العلامة محمد بن سقاف الكاف عضو الهيئة العليا‏ للإفتاء اليمنية يوجه رسائل

التضليل الإعلامي.. أنواعه ووسائله وطرق مواجهته

عبدالله أحمد يحيى الجنيد

إنَّ التضليلَ الإعْـلَامي أداةٌ، وسلاحٌ فتَّاكٌ يستخدمُه الأعداءُ لمواجهة خصومهم في كُلّ مجالات الحياة، والتضليلُ الإعْـلَاميُّ يعني تقديمَ الأخبار، والواقع، وترويج الأباطيل بطرق ملتوية على غير حقيقتها، وتختلف معاييره بين مُؤَسّسة إعْـلَامية، وأخرى، وإعْـلَامي وآخر، وذلك حسب توفر شروط التضليل لديها من حيث الجانب التكنولوجي والمالي، ومراكز الأبحاث لدراسة توجهات الشعوب المراد تضليلها وغزوها..

والتضليل في المعنى القُـرْآني يعني خسارةً وهلاكاً وَعدولاً عن الطريق المستقيم ويضادده الهداية..

يقول الله تعالى: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها)(سورة الإسراء الآية 15).

وقال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ۖ فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ۗ وإن كثيرا من الناس لفاسقون) (سورة المائدة الآية49).

وقال تعالى: (قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين)(سورة القصص الآية85).

وقال تعالى: (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) (سورة الزمر الآية 22).

ويقول الله تعالى في سياق مخاطبة بني إسرائيل: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) (سورة البقرة: الآية 42).

وينشط التضليل الإعْـلَامي في المراحل المحورية التأريخية، والمهمة، والحساسة كأزمنة الحروب، والانقلابات وتغيير الأنظمة، وإعادة صياغة الدول، واحتدام التنافس، وصراع القوى السياسية، والاقتصادية، والمجتمعية، والدينية.

هنا يدخل التضليل الإعْـلَامي كأهم أداة لمواجهة الخصوم أَوْ لكسب الصراع، وتحقيق المصالح بين القوى المتصارعة، والمتنافسة.

ولذلك نجد قوى الضلال والاستكبار العالمي التي تسيطر على أغلب وسائل الإعْـلَام في العالم هي مَن تفرض رؤيتها على الدول الإسْلَامية من خلال مراكز الأبحاث والدراسات المسبقة لثقافة الشعوب، وَالتحكم في المعلومات، والأنباء التي تتم نشرها بطرق تناسب أفكارَ هذه الدول وهي من تعلب الدور الأَكْبَر والمآثر في تضليل شعوب العالم، والمسبب الرئيسي لإيصال الأُمَّـة العربية، والإسْلَامية، إلى ما وصلت إليه من التخلف، والتأخر، والانحطاط معتمدة على ما تملكه من أجهزة حديثة، وتكنولوجيا متقدمة، وخطط علمية مدروسة.

ومفهوم الإعْـلَام أَوْ الإعلان في المعنى القُـرْآني يعني البيانَ والتبليغ، والدعوة، والأذان والتنذير.

ويعني تزويد الجماهير بالأخبار الصحيحة، والمعلومات السليمة، والحقائق الثابتة.

يقول الله تعالى: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (سورة المائدة الآية67).

وقال: (وأذِّنْ في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كُلّ ضامر يأتين من كُلّ فج عميق) (سورة الحج الآية 27).

وقال تعالى: ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ﴾(سورة النحل الآية 125).

ويعني في المفهوم الحديث الأخبار، والتحليل، والنقل المباشر بحسب رؤية ومنطلقات، وأَهْداف جهة معينة.

إنّ القُـرْآن أعظم سلاحٌ إعْـلَامي في مواجهة قوى الضلال العالي. ففيه نجاة العباد وفلاحهم، ففيه الخيرُ والهدى، والسكينة والسعادة، والطمأنينة وهو أقوى سلاح دفاعي لكل ما هو قائم وقادم، وهو نعمةٌ عظيمةٌ من الخالق عز وجل للبشرية لترسيخ العقيدة الصحيحة النقية، والدفاع عنها ورد شبهات الكافرين، ومقارعتهم بالحجج الدامغات وبيان فساد أقوالهم وأعمالهم، وفساد معتقداتهم.

إن جميعَ الأنبياء السابقين أرسلهم الله إلى أقوامهم خَاصَّة. وربما إلى قبيلة واحدة من القوم. وربما إلى عائلة واحدة. أما رسول الله صلى الله عليه وآله سلم فقد كانت رسالتُه عامةً إلى البشرية كافة أبيضهم وأسودهم عرباً أكانوا أَوْ عجماً؛ لإنقاذهم من الظلم والجهل الذي كانوا يعيشون فيه يقول سبحانه وتعالى: ﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً﴾ (سورة الأعراف الآية 185).

وقال تعالى: (تبارك الذي نزّل الفُرقان على عبده ليكون للعالمين نذير) ﴾(سورة الفرقان الآية 1).

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء الآية 107).

إن القُـرْآن هو أعظم وسيلة إعْـلَامية عرفها تأريخ الإنْسَانية وهو القطب الأعظم في الدين والمهمة التي بعث الله بها نبي هذه الأُمَّـة وخاتم الرسل من حيث شموليته تأثيره في جميع المجالات من حيث الخطاب، والقصص، وضرب الأمثال والتكرار، والجدال، والحوار مع المخالفين والترغيب، والترهيب،

والقُـرْآنُ الكريمُ هو الرسالة الإعْـلَامية المقدَّسة معجزة الإسْلَام الخالدة وهو الدستور الشامل الجامع المنظم لشؤون الأُمَّـة الإسْلَامية في الأمور كلها، وهو المرجع الرئيس للنشاط الإعْـلَامي الذي يرسم للدعاة والمرشدين خططَهم ويحدد، مجالات نشاطهم ويحقق، أَهْدافهم ويستطيع الإعْـلَامي أن يتزود منه ليدعم الحقيقة ويستعين به في معالجة قضايا المجتمع المعاصرة.

إن انتشارَ الإسْلَام اليوم في كُلّ بقاع الأرض كان ولا يزال بفضل جهود الدعوة الإعْـلَامية الذي بذلها الرسول الأعظم في هذا الصدد وهي جهود شمل نورها الأرض بمن عليها.

فقد نهج في دعوته نهجًا خاصًّا، ووضع لهذه الدعوة أصولاً ومعاييرَ قُـرْآنية ثابته وواضحة، ودقيقة لا تحتمل لبسًا أَوْ غموضًا من الآيات الكريمة، منها قوله عز وجل: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا) (الأحزَاب الآية 45-46) وقوله في سورة المائدة: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) (المائدة الآية 67).

فكانت الرسالة القُـرْآنية الإنْسَانية المحمدية كاملة وخالدة، فقد ختم الله الرسالات برسالة سيدنا محمد وختم النبوات بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسْلَام دينا﴾ (سورة المائدة الآية 3).

ما نشهده اليوم من تطور عالمي كبير في جميع جوانب الحياة منها العلمية والفكرية نجد الأُمَّـة الإسْلَامية في جانب الدراسات المتعمقة، والبحوث العلمية التي تناولت الإعْـلَام في المنظور الإسْلَامي لا تزال ضعيفة إذا لم تكن شبه مفقودة.

كما أن المنهج الإسْلَامي في الإعْـلَام لم يأخذ طريقَه بعد الاستراتيجية وعدم وضوح الرؤية المدروسة لنشر الدين الإسْلَامي بمفهومة القُـرْآني الصحيح بما يتناسب مع المعطيات العصرية في وسائل الإعْـلَام، ونظم المعلومات، ما جعلنا نخسر الكثير من أسباب النجاح وعوامل الانتشار والتأثير.

وفي ظل ما تمر به أمتنا الإسْلَامية من حروب وفتن طائفية ومناطقية وجهل وفقر كان للتضليل الإعْـلَامي لقوى الاستكبار والإجرام العالمي الدورُ الرئيسي لإيصال الأُمَّـة إلى ما وصلت إليه، فالجهل بمخاطر الإعْـلَام وأساليبه الخبيثة، والملتوية لا يعني أننا سنكون في مأمن من تأثيره وعواقبه، بل إننا إذا لم نتقن استخدام الوسائل الإعْـلَامية الحديثة وأساليب توجيهها فنحن في مأزق وتخلّف كبير. ولهذا كان لا بُدَّ لنا عزيزي القارئ من وقفة مع علماء اليمن ـ من كانوا ولا زالوا لهم الفضل الأَكْبَر في وعي وحكمة وصمود وثبات وانتصار أبناء شعبنا اليمني أمام هذا العدوان الغاشم بحشده، وترسانته العسكرية، والإعْـلَامية الضخمة التي لم يشهد التأريخ لها مثيلاً. نقف معهم لأخذ العبر والدروس، وَتربية النفس، وتزكيتها وصلاحها، وتوعيتهم بمخاطر التضليل الإعْـلَامي وسبل مواجهتها..

وحول ذات الموضوع، نقفُ معك عزيزي القارئ مع العلامة المجاهد/ محمد بن سقاف الكاف عضو الهيئة عليا‏ للإفتاء اليمنية‏.

 

– ما هي رسالتكم اليوم إلى عامة الشعب اليمني القادرين على استخدام شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؟

أخاطب أهلي وإخواني من أبناء وطني اليمني المشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت أن يفعلوا نشاطهم بما يخدُمُ قضايا وطنهم ومجابهة عدوهم سواء بالأسلوب أَوْ الكلمة أَوْ الصورة، فلقد أصبح الإنترنت أَوْ وسيلة الإعْـلَام الأولى والتي يجلس أمامها المتلقي بشكل شبه دائم فلازمكم استغلالها الاستغلال الصائب واستثمارها الاستثمار الأمثل.

 

– ما هو دور العلماء اليوم في مواجهة التضليل الإعْـلَامي للعدوان؟

لقد أوكل اللهُ تعالى لأهل العلم الريادة والقيادة للأمة حيث قال تعالى: مخاطباً للمؤمنين (وإذا جاءهم أمر من الأمن أَوْ الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)﴿النساء الآية ٨٣﴾.

وقال فيما يختص بأهل العلم في حماية بيضة الإسْلَام في حال الحروب والاضطرابات فقال تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافةً فلولا نفر من كُلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)﴿التوبة الآية 122﴾ وجعلهم الله تعالى المجيبين والمرشدين والموجهين لكل متعلم، ومسترشد، وجاهل، ومستبصر بقول العليم الحكيم تبارك وتعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)﴿النحل الآية 43 ﴾.

فالدور الحقيقي بناء على مسؤوليتهم الشرعية وتكليفهم الإلهي يلزمهم من مواقعهم العلمية أَوْ البحثية أَوْ الدعوية أَوْ الإعْـلَامية أمام الزخم المعلوماتي والتضاربات الخبرية بغثِّها وسمينها وصدقها وكذبها وحقها وباطلها واتسع وتنوع نشاطها سواء مرئي أَوْ مكتوب أَوْ مسموع أَوْ وسائل تواصل الكتروني أمور أهمها:-

تكوين برنامج علمي وعلمائي متكامل التكوين والنشاطات يكون رديفاً وموجهاً للإعْـلَام القائم، سواء بالتوجيه أَوْ إعطاء تحفيز معنوي وتثبيت جهادي موصل للحشد القتالي والتثبيت الإيماني، وتفنيد شبه وأكاذيب الإعْـلَام المسموم أَوْ المأزوم.

إحياء دور المنبر والذي له بالغ الأثر في تكوين العقليات المجتمعية خَاصَّة في المجتمعات الأمية، وهو صوت الإسْلَام وإعْـلَامه المؤثر عبر التأريخ والعصور.

بيان كذب الإعْـلَام المعادي مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب الإعْـلَام العالمي هو بوق صهيوأمريكي.

ربط المتلقي (الشعب) بإعْـلَام موثوق ينظمه المنهج القُـرْآني.

إظهار جرم الترويج الشائعي والإرجافي خَاصَّة السائد في وسائل الإعْـلَام المعاصرة.

إبراز الأقلام والكفاءات الإعْـلَامية والتثقيفية على نحو رعوي ودعائي منظم.

 

– في ظل هذا العدوان المستمر على أبناء شعبنا اليمني المسلم.. هل الإعْـلَام اليوم يلعب دوراً في سير المعركة وتحديد توجُّهات الرأي العام وأمتنا؟

لا يوجد جسر تواصل أَوْ معرفة لمن لم يكون في خطوط النار وجبهات القتال إلا وسائل الإعْـلَام فإنْ لم تكن صادقةً وناقلة لتفاصيل الأحداث بمهنية وحرفية ومصداقية وموضوعية وتوثيق فإن الفشل حليفه، والمتلقي لا شك يفرز ويميز للوهلة الأولى للنقل، بل أصبح مميزاً وعارفاً لمناهل التلقي.

وأصبح هذا المشهد جلياً في تميز إعْـلَامنا الحربي أمام وسائل إعْـلَام العدوان الذي صار مضرب الأمثال في العصر الحديث للكذب.

ونجد بروز المصادر الإعْـلَامية كأداة فاعلة في برمجة الرأي العام وشحذ الهمم ونقل الخبر وتصوير الحدث.

 

– ما هي رسالتكم اليوم في ظل هذا العدوان المستمر إلى وسائل الإعْـلَام والإعْـلَاميين والكُتاب؟

يجب على مُؤَسّسات الإعْـلَام والإعْـلَاميين والكتاب والخطباء والدعاة أن يكونوا لسانَ صدق وقلم حق ويدركوا المعنى الجهادي لسلاح الكلمة وقوة القلم وسلطان المنابر الدعوية والإعْـلَامية، وأنها رسالة الجهاد ولا يقل دورهم عن دور المقاتل والقائد والرافد والباذل نفسه وماله في سبيل أمته وقضيته وأعظمها إقامة العدالة، والحق، ونُصرة المستضعفين، وجهاد الظالمين، والجائرين، والمعتدين.

 

– برز الكثيرُ من الكُتاب، والإعْـلَاميين الأَحْرَار في ظل هذا العدوان.. ما واجب وزارة الإعْـلَام تجاههم؟

لقد أفرزت الأحداثُ الثورية، والعدوانُ على اليمن من قبل قوى الشر الأمريكي، والصهيوني، والسعودي، والإماراتي ومن شايعهم، وناصرهم وأيّدهم، كُتاباً وأقلاماً مبدعة وصادقة خارج المُؤَسّسات الإعْـلَامية، والصحفية (وسائل التواصل الاجتماعي)، وداخلها لم تجد من يحتضنها أَوْ يدعمها أَوْ يبرزها وينشر أفكارها ويتعين على وزارة الإعْـلَام في المقام الأول لعب هَذا الدور ومن ثَمّ على مُؤَسّسات الإعْـلَام المجاهد والمقاوم وكذلك العلماء والتربويين.

 

– ما هو دور وسائل الإعْـلَام الحزبية، ومنظمات المجتمع المدني اليوم في مواجهة التضليل الإعْـلَامي؟

يجبُ ويلزَمُ من واقع التكليف الشرعي، والمنطلق الإيماني، والواجب الوطني أن يكونوا صوارمَ قاطعةً لإعْـلَام العدوان، سواءٌ أكانوا ضمن عمل فردي أَوْ عبر منظمات المجتمع المدني أَوْ الحزبي، فيواجهون التضليلَ الإعْـلَامي المعادي وتعريته، لا يداهنوا ولا يواربوا ولا يجاملوا، فالعدو واحد، والوطن المعتدى عليه واحد.. فمن التفريط، والخيانة خرق هذا الميثاق بأي حال من الأحوال.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com