وحشية العدوّ زادتنا معرفة به وبمشاريعه الهدامة وهو ما زاد من قوتنا وإيماننا بعدالة قضيتنا

الأسير المحرّر أحمد صالح المطري في حوار خاص للمسيرة:

 

جلداً بالسياط وتعليقاً في الجدار ونزعاً للملابس وَالإهانة والتوبيخ بالشتائم والمعاملة الحيوانية بتقديم الأطعمة الملوثة والمشروبات الفاسدة، يُمارس العدوانُ ومرتزِقته أبشعَ الجرائم وأشدَّ وأنكأ أنواع التعذيب بحقِّ الأسرى من أبناء الجيش واللجان الشعبيّة في سجون مأرب، وذلك في ظلِّ تواطؤٍ أممي مخزٍ ومفضوح.

هكذا وصف الأسيرُ المحرّر من سجون مأرب، المجاهد أحمد صالح المطري، في حوارٍ صحفي لصحيفة المسيرة، ما يجري للأسرى في سجون المرتزِقة، مؤكّـداً أن مرتزِقةَ العدوان قاموا بأسر العديد من المدنيين على أَسَاس مناطقي ومذهبي.

وأوضح الأسيرُ المحرّرُ المطري، أن مرتزِقةَ العدوان يتعاملون مع الأسرى تعاملاً طائفياً مذهبياً، مُشيراً إلى أن الأسرى يتعرّضون باستمرار للتعذيب الجسدي والنفسي من قبل القائمين على السجون.

وتطرّق المجاهدُ المحرّر إلى عددٍ من الجوانب والقضايا التي عاصرها الأسرى المجاهدون نستعرضها في نصِّ الحوار التالي:

 

حاوره: محمد ناصر حتروش

 

– أبو هاشم المطري.. في البداية كيف أُسرت؟

أُصبت بطلقةٍ في رأسي، وَأُخرى في رجلي، وتم أسري من الجبهة وأنا جريحٌ فاقدُ الوعي، وعندما صحيت وجدت نفسي في أحدِ مستشفيات مأرب.

 

– هل قام المرتزِقة بالتحقيق معك وكيف آلية التحقيق؟

أخرجني أحدُ المرتزِقة إلى عند عبدربه الشدادي، وطالبني الشدادي بإعطائه معلوماتٍ عن مخازن الأسلحة وأماكن التصنيع الحربي، وحينما أخبرته بأني لا أعلم شيئاً، تم نقلي للسجن وثم التحقيق، وكانوا مصممين أن يعرفوا مني مخازنَ التسليح وأماكنَ تخبئة الصواريخ، وعندما لم يجدوا أيةَ معلومة علقوني بالسرة إلى سقف السجن، وظللت معلقاً في سقف السجن حوالي ثلاث ساعات، حتى خرجت عن الوعي وكنت ما زلت جريحاً لا أقدرُ على الحركة.

ثم نقلوني بالنقالة إلى السجن ورجموني من النقالة إلى وسط السجن عند إخوتي المجاهدين الأسرى، حَيْــثُ رحبّوا بي وكانوا يهتمون بي ويدربوني ويخرجوني إلى الحمام.

وأثناءَ التحقيق معي كانوا يُصرّون على معرفة أسماء المشرفين الذين يديرون الجبهات.

وحينما نقلوني إلى المستشفى، أخبرني الطبيبُ بالتوقيع على العملية، وحينما رفضت التوقيعَ كانوا يعطوني حبوباً كلما شربت الحبوبَ كنت أتشنّج، وفي حالة أني أرفض شربَ الحبوب كانوا يعتدون عليَّ بالضرب.

وأثناء تدريبي على المشي من قبل إخوتي الأسرى دخلت إلى الحمام ووقعت على الأرض وكسرت عظماً من شقي الأيمن، وجلست ثلاثة أَيَّـام وأنا لا أستطيعُ التنفس، وكان الأسرى يناشدون القائمَ على السجن بإسعافي إلى المستشفى، ولكنهم لم يسعفوني إلّا في اليوم الثالث.

 

– كيف كان التعامل مع زملائك من الجرحى الأسرى؟

حينما أسعفوني للمستشفى وعملوا لي عمليةً، كان معظمُ الأطباء يريدون التعاملَ بإنسانيةٍ مع الجرحى الأسرى، ولكنهم كانوا مضغوطين من قبل قيادات المرتزِقة، وحينما ردوني للسجن كان يأتي أبو رعد -أحدُ القائمين على السجن-، وينزع عنا الملابسَ ويضربنا بالعصا، بحجّة عدم استجابتنا لأوامر التدريب والتمارين.

والدكاترة البعضُ منهم كان يتعاملُ معنا بوحشية، والبعضُ يتعاملُ معنا بإنسانية، بعضهم كان يتعامل بوحشية حتى في ضرب الإبر، ويتعامل بزنط وكأننا لسنا من البشر، وبعضُ الدكاترة كانوا يتعاملون معنا بإنسانية.

كان أحدُ المرتزِقة يقوم بضربِنا على وجهنا وجلدنا بالأسلاك الكهربائية ونحنُ جرحى في المستشفى، حتى أن “أبو قعشة” جاء لضربنا وجلدنا في المستشفى، ولطم أحدَ الجرحى في وجهه، فقامت إحدى الممرضات الهندية في المستشفى بضرب “أبو قعشة”، حَيْــثُ قامت بلطمه على وجهه، وقالت له: ما لك هؤلاء جرحى ما يجوز تعمل بهم هكذا.

 

– كيف كان الاهتمام الصحي بكم؟

كانوا يغسلون الغرفةَ كُـلَّ ثلاثة أَيَّـام، ونحنُ لا يسمحُ لنا إلّا بالاغتسال مرةً واحدة في الأسبوع، والحساسيةُ انتشرت في أجسادنا.

وبخصوص الملابس، كانوا يعطوننا في السنة (شميز ومعوز وفنيلة بيضاء) تتسخ سريعاً، وكانوا يمنعوننا من غسلِ الملابس، وكانوا يعطوننا “سطل” صغيراً للاغتسالِ به.

 

– هل كان يحصل الأسيرُ على ما يكفيه من الأكل والشراب؟

لي أربع سنوات، ما قد عرفت نفسي شبعت، كانوا يعطون لنا (كدم معفنات، وطبيخ ماء، ورز مليء بالصراصير، وفول رائحته نتنة).

 

– هل كان المرتزِقة يعملون على تعذيبكم باستمرار، أم أنها أوقات منفصلة؟

في كُـلِّ عملية نصر ينفّذها المجاهدون، كان المرتزِقة يأتون إلينا ويعذبونا طوالَ اليوم، يعني إذَا أطلق المجاهدون صاروخاً كان يزيدُ التعذيبُ بحقِّنا، ولكن أنا وجميع الأسرى كلما كان العدوُّ يعذبنا ويتوحش علينا زادت معنوياتنا وزاد تمسّكنا بقضيتنا.

في السجنِ عشنا أسوأ أَيَّـام حياتنا، ولكنا بالثقة بالله وبالتعاون والتكاتف بين الأسرى، جعلنا الأيّامَ المريرة داخل السجن أَيَّـاماً حلوة، وكنا نستفيدُ من كُـلِّ حركةٍ يقومُ بها العدوُّ، حَيْــثُ عرفنا العدوَّ على حقيقته وزدنا بصيرة بأنا على حقٍّ.

 

– بالنسبة لأداء الشعائر الدينية كـ “الصلاة والصيام والتسبيح والاستغفار”.. هل كنتم تمارسونها بشكل طبيعي وبدون أية مضايقة؟

كان العدوُّ يمنعنا من التسبيح وصلاة الليل وتطبيق البرنامج اليومي، وكانوا يسألونا عن البرنامج اليومي وكأنه حاجةٌ غريبةٌ لديهم.

وكانوا يمنعونا من قراءة سورة (يس)، وَيجازونا ويعذبونا ويحاصرونا، وَيسألونا عن نوع البرنامج الذي نطبقه وعن كيفية التسبيح والاستغفار.

وأثناء الصلاة كان أحدُ القائمين على السجون يُدعى “أبو قعشة”، يأمرنا بأن نصليَ بضم أيدينا وكان يقولُ: هانا صلّوا على شريعتي.

وكانوا يطبقون علينا المنهجَ الوهَّـابي بكلِّ حركاته وأوامره ويأتون بالمطاوعة؛ كي يحاضرونا ويحرضونا على القيادة الثورية والسياسية، وكانوا يعطوننا مناهجَ وهَّـابية كرياض الصالحين، ومناهج ابن تيمية وابن عثيمين وغيرها من المناهج.

 

– هل هناك نماذج من الأسرى تم تعذيبُهم واستُشهدوا داخل السجون؟

أذكر واحداً اسمه خالد القريش -اللهُ يرحمه- استُشهد داخلَ السجن، دخلوا يعذبوننا وكانوا يضربونه بشكلٍ متواصلٍ، حتى أنه من كثرة ما ضربوه كان يخرجُ كُـلُّ ما يأكله، وكانوا يركضونه في بطنه وفي معدته، وفي اليوم الثاني دخل أكثرُ من عشرين مجنداً وفي أيديهم العصي والأسلاك الكهرباء وكانوا ملثمين، وكانوا ينهلون بالضرب على الشهيد خالد القريش وهو مريضٌ، وكان يقولُ لهم: اتقوا اللهَ أنا مريض، وكانوا يقولون له: ‘‘موت يا رافضي موت يا كلب’’، كانوا يركضونه في بطنه حتى أنه من شدّة التعب والمرض كان يتبرّز بالدم، وكنا نطالب الدكتور بإسعافه أَو إعطائه علاجاً، لكنهم كانوا يرفضون ذلك حتى اشتد مرضُه واستشهد في السجن.

 

– هل هي حالة نادرة سقوط الشهيد أم أنه يسقط العديدُ من الشهداء نتيجةَ التعذيب؟ وكيف يتم التعاملُ معهم بعد استشهادهم؟

حوالي العشرات من الأسرى يسقطون شهداء، ولا نعرفُ أين يذهبون بهم، وكانوا يشتبهون ببعض الأشخاص ويتهمونهم بأنهم قيادات، ويقومون بتعذيبهم حتى القتل.

 

– المنظمات الدولية والمحلية بأنواعها الصحية والحقوقية.. كيف كان تعاملهم معكم؟

في أحدِ المرات، جاء إلينا أناسٌ يلبسون بدلة، وقالوا لنا إنهم منظمةُ حقوق الإنسان، وإنهم سينقلون معاناتنا إلى الأمم المتحدة، وفجأةً وجدنا الأشخاصَ الذين جاءوا إلينا بالبدلات، أتوا بعد فترة إلى السجن وهم يلبسون “ميري”، يعني أنهم من المرتزِقة القائمين على السجون ولا توجد أيةُ منظمة.

 

– هل جميع الأسرى من أفراد الجيش واللجان الشعبيّة؟

لا، كانوا يختطفون ويعتقلون معظمَ الأشخاص من النقاط والشوارع، وهم لا يمدون لأنصار الله أَو الجيش واللجان الشعبيّة بأية صلة.

كان المرتزِقةُ يعتقلون أشخاصاً مجانين، حتى أنهم اعتقلوا تاجراً من عمان بتهمة أنه تابعٌ للمخابرات الإيرانية، وهو كان معه جواز إلى إيران لمعالجة عيونه، مسكوه وجابوه إلى الزنزانة، كانوا يعطون له الكدم وهو لا يعلمُ ما نوع الأكل الذي يقدّمونه له، حتى أنه لا يعرفُ ما معنى “كدمة”، سلبوا مالَه وبضاعته وأُصيب بمرضٍ شديدٍ لم يتقبّل بالوضع الذي هو عليه الأسرى.

 

– هل كان يتحدّث المرتزِقة عن قدرات أنصار الله وتعاملهم مع الأسرى؟

نعم كانوا يدخلون إلينا ويخبروننا أننا على حَـقٍّ، كانوا يقولون: الحوثي على حَـقٍّ لكننا نريدُ المالَ.

 

– القائمون على السجون هل كانوا يحرضونكم على القيادة الثورية والسياسية؟

نعم، كانوا يقولون لنا: الحوثي ما يخرّج إلّا من هو سيّد، وأنتم ما أحد يهتم بكم، وكنا نكذّب كلامَه؛ لأَنَّ السجنَ كان مليئاً بالمجاهدين من الأسر الهاشمية ومن كُـلِّ الأسر الحرة والأبية في مواجهةِ هذا العدوان الغاشم.

 

– في حالة تعرّض بعض الأسرى إلى ضغوطات مكثّـفة ما الدورُ الذي تقومون به؟

كنا نرفع له المعنويات ونخبره بأن لا يمحق أجرَه، وأننا جميعاً نتعرّض للأذى وللعذاب الجسدي والنفسي، ولكن ذلك سيُكتب عند اللهِ أجراً كبيراً ويجب علينا الصبرُ.

 

– كيف كان يتعامل معكم القائمون على السجن؟

كان “أبو قعشة” يخلسنا الملابس ويمدنا على الأرض، ويجعل إخواننا الأسرى يطلعون من فوقنا بالإكراه، كانوا يعطونا موادًّا مدرة للبول، ولكننا حصلنا على رعاية الله أثناء ذلك، فمعظمُ قادات المرتزِقة الذين كانوا يعذبونا كانوا يلقون حتفَهم بأيدي رجال الرجال من أنصار الله المجاهدين في الجبهات، مثلاً “أبو قعشة” جاءت له قذيفةٌ وخلعت يده اليمنى، ثم بقي فترة وجيزة وقُتِل.

 

– كيف تقيّمون متابعةَ القيادة السياسية لكم وكذلك تعاملهم معكم أثناء استقبالكم؟

كنّا على علْمٍ بأنَّ القيادةَ تتابعنا وتحرصُ على إخراجنا، حتى أني أُحرجت من أخلاقِ وتواضع القادة أثناء استقبالي أنا والزملاء المحرّرين، حَيْــثُ أن أحدَ القادة دنا يلبسني الصندل، وأخذ البطانية يدفئني، حتى اندهشت من التواضع والأخلاق.

 

– كلمة أخيرة لك تريد إيصالَها عن طريق المسيرة؟

نقولُ للأعداء: واللهِ إنَّا لكم بالمرصاد، واللهِ إنّا لن نكلَّ ولن نملَّ من مواجهة الطغاة والمستكبرين، وسنواجههم إلى آخر قطرة من دمائنا، أَو يأذن اللهُ بالنصر المبين.

ورسالتي إلى قائدِ المسيرة القرآنية المباركة السيّد عَبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه اللهُ ورعاه-: يا سيدي امضِ بنا فإنّا جنودك ولن نتخلّى عنك، ونشكر كُـلَّ القادة الذين يتابعون ملفَ الأسرى، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com