من وحي التضحية

 

إكرام المحاقري

قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

فعندما يكون الكان فعلاً ماضياً، لا بُد من تدخل “ي” المضارع؛ كي نعيش اللحظة بكل تفاصيلها الجميلة، وبذلك لن نفقد أنفاساً عطرة لمن ارتقت أرواحهم إلى جوار بارئها، كريمة عزيزة حية تُرزق، وتأتي “لا” النافية لتبين لنا عظيم المقام وكيف يجب أن نصيغ جمل المقال في حضرة الرئيس الشهيد صالح علي الصمّاد (أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

لن يلفظ اللسان قولاً حزيناً تالياً لحن الحزن وتالياً كلمات الندم بكلمة لها معنى الحسرة “يا ليتك كنت فينا”، فحقيقة الأمر هي مُعاكسة لذلك، فالشهيد الصمّاد ما زال فينا بكل تفاصيل حياته الجهادية، ومن نهر تضحياته ارتوينا ثقافة نورانية وتعلم منه العدوُّ قبل الصديق معنى الإنسانية في زمن تكاثرت فيه الحيوانات البشرية.

لسنا أهلَ دنيا، ولا نبتغي من هذه المسيرة دنيا، ولا نريد زائلاً، هذا هو مبدأ المسيرة القرآنية الذي جاء على لسان الشهيد المغدور البروفيسور أحمد شرف الدين، ولم يكن مبدأ الرئيس الشهيد إلّا ذاك المبدأ القرآني الزاهد في نعيم الدنيا ومخلفات جميع مناصبها، ومن هذا المنطلق تحَرّك الصمّـاد قدوة وقائداً ونبراسَ عِلم، حتى أصبح الجميع يقول: كلنا الصمّـاد، ليس اسماً بل ثقافة وموقف وتوجّـه، ولتقم قيامة البندقية على رؤوس أعداء الدين والوطن والإنسانية.

عامان من الحكم كألف عام من الرحمة المجتمعية والرؤية الوطنية والحرية للرئيس والشعب، ولم يكن الصمّـاد إلّا كما قال وصدق: دولة للشعب وليس شعباً للدولة، وهذا ما أثبته واقعه المتواضع الذي قلَّ نظيره بين حكام بلدان العالم، خَاصَّةً ما بعد القرن العشرين، حيث أصبح الحكام يقدمون أنفسهم للشعوب آلهة تُعبد من دون الله، كأصنام وأعجال بشرية تُعلى ولا يُعلى عليها، في الوقت الذي تعيش فيه شعوبهم الفقر والحرمان والظلم، وهم يعيشون البذخ والترف على حساب شعوبهم، ويعيشون الذلة والهوان تحت أقدام أمريكا وإسرائيل وسائر دول الاستكبار العالمي.

فِعلاً فأمام ما نلاحظه ونشهده من أحداث ماضية وحاضرة ومن حياة عاشها الحكام، سواءً في اليمن وغيرها، نجد بأن الرئيس الشهيد كان رئيساً محسوباً على فئة المستضعفين لا يمتلك مسكناً إلّا ذاك المنزل البسيط المتواضع، وكأنه منزل مواطن فقير، أما منزله الأصلي فقد طغت عليه يد الإجرام ونالت منه بصواريخ حقدها حتى ساوته بالأرض، فعن أي شيء نتحدث وماذا نترك للزمان أن يحدثنا به؟!.

فقد احتوى التاريخ أنفاس الرئيس الشهيد صالح الصمّـاد، قبل أن يحتوي مآثره وبطولاته وشجاعته وبلاغة لسانه وكياسته ورجاحة عقله ورحابة صدره، ليس في أَيَّـام حكمه التي كانت بدايتها تضحية ومغامرة في ظلِّ نزاع الأحزاب وتربص قوى العدوان وأدواتها في العاصمة صنعاء ممن افتضح أمرهم في نهاية المطاف.

فالبداية الحقيقية كانت من أَيَّـام العام 2004م، أي منذ بداية الحرب الأولى على محافظة صعدة وما تلاها من حروب ظالمة وغاشمة، استهدفت الهُوية الإِيْمَانية والحكمة اليمانية والدستور الحقيقي لليمن كدولة حكمها جمهوري مستقل قراره بيد البرلمان والدولة والشعب، وليس بيد القوى “الصهيوأمريكية”، التي عمدت لإشعال فتيل تلك الحروب علّها تُخرس صوتاً صرخ بالحق وأعلن البراءة منهم ومن سياستهم الدموية المقيتة.

آنذاك كان الصمّـاد رجل حرب، بذل نفسه وضحى بكل ما يملك ضريبة؛ مِن أجلِ الدين والشعب اليمني، علّه يفيق مما كان عليه من تدجين إعلامي رهيب، وليس انتقاماً لنفسه ومنطقته ورفاقه التي نالتهم يد الإجرام، على رأسهم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.

فبداية حياته تضحية وختامها مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون؛ مِن أجلِ بناء الدولة بتلك الرؤية القرآنية الصمّـادية الحكيمة (يد تبني ويد تحمي)، فنحن الشعبَ اليمني مدينون للشهيد الرئيس بدمه الذي بذلَه؛ مِن أجلِنا لنعيش في كرامة ووعي واستقلال، كلنا الصمّـاد ليس اليوم فقط، بل على مر الزمان، وللخونة العار أكثر مما هم عليه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com