رمضان تكريمٌ للإنسان

 

القاضي/ حسين محمد المهدي

لقد أكرم الله الإنسان في شهر رمضان بالصيام وحفظ جوارح الإنسان عن المعاصي والآثام؛ فهو شهر الرحمة وتكريم الإنسان.

لقد جاء القرآن الكريم بإعلان الرحمة الكبرى والمنة العظمى وهو نزول القرآن وبعثة محمد -عليه الصلاة والسلام- بإعلان فريد من نوعه في كتاب خالد يُتلى في كُـلّ زمان ومكان (وَما أرسلناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).

إن الرحمة التي أعلن عنها القرآن تعم العالم بأسره، وهي تعني إنقاذ البشرية من الشقاء والهلاك والسبب المباشر في شفائها من أسقامها وعلاتها وَحَـلّ معضلاتها وفي حلول الخير والفلاح في أرضها إن هي عملت بما جاء به هذا النبي الكريم الهادي إلى صراط مستقيم والقائل (الراحمون يرحمهم الرحمن) ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

فقد جعل الرحمة على بني آدم شرطا لازما لجلب رحمة الله.

مما لا ريب فيه أن أفضل ما ينفع العقول ويثقف الطباع وينمي ملكات الفضائل ويبعد الإنسان عن الرذائل ويبلغ الإنسان به الكمال النفسي والسمو الروحي هو الأخذ بهدي النبي الكريم المنزل عليه (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى‏ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً).

لقد أعلن النص القرآني على لسان نبي الإسلام سمو مكانة الإنسان وأنه أعز موجود في هذا الكون.

فليس هناك شيء أشرف واجدر بالحفاظ عليه من هذا الإنسان الذي خلق الله له ما في الأرض جميعاً وهو مخلوق لله وحده (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأرض جَمِيعاً).

لقد جاء بعقيدة التوحيد المتدفقة بالقوة والحياة لتمنحه الحرية وتُخَلِصَهُ من العبودية لغير الله، وتذهب عنه الجبن والوهن وهواجس ووساوس الشيطان.

وتخلصه من القلق النفسي وانعدام الثقة وعدم الاستقرار.

إنها عقيدة صافية حافزة للهمم باعثة للحياة تخلص من كُـلّ خوف ووجل، فلا يخاف أحدا إلا الله.

فقد عَلِمَ عِلْمَ اليقين أن الله وحده هو الضار النافع، والمعطي المانع، والكفيل بحاجات البشر، كما جاء محمدٌ -صلى الله عليه وآله وسلم- بمبدأ الوحدة الإنسانية والمساواة البشرية.

وهذان المبدآن هما الدعامتان التي يقوم عليهم الأمن والسلام في كُـلّ زمان ومكان وهما: وحدة الربوبية، ووحدة البشرية.

فالإنسان أخو الإنسان من جهتين، الأولى: أن الرب واحد، والثانية: أن الأب واحد، (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى‏ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أكرمكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

إن هذين المبدأين نزلًا من عند الله في القرآن الحكيم وبلغهم النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- قبل أكثر من أربعة عشر قرنا.

فلا مجال لأن يدعي البعض سموَّه على البعض الآخر.

وهذا الإمام علي عليه السلام يقول:

الناسُ من قبل الآباء أكفاء

أبوهم آدم والأم حواء

فالتعالي قد وضعته الشريعة الإسلامية تحت الاقدام.

لا تفخرن بأصلك

ما الفخر إلا بفعلك

أصل الأنام تراب

مما تطأه بنعلك

فعمل بجد وحزم

ترقى المعالي بسعيك.

إن العالم المعاصر مدين لهذا الفكر بالبقاء والاستمرار وجدارة الحياة.

ولكن الفكر الإنساني يصاب في بعض الحالات بنوبات عصبية تدفعه إلى التدمير والإبادة بدلًا من التعمير والبناء، كما هو الحال في أعمال الصهيونية اليهودية في عصرنا الحاضر، والتي تعيث فيه فسادا فتسفك فيه دم الشعب الفلسطيني بل وتعري الرجال والنساء من ملابسهم وتقوم باغتصاب النساء بشراسة وفضاضة تدل على التجرد من الإنسانية.

إنه الجهل بخالق هذا الكون وتعاليمه والكفر بحقوق الإنسان على مرأى ومسمع من البشرية.

إنها تتعدى الحدود والحرمات، وتتهرب من أداء الحقوق والواجبات، وتصر على الظلم علوا واستكبارا على نحو تتقزز منه حتى الشياطين.

فأين الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان من هذا الظلم الذي تقشعر منه الأبدان؟

وأين رجال الإسلام والأسود التي تغضب لغضب الرحمن والذي تجاهد في سبيل الله لا تخاف في الله لومة لائم (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)

ألم يصيخوا أسماعهم إلى قول الحق” (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وقوله سبحانه” (أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّـهِ أَو أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إلى أجل قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالآخرة خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‏ وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً).

إن النصر قادم ما دام هناك مجاهدون من أبناء فلسطين ومحور المقاومة اليمن لبنان العراق إيران.

وعلى دول تحالف العدوان على اليمن أن تعي الأمر الواقع وأن تسعى بأقصى ما يمكن من السرعة في إصلاح ما أفسدت بيمن الإيمان والحكمة قبل فوات الوقت فيد اليمن وقائد المسيرة القرآنية على الزناد، (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

فالتحية والإجلال للمجاهدين من أنصار الله وحزبه (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com