الشعوبُ الحرة تصرُخُ بالحرية لفلسطين والشعوبُ المستعبَدةُ تتنصَّلُ من مسؤوليتها

 

د. تقية فضائل

منذ خمسة أشهر بدأت معركة (طُـوفان الأقصى) المباركة، وجاء الرد الإجرامي للصهاينة يفوق كُـلّ تصور قد يخطر ببال بشر فارتكبوا وما زالوا يرتكبون أبشع الجرائم وأفظعها تدعمهم وتقف وراءهم أنظمة الاستكبار العالمي سياسيًّا وعسكريًّا وإعلامياً واقتصاديًّا ومعنوياً، وفي هذه الأثناء هبت شعوب العالم الحرة خَاصَّة الشعب الأمريكي والشعوب الأوروبية بمظاهرات شعبيّة مليونية مُستمرّة يرفعون فيها أعلامَ فلسطين ويلبسون الكوفيةَ الفلسطينية التي صارت تباع بأغلى الثمن؛ لأَنَّها تمثل رمزاً للصمود لديهم، وهم يردّدون الأغاني المعبرة المطالبة بحرية فلسطين وسقوط “إسرائيل” ونظامها العنصري المجرم ويطالبون إيقاف دولهم دعم الصهاينة، وَيقيمون الكثير من الفعاليات التي تهاجم الأنظمة والساسة في كُـلّ مكان يذهبون إليه على دعمهم للإجرام الصهيوني ويقاطعون خطاباتهم موجهين لهم أقسى العبارات، وقد خسر بعض المناصرين لفلسطين مناصبهم الكبيرة؛ بسَببِ مواقفهم الداعمة لغزة منهم رؤساء جامعات وبرلمانيين وغيرهم، كما كان للمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي دورهم الكبير في كشف ما يحدث من إبادة للشعب الفلسطيني على أيدي مجرمي الحرب من صهاينة بدعم أمريكي وَأُورُوبي غير محدود، وكان إحراق الطيار الأمريكي نفسه تضامناً مع غزة أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، كما أحرق جنود أمريكيون آخرون ملابسهم العسكرية لنفس السبب، وقام مواطن ألماني بتمزيق جوازه الدبلوماسي لشعوره بالخزي من موقف بلاده الداعم لإبادة الفلسطينيين، وَنجد شخصيةً بريطانيةً رفيعة المستوى تلقي بالوسام الملكي في مكب النفاية قائلة إنها تشعر بالعار؛ لأَنَّ دولتها تشارك في أسوأ جريمة عرفها التاريخ، هذه وغيرها من أقوى مظاهر الوقوف في وجه ما يحدث في غزة ويحرج الأنظمة من دعم الإجرام الصهيوني بأي شكل من الأشكال.. وقد أثرت بعض الجماهير الحرة على دولها حتى عدلت سياستها في دعم الكيان الإسرائيلي، وقد تنوعت صور دعمهم لفلسطين؛ فهم يكتبون المقالات والتغريدات المؤثرة ويتحدثون في التلفاز وفي وسائل التواصل بكل شجاعة، وَكذلك يغنون لفلسطين، ويشكرون كُـلّ من يقف معها خَاصَّة اليمن، ويشجعون حماس والمجاهدين وَحتى على مستوى الرياضة فعلى سبيل المثال: أقيم مؤخّراً سباقاً في نيويورك ارتدى فيه المتسابقون الكوفية الفلسطينية ورفعوا العلم الفلسطيني، وقد دفعوا أرباح السباق التي بلغت مليوني دولار لصالح غزة، وفي جانب آخر يرفض المنتخب الأيرلندي الوقوف بمواجهة المنتخب الإسرائيلي ومصافحته، والجمهور البلغاري يطرد المنتخب الإسرائيلي من الملعب..، وكلّ يوم نرى منهم المزيد من المواقف العظيمة التي يبدعون فيها ويثبتون شجاعتهم على نصرة الحق، وَالحقيقة أنها مواقف تدل على أن إنسانية هذه الشعوب وضمائرها حية وأنها تساند الإنسان المستضعف أينما كان وبأي دين يؤمن، بل نجد كثيرين منهم يعتنقون الإسلام؛ لأَنَّهم عرفوه من صمود الفلسطينيين وصبرهم وتوجّـههم لله شاكرين حامدين رغم كُـلّ ما أصابهم، وهذا بحق قمة الرقي الإنساني، ونسأل الله لهم الهداية وَأن يجعلهم جنوداً للحق والخير.

بينما الشعوب العربية باستثناء الشعب اليمني الأصيل المؤمن المجاهد، فهي في ملاعب كرة القدم جماهيرها تختصم على الفوز والخسارة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي يقدمون المحتوى الهابط، وبين مواسم اللهو والعبث ينفقون ملايين الدولارات على لاعبي كرة القدم وَالراقصين الراقصات، ويتفاخرون بمواسم الكلاب وَالدجاج وغيرها، وَآخرون منشغلون بمتابعة زواج الفنانين والفنانات وطلاقهم أَو خلافاتهم السخيفة، وإعداد المسلسلات والبرامج الترفيهية والمسابقات لاستقبال شهر رمضان كالعادة بالعبث والسخافات، والفلسطينيون يموتون جوعاً وقهراً وقصفاً!!، والذين كانوا من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي يتحدثون عن مظلومية غزة، توقف معظمهم بعد أن حقّق المشاهدات في بداية الأحداث وعندما دب الملل في الجماهير العربية وقل المتابعون توقف معظمهم عن بث المقاطع التي تتابع ما يحدث ويتعلق بفلسطين وكأن حماسهم في بادئ الأمر بدافع مادي! وأما بعضهم فقد توقف لمُجَـرّد بعض الضغوط أَو حذف قناته! أما من يمثلون الأنظمة العميلة يخرجون ليقولوا بصريح العبارة فلسطين ليست قضيتنا ولسنا معنين بها!! بل يخرج علينا علماء السلطة بفتاواهم التي تجرم حماس والمجاهدين وتحملهم مسؤولية ما يحدث للفلسطينيين وَكأن البقاء تحت الاحتلال المجرم هو الحل وهو المخرج وأن الخضوع هو الوضع الأمثل!! ولا عجب من هذا الهراء فهو ما تلقنهم أنظمتهم العميلة الإسرائيلية الهوى والانتماء، ومنهم من يتحجج بأنهم شعوب مقموعة، ولا أدري كيف كان خروجهم وتحديهم لكل صور القمع في مظاهرات ما يسمى الربيع العربي!! واقع مخز ومهين ومخجل، وَسنة الله في هذه الشعوب المتخاذلة عن نصرة المستضعفين من أبناء جلدتهم وَأهل ملتهم وهم يستنصرونهم في الدين، أن يعذبهم الله ويستبدل قوماً غيرهم وهو من قال لهم: (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا، وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التوبة 39.

والسؤال المطروح هنا: لماذا هذا الفارق الكبير بين سلوك شعوب الغرب وشعوب العرب رغم أن فلسطين عربية مسلمة وكان الأحرى أن تكون نصرتها على أيدي العرب والمسلمين؟

باعتقادي أن الزيف الإعلامي الذي كان يشوه الحقائق للشعوب الأوروبية والشعب الأمريكي قد انكشف واتضح لهم مظلومية الشعب الفلسطيني ومؤامرات دولهم مع الكيان الإسرائيلي لاغتصاب أرضه وإبادة من أمكنهم إبادته وتهجير من تبقى بعد ممارسات إجرامية دامت 75 عاماً وكانت جرائم الاحتلال الوحشية قد عرت كُـلّ الأكاذيب، وأدركوا أن الفلسطينيين ليسوا متوحشين كما يصورهم الإعلام الغربي والأمريكي، والصهاينة ليسوا الشعب الديمقراطي صاحب الحق وشعب الله المختار كما يروجون له، كذلك نجد أن حرية التعبير وحقوق الإنسان الني تربت عليها هذه الشعوب ومارستها واقعاً معاشاً منذ زمن طويل شعروا فيها بإنسانيتهم وكرامتهم فارتقت نفوسهم ونظروا إلى مآسي البشر من حولهم، إضافة إلى الوعي والثقافة والعلم الذي أصبحوا هم مصدره في العصر الحديث وفهمهم لخطورة الكيان الإسرائيلي وطموحاته، حتى أن أحد الضباط السابقين في الجيش الأمريكي قال لو هزمت غزة سيتحول العالم كله إلى غزة بالنسبة للكيان الصهيوني الذي تزيد طموحاته للهيمنة والقضاء على كُـلّ من يقف في وجهه.

عُمُـومًا أيًّا كانت أسبابُ الموقف المشرف لهذه الشعوب فسيذكر التاريخ أنها هبت بدون كلل أَو ملل تنصر الفلسطينيين وتكشف حقارة أنظمتها المتآمرة مع الكيان الإسرائيلي المنحط.

أما الشعوب العربية فيكفي أن نقول ما قاله السبد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله- الذي شخص الأسباب التي جعلت هذه الشعوب العربية تعيش واقعاً مؤلماً ترتضي فيه المهانة والذلة والتهميش؛ ومن أهم هذه الأسباب اختراق الأُمَّــة من قبل الأعداء على كُـلّ المستويات ليحكموا عليها السيطرة، وَهي مقيدة ومقموعة قمعاً مشروطاً من الخارج وأنظمتها تشد عليها الخناق؛ فلا يسمح لها بأن تعبر بحرية أو تستنكر أَو تطالب بأي شيء، كما أنه يتم تجهيلها بأعدائها في المقرّرات الدراسية وفي الإعلام وبكل الوسائل الممكنة، وفي نفس الوقت يوفر لها شتى وسائل الإلهاء التي تصرفها عن قضايا الأُمَّــة وهمومها، ثم قدم الحل الوحيد لهذا الوضع المزري هو العودة لهدى الله والنظر إلى عدوها النظرة القرآنية الصحيحة والانطلاق في ضوئها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com