القَصَصُ القرآني    (1)

 

عبدالمجيد إدريس

عندما نقلب صفحات القرآن سنجد القصة حاضرة بقوة ولها دلالاتها ومضامينها القوية والمؤثرة، وكما ورد في الأثر فَــإنَّ القصة تحتل ثلث القرآن.. فما هي القصة؟ وما الفرق بين القصة والنبأ؟

إخوتي وأخواتي القراء:

القصة في اللغة: تتبع الأثر أَو تتبع الشيء قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}؛ أي تتبعي أثره.

وقال تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا}؛ أي رجعوا متتبعين آثارهم.

وفي مفردات الراغب الأصفهاني: القص: تتبع الأثر، يقال: قصصت أثره، والقصص: الأثر. قال تعالى: {فارتدا على آثارهما قصصا}، {وقالت لأخته قصيه}، ومنه قيل لما يبقى من الكلإ فيتتبع أثره: قصيص، وقصصت ظُفرَه، والقصص: الأخبار المتتبعة، قال تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق، لقد كان في قصصهم عبرة، وقص عليه القصص، نقص عليك أحسن القصص، فلنقصن عليهم بعلم، يقص على بني “إسرائيل”، فاقصص القصص.

وللزمخشري في تفسير قوله تعالى: نحن نقص عليك أحسن القصص- كلام جميل وبديع، حَيثُ يقول: والمراد بأحسن الاقتصاص: أنه اقتصّ على أبدع طريقة وأعجب أُسلُـوب. إلى أن قال: وإنما كان أحسنه لما يتضمن من العبر والنكت والحكم والعجائب التي ليست في غيرها والظاهر أنه أحسن ما يقتص في بابه، كما يقال في الرجل: هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه.

أما معنى القصة في الاصطلاح: قول دِرامي لخلق عالم إبداعي مواز في علاقاته للعالم الواقعي.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فقصة آدم جسدت المشهد الذي حدث في ذلك الزمان في أبدع صورة

وعند قراءتها ستحدث في نفس قارئها الانفعالات النفسية وتثير الأحاسيس وتخلق جوًا من المشاعر الفياضة وكأننا نعيش الحدث.

وليس القصص القرآني للتسلية والمتعة وقضاء الوقت بعيدًا عن العبرة والموعظة، وهذا ما يميزه عن غيره.

عندما نقلب صفحات القرآن مرة أُخرى ونسلط الضوء على القصص القرآني سنجد هذه الكلمة ومشتقاتها تكرّرت بكثرة في مواقع متفرقة من القرآن الكريم…. ونجد أَيْـضاً كلمة النبأ تنوب عن القصة، مثل قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ، إذ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَـمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ}

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ}

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ}

فما الفرق بينهما؟

قيل عن النبأ إنه: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أَو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب، كالتواتر، وخبر الله تعالى، وخبر النبي عليه الصلاة والسلام.

إذن فما كان ذا فائدة عظيمة نسميه نبأ وما كان بخلاف ذلك فله مصطلحات أُخرى.

والآن لماذا استخدم القرآن أُسلُـوب القصة؟ وما مدى تأثيره وفاعليته في النفس الإنسانية؟ وما الفرق بين القصص القرآني والقصة الأدبية؟ هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بإذن الله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com