الشعارُ ثورةٌ حضاريةٌ في مواجهة قوى الاستكبار

 

أحمد منصور الرازحي

يشير السيدُ حسينُ بدرالدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- في إحدى محاضراته بعنوان “الشعار سلاح وموقف” وبعبارات واثقة ما نصه “أليست هذه صرخة يمكن لأي واحد منكم أن يطلقها؟ بل شرف عظيم لو نطلقها نحن الآن في هذه القاعة فتكون هذه المدرسة، وتكونون أنتم أول من صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد -بإذن الله- ستكون صرخة ليس في هذا المكان وحده، بل وفي أماكن أُخرى، وستجدون من يصرخ معكم -إن شاء الله-” انتهى.

أطلقها صرخةً فيما بات يُعرف فيما بعدُ بشعار الصرخة والتي أوجزت مضامين المشروع في وقت كانت المنطقة في وضعية سيئة من الخنوع والانقياد لأمريكا تحت عنوان مكافحة الإرهاب واستراتيجية أمريكا للمواجهة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر القائمة على شعار “محاربة الإرهاب” و”من ليس معنا فهو ضدنا” فسارعت الدول، والعربية منها خُصُوصاً، إلى توقيع اتّفاقيات ما سُمِّي بمكافحة الإرهاب رغم عدم وجود تعريف واضح لمسمى “الإرهاب”، الذي تقود أمريكا العالم لمواجهته، فانطلقت تحت هذا العنوان لغزو أفغانستان تلك الدولة التي كانت أمريكا راعيةً للجماعات التكفيرية فيها طالبان ثم القاعدة والتي أطلقت عليهم فيما بعدُ مسمى ‘الإرهابيين’ بعد أن كانت تروج لهم في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي باسم ‘المجاهدين’، جاعلة منهم يداً ضاربة دخلت في حرب استنزاف طويلة الأمد مع الاتّحاد السوفيتي، والتي كانت أحد عوامل انهياره، ولكن أمريكا لم ترعَ -لهم ولداعميهم من الدول العربية- هذا الجميلَ وعلى رأسها السعودية، فقد بات الخطابُ الإعلامي الأمريكي الذي جعل من هذه الدول راعيةً للإرهاب في صورة من صور الشيطان التي يتخلى فيها عن من أغواهم في الأخير، تحت عناوينَ متعددة.

ورغم كذبة حادثة بُرجَي التجارة وما تبين فيما بعدُ من أن أمريكا هي من كانت تقفُ خلفها، فقد استغلت أمريكا الحادثةُ استغلالاً رهيباً، فاستمرت تعربد في غيها وغزت العراق في العام ٢٠٠٣ لتقتلَ أكثر من مليونَين من العراقيين تحت مسمى ‘مكافحة أسلحة الدمار الشامل’ ونظام ‘صدام حسين’ الذي لم يكن أقل نصيباً من دعم أمريكا له إبان حربه على الثورة الإسلامية في إيران، ثم ما لبثت أن انقلبت عليه كما فعلت مع لجماعات التكفيرية في افغانستان،

وفي هذا الجو من الغطرسة والاستكبار للسياسة الأمريكية التي توجّـهت فيها لحرب مباشرة -فيما أسمته تجفيف منابع الإرهاب- وتحت هذا المسمى انتقلت إلى تغيير المناهج ونزعت منها الآيات القرآنية التي تحث على الجهاد ومقارعة الظلم، وقد أوجدت بوتقة إعلامية وعلمائية واسعة من المنافقين الذين نظروا لسياساتها في قضية المناهج وغيرها من القضايا التي رأت أنها منبعٌ أَسَاسي للفكر القائم على الجهاد صد المستكبرين، في خطوة خطيرة أحرقت مراحل طويلة، من مراحل الصراع وَمواجهة الأُمَّــة الإسلامية، تحت مسمى مكافحة الإرهاب مستهدفة ‘الإسلام’ نفسه، ولتنتزع الحق في مواجهتها وتصنع من المسلمين أُمَّـةً متبلدة لا يحق لها حتى الدفاعُ عن نفسها.

كل هذا تمارسُه أمريكا في ظل صمت رهيب وخضوع وانقياد ولم تكن اليمن استثناءً من ذلك، فقد سعت السلطة حينَها إلى تغيير المناهج، وتوقيع اتّفاقيات ما يسمى مكافحة الإرهاب، وإنشاء أجهزة امنية أكثر قمعاً ووحشية، وَفي خضوع تام من السلطة في حينها، وغياب لأبجديات الرفض حتى في صفوف المعارضة اليمنية، ومن كانوا يسمون أنفسهم بالإسلاميين ممن لديهم الإمْكَانات والقدرات على مواجهة السياسات الأمريكية المتغطرسة، فقد غابت وتلاشت تلك القوى التي كانت أسداً على أبناء شعبها ممن يخالفها الرأي، نعامةً خائفة تدس رأسها في التراب في مواجهة أمريكا وسياستها في اليمن، فغابت عناوينهم الجهادية وخطاباتهم الرنانة وحتى اللحى الطويلة والتصريحات المجلجلة التي كانت عناوينَ استخدموها تجاه أبناء شعبهم شمالاً وجنوباً باسم الإمامة وتارة أُخرى باسم الاشتراكيين الكفار الملحدين، وتحولت جامعاتهم -التي أخذت عناوينَ الإيمان والقرآن والإسلام- في إنتاج نماذج إسلامية معدّلة، توافق السياسةَ الأمريكية، وتسعى لنيل رضاها ومدجنة أبناء الشعب بأن أمريكا قدرٌ محتوم وسيف مسلط وأن اليد التي لا تستطيع كسرها فيجب عليك تقبيلها، فغابت شعاراتُ الجهاد ومواجهة الصليبيين والكفار والمشركين وتحولت إلى التنظير لإسلام معتدل على الطريقة الأمريكية.

ومن هذا الجو العام على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي الخاضع والمنقاد للسياسة الأمريكية الذي توجّـهت معه أكبرُ القوى المعادية لأمريكا فألغت شعاراتِها أَو خفّفتها في أقل الأحوال، فقد انطلق السيد حسين صادعاً بالحق صارخاً في وجهه المستكبرين بشعار يستهدفُ هذه الغطرسة، في أعتى مرحلة من مراحل طغيانها، ووجّه في شعاره عبارات الموت لأمريكا وإسرائيل، ومتجاوزاً الخطوط الحمراء بلعن اليهود الذين هم المحركون الفعليون للسياسة الأمريكية، متوجّـهاً بهذا الشعار إلى رأس الاستكبار، من وضعية مستضعفة تفتقد أدنى الإمْكَانات والمقومات وفق المنظور المادي العام، لكن من يحمل ثقافة القرآن لم تكن كُـلّ تلك الهالة المرعبة لأمريكا والوضعية الضعيفة للأُمَّـة بشكل عام واليمن بشكل خاص لتضعفَه وترهبه، بل رأى فيها فرصةً حقيقيةً لأن يكون الناس المستضعفون محطاً للرعاية والتأييد الالهي وأن النصر والتمكين لا يكون إلَّا على أيدي هؤلاء المستضعفين الواعين.

وبهذا الشعار وهذه الصرخة انطلق السيد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- مرسياً بها ثقافة صحيحة وأرضيةً صلبة ومتينة لمواجهة المشروع الأمريكي في المنطقة في الوقت الذي كان العالم يسارع لكسب رضا أمريكا، ما أثار غضبَ الأخيرة موجهةً أوامرها للسلطة الظالمة حينها بشن عدوان وحرب كبيرة على هذا الشعار وصاحب الشعار والمجاميع المؤمنة التي كانت معه، وظنت حينها أن إسكات قائد هذا المشروع ستنطفئُ معه جذوةُ الشعار، ولكنها كانت الشرارة الأولى التي ستضرم نيرانَ تحرق فيها كُـلّ مشاريع الاستكبار وقواه في المنطقة وغيرها، وفي حين استمرت أمريكا عبر أذنابها في مواجهة هذا المشروع بكافة السبل والوسائل، مستخدمةً قوةَ الدولة ومقدراتها مُرورًا باستخدامها لأشكال أُخرى من مشيخات زائفة أخذت طابعَ القبيلة، ومستخدمة أَيْـضاً أحزاب ورموز النفاق باسم الإسلام من التكفيرين وغيرهم من رموز الفساد، وُصُـولاً إلى استخدامها دولاً إقليمية، فزجت بها بشكل مباشر بعد أن كانت من خلف الستار لمواجهة هذا المشروع القرآني وشنت عدواناً غاشماً ظالماً استهدف الشعب اليمني أرضاً وإنساناً، في صورة متدرجة لأوراق العدوّ الأكبر أمريكا وإسرائيل والتي احترقت واحدةً تلو الأُخرى؛ لأَنَّها انطلقت وفق شعار واضح يحمل مشروعاً حضارياً لاستئصال الغدة السرطانية إسرائيل والتي تضمن الشعار استراتيجية واضحة لمواجهتها مدركاً لخطورتها التي تتجاوز حدود فلسطين المحتلّة، وكذلك لكسر وإفشال المشاريع الأمريكية في المنطقة محصناً هذا البلد من أن يكون فيها عملاء وقادر على أن يكونَ أرضية صلبة التف حولها الشرفاءُ من أبناء هذا الشعب المبارك.

ولعل أبرز ما حقّقه شعارُ الصرخة أنه استطاع صناعةَ أُمَّـة قادرة مقتدرة على تحويل كُـلّ الصعوبات المحيطة إلى فرص للنجاح وجعل منها نموذجاً شجّع القوى الحرة في العالم وأثبت لها أن أمريكا ليست قدراً لا مفرَّ منه، مثبتاً بذلك صحة النظرة التي انطلق بها السيد حسين -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- ومبدداً زيفَ وادِّعاءات ورؤى المنبطحين من أبناء هذه الأُمَّــة.

وها نحن اليوم نشهدُ مصاديقَ هذه الرؤية التي حوّلت الشعب اليمني إلى معادلة صعبة إقليمياً ودوليًّا كثمرةٍ من ثمار هذه الصرخة المباركة التي أصبحت شعاراً ومقصداً لكل الأحرار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com