وقفة مع برنامج رجال الله..في ظلال دعاء مكارم الأخلاق – الدرس الأول 1-5

المسيرة| عبدُالرحمن محمد حميد الدين

إنّ مكارم الأخلاق هي رسالة الله وناموسه، وشريعته التي صاغها الأنبياء والأولياء في حياتهم العملية، ولا تقتصر مكارم الأخلاق على تعاطي الإنسان مع الناس من حوله، بل هي برنامج حياة تبدأ بعلاقة الإنسان بربه وتتصل بعلاقته بنفسه، وتنتهي بعلاقة الإنسان بكل من حوله من الناس، وطريقة تعاطيه مع كُلّ ما سخره الله في هذا الكون..

لقد كانت مهمة الأنبياء في مسيرة الدين هي تعزيز مكارم الأخلاق كثقافة عملية تنعكس في واقعهم، وليس مجرد تكريس لبعض النظريات في هذا الجانب.. ولذلك كانت كلمة النبي صلى الله عليه وعلى آله المشهورة: (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)) لم تكن عبثًا، ولا عنوانًا عابرًا، بل هي منهاج حياة متكامل لا يقوم بناء الإنسان وبناء الأمم إلا به، فقد حصر النبيُّ الأكرم مهمته وبعثته في: [إتمام مكارم الأخلاق].. كما نجد أنّ مكارم الأخلاق هي المنهجية التي انتهجها القرآن الكريم في كافة مضامينه؛ بدءً بالعبودية لله والاهتداء بهديه، وصولاً إلى رقي علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وتقديم الشهادة على عظمة الله على أرقى مستوى..

وفي مرحلة تراكمية من التفريط والخذلان التي مرتْ بها الأمة بعد وفاة خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وعلى آله)، كانت مرحلة حفيد النبي الأعظم الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) والذي عندما وجد أن مرحلته تتطلب نوعًا من العمل ينسجم مع وضعية الأمة في عصره، قام بصياغة منهجية عملية لمجموعة من الأدعية في الصحيفة السجادية، والتي سطَّرَ من خلالها رجالاً في ميادين الجهاد يحملون روحية القرآن في مواجهة طغاة العصر، نتيجة للوضعية التي وصلت إلى مرحلة من الانحطاط والانحراف بقيادة بني أمية الذين حرفوا مفاهيم الدين وأشاعوا الظلم والفسق، وعززوا براثن السوء في شتى مناحي الدولة الإسلامية. وقد اختار الشهيدُ القائد دعاء مكارم الأخلاق كأحد أهمّ الأدعية في الصحيفة السجادية لتكون منطلقًا للرقي بالإيْمَان والاستهداء بهدي الله.

 

كمال الإيْمَان غاية تستحق أن يسعى الإنسان للوصول إليها:

إنّ كمال الإيْمَان هو منتهى مكارم الأخلاق وهو أساسها، ولا يمكن أن تكتمل معالم الأخلاق في شخصٍ ما من دون كمال إيْمَانه، ومهما بلغ الإنسان من الإيْمَان والعلم إلا أنه لا يزال بحاجة ملحة كحالة دائمة وملازمة أن يسعى للرقي بإيْمَانه ليصل إلى ما وصل إليه الأنبياء في روحيتهم الإيْمَانية.. لذلك نجد أن الإمام زين العابدين قد ابتدأ دعاءه بقوله: ((اللهم بلغ بإيْمَاني أكمل الإيْمَان..)) وهو (عليه السلام) من بلغ إيْمَانه مبلغ النبيين.. إلا أنه يعلم أهمية أن يكون سعيه للرقي بالإيْمَان هي [حالة دائمة وملازمة].. لذلك كان السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) من القليلين الذين تأملوا في هذه الروحية التي صاغها الإمام زين العابدين قولاً وعملاً، حيث يقول الشهيدُ القائد في ذلك: ((مطلب مهم, وغاية تستحق أن يسعى الإنسان دائماً إلى الوصول إليها: أن تطلب من الله أن يبلغ بإيْمَانك أكمل الإيْمَان. لا ترضى بما أنت عليه، لا تقف فقط على ما أنت عليه فتضع لنفسك خطّا لا تتجاوزه في درجات الإيْمَان، وفي مراتب كمال الإيْمَان. من يرضى لنفسه أن يكون له خطّ معين لا يتجاوزه في إيْمَانه فهو من يرضى لنفسه بأن يظل تحت، وأن يظل دون ما ينبغي أن يكون عليه أولياء الله، الإنسان المؤمن هو جندي من جنود الله، وميدان تدريبه, ميدان ترويضه ليكون جندياً فاعلاً في ميادين العمل لله سبحانه وتعالى هي الساحة الإيْمَانية، ساحة النفس، كلما ترسخ الإيْمَان في نفسك كلّما ارتقيت أنت في درجات كمال الإيْمَان، كلما كنت جندياً أكثر فاعلية، وأكثر تأثيراً، وأحسن وأفضل أداء )).

 

جنود الله مهامهم تربوية وثقافية وشاملة:

ويضع الشهيدُ القائد حدود ما يجب عليه أن يكون جنديُّ الله في هذه الحياة، باعتبار أن كُلّ إنسان مؤمن هو جندي من جنود الله، وليس الدين موزعًا بين قطاعات عسكرية وثقافية وسياسية وغيرها؛ بل الدين هو منهج واحد مترابط وكامل، فكل مؤمن لا بد أن يكون جنديًا لله، ويمتلك القدرة الشاملة في كُلّ شيء، ومنها تثقيف الآخرين، وإرشادهم، وإزاحة الباطل من نفوسهم. ومما قاله السيد في ذلك:

((جندي الله مهامه تربوية، مهامه تثقيفية، مهامه جهادية، مهامه شاملة, يحتاج إلى أن يروض نفسه, فإذا ما انطلق في ميادين التثقيف للآخرين، الدعوة للآخرين، إرشادهم, هدايتهم, الحديث عن دين الله بالشكل الذي يرسخ شعوراً بعظمته في نفوسهم يجب أن يكون على مستوى عال في هذا المجال)). ((فمهمة المؤمن يجب أن ترقى بحيث تصل إلى درجة تستطيع أن تجتاح الباطل وتزهقه من داخل النفوس، ومتى ما انزهق الباطل من داخل النفوس انزهق من واقع الحياة، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ})).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com