نيرانُ الأزمات الاقتصادية تحاصرُ العدوّ من كُـلّ جانب.. تراجعٌ مُستمرٌّ يولّد اختلالاتٍ أمنيةً وعسكرية و “اجتماعية”
المسيرة: نوح جلّاس
يوماً تلو الآخر ترتفع كلفة الإجرام الصهيوني على غزة، حَيثُ يترنَّحُ اقتصاد العدوّ الإسرائيلي بين العجز وارتفاع الإنفاق وتدهور القطاعات الحيوية والاقتصادية وانخفاض التصنيف الإنمائي وتراجع مؤشرات البورصة، وكلّ ذلك على وقع عمليات المقاومة وجبهات الإسناد؛ ما دفع العدوّ للإقرار باستمرار التدهور لسنوات قادمة، حسب ما أكّـدته “وزارة المالية” بحكومة المجرم نتنياهو ومسؤولان اقتصاديان سابقان.
وحسب تقرير لوكالة “بلومبرغ”، الاثنين، فقد توقعت وزارة المالية الصهيونية انخفاضاً للنمو في العام القادم 2025؛ ما يعني أن الكيان الصهيوني بات يقر إقراراً كاملاً بكلفة إجرامه، على الرغم من الدعم الأمريكي الغربي السخي، فيما أن هذه التطورات تؤكّـد مدى فاعلية الانعكاسات المرتدة من العدوان على غزة، وفي مقدمتها ضربات المقاومة الفلسطينية، وجبهات الإسناد اليمنية اللبنانية العراقية.
إقرار بكُلفة الإجرام:
ووفقاً للأرقام التي نشرتها ما تسمى “وزارة المالية” الصهيونية، فمن المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نسبة 1,1 %، منخفضاً عن الرقم السابق البالغ 1,9 %، بالإضافة إلى خفض التوقعات لعام 2025 إلى 4,4 % من 4,6 %، في حين أن هذه النسبة هي الأدنى منذ سنوات طويلة كان ينعم فيها العدوّ بالرخاء الاقتصادي، ما يعني أن استمرار العدوان والحصار على غزة، وما يترافق معها من ارتدادات مباشرة وغير مباشرة سوف يكبد العدوّ الكثير، خُصُوصاً وسط توقعات “إسرائيلية” باستمرار المعاناة الاقتصادية لخمس سنوات قادمة.
وأشَارَت “بلومبرغ” إلى أن عمليات المقاومة الفلسطينية في غزة، والعمليات التي ينفذها حزب الله أجبرت العدوّ الصهيوني على رفع إنفاقه الدفاعي؛ ما أحدث عجزاً ماليًّا كَبيراً، وفي المقابل فقد العدوّ الصهيوني العديد من الموارد الاقتصادية من قطاعات الواردات والصادرات ومدخلات الإنتاج الخام والتكنولوجيا؛ وذلك بفعل العمليات اليمنية المساندة لغزة، فضلاً عن الهروب المتواصل لرؤوس الأموال؛ بسَببِ وصول نيران المقاومة وجبهات الإسناد إلى كُـلّ أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلّة، خُصُوصاً المناطق الحيوية كمنطقة أم الرشراش “إيلات” التي تعاني الويلات؛ بسبب إفلاس مينائها بأمر يمني، وكذلك؛ بسَببِ العمليات الصاروخية التي تطالها من اليمن والعراق.
ونوّهت الوكالة إلى أن انخفاض تصنيف العدوّ الصهيوني لأول مرة في تاريخه وارتفاع عائدات السندات الحكومية بالعملة المحلية بشكل كبير مقارنة بسندات الخزانة الأمريكية، يترجم المعاناة الكبيرة التي يعانيها قطاع الاستثمار داخل الكيان، لا سيَّما مع استمرار حركة عزوفهم وانسحاب شركاتهم بما فيها شركات بريطانية كبرى.
وفيما يشار إلى أن وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، قد خفضت تصنيف العدوّ وتوقعت استمرار الانخفاض لخمس سنوات قادمة بناء على استمرار الحرب على غزة، فَــإنَّ هذا يعني أن توسُّعَ الحرب في مناطقَ أُخرى كالضفة وتصاعد عمليات حزب الله وتكثيف العمليات اليمنية ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد، سيقود اقتصاد العدوّ إلى حالة موت سريري بالفعل.
تحذيرات صهيونية.. الخطر الحقيقي قادم:
إلى ذلك حذر خبيران اقتصاديان صهيونيان ومسؤولان سابقان لدى العدوّ، من أزمة اقتصادية كبرى في السنوات القليلة المقبلة، في “إسرائيل”، حتى وإن توقف العدوان الصهيوني على غزة، في إشارة إلى أن تأثيرات عمليات المقاومة وجبهات الإسناد تمتاز بفاعلية كبيرة وانعكاسات مؤثرة على المدى المتوسط والبعيد.
وأوردت صحيفة “ذي ماركر” العبرية، تصريحات لكبير الاقتصاديين السابق في ما تسمى وزارة المالية الصهيونية، “يوئيل نافيه”، ونائبه “ليف دروكر”، أكّـدا فيها أنه “من دون معالجة موازنة 2025، هناك احتمال كبير لحدوث أزمة مالية في السنوات الخمس المقبلة”، مشيرين إلى أن حكومة المجرم نتنياهو “لا تفهم حجم المشكلة الاقتصادية الماثلة أمامها، وتختار تجاهل المخاطر المرتبطة بضرر شديد في الاقتصاد”.
ووفق تأكيدات الخبيرَينِ الصهيونيَّينِ، فَــإنَّ “الأزمة المالية مرجحة في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، ومن الممكن أن تؤدي إلى جر الاقتصاد إلى ركود”، منوّهين إلى أن ذلك يفاقم المخاطر الأمنية التي تواجه العدوّ “الإسرائيلي” في ظل ارتفاع نسبة العجز المالي لديه.
وفيما لفت الخبيران “الإسرائيليان” إلى أن “11 شهراً من الحرب وجهت ضربة قاسية لاقتصاد (إسرائيل)، وأن استمرار القتال -حتى ولو بنفس الحدة الحالية ومن دون فتح جبهات إضافية- لا يبشر بالخير بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي”، فَــإنَّ ذلك يؤكّـد أن العدوّ الصهيوني سيكون المتضرر الأكبر حال توسعت اعتداءاته في فلسطين ووصلت جبهات المواجهة المساندة إلى مستويات أعلى؛ ما يعني أن الرد اليمني والإيراني وتصعيد العمليات اللبنانية ستمثل ضربة قوية وموجعة ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل أَيْـضاً على المستويين العسكري والأمني.
وتعقيباً على كُـلّ ما يمر به العدوّ، أشار الخبيران الصهيونيان إلى أن “خفض التصنيف الائتماني وزيادة علاوة المخاطر، والزيادة الهائلة في الإنفاق الأمني والمدني، تزامناً مع العجز المتضخم في الميزانية، والانخفاض الحاد في الاستثمارات، ومعدل التضخم المرتفع، ترسم مساراً متزايداً لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وما يزيد الخطورة هو عدم قدرة الحكومة على تشكيل أية سياسة اقتصادية، والدليل هو تأجيل مناقشة الموازنة العامة للدولة لسنة 2025”.
وذكّر الخبيران الصهيونيان للمقارنةِ الظروف الراهنة التي يعيشها العدوّ، بالأزمة المالية التي مر بها الكيان الغاصب عام 2002، حَيثُ يفقد المستثمرون الثقة في قدرة حكومة العدوّ على سداد ديونها، في حين ترتفع عائدات (فوائد) السندات للمستثمرين ولا تكون الحكومة قادرة على تمويل نفقاتها.
الأزمات الاقتصادية تحاصر العدوّ من كُـلّ جانب:
ووسط كُـلّ هذه الأزمات التي تواجه العدوّ، فَــإنَّ تأثيراتها الممتدة لن تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل إن الأزمة ستعصف ببقية الجوانب الأُخرى مثل الجانب الأمني والعسكري، وهو ما يؤكّـده مراقبون؛ كون العدوّ يعتمد في سياسته العسكرية والأمنية على الأموال الطائلة؛ ما يعني أن العجز أَو التقشف سيحدثان خللاً كَبيراً في جبهة العدوّ الأمنية بشكل عام، وهذا الخلل حتماً سيقود لطرد ما تبقى من استثمارات ويرمي ثقله بالقطاعات الأُخرى التي يعتمد عليها العدوّ، ليكون الأخير محاصراً بين عدة مخاطر مركبة.
وفي السياق ذاته، فَــإنَّ تأثيرات الأزمة الاقتصادية على العدوّ سترتد على جبهة العدوّ الداخلية من الناحية الاجتماعية، حيثُ إن الضغوط على المستوطنين تزداد جراء السياسات الضريبية والجمركية المتصاعدة التي يتخذها العدوّ كحلول، فيما هي في الحقيقة تسرّع من توقيت الانفجار من الداخل، وقد لحظ الجميع مستوى السخط الذي يعم الأراضي الفلسطينية المحتلّة والتظاهرات الحاشدة التي تطالب المجرم نتنياهو بإبرام صفقة تبادل عاجلة والتوجّـه لوقف الإجرام في غزة، فيما أن السياسات التي يتخذها العدوّ ضد المستوطنين سواءً التجنيد الإجباري أَو تمديد فترة الخدمة العسكرية أَو حتى الضائقة المالية التي يواجهونها وعوامل أُخرى، سوف ترفع وتيرة الهجرة العكسية، وهنا يصل العدوّ إلى خطر وجودي حقيقي.
ومع كُـلّ المعطيات الموجودة، بات العدوُّ الصهيوني محاطاً بكثيرٍ من التهديدات، عسكرية وأمنية واقتصادية وأُخرى سياسية، وسط مؤشرات تقود إلى تصاعد التهديدات إذَا ما وصلت المواجهة مع جبهات الإسناد اليمنية واللبنانية والعراقية إلى مستويات متقدمة –وهو الأمر المتوقع حتماً– فضلاً عن تأثيرات الرد الإيراني السابقة وما قد يستجد عند حلوله، وهنا لا خيار للعدو سوى وقف إجرامه، أَو السير إلى الهاوية مع سبق الإصرار بالإجرام.