توضيح وشهادة .. بقلم/ حسن زيد

لا أحد يختلفُ مع ما جاء في رسالة فتحي بن لزرق إلى عقلٍ حوثي، بخصوص الموقف من الاحتلال، ولكن لا يمكنُ إنكارُ أن بعضَهم رحّب بالتدخل الإماراتي والسعوديّ وعبّر عن امتنانه وشكره وبرّر حتى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنْسَانية التي ارتكبتها الطائراتُ السعوديّة والإماراتية، ووصل الأمر إلى تقبُّل عمليات القتل الجماعي التي ارتكبتها الطائراتُ بحق المرتزقة أنفسِهم؛ باعتبارِها أخطاءً غير مقصودة مع أنها تكررت، وكان الواضح أنها عملياتُ قتل مع سبق الإصرار والترصد، وتعبّر عن نوايا عدوانية الهدفُ منها قتل اليمني المؤهل والقادر على حمل السلاح ومنع وجود قوات يمنية مؤهلة حتى لو كانت اليومَ أداةً بيد المحتلّ البدوي المتوحش الذي يعمل لتنفيذ مُخَطّـط صهيوني يستهدفُ تفكيكَ كُــلّ الدول العربية بدون استثناء وبأيدٍ عربيةٍ وبالمال العربي.

لقد رحّب الإخوةُ بالقوات الإماراتية ولا تزال الكثيرُ من القيادات السياسية الحزبية تقتاتُ من فضلاتِ موائد الإمارات وتراهن على أنها ستكونُ معتمدةً للاحتلال الإماراتي كما كان السلاطين والمشايخ تحت الاحتلال البريطاني، ولا يزالُ بعضُهم يبرّرُ للإمارات والسعوديّة جرائمَهما التي وصلت حَــدَّ انتهاك الأعراض واغتصاب الرجال والنساء والعمل على تفكيك وتفتيت النسيج الاجتماعي للمحافظات الجنوبية وخلق مقومات وعوامل صراع لا تنتهي من خلال تكوين مليشيات متناحرة ليس على مستوى المحافظات بل وعلى مستوى المديريات، وتفرض حصاراً وتجويعاً للمواطنين كي يعيشوا كأُجَراء باليومية وتستولي على الموارد وتسيطر على الجُزُر والموانئ وتعطّل المشاريع والخدمات، وتتصرف في المناطق المحتلّة حتى في تعاملها مع من يسمون أنفسهم حكومةً بما فيهم عبدربه منصور هادي نفسه وكأنها المالكُ وصاحبةُ الأرض والسيادة والقرار فتسمح لهم بدخول الأراضي المحتلّة متى ما أرادت وبإذنٍ مسبق منها وتمنعهم من الخروج أَوْ العودة إليها متى ما أردت وتمارس من الامتهان والاحتقار لرموز حكومة العملاء كما نسميهم ما لم تمارسه أيةُ سلطة استعمارية استيطانية عبر التأريخ.

ورغم ذلك ومع كُــلّ ذلك تجدُ الكثيرَ من الأصوات التي لا تزالُ تتمسّكُ بنفس الموقف وتردّد نفس الخطاب (تحميل الرافضين للاحتلال المدافعين عن الكرامة والسيادة المسؤوليةَ عن جرائم الاحتلال ونتائجه)، بل إنهم لا يزالون يطالبون تحالُفَ الشر والإجرام بضرورة الاستمرار في العدوان وتوسيع رقعة الأراضي المحتلّة لتشملَ كُــلّ اليمن، ومن يقرأ بيانَات قيادات الأحزاب العميلة التي صدرت هذا الأسبوع يشعُرُ بالصدمة لمستوى السقوط في مستنقع الخيانة والابتذال، والمبرّر الوحيد الذي يردّدونه (ضرورة القضاء على الانقلاب واستعادة الدولة وإعادة الشرعية) ورغم أنَّ هذا المبرّرَ حتى على فرض صحة حدوث انقلاب لا يمكن أن يبرّرَ استمرارَ تمسّك هذه القوى بموقفها الداعم والمبرّر للاحتلال التوسعي واقتطاع السعوديّة للمزيد من الأراضي اليمنية وسيطرة الإمارات على الموانئ والمطارات والجُزُر (بالشراكة مع إسرائيل)، ولا يمكن أن تكفيَ لتبرّرَ الحصارَ وتجويع كُــلّ اليمنيين ونهب الثروات النفطية والغاز وحتى الموارد العامة، ولا يمكن أن تكفيَ لتبرّرَ الصمت المخزي عن اختطاف الفتيات واغتصابهن والتعذيب الذي يتعرّضُ له السجناءُ والذي وصل حَــدّ الاغتصاب الجنسي للرجال والنساء.

رغم كُــلّ ذلك إلا أن الحديثَ عن الانقلاب لا أصل له بل العكس، ولبيان ذلك يجبُ أن نحدّد موعدَ الانقلاب المزعوم.

الانقلاب..

كلمةُ الانقلاب والانقلابيون باتت لازمةً تُستخدَمُ لتبرير استمرار العدوان والحصار والاحتلال وجرائم تحالف الشر التي لم تُعرَفُ من قبلُ من أية قوة احتلال وغزو.

ولبيان أنه أكذوبةٌ وليس له أصل، دعونا نسألْ مَن انقلب على مَن؟ ومتى حدث الانقلاب؟

بعض أبواق المرتزقة تعتبر ٢١ سبتمبر٢٠١٤ تأريخَ الانقلاب؛ لأنَّ أنصارَ الله تمكّنوا من حسم المواجهة مع اللواء الرابع مدرّع وعلي محسن وبحسمهم للمواجهة واتّخاذ السلطة قرارَ إحداث فراغ أمني وعسكري في العاصمة لاستدراج أنصار الله وتحميلهم مسؤولية المحافظة على الأمن وملئ الفراغ هو الانقلاب، وهو نفسُ اليوم الذي تم فيه توقيعُ القوى السياسية على اتّفاق السلم والشراكة والذي حظي بمباركة إقليمية ودولية معلَنة ولم يعترضْ عليه أحد، فهل اتّفاق السلم والشراكة الذي شُكّلت حكومة بحاح استناداً إليه انقلابٌ؟! وإذا كان ذلك فحكومةُ بحاح المستمرّة حتى الآن رغم إقالة بحاح حكومةٌ غير شرعية وانقلابية، وما بُنِيَ عليها هو كذلك.

وأما اتهامُ أنصار الله بأنهم انقلبوا على مخرجات الحوار فهو أكذوبةٌ واضحةٌ؛ لأنَّ أنصارَ الله أعلنوا لتحَـرّكهم ثلاثةَ أهداف منها:

1- تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والذي انقلب على المخرجات هو هادي والأحزاب المتحكمة به آنذاك، حتى أن اللقاء المشترك انتقد بشِدّة القرارات التي اتخذها هادي، مخالفاً لمخرجاتِ مؤتمر الحوار، وأولها زيادة حصة الإصلاح وحصته في الحكومة بتعيين نائبين لرئيس الوزراء (الأكوع وابن دغر)، وكان المؤتمر قد أقر رفعَ شعار (شركاء في القرار شركاء في التنفيذ)؛ لتوسيع المشاركة في الحكومة بإشراك القوى والمكونات غير المشاركة فيها (شركاء في القرار شركاء في التنفيذ)، فبدلاً عن توسيع قاعدة المشاركة في الحكومة تم تضييقُها.

2- مخالفة ورقة الضمانات عند تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف والمتابعة على تنفيذ مقرّرات مؤتمر الحوار الوطني وقدمت أحزابُ المشتركة ورقةً طويلة تضمنت المخالفات التي تضمنها قرار تشكيل الهيئة بدءًا من اسمها وانتهاءً بقوام التمثيل ومهامها.

٣- تفرُّد هادي بتشكيل لجنة صياغة الدستور بالمخالفة لنص الاتّفاقية الخليجية وآليتها التنفيذية.

والحقيقةُ أن هادي بدعم من بعض الشخصيات النافذة تصرف وكأنه حاكمٌ مطلقٌ غير مقيد بأيّ نص دستوري أَوْ نص في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومقرّرات مؤتمر الحوار الوطني، بدءاً من عدم تشكيل لجنة تفسير المبادرة وتوزيع حصص المشارَكة في المؤتمر الوطني وفِي العلاقة مع الحكومة حتى أنه كان يصدر القرارات من منزله ويرسلها إلى التلفزيون لإذاعتها دون علمِ الوزير المختص ورئيس الوزراء وهذا ما لم يفعله عفاش أَوْ أي رئيس جمهورية من قبله أَوْ أي رئيس منتخب ومقيّد بالدستور.

وخيرُ نموذج للانقلاب المستفزِّ تشكيلُ لجنة تحديد الأقاليم وعدم تقيدها بقرار تكليفها وأَيْضاً تعامله مع لجنة صياغة الدستور كموظفين تابعين له؛ لأنَّه من أصدر قرارَ تعيينهم، متجاوزاً الحكومة والأحزاب وكذلك الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار الوطني.

باختصار إن قراراتِ عبدربه منصور منذ أن انتُخب وحتى انقلابه على الدولة بالاستقالة دون تكليف من يقوم بعمله، كانت سلسلةً من الانتهاكات لنصوص الدستور ولنصوص الاتّفاقية الخليجية وآليتها التنفيذية ثم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني ولَم يتقيدْ بالشرعية الدستورية أَوْ التوافقية التي كُلّف بناء عليها لأداء مهمةٍ محدّدة هي التهيئة بالشراكة مع رئيس الحكومة للانتخابات التشريعية والرئاسية وفقاً للدستور الذي سيتم التوافق على نصوصه من خلال مشاركة كُــلّ القوى السياسية الفاعلة في صياغتها بناءً واستناداً وترجمة لقرارات مؤتمر الحوار.

كانت كُــلّ قرارات هادي تتجه صوب إضعاف المؤسسات المركزية وأهمها الجيش بدعوى تقليم أظافر عفاش، مستقوياً بالقوى التي انشقّت من نظام علي صالح، مروراً بإدارة الصراعات وتوسيعها وتأجيج نارها وانتهاء بانقلابه على الدولة اليمنية وقرار إلغاء الدولة باستقالته وبحاح إيذاناً بتفكيك اليمن.

فالانقلابُ على الدولة تم من قبل (هادي وبحاح)، وجريمةُ أنصار الله الوحيدة هي أنهم امتلكوا الشجاعةَ وقَبِلُوا تحمل مسؤولية ملء الفراغ الذي أحدثه انقلابُ هادي وبحاح باستقالتيهما؛ بقصد إنهاء وجود الدولة ممثلةً في رمزها ورأسها رئيس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية ونائبه، وهذه ليست قناعتي أَوْ رأيي الشخصي بل موقفُ قيادات الأحزاب التي تتباكى على الشرعية اليوم وتبرّرُ خيانتَها وعمالتها وتتحمل مسؤولية العدوان والحصار والقتل والتجويع وتدمير المؤسسات والمقدرات وتفكيك اليمن وتسليمه قطع مبعثرة للمحتلّ التوسعي السعوديّ وأداة إسرائيل ابن زايد.

والشاهدُ على أن موقفَ الأحزاب (على الأقل الإصلاح والاشتراكي والناصري والعدالة والبناء وطبعاً المؤتمر الشعبي العام) مِمَّ حدث هو اعتبارُ أن هادي وبحاح انقلبا على الدولة اليمنية (أقول انقلبا على الدولة وليس الحكومة) باستقالتيهما وتداعي الأحزاب عقب إعلان الاستقالة، للقاء؛ بحثاً عن بديل لملئ الفراغ وكان الخلافُ على حصص التمثيل، واستمرَّ الحالُ كذلك حتى هروب عبدربه ونزولِ متطوعين من المشاركين لمقابلة هادي لإقناعه بإرسالِ مَن يمثله في طاولة الحوار التي رعتها الأمم المتحدة وبناءً على دعوة الأمم ممثلةً بالبيانات الرئاسية التي طلبت من هادي الانخراطَ في الحوار الجاري بنوايا إيجابية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com