مضامينُ الفوز والفلاح في دُعاء “مكارم الأخْلاق” للإمام زين العابدين

خاص:

قد يعتقدُهُ البعضُ كغيرهِ من الأدعية المتعارف عليها، جاهلين مضمونه ومكنونه؛ يُعتَبر منهجاً تربوياً متكاملاً لتهذيب النَّفس وتزكيتها، كما أنَّهُ محطَّة إيْمَانية سامية لِعظم الرُّوحية التي حملها سيّد السّاجدين (ع) فترجمها من خلال عبارات جسَّدت حقيقة عبوديته لله، محطة يقف فيها الإنْسَان وقفة تضرّع وتذلل وتنبّه؛ ولأنَّه كذلك كان للشهيد القائد (رضوان الله عليه ) وقفة عنده، وقفة تأمّلٍ موضحّاً دلالات بعضاً من جزئياته وموجِّهاً للقيم المعنوية الكُبرى المتوجّب علينا تطبيقها عملياً..

حيث استفتح حديثه بالتَّنويه للأهمية البالغة لهذا الدُّعاء قائِلاً: [فيه ما ينبه على أشياء كثيرة مما يجب أن يكون الإنْسَان فيها راجعاً إلى الله يطلبها منه، يطلب الهداية إليها منه، يطلب التوفيق إليها منه].

 

  • لا يمكن أن تحْصل لكَ هداية بانفصالكَ عن الله واعتمادِكَ على نفْسك:

[الهداية ليس هنالك آلية مبرمجة للهداية بحيث أن الإنْسَان ممكن أن يوفرها، لا بد من الرجوع إلى الله، لا بد من الدعاء، أن نطلب من الله الهداية، أن نطلب من الله التوفيق، أن نطلب من الله الاستقامة، أن يوفقنا للاستقامة، أن نطلب من الله أن يثبت خطانا، أن نطلب من الله أن يسدد أقوالنا. الإنْسَان لا يستطيع بنفسه، لا يستطيع من خلال الاعتماد على نفسه أن يحقق لنفسه الهداية، والتوفيق في المجـالات التي ترتبط بحيـاته، وفيما يتعلق بآخرته].

 

  • كلَّما ارتقى الإنْسَان في إيْمَانهِ.. كلَّما كان أكثر حاجةً إلى الله:

[هنا يقول الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه): ((اللهم صل على محمد وآله وبلغ بإيْمَاني أكمل الإيْمَان)) هو على ما هو عليه من العبادة والتقوى لم يحدث في نفسه غرور, ولا إعجاب بحالته التي هو عليها, وهو من سُمّي – لما كان عليه من العبادة – زين العابدين، وسيد الساجدين، ما زال يطلب من الله أن يبلغ بإيْمَانه أكمل الإيْمَان].

 

  • نماذج قُرآنية نقيس عليها إيْمَاننا:

[القرآن الكريم تضمن في آياته الكريمة داخل سور متعددة الحديث عن الإيْمَان, وأعلى درجات الإيْمَان، وأكمل الإيْمَان, من مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال:2) ومثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحجرات:15)].

 

  • غاية تستحق أن يسعى الإنْسَان دائماً إلى الوصول إليها:

[أن تطلب من الله أن يبلغ بإيْمَانك أكمل الإيْمَان. لا ترضى بما أنت عليه، لا تقف فقط على ما أنت عليه فتضع لنفسك خطّا لا تتجاوزه في درجات الإيْمَان، وفي مراتب كمال الإيْمَان].

 

  • ما يصنع الارتقاءُ والفاعلية في ميدان العَمل هو ’الإيْمَان‘:

[من يرضى لنفسه أن يكون له خطّ معين لا يتجاوزه في إيْمَانه فهو من يرضى لنفسه بأن يظل تحت، وأن يظل دون ما ينبغي أن يكون عليه أولياء الله. الإنْسَان المؤمن هو جندي من جنود الله، وميدان تدريبه, ميدان ترويضه ليكون جندياً فاعلاً في ميادين العمل لله سبحانه وتعالى هي الساحة الإيْمَانية، ساحة النفس، كلما ترسخ الإيْمَان في نفسك كلّما ارتقيت أنت في درجات كمال الإيْمَان، كلما كنت جندياً أكثر فاعلية، وأكثر تأثيراً، وأحسن وأفضل أداء].

 

  • طبيعة مهام جندي الله:

[نحن نرى الدول كيف تختار من داخل الجيش فرقاً معينة تدربها تدريبات خاصة، تدريبات واسعة, وتدريبات شاملة لمختلف المهام، تدريبات على مختلف الحركات ليكون أولئك الجنود داخل تلك الفرقة في مستوى الفاعلية لتنفيذ مهام معينة، مهام صعبة، وتلك المهام وتلك القضايا التي هي في ذهن رئيس دولة, أَو ملك هي دون ما ينبغي أن يكون في رأس المؤمن في ميادين العمل لله سبحانه وتعالى، مهام واسعة. الجندي قد ينطلق في تنفيذ مهام كلها تنفيذية, كلها حركة, لكن جندي الله مهامه تربوية، مهامه تثقيفية، مهامه جهادية، مهامه شاملة, يحتاج إلى أن يروض نفسه, فإذا ما انطلق في ميادين التثقيف للآخرين، الدعوة للآخرين، إرشادهم, هدايتهم, الحديث عن دين الله بالشكل الذي يرسخ شعوراً بعظمته في نفوسهم يجب أن يكون على مستوى عال في هذا المجال، جندي الجيش العسكري في أي فرقة، لا يحتاج إلى أن يمارس مهاماً من هذا النوع، مهامه حركة في حدود جسمه, قفزة من هنا إلى هناك، أَو حركة سريعة بشكل معين].

 

  • ميدان عملي كمجاهد هو ’’ نفس الإنْسَان ‘‘، ومهمَّتي الكُبرى ’’ اجتياح الباطل ‘‘:

[لكن أنت ميدان عملك هي نفس الإنْسَان، وليس بيته لتنهبه، وليس بيته لتقفز فوق سطحه، الجندي قد يتدرب ليتعلم سرعة تجاوز الموانع، أَو سرعة القفز، أَو تسلق الجدران، أَو تسلق البيوت، لكن أنت ميدان عملك هو نفس الإنْسَان, الإنْسَان الذي ليس واحداً ولا اثنين، آلاف البشر، ملايين البشر، تلك النفس التي تغزى من كُلّ جهة، تلك النفس التي يأتيها الضلال من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها. فمهمة المؤمن يجب أن ترقى بحيث تصل إلى درجة تستطيع أن تجتاح الباطل وتزهقه من داخل النفوس، ومتى ما انزهق الباطل من داخل النفوس انزهق من واقع الحياة، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: من الآية11)].

 

  • الدّعايات.. وسيلة العدو لِحرفنا.. وسلاح الإيْمَان حصننا:

[وأنت جندي تنطلق في سبيل الله سترى كم ستواجهك من دعايات تثير الريب تثير الشك في الطريق الذي أنت تسير عليه، تشوه منهاجك وحركتك أمام الآخرين، دعايات كثيرة، تضليل كثير ومتنوع ومتعدد، وسائل مختلفة ما بين ترغيب وترهيب. الجندي المسلح بالإيْمَان إذا لم يكن إلى درجة أن تتبخر كُلّ تلك الدعايات, وكل ذلك التضليل – سواء إذا ما وُجِّه إليه, أَو وجِّه لمن هم في طريقه، لمن هم ميدان عمله – يستطيع أيضاً أن يجعلها كلها لا شيء؛ لأن هذا هو الواقع، واقع الحق إذا ما وجد من يستطيع أن ينطق به، إذا ما وجد من يفهمه، وفي نفس الوقت يجد آذانا مفتحة واعية فإنه وحده الكفيل بإزهاق الباطل بمختلف أنواعه، ومن أي جهة كان، ومن أي مصدر كان {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81) زهوق بطبيعته إذا ما هاجمه الحق].

 

  • جوانب الحق الفاعل:

[لكن ذلك الحق الذي يقدم بصورته الكاملة، ذلك الحق الذي يقدم بجاذبيته، بجماله بكماله، بفاعليته وأثره في الحياة هو من يزهق الباطل، لو قدم الحق في هذه الدنيا من بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وترك لمثل الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) – ذلك الرجل الكامل الإيْمَان – لما عاش الضلال ولما عشعش في أوساط هذه الأمة، ولما أوصلها إلى ما وصلت إليه من حالتها المتدنية].

 

  • إذا ما قُدّمَ الحق بقوّته سيُزهق الباطل تلقائياً:

[غير صحيح، بل باطل أن يقال بأن أهل الحق دائماً يكونون مستضعفين، وأن من هم على الحق دائما يكونون ضعافا، وأنه هكذا شأن الدنيا! إن هذا منطق من لا يعرفون كيف يقدمون الحق، منطق من لا زالوا في ثقافتهم هم فيها الكثير من الدخيل, من الضلال من قبل الآخرين، أيُّ منطق هذا أمام قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81)؟! إن الباطل كان زهوقاً بطبيعته، لا يستطيع أن يقف إذا ما قدم الحق].

 

  • من الذي يمكن أن يقدم الحق؟:

[هو من يسعى دائماً لأن يطلب من الله أن يبلغ بإيْمَانه أكمل الإيْمَان. عندما تكون متعبداً لله حاول دائماً أن تدعو الله أن يبلغ بإيْمَانك أكمل الإيْمَان، حاول دائماً أن تبحث عن أي جلسة عن أي اجتماع عن أي شيء يكون مساعداً لك على أن يبلغ إيْمَانك أكمل الإيْمَان].

 

  • حالة الرِّضا السّلبية..! والمنهجية الصَّحيحة لطالب العلم:

[قد يرضى بعض الناس لنفسه حالة معينة فلا يرى نفسه محتاجا أن يسمع من هنا أَو من هنا، ويظن بأن ما هو عليه فيه الكفاية وانتهى الأمر! لكن وجدنا كم من هذا النوع! أعداداً كبيرة لا تستطيع أن تزهق ولا جانباً من الباطل في واقع الحياة، وفي أوساط الأمة! إذا كنت طالب علم فلا ترضى لنفسك بأن تكتفي بأن تنتهي من الكتاب الفلاني والمجلدات الفلانية, والفن الفلاني وانتهى الموضوع، وكأنك إنما تبحث عن ما يصح أن يقال لك به عالم أَو علامة! حاول أن تطلب دائماً, وأن تسعى دائماً بواسطة الله سبحانه وتعالى أن تطلب منه أن يبلغ بإيْمَانك أكمل الإيْمَان].

 

  • الإيْمَان الحقيقي ثَمرتهُ تغييراً مُباركاً ملموساً في واقعِ الحياة:

[كم في هذه الدنيا, وكم في أوساطنا من الكثير من نوعيتنا الذين نحن ندعي الإيْمَان، ولكنا نجد أن من يستطيعوا أن يغيروا في واقع الحياة هم العدد القليل جداً من المؤمنين، أولئك الذين يسعون لأن يبلغ إيْمَانهم أكمل الإيْمَان، ويدعون الله أن يبلغ بإيْمَانهم أكمل الإيْمَان, وإلا فالمؤمنون – إن صح التعبير – أَو أدعياء الإيْمَان من نوعيتنا كثير، ومعنى أننا ندعي الإيْمَان أننا نمتلك الحق، لكن ما بال هذا الحق الذي معنا لا يستطيع أن يزهق أي شيء من الباطل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (الإسراء:81)، لماذا لا يكون الباطل زهوقاً أمام الآلاف من مدعي الإيْمَان في مختلف المناطق؟].

 

  • لماذا يكاد أن يُزهق الحق من النفوس؟:

[ربما لأننا جميعاً مؤمنون من هذا النوع الذي يرضى بأن يرسم لنفسه خطاً معيناً لا يتجاوزه فيصبح ذلك الخط هو المانع له دون أن يزداد معرفة, دون أن يزداد هدى، هو الحاجز الذي يمنعه أن يبحث عن أي مصدر للهداية، أن يحضر في جلسة معينة, في مسجد معين, يستمع لشريط معين، يتدبر كتاب الله بشكل جدي, يقرأ صفحات هذا الكون, وما أكثر ما يفيد الإنْسَان النظر في هذا الكون, وتأملات حياة الناس في هذا العالم, وأحداث هذا العالم، ما أكثر ما تصنع من إيْمَان في نفسك!].

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com