الحربُ على صعدة أمريكيةٌ بامتياز وكشفت وحشيّةَ السلطة وعدالةَ القضية التي حملها أنصارُ الله

المجاهدون في الحرب الأولى هم أولُ من هزم الأسلحة الحديثة وتقنياتها المتطورة

كنا أول ما نسمع الصرخةَ يزداد حجمُ الرعب والارتباك في صفوف الجيش

كان الكثيرُ من الأفراد متردّدين في قناعاتهم وكانت تحصل أحداث وتجليات تجعلنا نشعر بأننا على باطل

كانت توجيهاتُ قيادات الكتائب مليئةً بالظلم والغطرسة والتفريط في استخدام القوة تجاه المواطنين وممتلكاتهم

أحد الجنود المشاركين في الحروب الست يتحدّث لصحيفة المسيرة:

أجرت صحيفةُ “المسيرة” حواراً خاصّاً مع العريف بشير سريع من أبناء عمران حاشد، وأحد أفراد الجيش اليمني الذي زجَّ به وبغيره من أبناء شعبنا اليمني المنتسبين للمؤسسة العسكرية والأمنية , وللقبيلة اليمنية, النظامُ السابقُ في شن الحرب الأولى على محافظة صعدة , وما تلتها من حروب خأسرة؛ خدمةً للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة.

وكشف لنا تفاصيلَ جديدة حول المظالم التي تعرّض لها أبناء المحافظة, في تلك الحرب, وتجليات صمود الفتية المؤمنة التي صمدت بجانب الشهيد القائد حتى لحظة استشهاده.

وتحدّث عن عددٍ من المشاهد والتجليات الإيْمَانية التي كان لها أثرها في زرع الرعب والخوف في قلوب الجيش أمام ثلّة من المجاهدين، الذين قدّموا أقدسَ وأعظم ملحمة بطولية لنصرة الحق وأعلام الهدى، في حين روى عدداً من المشاهد نستعرضها في نصِّ المقابلة:

 

حاوره: منصور البكالي

بدايةً.. من هو العريفُ بشير يحيى سريع وإلى أيِّ لواءٍ ينتسبُ؟

أنا العريف بشير يحيى سريع أحد أفراد الجيش اليمني من أبناء حاشد محافظة عمران: أنتسبُ لكتيبة المهندسين التابعة للفرقة الأولى مدرع , تمَّ استدعاؤنا مع كلِّ أفراد اللواء ثم نقلونا إلى محافظة صعدة.

 

بعدَ وصولكم إلى محافظة صعدة.. ما هي الترتيبات الأولية التي بدأتم بها؟

أول ما وصلنا إلى معسكرٍ حول مدينة صعدة، كان هناك هجومٌ على قيادة المحور الذي يتواجد فيها علي محسن من قبَلِ الشيخ العوجري وقبيلته , وكلّفونا بحماية قيادة المحور, ومن بعد تدمير مزرعة العوجري وسقوط قتلى في صفوفه، وتأمين قيادة المحور، جمعونا في جامع المعسكر وقام علي المطري -من يُسمّي نفسه عالماً- يُحدّثنا عن أهمية مجاهدة الخارجين على القانون وفضل الشهادة , وقال: هؤلاء جماعة يسبّون الصحابةَ وهم اثنا عشرية روافض.. ومن هذا الكلام , فبدأ بعضُ الزملاء يسأل هل هذا جهاد؟! وهل من يموت في المعركة شهيدٌ؟! وهل يجوزُ لمن هو وحيد أسرة أن يجاهدَ؟!

فكان ردُّ المطري بأنَّ هذه المعركةَ جهادٌ , وأن من يقتل فيها شهيد , وأجاز لوحيدِ الأسرة المشاركةَ فيها، ومن ثم نزلت كتيبتنا لاقتحام جبل الحكمي المطل على مران.

 

من هي الألوية التي شاركت في الحربِ الأولى على صعدةَ؟

بالنسبة للجبهة التي جاءت من حيدان ومن ساقين، وكنتُ فيها، اللواء 310 الذي كان يقوده حميد القشيبي, ولواء العروبة الذي كان في صعدة وبدأ بالهجوم حتى نُكّلوا جنوده, وكذا كتيبة للمهندسين التي نزلت من الفرقة ونزلت فيها بقيادة عبدالجبار المقدشي , وعمليات الكتيبة كان أحمد الجاكي, وكتيبة من الأمن المركزي كانت مهمتهم القنص والمشاركة في الاقتحامات , غير المجاميع القبلية وما سبقها من ألوية وكتائب في هذا المحور فقط، أما في بقية المحاور فكان به لواء قديم للمحاربين الذي كان في حرض والملاحيط، ولواء ما يسمى بلواء السلام , وعدد من الأولوية والكتائب والوحدات العسكرية بتشكيلاتها المختلفة، التي لم أتذكر أسماءَها جاءت من بقيّة المحاور للمشاركة في اقتحام مران, التي قدمت من صنعاء, ومن غيرها من المحافظات، وكانت أعداد الجيش المشارك في هذه الحرب حوالي 100 ألف , إضافة إلى عشرات الآلاف من المقاتلين القبليين, فكنت أشاهد كلَّ الجبال والتباب والأودية أمامي مليئةً بالعساكر التي شاركت في هذه المعركة الظالمة , وهذا يذكرني بمظلمة كربلاء حين كان عددُ أنصار الإمام الحسين -عليه السلام- 70 مقاتلاً، فيما عدد جيش يزيد بن معاوية 70 ألفَ مقاتل بدروعهم وخيولهم, وكلّف عفاش مشايخَ ووجهاءَ القبائل بالحشد والمشاركة في تلك المعركة, وهذا يذكرنا اليوم بتحالف العدوان الذي تقوده أكبر قوة عسكرية على الأرض أمام شعب يؤمن بقوة وإرادة رب السماوات والأرض.

 

كيف كانت معنوياتكم وأنتم تعتدون على مواطنين وتهدمون منازلهم؟

للأمانة، كان الكثيرُ من الأفراد مترددين في قناعاتهم، وكانت تحصل أحداثٌ وتجليات شبيهة بالمعجزات تجعلنا نراجع حساباتنا، وتشعرنا بأننا على باطلٍ.

 

ما أبرز المحطات والشواهد التي جعلتك تراجع حساباتك؟

أولاً: الصمود الأسطوري الذي سجّله المجاهدون خلال فترة الحرب برغم قلّة عددهم وعتادهم، أمام خصم يملك من السلاح وأنواعه والمقاتلين وعددهم ما لا يجعل مجالاً للمقارنة, وبعد انهيار وهزيمة الكثير من الألوية ذات الخبرة العسكرية والمهارات العالية حينها أمام ثلة من المواطنين بعدد الأصابع والمهارات البدائية والأسلحة البسيطة , يؤمن المقاتلُ في هذا الفريق أنَّ هناك أسرارا يجب البحثُ عنها ومراجعتها, فيدب الخوف إلى صدره من أول لحظة تطلب منه القيادةُ التوجّهَ والنزولَ إلى صعدة.

ثانياً: المظالم التي شاهدتها بحقِّ أبناء تلك المناطق وممتلكاتهم , والتعامل الوحشي مع الأسرى والجرحى من المجاهدين, إضافة إلى عدد من الشواهد والأحداث والتجليات الشبيهة بالأساطير والمعجزات التي لحظتها خلال فترة مشاركتي في تلك الحرب.

ثالثاً: كنَّا نعيشُ حالةَ رعب وخوف غير مسبوقة، وكانت قناعاتُ الزملاء المقاتلين متردّدةً , خاصّةً عندما كانت توجيهاتُ قيادات الكتائب مليئةً بالظلم والغطرسة والتفريط في استخدام القوة تجاه المواطنين وممتلكاتهم، حيثُ كنا نستهدف البيوتَ والمزارعَ وكلَّ ما يتحرك أمامنا، وهذا يتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والفطرة السوية بل ومع القوانين العسكرية ذاتها.

 

هل كان لسماع الصرخة أثر على معنوياتكم؟

بالتأكيد، كنا أول ما نسمع الصرخةَ يتبعها سقوطُ قتلى أو جرحى، فكان حجمُ الرعب والارتباك يزدادُ , حيث كانت ضرباتُ المجاهدين التي تلي إنذار الصرخة مسدّدة بدقّة عالية, فكانت مجاميعنا تتراجعُ على الفور, ثم نعيد ترتيب الصفوف ورصد مصادر إطلاق النيران الموجهة إلينا, ونرفعها لوحدات المدفعية والطيران , ثم تأتي التوجيهاتُ بعد ذلك للزج بمجاميعَ جديدة من الجيش ومن القبائل, فتتكرر الانكساراتُ أمام مصادر إطلاق قليلة جداً.

 

ما نوع الأسلحة التي كنتم تجدونها بحوزة المجاهدين؟

كان مع المجاهدين أسلحة بسيطة جداً, وأعظمُ سلاح كان معهم (12.7) واحد فقط، ومعدل في بداية جبل الحكمي يقاتلوا به، وانتهى عندما تقدّم عليهم القشيبي من جهة قرية المفتاح نحوَ قمة الجبل الذي جُرح فيه الشهيدُ القائدُ بشظية في فخذه , فانسحب المجاهدون نحوَ الجرف، وأكمل اللواءُ سيطرته على الحكمي بعد أسابيع وخسائر فادحة في صفوف الجيش والقبائل , ونادراً ما كنا نسمع صوتَ بازوكة إذا ضربوا بها, ولهذا لو كان معهم بوازيك كثيرة أو استخدموها بشكلٍ كبيرٍ واستهدفوا تجمعات الجيش لما استطاع التقدّم , وما بقي معهم غير البنادق “الجرمل والآلي, والميم ون”, هذا الذي كان معهم فقط, ولذلك يُعتبر المجاهدون في الحرب الأولى هم أولَ من هزم الأسلحة الحديثة وتقنياتها المتطورة وهزموا الجيشَ بعديده وعتاده بأبسط الأسلحة.

 

كيف تعامل المجاهدون مع طيران الأباتشي؟

كان في بطولة للمجاهدين نشاهدها على مدى الجبهة , فكنا نشاهد أحدَ المجاهدين يبرز للأباتشي في رأس جبل الحكمي، ويُطلق عليها الرصاصَ من المعدل الذي بحوزته, وينتقل بين الحفر ليفقدَ الطيرانَ القدرةَ على أخذ وضعيته للقصف , فكان كلَّما قصف الأباتشي لا تصيبها القذائفُ , وأحياناً كانت توضع بين الجنود والأفراد من شدّة خوف الطيار من المعدل, فواللهِ لم أرَ أشجعَ منه رجلاً , فكان يخرج والشريط مليان يطلق به على الطيران وهو يحوم ويلف ويدور , وكان الجيشُ يوقف الإطلاق ويظلُّ يتفرّج على المشهد البطولي في رأس الجبل، في حالة أُسطورة ما بين الطائرة وما بين المترس والفرد , وهكذا كان يدور الطيرانُ على الجبل وما يعود إلى وقد غيّر البطل وضعيته, فكان المجاهدُ يطلق بعضَ الطلقات ليحطّمَ معنويات الطيار ومعنويات الجيش, وكان الطيرانُ ينفد حمولته ولا يحقق هدفاً، فيعودُ إلى مطار صعدة يعبي ويرجع، وذاك المجاهدُ يدرس مدى الفترة الزمنية لمغادرة الطائرة وعودتها ويعبي شريط المعدل بالذخيرة.

 

هل من الممكن أن تذكرَ لنا مقدارَ العتاد العسكري والخسائر في صفوف الجيش؟

يا أخي يعلم اللهُ أنَّ مقدارَ العتاد العسكري الذي استخدم في ثلاثة أشهر لتلك الحرب يكفي لمواجهة العدوان لثلاث سنوات؛ لأنَّ الضربَ كان عشوائياً، وتصبُّ النيران على كافّة المساحة الجغرافية المحاصرة, وصرفت مخازن الأسلحة بين الجيش والقبائل, أما الخسائر في صفوف الجيش فقد مُلئت الشعاب والجبال والتباب بالجثث وشبعت الكلاب من لحوم الجنود , فكانت الكلابُ إذا شاهدت “الميري” تجري فوراً للعضِّ عليه ونحن أحياء، فكان الجنودُ يخافون لبس “الميري” أمام الكلاب.

 

ما نوع الخطاب التحريضي للجيش من قبل القيادات ومن يسمون أنفسهم علماء للسلطة ذلك الحين؟

كان الخطابُ الدينيُّ الموجّه إلينا في تلك الحرب خطاباً وهّابياً بامتياز, وشارك فيه علماء وشخصيات وهابية مملؤة بالحقد على آل بيت رسول الله -صلواتُ الله عليه وعلى آله-.

 

كيف تعامل جيشُ السلطة آنذاك مع الأسرى والجرحى من المجاهدين أثناءَ الحربِ الأولى على صعدة؟

حصل أمام عيني عدّة مشاهد لجرحى وأسرى من المجاهدين, وكان من بينها مشهد لجريحٍ صاحبِ موقف بطولي في الجميمة, هذا الجريحُ كان مقطّعَ الأيدي والأرجل؛ بفعل القذائف وكان سلاحُه بعيداً عنه , والجيش يحوط عليه من كل مكان , فكان يحاول الزحفَ نحوَ السلاح ليستمرّ في المقاومة, فزرع في قلوبهم الرعب، وعندما قربوا منه وهم يشتمونه ويسبّونه “يا رافضي يا مجوسي” ومن هذه الألفاظ، فبصقَ على وجوههم وهو يقولُ لهم: (لا تقتربوا مني لا تنجسوني يا أتباع أمريكا وإسرائيل), فذهب بعضٌ من الأفراد إلى عند قائد اللواء حميد القشيبي, وأخبروه بقصة هذا الجريح , فقال لهم: تتموا له يعني “صفوه”، فصبّوا عليه الرصاصَ من عدة بنادق في مشهد وحشي للغاية.

وهناك الكثيرُ من المواقف الوحشية، منها إعدام الجرحى والأسرى المجاهدين بطرق بشعة للغاية، ومنها تفجير وإحراق جرف للجرحى وجرف سلمان بمن فيه.

 

كم المسافةُ بين جرف سلمان وبيت السيّد حسين؟

المسافةُ قريبةٌ لا تتجاوز 1 كيلو متر أو كيلو ونصف، جلسوا أياماً وأسابيعَ لوما وصلوا إلى الجرف؛ لأن مقاومةَ المجاهدين كانت شرسة جداً حول قرية سلمان والجرف، فنكّلوا بالدبابات وكان يوجد فيه استشهاديون ثبتوا في متارسهم مثل الجبال, فطالت المعركةُ ووصلت نفسياتُ الجيش إلى تحت الصفر، وأصابهم الضعف والرعب والخوف؛ لأنه كانت عندهم قناعة تامة بأنَّ السيّدَ لن يفرَّ ولن يستسلمَ بل سيقاومُ حتى يستشهد.

 

ما مستوى الحصار الذي فُرض على جرف سلمان من قبل الجيش؟

يا أخي كانت المنطقةُ بكاملها محاصرةً منذُ بدء العملية العسكرية , وفوق هذا زاد حجمُ التشديد على قرية سلمان والجرف الذي تحتها بعد قتلِ وتشريدِ السكان من بيوتهم في القرى المجاورة لها، فكان ضربُ الطيران والدبابات والرشاشات بشكلٍ مستمرّ وعلى مدار ـ24 ساعة على الجرف وحوله , ومع هذا كانت مقاومةُ المجاهدين فتاكةً وشديدةً وكانت كلُّ رصاصة من قبلهم لا توضع إلا في لحم، فزاد عددُ القتلى والجرحى في صفوف الجيش.

 

من كان القائد الفعلي لتلك الحرب ومن الذي كان يديرها بشكلٍ مباشرٍ؟

كان علي عبدالله صالح من يديرها من غرفة العمليات في صنعاء, فيما كان علي محسن الأحمر القائدَ الميدانيَّ من داخل المعسكر الذي في مدينة صعدة, وكانت حينها لقاءاتُ عفاش بالسفير الأمريكي مستمرّةً؛ ليطلعه على آخر التطورات, وهذا دليلٌ واضحٌ بأنَّ القائدَ الفعليَّ للحرب الأولى على صعدة كان مرسلاً من قبل السفارة الأمريكية بصنعاء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com