الدكتور المداني : دول العدوان تعمَّدت استقطابَ الكوادر الطبية الكفؤة لمضاعفة معاناة اليمنيين

الدكتور عبدالسلام المداني –رئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة السرطان- لصحيفة “المسيرة”:

 

لقاء| هاني أحمد علي:

أكّـد الدكتور عبدالسلام المداني -مجلس إدَارَة صندوق مكافحة السرطان-، أن تحالُفَ العدوان السعودي الأمريكي سعى ومنذ بدء العدوان على اليمن الذي يدخل عامه السادس بعد أيام، إلى تدمير القطاع الصحي وقصف المستشفيات والمراكز الصحية في كثيرٍ من المحافظات اليمنية، من ضمنها مستشفيات تابعة لمنظمات دولية، إلى جانبِ تدميرِ الاقتصاد وإنهاء أية مظاهر التنمية وتشديد الحصار على الشعب اليمني عبر كثير من الوسائل والخطوات القذرة أبرزها قطع رواتب الموظفين، والتي كانت واحدة من أهم الأسباب التي جعلت كَثيراً من أطباء اليمن يتركون عملهم.

وأوضح الدكتور المداني في لقاء مع صحيفة “المسيرة” أن دولَ العدوان لا تريدُ أن تستمرَّ الحياةُ في هذه البلد وهدفهم الوحيدُ هو قتلُ المجتمع اليمني وارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق هذا الشعب الأعزل على مرأى ومسمع العالم ومنظمات الأمم المتحدة.

ودعا رئيسُ مجلس إدَارَة صندوق مكافحة السرطان، إلى ثورةٍ حقيقيةٍ في قطاع الصحة وتصحيح الاختلالات والأخطاء التي كانت ترافق هذا القطاع طيلة العقود الماضية، كما دعا إلى تفعيل دور جامعة صنعاء وفتح باب الماجستير والدكتوراه في جميع المجالات، معرباً عن أسفه بأنه وإلى الآن لم تفتح الجامعة المجالَ لمنتسبي الصحة؛ مِن أجلِ الحصول على شهادات عليا في الاختصاص الطبي، معرباً عن شكره لوزير الصحة طه المتوكل الذي تكرم بفتح مساقات جديدة لم تكن مفتوحة من قبل، كجراحة التجميل، جراحة الاوعية الدموية وغيرها، مبيناً أن الكثيرين فقدوا حياتَهم من قبلُ؛ بسَببِ النزيف وافتقار اليمن لأطباء جراحة الأوعية الدموية وكانت اليمن تمتلك 4 أَو 5 جراحين في أمانة العاصمة، لكن الآن الحمد لله هذه السنة ستشهد تخرج الدفعة الثانية من الجراحين وأصبحوا يغطون جميع المحافظات، مطالباً المجلس الطبي بسرعة فتح المجال لجميع التخصصات، مضيفاً: “نحن حاولنا معهم الآن في مجال الأورام والحمد لله حصلنا على موافقة وزير الصحة وتم تشكيل المجلس العلمي وننتظر من مركز الأورام السرطانية المسارعة في عملية وضع البرنامج”.

 

جراحٌ واحدٌ في مجال الأورام السرطانية باليمن:

وأشَارَ الدكتور المداني، إلى أن نظام التعليم في السنوات السابقة كان يعمل بعشوائية لا سيما في مجال الطب وظل هذا الاختلال طويلاً، والدليل على ذلك أنه لا يوجد لدينا الآن إلا جراح واحد في مجال جراحة الأورام، وهو معني بعلاج ثلاثين ملايين مواطن يمني، ولديه مؤهل جراحة أورام، وهذه كارثة حقيقية يدفع ثمنها أبناء اليمن غالياً؛ لأَنَّه لا التعليم العالي ولا الصحة ولا الجامعات كانوا يفكرون في إيجاد مخرجات بحسب احتياجات البلد.

وحول ظاهرة تسرب الأطباء من المستشفيات الحكومية والسفر للخارج أَو الانتقال للعمل في مستشفيات خَاصَّة، كشف رئيس مجلس إدَارَة صندوق مكافحة السرطان، أن ما يحدث هو نوع من أنواع الحروب التي تُستخدم الآن ضد الشعب اليمني، وتتمثل في استقطاب الكوادر والعناصر التي تستطيع أن تقدم الخدمة للمواطن ويستفيد منهم الفقراء والمعوزون، سواءٌ أكان في مجال الصحة أَو الهندسة أَو غيرهما، مبيناً أن ظاهرة تسرب الأطباء من المستشفيات الحكومية هي من زمن سابق وليس من اليوم، مستدركاً: “ولكنها زادت كثيراً خلال السنوات الأخيرة وتحديداً منذ بدأ العدوان وقطع المرتبات”، مضيفاً: “للأسف الشديد هناك تقصير وكان التوجّـه لدى الحكومات السابقة هو عدمُ إعطاء كُـلّ ذي حقٍّ حقه، فمثلاً أنا كطبيب عمل براتب 80 ألف ريال شهرياً وَللأسف الشديد هذا المبلغ قيمة عملية واحدة، فتخيل أن الطبيب لا يستطيع الحصول على حياة كريمة تمكّنه من أداء عمله بكل تفانٍ وإخلاص؛ ولذا فقد أسأنا إلى أنفسنا من خلال التعامل غير الإنساني مع المرضى، الأمر الذي دفع الجميع لتصنيف جميع الأطباء تصنيفا واحدا، انطلاقاً من مقولة السيئة تعم”.

واتهم الدكتور المداني تحالفَ العدوان باستغلال الوضع الاقتصادي والصحي المتدهور في اليمن وقام باستقطاب الكوادر والعناصر التي تستطيع أن تقدم الخدمة إنسانية للمجتمع بعد أن قضى على البنية التحتية وَدمّرها بشكل كلي، ومنها قطاع الصحة الذي تضرر كثيراً، مؤكّـداً أن العدوان تعمد وبشكل ممنهج الإساءة لكل أطباء اليمن بعد أن قطع مرتباتهم ومصدر دخلهم الوحيد بعد أن نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن في إطار حرب اقتصادية قذرة، وقد كانوا جميعاً يزاولون أعمالهم ويصبرون ويصمدون أثناء ما كان يُصرف شهرياً رغم محدوديته وقلّته، الأمر الذي دفع بعضَ أولئك الأطباء لترك العمل في المستشفيات الحكومية والتوجُّـه إما صوب المستشفيات الخَاصَّة أَو السفر خارج البلد، لافتاً إلى أن هناك أسبابا أُخرى أدّت إلى تسرُّب الأطباء من المستشفيات، ومنها قصف المستشفيات والمراكز الصحية وحتى قصف المستشفيات التي تديرها المنظماتُ الدولية، كما حدث في عبس وفي حيدان وفي غيرها، فهم يريدون أن تتوقف عجلة الحياة داخل اليمن.

 

دعوةٌ لحكومة الإنقاذ لمراجعة حساباتها:

وعبرَ صحيفة “المسيرة”، طالب رئيسُ مجلس إدَارَة صندوق مكافحة السرطان، حكومةَ الإنقاذ الوطني، ممثلة بوزارة المالية أن تراجع نفسها وحساباتها، موضحاً بأن هناك تضارباً وظلماً وإجحافاً يتعرض له الطبيب اليمني، فمن غير المعقول أن يكون مرتب الممرضة الهندية يصل إلى 600 دولار شهرياً بينما الطبيب اليمني مرتبه فقط 100 دولار، مضيفاً: هنا لا يستطيع الطبيب اليمني أن يبدع أَو أن يقدمَ جهوده وعطاءَه كما يلزم مهما كان، ويظل يقارن بينه وبين الممرضة الأجنبية التي تتقاضى أضعاف أضعاف راتبه الشهري، مُشيراً إلى محاولاته عقب ثورة 21 سبتمبر 2014 ومغادرة الكثير من الكوادر الاجنبية البلد، التواصل مع قيادة وزارة المالية؛ مِن أجلِ حل مشاكل الكوادر اليمنية ومعالجة مستحقات ورواتب الأطباء اليمنيين، إلا أنه رفض آنذاك من قبل الحكومة التي كان يرأسها المرتزِق بحّاح، ما يؤكّـد أنها ثقافة راسخة كانت متجسدةً طيلة عقود من الزمن، وهي ثقافة الجهل التي ظلم معها الطبيب اليمني وجعلته يتقاضى أدنى الأجور والمرتبات.

وأضاف الدكتور المداني: إن مسئولية الدولة في السابق لم تكن موجودة لدى النظام، وبالتالي لم يكن يحرص على الاهتمام في ذلك الزمان بالأطباء اليمنيين، لا سيما ذوي الكفاءات والخبرات والاستشاريين والجراحين الكبار، وبالتالي كان باستطاعة أي مواطن يمني أن يغادر صنعاء إلى أي بلد يتعالج في أية لحظة وبأي وقت أراد؛ لأَنَّه لا يريد أن يحصل على العلاج داخل البلاد، ناهيك عن كُـلّ المسئولين من درجة مدير عام وما فوق الذي كانوا يذهبون إلى الخارج للحصول على العلاج على نفقة الدولة ولو كانت أبسط الأمراض، بالإضافة إلى شريحة المزارعين والتجار الذين حوّلوا طائرات اليمنية إلى طائرات العيّانين كالتي كانت تذهبُ في رحلات يومية إلى القاهرة والأُردن والهند وغيرها.

وبيّن أن الدولةَ تحتاجُ إلى أن تراجُعَ نفسها، وأن تعطيَ حقوقَ الطبيب على أكمل وجه، وليس بالضرورة أن تعطي نفسَ ما يعطى الطبيب في السعودية والخليج، بل بالحد الذي يجعله يستغني عن السفر للخارج، وغالبيتهم موافقين على ذلك؛ لأَنَّ هناك فرقاً بين أن تعيشَ في السعودية وبين أن تعيشَ في اليمن، حيث ستعيش في اليمن معززاً مكرماً بعزة وكرامة مرفوق الرأس، لكن في السعودية أَو دول الخليج لو يعطيك 5 ملايين أو 10 ملايين في الشهر ستظل تشعر بأنه ليس لك قيمة؛ لأَنَّ كرامتك منتهكة حقيقةً.

 

احتكارُ الطب لأبناء النافذين والمسئولين

وأردف الدكتور المداني قائلاً: “الشيء الآخر لا ننسى أن هناك قطاعاً كبيراً في الجانب الصحي كان يتبع جهة معينة سياسية حزبية، صحيح أن مرحلة الثانوية كانت متاحة للكل، ولكن عندما تصل إلى الجامعة في مجالات معينة كانت تدار بشكل معين كمدير بعثات أَو كمدير تعليم عالي تصبح هذه المقاعد حكر على جانب معين وفئة معينة من أبناء المسئولين والمشايخ، وكانوا يبنون أنفسهم ويخططون لذلك؛ ولهذا تجد غالبية المستشفيات الخَاصَّة تتبع قطاعا خاصا واضحا ومعروفا، وهم في نفس الوقت عامل من عوامل أنهم سحبوا كوادرَهم، مضيفاً ‘‘أتمنى من وسائل الإعلام تسليطَ الضوء على قضايا مثل هذه وأن يعطيها مساحة؛ كون الإعلام يركِّزُ دائماً على السياسة، وبالتالي يجب أن يعطيَ جانبَ الصحة مساحةً معينةً، كما أطلب من الإخوة في الإذاعات أن يعطوا المجال حيزاً في البرنامج اليومية للجانب الصحي ولو حتى ربع ساعة في اليوم يناقشون فيها قضية من القضايا الصحية، وأتمنى أنه يأتي اليوم الذي يعملون فيه مثلما كان يعمل الإعلام في الأُردن، كانوا يعملون مقابلة مع وزير الصحة، ويطرحون عليه قضايا معينة، وبعد شهر يعودون إليه ويعرفون ماذا قدم وماذا صنع للناس، ومشكلتنا أننا نعمل لقاءً مع مسئول في قطاع الصحة ونغيب عنه سنوات ولا نعود إليه مرة أخرى إلا وقد تغير بشخص آخر’’.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com