ شيء هو ارتدادٌ عن القيم الإنسانية والإسلامية، من يتقبل أن يتعاون مع الإسرائيلي، والكل يعرف ما فعله ويفعله الإسرائيلي، فهو قد تنكَّر أولاً وتجرد من تلك القيم والمبادئ حتى استساغ ذلك، ونرى في حالهم أنهم أصبحوا يسارعون فيهم، مصداقاً للآية القرآنية: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، وسواءً أعلنوا بهذا الشكل، أَو لم يعلنوا بهذا الشكل، موقفهم واضح، موقف النظام السعودي واضح، موقف آل خليفة واضح، ومن يحذو حذوهم من أبناء الأُمَّــة موقفه واضح ومكشوف.

المُـهِـمُّ هو وعي أبناء الأُمَّــة تجاه من ينحرف هذا الانحراف ويتجه هذه الوجهة الخاطئة، وعي أبناء الأُمَّــة، في واقع الحال كان الموقف العام والاستهجان الكبير تجاه الإعلان للعلاقة ما بين النظام الإماراتي وما بين العدوّ الإسرائيلي، كان موقفاً جيِّدًا، وحالةً إيجابيةً جيدة في الواقع العام للأُمَّـة، ردت الفعل بالاستهجان والاستنكار والتعبير بالإدانة لذلك، والاستنكار لذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، في الوسائل الإعلامية، في البيانات، في المواقف السياسية، هذا شيءٌ جيد، ولكن يفترض أن يكون هناك نشاط مستمر في واقع الأُمَّــة؛ لأَنَّ أُولئك الذين دخلوا في روابط ولاء وعلاقات مع الإسرائيلي، هم يستمرون في الترويج للولاء للإسرائيلي والأمريكي، وهم يعملون الكثير في ذلك، مع أنهم ليسوا مستفيدين من ذلك، النتيجةُ الحتميةُ لهذا الانحراف الخطير هي الخُسران والندمُ كما أكّـد عليه القرآن الكريم، والحالة التي هم فيها، وقد يتصورون في أنفسهم -لجهلهم وغبائهم- أنهم في موقع مريح ومفيد، وواقع الحال أنهم في حالةٍ من الخسارة؛ لأَنَّهم في موقع الاستغلال، الإسرائيلي والأمريكي هو الذي يستغلهم، أما هم فلن يكونوا أكثر من أداة تُستغل من جانب الأمريكي والعدوّ الإسرائيلي لما فيه مصالح أمريكا ومصالح العدوّ الإسرائيلي، هذا الذي سيكون بالنسبة لهم، لن يكونوا هم الكاسبين ولا المستفيدين من هذه العلاقات والروابط؛ إنما سيكونون هم المستغَلين الذين يستغلهم العدوّ الإسرائيلي، وهو بارع في عملية الاستغلال، وفي عملية التطويع، يجعل منهم أبواقاً على المستوى الإعلامي، ويجعلهم يتصدرون على مستوى المواقف السياسية، ويجعلهم -أكثر من ذلك- يوظِّفون أموالهم في خدمته، وفي المؤامرة على أبناء الأُمَّــة، هؤلاء لو أتينا إلى العنوان الذي يحاولون أن يروجوا له وهو عنوان السلام، فليسوا بأهلِ سلام، النظامُ الإماراتي ليس توَّاقاً للسلام، ولا من أهل السلام، هو يتجهُ لنشرِ الفتنة بين أبناء الأُمَّــة، ويتجه للقتال في الساحة الإسلامية بين أبناء الأُمَّــة الإسلامية هنا وهناك. النظام السعودي لا يريد السلام، وليس من أهل السلام، هو نظام دموي قاتل متوحش وإجرامي. آل خليفة هم الذين فعلوا بشعب البحرين ما فعلوه وما يفعلونه من تعذيب وظلم واضطهاد، فأين السلام؟! لو كان هؤلاء أهل سلام، لكان أول سلامهم لأمتهم، لأبناء أمتهم المظلومة، ولكن ما يفعلونه في واقع الأُمَّــة هو التخريب والقتل، هو إثارة الفتن، هو التحَرّك بأجندة ومشاريع تمزيقية ومدمّـرة بحق هذه الأُمَّــة، فهم ليسوا بأهل سلام حتى يكون الدافع هو السلام، أرادوا السلام للصهاينة، فلماذا لا يريدون السلام للفلسطينيين، للمسلمين جميعاً، للعرب كلهم؟ لماذا لا يتجهون بمستوى هذا الاندفاع العارم لتحقيق السلام في أوساط أبناء الأُمَّــة، قبل أن يتجهوا تحت عنوان السلام فقط وفقط للصهاينة؟ هذا الانحراف انحراف خطير يمثل ارتداداً عن الدين والمبادئ، يمثل دخولاً في نفقٍ مظلم يتورطون فيه في الكثير من الشراكة مع إسرائيل في مؤامراتها على أبناء الأُمَّــة، ونتيجتُه -في نهاية المطاف- هي الخُسرانُ والندمُ المؤكَّـد.

في المقابل نحن نشيد بتصاعد العمليات المقاومة للتواجد الأمريكي في العراق، في هذه المرحلة المتأخرة أراد الأمريكي أن يعود إلى العراق، وأن يثبِّت وضعه كاحتلال من جديد، وأن يسيطر من جديد، ووصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في إقدامه على جريمته البشعة والنكراء باغتياله الشهيدين الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على أرض العراق، وكان هذا انتهاكاً -بكل ما تعنيه الكلمة- سافراً للعراق، لسيادة العراق، لاستقلال العراق، وجريمةً بشعة وفظيعة، وانتهاكاً للقانون الدولي، ولكن الأمريكي أقدم على هذه الجريمة البشعة، وحاول -ما بعد ذلك- أن يثبِّت احتلاله من جديد للعراق؛ حتى يسيطرَ من جديد على العراق.

واضحٌ أنَّ المسارات السياسية والدبلوماسية لوحدها لا تكفي لإقناع الأمريكي بالخروج من العراق، وأن يترك العراق، وألَّا يعود إلى احتلاله من جديد، فهذه العمليات المتصاعدة في العراق التي تستهدف الأمريكيين في أرتالهم، وفي المعسكرات التي يتواجدون فيها، وفي القواعد التي يسيطرون عليها، هي عمليات مُـهِـمَّة، وهي التي أسهمت فيما مضى لإخراج الأمريكيين في المرة الأولى، وهي التي ستفيد بقدر ما تتصاعد وتلحق الخسائر بالأمريكيين.

نحن نؤيِّدُ الشعبَ العراقي، ونؤيِّدُ مقاومتَه الباسلة، ونؤيِّد مجاهديه الأبطال في عملياتهم هذه، وفي كُـلّ تحَرّكهم لطرد المحتلّ، ولمنع سيطرته، ولمواجهة التكفيريين والدواعش المجرمين بحقهم، ولمواجهة كُـلّ المؤامرات الخارجية من جانب بعض الدول التي تستهدف هذا الشعب المظلوم.

كما أَيْـضاً نعلن تضامننا مع سوريا شعباً وحكومةً في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، وفي مواجهة مساعي أمريكا لاحتلال أجزاء من سوريا، وواضحٌ في هذه المرحلة أنَّ الأمريكي يحاول أَيْـضاً أن يثبِّت احتلاله لأجزاء من سوريا، وأن يجعل منها قواعد رئيسية على المستوى العسكري، وهو يقوم أَيْـضاً بكل وقاحة بنهب الثروات النفطية وبشكلٍ مفضوحٍ وواضح، وهذه غطرسة، وهذه أَيْـضاً عملية سطو ونهب تمثل جريمة واضحة أمام مرأى ومسمع العالم، وهو لا يستحي من ذلك، فضائح الأمريكي في المنطقة، فضائح الإسرائيلي وفضائح أُولئك المجرمين فضائح واضحة جِـدًّا، من يتأثر بهم، أَو يحاول أن يبرّر للدخول معهم في أجندة ومشاريع فهو خاطئ وهو متورط.

الشعبُ اللبناني مرَّ في هذه المرحلة بظروفٍ عصيبة على مستوى المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها، وهي نتاج لمراحل طويلة، كان للدور الخارجي المؤثر على السياسات الرسمية في لبنان، وكانت للمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية التأثير الرئيسي فيما آلت إليه، وفيما نتج عنها في هذه المرحلة، فالأزمة الاقتصادية لم تنشأ فجأة في الواقع اللبناني، بل كانت نتيجةً لكل المراحل الماضية، لما فيها من سياسات وتدخلات ومؤامرات من أعداء لبنان، أتى مع ذلك ما حدث في مرفأ بيروت، وهو حادث مؤسف ومؤلم، وألحق أضراراً بالغة بشعب لبنان.

نحن وكل الأحرار في هذه الأُمَّــة أعلنا تضامننا مع الشعب اللبناني، ونعلن تضامننا مع الشعب اللبناني ومع حزب الله، وندرك طبيعة المؤامرات على المقاومة في لبنان، ونحن أكّـدنا في كُـلّ ما مضى، ونؤكّـد تضامننا ووقوفنا مع حزب الله، ومع المقاومة اللبنانية، ومع الشعب اللبناني، في مواجهة كُـلّ المؤامرات التي تستهدفه على كُـلّ المستويات: على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى العسكري، وعلى المستوى الأمني، وعلى المستوى السياسي.

أبناء هذه الأُمَّــة عليهم أن يكونوا يداً واحدة، وأن يتضامنوا بكلهم مع بعضهم البعض، ومع الشعب الفلسطيني الذي يواجه التحديات في هذه المرحلة، وهي مرحلة متميزة، ميَّز الله فيها الخبيث من الطيب، وهذا يبعث على الأمل، ويبعث كذلك على التفاؤل؛ لأَنَّنا وقد تميز الخبيث من الطيب على أملٍ أن يمنَّ الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” بتأييده ونصره أكثر، وأن تتجه الأُمَّــة وقد سَلِمَت من كثيرٍ من الإعاقات التي تعيقها عن اتِّخاذ المواقف الصحيحة، والتي كان لأُولئك الذين هم اليوم يظهرون كأصدقاء للعدو الإسرائيلي إسهام كبير فيها، هم كانوا من يبادرون في صنع الكثير من العراقيل، في فرض الكثير من الأجندة الفاشلة أَو غير المجدية في الموقف الذي يفترض بالأمة أن تتبناه في مواجهة هذه التحديات، وفي مواجهة العدوّ الإسرائيلي، هذا فيما بتعلق بالمستجدات الإقليمية.

فيما يتعلق بالمستجدات في البلد نَتَحَدَّثُ عنها باختصار:

أولاً: نَتَحَدَّثُ عن نعمة الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” علينا بالغيث والأمطار الغزيرة والمباركة، نحمد الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” على هذه النعمة، هي نعمة كبيرة، ونعمة عظيمة، ولها أهميّة كبيرة على مستوى المياه الجوفية، ولها أهميّة كبيرة على مستوى القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، والمطلوب هو أولاً أن نتوجّـه إلى الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” بالشكر (الشكر للنعم)، إذَا أردنا النعم أن تستمر، فالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” يقول في القرآن الكريم: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: من الآية 7]، يستمر الخير ويزداد عند الشكر لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” على نعمه، ويدخُلُ في ذلك الشكر العملي: بالاستقامة، بالطاعة لله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، بالعناية بإخراج ما علينا من الحقوق، بالاهتمام أكثر بجدية ومصداقية تامة بإخراج الزكاة؛ لأَنَّ إخراج الزكاة بشكلٍ تام وكامل هو من أسباب البركات، وأسباب الخيرات، وأسباب الغيث والمطر والنعمة، فمن المُـهِـمِّ التركيز على هذا الموضوع.

بالنسبة لبعض الأضرار التي نتجت عن الأمطار والسيول، فمن المُـهِـمِّ على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي أن يتعاون الجميع في معالجة آثار هذه الأضرار سواءً في المدن أَو في الأرياف، لا بدَّ من التعاون، البعض من الأضرار كانت بشكلٍ كبير نتيجةً لخطأ على مستوى التخطيط العمراني، والتخطيط الحضري في المدن، فعملية التصميم للشوارع والمداخل وتصريف السيول كانت فيها أخطاء نتج عنها الكثير من الأضرار، وبالطبع لا يمكن أن نحمل المسؤولين اليوم نتيجة ما فعله المسؤولون في الماضي، عليهم مسؤوليات فيما يمكنهم أن يقدِّموه وأن يعملوه في الوقت الراهن، عليهم أن يبذلوا الجهد في ذلك، وفي المقابل لا بدَّ من أن يتعاون المواطنون معهم، وَإذَا حصل هذا التعاون بين مؤسّسات الدولة وبين أبناء البلد لمعالجة هذه الأضرار، فيمكن أن ينتج الناس الكثير، وأن يعمل الناس الكثير، وأن يحقّق الناس الكثير.

كذلك من المُـهِـمِّ التركيز على عمل الحواجز للاستفادة من المياه، على بناء السدود -إن شاء الله- بقدر ما يمكن، وبتصميم صحيح، مع الانتباه لما بقي من السدود، كيف يتم التدخل بتعاون ما بين الدولة وما بين المواطنين لما يفيد في تفادي تهدمها؛ لخطورة ذلك وما يلحقه من أضرار.

ثم أَيْـضاً مع العناية بالقطاع الزراعي الذي فيه فرصة كبيرة؛ لأَنَّ من أهم الاحتياجات والمتطلبات الرئيسية في العملية الزراعية الماء، هذا الماء بفضل الله وبنعمته توفر، ويتوفر -إن شاء الله- مع الشكر، مع إخراج الزكاة، مع الاستقامة، فهذه النعمة يجب أن نتفاعل معها شكراً والتزاماً وطاعةً وعملاً، عملاً على المستوى الاقتصادي في إحياء القطاع الزراعي، الذي هو قطاع مُـهِـمٌّ وحيوي ورئيسي في العملية الاقتصادية، ويمكن أن يمثل سنداً ودعامةً كبيرة لبلدنا ولشعبنا في مواجهة الحصار، شعبنا يعاني من الحصار معاناة كبيرة، ولكن عندما نتجه إلى واقعنا الداخلي للإنتاج، وفي مقدمة ذلك القطاع الزراعي الذي يلبي معظم الاحتياجات التي نعتمد عليها في حياتنا، هذا سيفيدنا في مواجهة الحصار، وسيمثل رافداً أَسَاسياً لتوفير القوت الضروري والاحتياجات الأَسَاسية إلى حَــدٍّ كبير، فيخفف من أضرار الحصار، ومن وطأة الحصار، ومن معاناة الناس؛ بسَببِ الحصار، هذه مسألة مُـهِـمَّة، وهي مسؤولية في نفس الوقت، لا يجوز للناس أن يكونوا كسالى، وأن يقعدوا عن العمل بما يتحقّق لهم فيه الخير لهم في الدنيا، وفيما يمكِّنهم من النهوض بمسؤولياتهم، ومواجهة التحديات من حولهم، مع العناية بإخراج الزكاة.

الدولة عليها مسؤولية في إحياء القطاع الزراعي أن تبذُلَ ما تستطيعُه من خلال إرشاد، من خلال تقديم ما يمكنها من وسائل ومساعدات، من خلال العملية الاشرافية التي تساعد الناس على فعل الكثير، وعلى إنجاز الكثير، هذا شيءٌ مُـهِـمٌّ.

أيضاً نَتَحَدَّثُ عن نعمة النصر، نعمة النصر وهي نعمة عظيمة، ونعمة مُـهِـمَّة، الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” أنعم بنصره “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” في معركة مُـهِـمَّة وحساسة، هي معركة البيضاء، المعركة التي كانت مؤخّراً في العملية الرئيسية التي تحَرّك فيها الجيش واللجان الشعبيّة، والجانب الأمني معهم أَيْـضاً في مواجهة داعش والقاعدة في (قيفة ويكلا) بمحافظة البيضاء.

القاعدة وداعش كلاهما عَمِلَ له قاعدةً أَسَاسية في (قيفة ويكلا)، وحولوا هذه المنطقة في (قيفة ويكلا) إلى بؤرة يحاولون أن يجعلوا لهم فيها تواجداً رئيسياً ينطلقون من خلاله إلى مناطق أكثر، ويتوسعون من خلاله إلى المناطق المجاورة، ويرتكبون أبشع الجرائم بحق الأهالي هناك، ويتجهون أَيْـضاً بدعمٍ واضحٍ من تحالف العدوان، ومساندة واضحة من تحالف العدوان إلى استهداف أبناء هذا الشعب، وهذا ما عملوه خلال الفترة الماضية بكلها منذ بداية العدوان وإلى اليوم، وحرصوا أن يستغلوا الدعم الذي يحصلون عليه من تحالف العدوان إلى أن يقووا وضعهم؛ حتى تتحولَ تلك البؤرة إلى بؤرة كبيرة وقوية ومتينة، وتكون بالمستوى الذي يساعدهم على الاتّجاه إما باتّجاه بقية محافظة البيضاء، أَو باتّجاه ذمار، أَو باتّجاه محافظة صنعاء، المنطقة كان موقعها موقعاً مهماً على المستوى الجغرافي، ولكن بفضل الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” منَّ الله بنصره في هذه العملية العسكرية، عملية عسكرية كبيرة أعطاها الله النصر والنجاح، وتمت السيطرة بشكل مباشر على كُـلّ تلك المناطق التي كانوا يتواجدون فيها، قُتل الكثير منهم، وفي مقدمتهم أمراؤهم هناك، وكذلك أُسِر البعض منهم، وهرب الباقون، مع أنهم حضوا بدعم وإسناد جوي من تحالف العدوان، وأتت الطائرات (الـF15، والـF16) الطائرات التي هي طائرات من أمريكا، بالقنابل التي من أمريكا، لإسناد هؤلاء الذين كانت تدَّعي أمريكا أنها تحاربهم، فالقنابل الأمريكية والطائرات الأمريكية التي تعمل تحت تحالف العدوان أتت لمساندتهم، واستهداف الجيش واللجان الشعبيّة؛ لمنعهم من التقدم إلى هذه القواعد والمناطق التي كانوا يتمركزون فيها.

هم كانوا يمثلون بؤرة شر، وبؤرة خطر على هذا الشعب اليمني، على يمن الإيمان، يمن الإيمان الذي سماه رسول الله “صَلَـوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِـهِ” فيما ورد عنه بـ (يمن الإيمان)، ويسميه أُولئك التكفيريون والدواعش يسمونه بالمجوسي والرافضي، وهو يمن الإيمان، ويكفرونه، ويستحلون دماء أبنائه، وكم ارتكبوا من جرائمَ ووثَّقوها هم: جرائم الذبح، جرائم الإعدام بدمٍ بارد، جرائم الحرق بالنار.. مختلف أنواع الجرائم التي كانوا يرتكبونها ويوثقونها بالفيديو وينشرونها، لا يمكن أن يقول أحد أننا نتجنى عليهم، أَو نفتري عليهم، فهم كانوا هناك بؤرة شر، بؤرة خطر، ودعم تحالف العدوان لهم فضيحةٌ له، وشاهدٌ إضافي على مدى ارتباطهم به، وأنهم كانوا -كما قالوا هم، وكما فعل لهم- جبهةً من جبهاته، فنعمة النصر هذه نعمة كبيرة، على المستوى العسكري لها أهميّةٌ كبيرة، على المستوى الجغرافي، ونحمد الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” على ذلك.

على كُـلّ نكتفي بهذا المقدار، مع تنويهنا إلى أهميّة أن يستمر الجميع: كُـلّ القبائل، كُـلّ المناطق، كُـلّ المحافظات، في النفير، وفي دعم الجبهات بالمال والرجال، لمواجهة العدوان والحصار المستمر، استمرارنا، وصبرنا، وثباتنا، واستعانتنا بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، وتوكلنا على الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”، ونهوضنا بمسؤولياتنا، ووعينا، واهتمامنا بصلاح وضعنا الداخلي واستقرارنا في الداخل، سيوصلنا -بإذن الله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى”- إلى النصر المحتوم، نحن نمتلك القضية العادلة، نحن الشعب اليماني المظلوم نواجه عدواناً علينا بغير حَقٍّ، هل يمتلك تحالف العدوان الحق فيما يرتكبه من جرائم بحقنا، هل يمتلك الحق وهو يحاصر هذا الشعب ويمنع عنه سفن الوقود؛ ليعذِّبَ أبناءَ هذا الشعب وليظلمهم، ولتصل هذه المعاناة من جانبه وبسبب هذا الظلم إلى كُـلّ منزل، لتكون معاناة شاملة، شعب بأكمله يعاني من هذه الممارسات الظالمة والإجرامية والتعسفية وبغير حق، فلا بدَّ من الاستمرار في كُـلّ الأنشطة الفاعلة التي تحَرّك الساحة، وتحمي الساحة، وتعمل على تماسك هذه الساحة، هذا الواقع الداخلي؛ لنستمرَّ في مسؤولياتنا هذه مع كُـلّ أملٍ وثقةٍ بالله “سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى” وبنصره، وهو “جَــلَّ شَــأْنُــهُ” القائل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية 47].

نَسْأَلُ اللهَ –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَنْ يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وَأَنْ يَرْحَــمَ شُهْدَاءَنا الأبرارَ، وَأَنْ يشفيَ جرحانا، وَأَنْ يفرِّجَ عن أسرانا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بنصْرِهِ.. إِنَّـهُ سَمِيْـعُ الدُّعَـاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com