إسرائيل والفيسبوك.. عصر الجواسيس الجدد

 

محمد عمارة تقي الدين

كان الزعيمُ الصهيوني بن جوريون مدركًا بشكل كبير لدور الإعلام في إقامة إسرائيل فكان يقول: “لقد أقام الإعلام دولتنا على الخارطة واستطاع أن يتحَـرّك للحصول على مشروعيتها الدولية قبل أن تصبحَ حقيقة قائمة في عالم الواقع”.

تلك هي بعض ملامح الآلة الدعائية الصهيونية ودورها في تضليل الرأي العام العالمي، إذ عبر خطة ممنهجة جعلته يتعاطف مع الجلاد (الصهاينة) في مقابل كراهية الضحية (الفلسطينيين) على ما يقول مالكوم إكس.

ومع ظهور عصر الانترنيت بدأت إسرائيل في تطوير قدراتها في هذا المجال وتسخيره في أعمال الجاسوسة من ناحية، وفي أعمال تحسين صورة إسرائيل وتشويه معارضيها من ناحية أُخْـرَى، وفي هذه المقالة سنركز على سبل توظيف الكيان الصهيوني لوسائل التواصل الاجتماعي في التجسس على العرب.

بعد الاندلاع المفاجئ لثورات الربيع العربي وعدم مقدرة المخابرات الإسرائيلية على التنبؤ بها فتحت إسرائيل تحقيقاً موسعاً للوقوف على أسباب هذا الإخفاق المخابراتي، ومن ثم انتهت وكما تؤكّـد الباحثة شيماء أبو عميرة إلى حتمية رصد توجهات الشباب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لمعرفة ما إِذَا كان العالم العربي مقبلًا على ثورات وتقلبات اجتماعية جديدة أم يسير بأي اتجاه؟ ومن ثم تم إنشاء وحدات خَاصَّـة متخصصة في هذا الشأن داخل هذه الأجهزة مثل الوحدة (8200) ووحدة (حتصاق)، وغيرها من الوحدات التي تتكون من عدد من المجندين المُتقنين للغة العربية تحدثاً وكتابة ليقوموا بإنشاء صفحات بأسماء شخصيات زائفة على صفحات التواصل الاجتماعي للإيقاع بالضحايا من الشباب العربي، كذلك رصد التوجهات المعادية للكيان الصهيوني فعند كتابة كلمات مثل: القدس، مظاهرة، مقاطعة، الانتفاضة، الأقصى، اليهود، الصهاينة، شهيد، تبدأ أجهزة التجسس الالكتروني الصهيونية في اختراق حساباتك، فهي إذن الجاسوسية في ثوبها الجديد.

إذ يرى الصهاينة أن هناك كم معلوماتي ضخم داخل الفضاء الإلكتروني، وأنه إِذَا ما أجريت عليه دراسات علمية وإحصائية جادة فإن من شأنها الوصول لدوافع وتوجهات وطموح الشباب العربي وتطلعاته المستقبلية، ومن ثم وفي مرحلة تالية يمكن التدخل من أجل إعَادَة صياغة هذه التوجهات وبلورتها في الاتجاه الذي يخدم أهداف الكيان الصهيوني، فهو وكما يؤكّـد البعض يُشكل ثروة هائلة من شأنها إذ ما حسن توظيفها إحداث تغيير جذري في توجهات وتطلعات وقناعات شعوب المنطقة العربية، ومن ناحية أُخْـرَى أَصْبَـح يجرى استغلال هذا التواصل الاجتماعي فيما يُعرف بالتطبيع الإلكتروني بين العرب وقاطني الكيان الصهيوني.

ولعل تجربة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي هي الأَكْثَـر دلالة بهذا الشأن، فقد أضحى عبر صفحته العربية على مواقع التواصل الاجتماعي مألوفاً جداً للكثيرين من العرب عبر اشتباكه مع كافة الموضوعات المطروحة وترويجه لمقولات زائفة مثل إعلانه أن إسرائيل عنوان الإنْسَـانية وهو التصريح الذي أثار جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي غير أنه وبمرور الوقت ومع تكرار ترديده يصبح كحقيقة ثابتة وغير قابلة للدحض فهي استراتيجية صهيونية بامتياز.

وبالعودة للسياق فقد أضحت مواقع التواصل الاجتماعي الأداة الإسرائيلية الأَكْثَـر فعالية في التجسس على العرب، فلقد تسربت معلومات صحفية بأن الموساد قد أطلق حملة ضخمة لتجنيد العديد من العرب إلي صفوف الموساد عبر الفيسبوك وتويتر، كما أطلقت إسرائيل عدداً من الصفحات الناطقة باللغة العربية علي موقع الفيس بوك, لعل أهمها صفحة “إسرائيل بالعربية”, وصفحة “إسرائيل بدون رقابة”, وهناك صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية”, مهمتها المركزية تجميل صورة إسرائيل في عيون العرب، والتي تحظى عدداً ضخماً من المتابعين العرب، والجدير بالذكر أن مدينة القاهرة هي من أَكْثَـر المدن مُتابعة لتلك الصفحة، كذلك لعبت صفحة بنيامين نتنياهو الشخصية علي الفيس بوك والتي تقدم باللغة العربية دوراً كبيراً في التواصل مع الشباب العربي.

كما أسس المتطرفون اليهود حركة (إسرائيل لي) التي ترفض أي عملية سلمية من شأنها منح الفلسطينيين دولة مستقلة، وتبذل هذه الحركة جهودًا كبيرة على شبكة المعلومات الدولية لتقديم رؤيتها للصهيونية والصراع العربي الإسرائيلي باعتبارها الحقيقة المطلقة ومن أجل ذلك أقامت ما يشبه التحالف مع المسئولين عن موسوعة ويكيبيديا الدولية بل ونظمت مؤتمرًا في إسرائيل لهم ومن ثم نلحظ عبر صفحات تلك الموسوعة الانحياز المطلق لإسرائيل.

لقد أَكّـد أحد الخبراء الصهاينة أن الحرب الإلكترونية هي حرب المستقبل وأن مهمة الجيش الإلكتروني الصهيوني تكمن في محاولة الوصول لعمق معلومات العدوّ وخطوطه المعلوماتية الأمامية ومن ثم إصابته في مقتل، وعليه شرع جيش الكيان الصهيوني في إنشاء شعبة تكنولوجيا المعلومات، ثم عمد إلى تدريب عدد كبير من الأفراد ليتمكّـنوا من العمل في مجال الحرب الإلكترونية بهدف التجسس وانتزاع المعلومات من العرب والفلسطينيين.

لقد اهتم إيهود باراك اهتمامًا بالغًا بالحرب الإلكترونية وعمليات الجاسوسية التي تتم عبرها وقت أن كان وزيرًا للدفاع ومن ثم وجه لها ميزانيات كبيرة جدًا واعتبرها حرب المستقبل، كما أمر بنيامين نتنياهو بتشكيل هيئة خَاصَّـة للحرب المعلوماتية والتصدي لعمليات القرصنة الإلكترونية.

وقد أَكّـدت البي بي سي في عام 2017م أنه تم اعتقال حوالي ثمانمائة شاب فلسطيني بتهمة التخطيط لتنفيذ هجمات ضد الكيان الصهيوني، وقد تم الوصول لهم باستخدام برنامج إلكتروني للتجسس على حساباتهم الشخصية على الفيسبوك، وتتهمهم إسرائيل بأنهم ذئاب منفردة تعمل على التخطيط لشن هجمات إرهابية في العمق الصهيوني.

والجديرُ بالذكر أنه يوجد في إسرائيل حوالي سبع وعشرين شركة متخصصة في تصميم البرامج الإلكترونية المستخدمة للتجسس على الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

السؤال الذي يطل برأسه الآن: هل يمكن أن ينقلب السحر على الساحر ونشن نحن العرب هجومًا إلكترونياً مضادًا على إسرائيل؟

بالفعل هناك جهود عربية لكنها فردية وغير مؤسّسية، فقد تم فتح تحقيق داخل الكيان الصهيوني في عملية اختراق كبرى لمعلومات شخصية تحتوي على التفاصيل الخَاصَّـة لعدد ضخم من الإسرائيليين قارب النصف مليون، وهو ما اعتبره البعضُ أَكْبَـرَ تسرب معلوماتي في تأريخ الكيان الصهيوني، وفي فبراير 2013 م قامت مجموعة القراصنة أنيموس بمهاجمة مواقع الكترونية إسرائيلية أهمها موقع رئيس الوزراء ووزارة الدفاع ومواقع أجهزة الاستخبارات وغيرها من المواقع الهامة، ومن ثم اتخذت إسرائيل قرارها بمنع الفلسطينيين من استخدام الجيل الرابع والمتطور من شبكات الإنترنت.

وفي التحليل الأخير يجب أن نُدرك أنه وكما يذهب ويلبور شرام “مثلها مثل الثورات تشارك وسائل الإعلام في كُـلّ تغيير اجتماعي”، وذلك بمقدرتها الفائقة على إعَادَة صياغة وعي المجتمع، تلك هي وسائل الإعلام التقليدية التي عاصرها شرام فما بالنا بالوسائل الحديثة فائقة التطور والتي وظفها الكيان الصهيوني في عمليات التجسس علينا، فهل ندرك حجم التحدي ومن ثم نضع استراتيجيات لمواجهته أم سنظل على ما نحن عليه قابعين في دور المفعول به دائمًا، فالسؤال الآن: إِذَا كانت هذه هي استراتيجية إسرائيل الجديدة، فهل من استراتيجية مضادة للعرب؟

من دون شك فالأُمَّـة العربية مطالبة بجهود كبري في هذا المضمار الذي تأخرت فيه كثيرًا، إذ يتحتم علينا في ظل التحديات الراهنة توظيف هذا الفضاء الإليكتروني في كشف وجه إسرائيل الحقيقي والقبيح وإعَادَة إحياء الوعي بالمذابح التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين والعرب، وظنت أن الأيّام قد أخفتها في طي النسيان؟ ومن ثم إعَادَة تجذيرها في الوعي العام العالمي كجرائم لا تسقط بالتقادم، ومن ناحية أُخْـرَى توجيه رسائل لقاطني الكيان الصهيوني بأنهم غير مرغوب فيهم في هذا المحيط العربي الرافض لهم طالما استمروا في تلك السياسات العنصرية ضد الفلسطينيين ورفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة.

+++++++++++++++++++++++++++++++++++

الطفلة جميلة والإنسانية الكاذبة

إسماعيل الشامي

بوقاحة منقطعة النظير اختلق العدوان قصة جديدة من نسج خياله زعم فيها إنقاذ الطفلة جميلة والتي استخدمها الجيش واللجان كدرع بشري بحسب إعلامه، محاولا ترميم وجهه البشع متناسيا سجله الحافل في قتل أطفال اليمن.

بكل وقاحة خرج العدوان بمسرحية جديدة زعم فيها إنقاذ الطفلة جميلة من براثن الموت المحتم متناسيا تصنيفه امميا في قائمة العار لقتلة الاطفال وان يداه ملطختان بدمائهم في اليمن.

وعلى الرغم من انها كذبة مثيرة للسخرية خرج متناسياً سنوات من المجازر وَالجرائم وَالانتهاكات بحق الطفولة سائراً فوق صرخاتهم وأناتهم وعذاباتهم؛ بسبب الحصار والقصف المستمران.

لم يترك مكانا هم فيه إلا وَاستهدفهم، في بيوتهم ومدارسهم وفي الشوارع والمستشفيات وأينما استطاعت يداه الوصول اليهم، اعاقهم في تعليمهم وحاربهم في صحتهم وَغذائهم حتى البسمة المتبقية لديهم سرقها من شفاههم.

وها هو الذئب المفترس اليوم يخرج بصورة حملٍ وديع محاولاً إخفاء وجهه القبيح وراء إصبعه وَأسنانه البشعة والكبيرة التي لا طالما نهش بها الأجساد الطرية والأرواح البريئة حتى لم يعد بمقدوره العيش إلا بإزهاق أرواحهم الجميلة وإراقة دمائهم الزكية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com