ما بين ليلة العدوان وهذه الليلة!

 

سند الصيادي

لم يكن فجرُ السادس والعشرين من مارس فجراً اعتيادياً، فقد حوى حدثُه كُـلّ أوجاع وَأغبان الشعور بالضعف والدونية التي جرعونا إياها حكامنا المتعاقبون ومضت عليها حياتنا وتعاملاتنا كيمنيين مع العالم من حولنا كثقافة وواقع حافل بالتناهيد والنكات الساخرة.

كان دويُّ الانفجارات يقض المهاجع وَيصم المسامع، وصراخ الفزع يتداعى في الارجاء من كُـلّ اتّجاه، والشرائط الحمراء أسفل الشاشات تحوي مفردات التبجح والاستعلاء التي تضيف إلى كومة الأوجاع أوجاعاً أُخرى.

يسألنا الأطفال المفجوعون عن ماذا يحدث، فنعجز أصلاً عن إيجاد إجابة لأنفسنا عن حيثيات وأسباب هذا العدوان الغادر الذي لم نكن نتوقعه، ولم يكن لنا من سلاح كمواطنين لردعه أَو اتقائه سوى التمتمة بعبارات الاحتساب لله والدعاء له باللطف على شعبنا المظلوم المكلوم، وأن يجازي الظالم بما اقترف فينا ولو بعد حين.

مرت الأيّام وَالعدوّ يمارس بهوس وحقد دفين هواياتِه في اختيار طرق القتل لشعبنا، ففتك فينا في كُـلّ ظرف زمان ومكان، لم يفوت سحراً ولا فجراً ولا شروقاً ولا غروباً، ولم يستثنِ منزلا أَو مشفى أَو مسجدا أَو سوقا أَو صالة مناسبات أَو مزرعة أَو مشغلاً أَو مخيماً أَو قارعة طريق إلّا وَوضع لنا فيه ذكرى لمجزرة هنا أَو هناك..

لم يوفر خياراً إلّا ووظّفه لتركيعنا وَإخضاعنا، فبعد أن أحكم حصاره علينا براً وجواً وبحراً، حشد ضدنا كُـلّ مرتزِقة العالم، واشترى لموتنا كُـلّ نوعٍ متوفرٍ من السلاح الفتاك، وَأنفق لأجل الصمت على ما يفعله من جرائمَ بنا كُـلّ ما كان في خزائنه من مال وودائع وكل ما في جوف ارضه من نفط، وَكُـلّ ما في أرجاء الحرمين الشريفين من فتاوى كهنته. وكل ما في جعبة سدنة الأقلام والإعلام من حروف، فعل ما لم يفعله من سبقوه من طواغيت التاريخ ليضرب ضربته السريعة وَيحكم حكمه..

ثم ماذا حدث؟!، وكيف كانت النتائج، وَكم مضى على كُـلّ ذلك المكر، وأين نحن اليوم.. وأين أهله؟!.

لم ألقَ الإجابات الكافية لطفلي قبل 5 أعوام ، غير أنه وقد دخل اليوم في عامه العاشر، بات وعيه قادراً على أن يفهم مفردات الكلمة وَتفاصيل القصة كاملة منذ تلك الليلة، عن دوافع هذا العدوان وَما حقّقه بعد كُـلّ هذه السنين، وكيف استطاع الرجال أن يتجاوزوا كُـلّ الأشواك والحصى وَينتفضوا من بين الرماد بأقدام حافية دامية وَسواعدَ فتيةٍ قوية وَجباة لا يطاول هاماتها بروج الزجاج وناطحات السحب.

كيف أحالوا التحديات إلى فرص.. وَالموت حياة وَالهوان عزة وَالمستحيل ممكناً، كيف قلبوا المعادلة وَغيّروا الموازين وَرجحوا الكفة، فباتوا هم القول والفعل؟!.

كيف خرت سقوف الماكرين وَخسف الله بهم الأرض، وصدق وعدُ الله وَكذبت نبوءاتُ الدجالين، وعلا صوتُ القائد.. وخفت صوت أصحاب الجلالة والسمو؟!، وَالإجابات لكل ما سبق باتت حاضرةً في متناول طفلي هو وأبناء جيله والأجيال من بعده..

وختاماً.. ما بين تلك الليلة وَبين هذه الليلة التي كتبت فيها هذه الحروف بونٌ شاسعٌ بمقياس سنوات الضوء، وَترجمان الإيمان والبندقية الذي لا يتقن فهم مصطلحاته إلّا أحفاد الأنصار.. صُنَّاعُ المعجزات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com