رمضان ومعركة بدر الكبرى

 

القاضي حسين محمد المهدي

(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَالْفُرْقانِ).

تزكوا فيه النفوس، وتستقيم فيه الأخلاق، وتستجاب فيه الدعوات، وتقضى فيه الحاجات، ويرزق بالصوم فيه التقوى والثبات.

رمضان تأريخ مضيئ أنزل فيه القرآن، وانتصر الإسلام في معركة بدر الكبرى الحاسمة، فهو تأريخ إسلامي عظيم.

إن التاريخ الذي تتجذر به معالم العزة والقوة والنصر جدير بالبقاء والخلود، كما هو جدير بالاحتفال به كما نحتفل بأعز شيء في هذا الوجود.

إنه التاريخ الذي أسس لدور زاهر جديد، فيه نفحة من نفحات الرحمة الإلهية التي عمت البلاد والعباد.

لقد كان المسلمون قبل معركة بدر مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس فنصرهم الله.

لم يكن للمسلمين قبل معركة بدر دولة يخشى بأسها، بل كان القرشيون قد اعتدوا على المؤمنين وأخرجوهم من بيوتهم، واستبدوا بهم حرباً لله ولرسوله ولعباده.

وصار المسلمون ضيوفاً على الأنصار قبائل الأوس والخزرج اليمانية، يشاركونهم أقواتهم ومساكنهم، وقد أذن الله للمؤمنين بقتال الظالمين من قريش وغيرهم، لما كانت قريش قد قطعت الرحم واعتدت على المؤمنين، وقد أنزل الله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وكانت الأنباء ترد للمسلمين من مكة عن أحوال المشركين وإصرارهم على الاستمرار في حرب المستضعفين.

وقد كانت لهم عير وعدة فأذن الله لرسوله والمؤمنين بالخروج لملاقاة أعدائهم، ووعدهم الله بالظفر على إحدى الطائفتين العير أَو النصر على المقاتلين الباغين ذات الشوكة والذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس، فقد أنزل الله (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحدى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ).

واستشار رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أصحابه عند الخروج وكان يعني الأنصار رضوان الله عليهم؛ لأَنَّهم بايعوه على أن يمنعوه في ديارهم، فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله! وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لو أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا البَحْرَ لأَخَضْنَاهَا، ولو أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إلى بَرْكِ الغِمَادِ لَفَعَلْنَا.

هذه هي الرواية التي رواها مسلم حديث رقم (١٧٧٩)، وهناك استشارة أجاب فيها سعد بن معاذ -رضي الله عنه- أوردها بعض أصحاب السير والمسانيد هي في معنى قريب من هذه.

فهذا اليوم الذي أنزل الله فيه القرآن، يوم التقى الجمعان، السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، التي فرض فيها الصوم.

وتعتبر هذه المعركة الحاسمة والتي أسست لانتصار المسلمين وتعاظم دولتهم، وهي ترمز بوضوح بأن الظلم والاستعلاء على المسلمين مآله الهزيمة، وذلك ما حدث بعد هذه الغزوة فقد هزم القرشيون الذين حاصروا المسلمين في شعب أبي طالب بضع سنوات فجاء الفتح والنصر المبين في السنة الثامنة للهجرة.

فإذا الذي حارب الإسلام بعد أن هزموا يعودون إلى صف المسلمين ويعتنقون الإسلام بعد أن هدمت أصنامهم، انتزع جذور الكفر من أرضهم، والتاريخ يتشابه.

فقد حاصر الحلفاء اليمن عن غير هدى ولغير موجب؛ فقتل النساء والأطفال والشيوخ وهدم البيوت على رؤوس أهلها استكباراً في الأرض بغير الحق، كما أوضح ذلك قائد المسيرة القرآنية في خطابه بمناسبة ذكرى مرور 9 سنوات عدة من تأريخ الاعتداء على اليمن ومحاصرته، ومع ذلك فَــإنَّه قد وعد بالجنوح إلى السلم إن جنحوا للسلم وعاد هؤلاء عن بغيهم وعدوانهم وقاموا بإنهاء الحصار والعدوان وتبادل الأسرى وتعويض الأضرار، مع أن اليمن بفضل الله تحت قيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- تملك من القوة العسكرية ما يكفي لانتزاع حقوق الشعب اليمني المظلوم بالقوة بفضل الله سبحانه وتعالى، وثبات أنصار الله وحزبه (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).

ثم إن معركة بدر الكبرى فيها عظة وعبرة على الصهيونية اليهودية أن تعيها، وأن وعد الله بالنصر قادم لا محالة؛ فالله لا يخلف الميعاد، ولن يغني تجميع اليهود لفيفاً من أصقاع الأرض، فقد أخبر الله أنه سيجيئ بهم لتحق عليهم كلمة العذاب (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً).

إن فساد الصهيونية الإسرائيلية قد أخبر القرآن عنه وأخبر عن زواله (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أول مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً).

وننصح من تحالف على اليمن بغير حق أن يتحالف على الصهيونية اليهودية بحق ويضع يده في يد المجاهدين في فلسطين ومحور المقاومة وأنصار الله وحزبه (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

فَــإنَّ قوة الله وقدرته لا تضاهيها أية قوة في العالم، فمن يغالب الله يغلب كائًا من كان.

فَــإنَّ الدين النصيحة:

ولقد نصحتك أن قبلت نصيحتي

والنصح أغلى ما يباع ويوهب.

فهل يعي التحالف ذلك؟

وهل تعي الصهيونية أن فسادها في فلسطين يعجل بزوالها؟

وأن أبطال المقاومة الإسلامية من حماس وغيرها ورجال محور المقاومة وساستها وأنصار الله وحزبه مؤيدون بفضل الله ونصره (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغالِبُونَ).

العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com