وقفة مع برنامج رجال الله.. في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الأول2 – 5

 

المسيرة| عبدُالرحمن محمد حميد الدين

تحدثنا في العدد السابق عن المهمة الثقافية والتربوية والشاملة لجندي الله، وأنه يجب أن تكون حالة السعي للرقي بإيْمَانه هي حالة دائمة وملازمة، مهما بلغ من الإيْمَان والعلم.. ولكن بعد أن يرتقي الإنْسَان بإيْمَانه، أين يجب أن يكون ميدان عمله؟ وما هي المجالات والمهام التي يجب أن يسعى المؤمن كجنديٍ من جنود الله للعمل فيها؟؟..

 

الناسُ هم ميدان عمل جندي الله:

إنَّ الميدانَ الذي انطلق فيه كافة أنبياء الله وصفوته من عباده، وكان هدفًا لأعمالهم ومهامهم الإيْمَانية والتربوية، هي قلوب الناس، ولا تعتبر هذه المهمة الإيْمَانية خاصة بالأنبياء، بل هي مهمة كُلّ مؤمن يعتبر نفسه جنديًا من جنود الله، ومما قاله السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في هذه المسألة، في الدرس الثامن من دروس رمضان: ((تجد القرآن الكريم يركز على موضوع الناس؛ لأنهم الميدان الحقيقي للرسالات ميدان الكتب الإلهية، ميدان الحق هم هؤلاء، عامة الناس..)).

ويقول أيضًا في الدرس العاشر من دروس معرفة الله: ((المؤمن يهتم بكل شيء، وميدان اهتمامك كلما قويت علاقتك بالله, ميدان اهتمامك هو يتوجه إلى الناس, وإلى الحياة, أما الله سبحانه وتعالى فكلما تعززت علاقتك به لا يمكن أن يصل منك شيء إليه أَوْ تعمل له شيئاً، هو سبحانه وتعالى ليس بحاجة إلى شيء منا, كلما ترسخ الإيْمَان في قلبك كلما تعززت علاقتك بالله فإن الميدان الذي يعكس إيْمَانك القوي وعلاقتك القوية بالله هو الناس, ميدان الحياة. الجهاد في سبيل الله أين ميدانه؟ هل أن هناك جبلاً جعله الله وسماه سبيله، يمشي الناس يطلقون الرصاص على هذا الجبل؟ أَوْ ميدان العمل في سبيل الله؟ والجهاد في سبيل الله هو الناس أنفسهم؛ أن تعمل لإنقاذهم لهدايتهم؟ فإذا ما أحسست في نفسك بقوة علاقة بالله فلا تظن أن هذا هو كُلّ شيء، وأن هذا هو المطلوب: أن أرى نفسي أكرر ذكر الله سبحانه وتعالى, وأرى قلبي ممتلئاً بحب الله ثم أرتاح لهذه الحالة.

افهم هذه الحالة كُلّ المطلوب من ورائها هو أن تنطلق في ميدان العمل لإنقاذ الآخرين, وهداية الآخرين. أين كان يتوجه إيْمَان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ألم يتجل كُلّ ذلك في حرصه على الآخرين؟)).

إذاً هذا تأكيد كبير على أن ميدان الإيْمَان، وميدان تعزيز العلاقة بالله هو الناس، وليس مجرد تعبد، وعزلة في زوايا المساجد، وانهماك في كتب العلم دون أن تنعكس على الآخرين، وعلى واقع الحياة؛ لذلك نجد أن الفهم السائد في أوساط المسلمين أنه يكفي في الإيْمَان بالله أن يكون الإنْسَان متجهًا بإيْمَانه وتقواه فيما بينه وبين الله فحسب، وأنه غير معنيٍّ بأن يكون له دور في هداية الناس وإنقاذ الآخرين.. لذلك نجد أن الشهيدَ القائدَ له كلامٌ طويل في هذا الجانب لا يسعنا ذكره. ومما قاله (رضوان الله عليه) في ذلك:

((ميدانُ عملك هي نفس الإنْسَان، وليس بيته لتنهبه، وليس بيته لتقفز فوق سطحه، الجندي قد يتدرب ليتعلم سرعة تجاوز الموانع، أَوْ سرعة القفز، أَوْ تسلق الجدران، أَوْ تسلق البيوت، لكن أنت ميدان عملك هو نفس الإنْسَان, الإنْسَان الذي ليس واحداً ولا اثنين، آلاف البشر، ملايين البشر، تلك النفس التي تغزى من كُلّ جهة، تلك النفس التي يأتيها الضلال من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها)).

ولو تأملنا في جنود دول الاستكبار سنجد أن ميدان برنامجها وتأهيلها هو الناس أيضًا، ولكن على الطريقة الأمريكية واليهودية، فنجد مثلاً أن أمريكا التي تدعي حماية الحريات والأقليات في العالم ميدان عملها هو الناس، ولكن ليس وفق ما قدمه اللهُ في كتابه الكريم، وإنما وفق أجنداتهم الخاصة التي من خلالها يستعمرون البلدان وينهبون ثرواتها، ويفرقون بين مكوناتها، وما [العدوان الأمريكي السعودي] على اليمن إلا أحد الشواهد على قبح استهداف أولئك للناس، وانحطاط قيمهم ومآربهم الشيطانية..

وقد تحدث القرآن الكريم عن جانبٍ مهمٍ من الجوانب التي يعمل فيه أهل الكتاب، وهي سياسة التفريق بين المجتمعات وبين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يقول تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}.

ومن السياسات الأُخْـرَى التي يعمل فيها الأمريكيون هي سياسة الكذب والتلبيس والتتويه، حيث يقول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.

 

الحق الذي يزهق الباطل هو الذي يقدم بكماله وجماله وجاذبيته:

ولكي يتأكد الإنْسَان المؤمن من فعالية عمله ودوره في الحياة، سيرى إن كان عمله قد أزهق الباطل فهو في الاتجاه الصحيح، وإن لم يكن له أثر في مواجهة الباطل، فذلك يدل على أن ثمت خطأ منهجي في ذلك العمل. فلا بد أن يُقدم الإنْسَانُ الحقَّ بصورته الكاملة، فيستجيب لله في كافة الميادين التي دعا إليها سبحانه وتعالى، ولا يصح أن يضع الإنْسَانُ لنفسه برنامجًا معينًا يقف عنده، فيستجيب في جانب ويترك الجوانب الأُخْـرَى، وهذا هو الشائع لدى معظم أبناء الأمة الإسْلَامية الذين قد نراهم ينطلقون في جوانب معينة من الدين، ويتركون القضايا الكبرى، كالجهاد والإنفاق في سبيل الله، ومواجهة أعداء الله..

فالدين عندما يُقدم بجاذبيته سيكون مؤثرًا وفعالاً، ويكتسح ساحَ الباطل مهما أتسعت رقعته، ولكن أيضًا لا بد أن يتصدَّرَ أعلامُ الهدى هذه القضية، ولا يُترك الأمر لجهلاء الأمة، أَوْ لشذاذ آفاقها. فالحق أَوْ المشروع الإلهي لا بد أن يكون له علَم تكون ولايته امتدادٌ لولاية الله.. وهذه هي سنن الله في دينه وخلقه، وأكبر شاهد على هذه القضية: أن الأمة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وعلى آله) عندما فارقت الإمام عليًا (عليه السلام)، انحرف الإسْلَام عن مساره، وتعرضتْ الأمة للنكسات نتيجة للانحراف الذي حصل في واقعها، ووصل الحدّ بهذه الأمة أن يُقتل عظماؤها كالإمام علي وولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) في أوساطها، وعلى أيدي المحسوبين على الإسْلَام.. ومما قاله الشهيدُ القائد في ذلك:

((لكن ذلك الحق الذي يقدم بصورته الكاملة، ذلك الحق الذي يقدم بجاذبيته، بجماله بكماله، بفاعليته وأثره في الحياة هو من يزهق الباطل، لو قدم الحق في هذه الدنيا من بعد موت الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وترك لمثل الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) – ذلك الرجل الكامل الإيْمَان – لما عاش الضلال ولما عشعش في أوساط هذه الأمة، ولما أوصلها إلى ما وصلت إليه من حالتها المتدنية)).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com