السيدُ عبدالملك الحوثي في خطاب حول آخر التطوُّرات والمستجدَّات: لدينا بإذن الله تعالى مفاجآتٌ لا يتوقَّعها الأعداءُ نهائيًّا وستكون مفاجِئةً جِـدًّا للأعداء وفوق ما يتوقّعه العدوّ والصديق

 

التحَرّك في هذه المرحلة يعبّرُ عن الشرف والعز والإباء والرجولة والشهامة والإباء والكرامة والحرية وكُلِّ المعاني الإنسانية النبيلة

هذه مرحلةٌ لها ما بعدَها ولها ما يكتُبُه الله في مصائر الشعوب ومصائر الأشخاص المصائر الفردية والجماعية ومن يتحَرّك في مرحلة كهذه فليبشِرْ بموعود الله -سبحانَه وتعالى-

لا مشكلة على السفن الأُورُوبية طالما أنها لا تتجه إلى العدوّ أَو تعتدي دولها على اليمن، والأمريكي عندما وصلت قطعةٌ حربيةٌ لألمانيا في البحر أدخلهم في وضع مأزوم

الأعداءُ بتصعيدهم لن يؤثِّروا على القدرات ولا على المعنويات ولا على حضورِ الشعب في الساحات فشعبُنا تربَّى على الحرية والعزة والكرامة والإباء والشهامة

اليهود حوَّلوا أطماعَهم إلى معتقدٍ ديني ورؤيةٍ سياسية والعربُ يتعاملون مع كُـلّ تصعيد وكأنَّه بدون جذور وخلفية

استهدفنا 54 سفينة وأطلقنا 384 صاروخاً وطائرة مسيَّرة إسناداً لفلسطين

إحراق الجندي الأمريكي لنفسه يعكسُ حالةَ التذمر الداخلي في أمريكا من العدوان على غزة

الانتصارُ حتميٌّ وهزيمةُ العدوّ الإسرائيلي حتميةٌ وخسارةُ تيار التطبيع حتمية

العدوُّ جعل المساعداتِ فخًّا لقتل الفلسطينيين في غزة ضمن الإبادة الجماعية

لن نكِلِّ ولن نملَّ ولن نفترَ ولن نتراجعَ ونحن بالإرادَة الإيمانية والجد سنواصلُ المشوار حتى يفرِّجَ اللهُ عن الشعب الفلسطيني المظلوم

 

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

يقولُ اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: الآية31]، صَدَقَ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيم.

على أعتاب الشهر السادس، وفي الأسبوع الحادي والعشرين، ولليوم المائة والسادس والأربعين، يواصل العدو الإسرائيلي جرائمه البشعة، وعدوانه الغاشم الظالم على قطاع غزة، مُستمرّاً في مسلكه الإجرامي الوحشي، في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية الشاملة، وفي كل يوم، بحماية وشراكة أمريكية، وبدعمٍ ومساندةٍ من الدول الغربية، وفي مقابل تخاذلٍ عربيٍّ واسع، ومن معظم البلدان الإسلامية.

الدولُ الغربية وعلى رأسها أمريكا، في سيطرتها ونفوذها الممتدِّ إلى عالمنا الإسلامي، وإلى كثيرٍ من البلدان، قَدَّمَت نفسَها على أنها تُجَسِّدُ القيمَ الإنسانية، وَرَكَّزَت على عناوين: (الحُريَّة، والعدالة، وحقوق الإنسان، والمساواة)، وداخل عنوان (حقوق الإنسان) قائمة طويلة من الحقوق، وسلسلة متنوعة من الحقوق، على المستوى الفردي والمستوى الجماعي، للشخص نفسه، وللشعوب نفسها، كذلك على مستوى حقوق المرأة، حقوق الطفل… وغير ذلك. على رأس تلك الحقوق الحق في الحياة، ويتلوه الكثير من الحقوق التي يُقَدِّمونها، بل ليس فقط على مستوى الإنسان وحقوق الإنسان، بل وحتى حقوق الحيوان.

لكن على مستوى الممارسات، والسياسات، والمواقف، والأعمال، هناك تناقضٌ تام ومعاكس بشكلٍ كامل، ما بين تلك العناوين التي يرفعونها ويدَّعون أنهم رُعاتها، وأنهم يطبقونها، وأنهم يتحركون لتصل إلى بقية البلدان، ولتطبق في بقية البلدان، المستوى العملي هم يتناقضون معها تماماً وبشكلٍ كامل، في سياساتهم، في مواقفهم، في أعمالهم، ومظلومية الشعب الفلسطيني منذ بدايتها على مدى عقودٍ من الزمن وإلى اليوم، إضافة إلى مراحل التصعيد، التي يحصل فيها تصعيد من جانب العدو الإسرائيلي، ومنها العدوان القائم على غزة، هي تفضح الغرب والدول الغربية بشكلٍ عام، وتفضح أمريكا، الأكثر ادعاءً وتشدقاً وتغنياً بتلك العناوين، والأكثر تناقضاً معها في سياساتها، ومواقفها، وأعمالها، وتصرفاتها، إضافة إلى الأحداث التي حصلت في مختلف بقاع العالم، في عالمنا الإسلامي، في كثيرٍ من الدول التي استهدفتها أمريكا، واستهدفتها الدول الغربية، وفي أفريقيا بشكلٍ عام، وفي كثير من البلدان الآسيوية، وفي بلدان أمريكا اللاتينية.

حجمُ الإجرام الصهيوني، الذي تشاركُ فيه أمريكا بشكلٍ مباشر، وترعاه، وتحميه، وتدعمه، وأيضاً يدعمه ويسانده الغرب بشكلٍ رسمي، قد تجاوز كل تصور، وانتهك كل المحرمات وكل الحرمات، العنوان الأول لذلك الإجرام هو: الإبادة الجماعية، عنوان رهيب، عنوان فظيع، عنوان خطير! لا ينبغي أن يمر على مسامعنا بشكلٍ عادي، وكأنها جملة عادية (الإبادة الجماعية)، الإبادة الجماعية يستبيحون بها حياة شعب، ويهدرون بها حياة أمة، ويمارسون في إطار هذا العنوان القتل الجماعي، للرجال والنساء، والكبار والصغار، وينتهكون الحق الأول (حق الحياة)، وهم يمارسون هذا الإجرام (جرائم الإبادة الجماعية) بشكلٍ بشع، وبشكلٍ يومي في فلسطين (في غزة)، في كل يوم وفي كل ليلة.

بلغ عدد المجازر: (ألفين وسبعمائة وخمسة وثلاثين) مجزرة إبادة جماعية، هذا عدد مهول، هذا عدد كبير، خطير! مجازر للإبادة الجماعية، والقتل الجماعي الشامل، للأطفال والنساء، والمستهدف به هم من؟ المدنيون، المدنيون في مساكنهم، في أماكن إيوائهم، في المدارس التي يقطنون فيها، في بيوتهم، في مختلف المناطق التي هي مدنية، (ألفين وسبعمائة وخمسة وثلاثين) مجزرة إبادة جماعية، من بينها المجزرة الجديدة التي حصلت البارحة، مجزرة إبادة جماعية بشكلٍ وحشي وهمجي وعدواني، بعد أن دخلت القليل من شاحنات الإبادة إلى شمال القطاع، تجمع الأهالي الجائعون المعانون المحاصرون حولها بالآلاف، فقام العدو الإسرائيلي باستهدافهم بالدبابات، وبالقناصات؛ مما أدى إلى استشهاد وجرح المئات منهم، فهو جعل تجمعهم على تلك الشاحنات للحصول على القليل من الغذاء، جعله فخاً يستهدفهم من خلاله، ويقتلهم، ويحاول أن يَحُوْل بينهم وبين الحصول على القليل من الطعام؛ لأنه يسعى إلى الإبادة الجماعية، إجرام رهيب جدّاً، إجرام رهيب جدّاً!

العدو يستمر أيضاً في مسلكه الإجرامي أيضاً، في الاستهداف بالقتل لأبناء الشعب الفلسطيني، خارج أيضاً إطار الإبادة الجماعية، القتل على مستوى الأشخاص هنا وهناك؛ ليلحقهم بالإبادة الجماعية، مجازر جماعية، وقتل، استهداف لهم في الطرقات، استهداف لهم أينما كانوا، استهداف للأطفال، استهداف للكبار، للصغار، للنساء بالقتل، كل هذا أيضاً يدخل ضمن تصنيف الإبادة الجماعية، ما كان منها بشكل مجازر جماعية، وما كان منها استهدافاً بذلك الشكل المتفرق، كله يدخل تحت عنوان (الإبادة الجماعية). يستهدف بالقتل حتى الحيوانات الأخرى، ليس فقط البشر، والبشر أغلى في حياتهم ووجودهم، يستهدف حتى الأغنام بالقناصة، يقتل الأغنام بالقناصة، يستهدف كل شيءٍ هناك.

إجمالي عدد الشهداء، والمفقودين، والجرحى، والأسرى: بلغ أكثر من (مائة ألف وأربعة عشر ألف وخمسمائة) من سكان غزة، يعني: نسبة مئوية من السكان تكاد أن تصل إلى نصف عُشر السكان، وهذا إجرام رهيب جدّاً، نسبة كبيرة من السكان، ليس فقط عدداً محدوداً منهم، بل نسبةً من السكان، منهم شهداء، منهم جرحى، منهم أسرى.

أمَّا على مستوى الوضع الصحي، ومع تدمير العدو للمنشآت الصحية، بل اعتبر من أهدافه الأساسية: التدمير للمستشفيات، والاقتحام العسكري لها بالدبابات، والطائرات المسيَّرة، والجنود، والاقتحام لها، والاستهداف للكوادر الصحية، ومنع الأدوية والمستلزمات الطبية من الوصول إليها، منع الغذاء والدواء، ومع التدمير الشامل وبقاء عدد كبير من الجثامين تحت الأنقاض، وكذلك جثامين البعض من الشهداء لا تزال في الشوارع، مع كل ذلك تنتشر الأمراض المعدية، التي شمل الإحصاء المصابين بها قرابة ثلث السكان، ومعظمهم من الأطفال، النسب أصبحت نسب مئوية، يعني: عندما نأتي إلى أن ما يقرب من ثلث السكان أصبحوا مصابين بالأمراض المعدية، من غير من هم مصابون بالأمراض المزمنة، والذين يحتاجون إلى الخروج للعلاج، البعض يحتاج إلى الخروج من غزة إلى بلدان أخرى ومنعوا من ذلك، هذه نسبة كبيرة جدّاً، معظم الأطفال أصبحوا يعانون من الجوع والمرض.

أمَّا على مستوى الحصار والمجاعة، فالعدو شدد الحصار عليهم، وحرص على الإبادة بالتجويع، كأسلوب وسلوك من سلوكه الإجرامي، العدو يستمر في منع الغذاء، وتشديد الحصار، وتقليص الشاحنات التي كانت تدخل بالأغذية والأدوية، بالأغذية بالدرجة الأولى، وهي كانت فيما قبل -قبل تشديده للحصار- لا تلبي نسبة (5 %) من احتياج الأهالي في غزة، يعني: نسبة ضئيلة جدّاً، ومع ذلك قلَّصها إلى النصف، قلَّصها إلى النصف وهي بهذه الندرة والقلة، وفي نفس الوقت يؤخر بعضها من الدخول، هذه القلة القليلة جدّاً من الشاحنات التي تحمل الأغذية، يوقف البعض منها؛ حتى تتعفن المواد الغذائية التي عليها، فلا يستفيد منها الأهالي، وبعض المواد الغذائية بعد وصولها يأخذها (العدو الإسرائيلي)، ويضعها في الشارع، ثم تتحرك الدبابات وتدهسها وتسحقها؛ لتحرم الشعب الفلسطيني منها، وهناك مشاهد فيديوهات لهذا الأسلوب الإجرامي، يضع معلبات المواد الغذائية في الشارع، ثم يَعْبُر من فوقها بالدبابات، مستخفاً بجوع ومعاناة الشعب الفلسطيني، حتى بجوع الأطفال.

ولذلك هناك معاناة كبيرة جدّاً، مع الاستهداف أيضاً بالقتل لعمال الإغاثة، هناك عددٌ كبيرٌ منهم استشهدوا، وبعض منهم جرحوا، هناك أيضاً استهداف للأهالي عندما يجتمعون على الشاحنات القليلة والنادرة، التي تصل إليهم وتدخل بقليل من المواد الغذائية لا تساوي شيئاً في مقابلة جوعهم واحتياجهم، يستهدفهم العدو حينها.

العدو جعل أيضاً من أهدافه الأساسية للقصف والتدمير: المخابز والأفران، وأهالي غزة كانوا يعتمدون عليها بشكل أساسي في الحصول على الخبز، فجعلها مثلما المستشفيات، أهداف أساسية لقصفه، على مستوى القصف الجوي والقصف البري، بالطائرات، والقذائف كذلك.

في شمال القطاع هناك قرابة (سبعمائة ألف مواطن) يعيشون مأساة كبيرة، مع أن كل أهالي غزة يعيشون مأساة حقيقية، ومعاناة كبيرة، ومجاعة، لكن المأساة أكثر منها عن بقية القطاع في شمال القطاع، المأساة كبيرة فوق مستوى الكارثة، الجوع والقصف، وصل الحال بالأهالي أن اضطروا إلى أكل أوراق الشجر، حَيثُ تتوفر، حتى انعدمت، وأيضاً أعلاف الحيوانات، وفي بعض الحالات تسبب ذلك بتسمم غذائي لبعض الأطفال أدى إلى وفاتهم، منهم من يتوفى من الجوع، ومنهم من يتضرر بأكل أعلاف الحيوانات بالتسمم، ثم يؤدي ذلك إلى وفاته، البعض منهم أكلوا شجرة (الصبر المر) من شدة الجوع، حَيثُ توفرت، ووصل سعر كيس القمح الذي هو (25 كيلوجرامًا) إلى (ألف وثلاثمائة دولار)، يعني هذا، حَيثُ يتوفر، يتوفر بنسبة بسيطة جدّاً بشيء محدود وضئيل، يصل إلى هذا السعر الكبير جدّاً، يعني: يصل ما يساويه مثلاً في بلدنا في اليمن أكياس القمح عادةً ما تكون (50 كيلوجرامًا)، عندما نحسب القيمة بهذا المستوى، يصل ما يقارب الـ (50 كيلوجرامًا) إلى أكثر من (مليون وثلاثمائة يمني) في عملتنا اليمنية، يعني: سعر مرتفع جدّاً، قد يكون هو الأعلى في العالم، أعلى سعر في العالم للقمح؛ نتيجةً لذلك الحصار الشديد والمجاعة الكبيرة. هناك وفيات من الجوع، وتكثر هذه الوفيات وتتوسع في فئة الأطفال، والمرضى، والنساء الحوامل، والنساء المرضعات، حَيثُ تتضرر هذه الفئات، كبار السن يتضررون جدّاً من سوء التغذية وانعدام الطعام والجفاف، ويؤدي هذا إلى وفياتهم.

في نفس هذا السياق، ومع هذه المجاعة والمعاناة الشديدة، وجَّه العدو الإسرائيلي رسائل إلى الأهالي في شمال القطاع، يحثهم على النزوح من شمال القطاع؛ للتخلص من هذه المشكلة، من هذه المأساة، من هذه الكارثة، نتيجةً لحصاره، من الجوع الشديد، فتحرك البعض منهم ومن الشوارع التي حددها في رسائله، حدد لهم شوارع معينة ليعبروا منها بالأمان، فما إن تحرك البعض من تلك الشوارع نفسها حتى تلقتهم الدبابات، واستهدفوا بالقناصة والدبابات، وقُتِل منهم عددٌ في الشوارع، استشهد العديد منهم في الشوارع.

أصبح الحال في غزة أن جميع الأطفال تقريباً يواجهون المجاعة، البعض يعني الأكثرية منهم، ما يقرب (95 %) من السكان لا يشبعون، لا يحصلون من الطعام ما يشبعهم، ما يشبع جوعهم، شيء محدود يحصل عليه البعض من الطعام دون مستوى الشبع، وهناك مئات الآلاف منهم من يعيشون حالة مجاعة حقيقية، ومعاناة كبيرة جدّاً، هذا على مستوى الحصار، ومنع الغذاء، ومنع الدواء، ومنع ضروريات الحياة ومقومات الحياة، فما بالك ببقية المجالات.

مجال التعليم أصيب بالشلل التام، استهداف للطلاب والطالبات، استهداف للمدارس، كثيرٌ من المدارس دُمِّرَت بشكلٍ كامل، البعض منها بشكلٍ جزئي، البعض منها أصبحت مكتظة بالنازحين لا يمكن الاستمرار في الدراسة فيها، الطلاب والمدرسون عرضة للاستهداف، وجزء من هذه المعاناة بكلها، الاستهداف بالقصف، بالقتل، بالدمار، بكل أشكال المعاناة.

المقومات الأخرى ومنها المياه، المياه لم يعد يتوفر للأهالي في قطاع غزة مصادر للمياه النقية؛ إنما مصادر ملوثة، البعض وصل بهم الحال أن يضطروا للشرب من مياه البحر، والبقية مياه ملوثة، ينتج عنها انتشار الكثير من الأمراض.

أمَّا الدمار والخراب فشمل (80 %) من البنية التحتية، غالبية المدن أصبحت أكواماً من الخراب والدمار، والكل يشاهد هذا في التلفزيون، من يشاهد التلفزيون يشاهد مشهد المدن، القرى، البلدات، كيف أصبحت أكواماً مدمرة ومخربة.

لكن بالرغم من كل هذا الإجرام، والتدمير، والعدوان، وبالرغم من تفاقم المأساة، وبالرغم مما يعانيه الشعب الفلسطيني ومجاهدين من الخذلان العربي، إلَّا أن العدو يفشل ويخفق بشكلٍ واضح في تحقيق أهدافه المشؤومة والسيئة:

– أولها: الفشل في تهجير الأهالي من قطاع غزة، بالرغم من كل هذه المأساة، كل ما عمله بهم من القتل، والتدمير، والتجويع، لكنه فشل في تهجيرهم من القطاع، وهو سعى كما صرَّح قادته إلى أن يجعل قطاع غزة غير صالح للسكن، ولا للتواجد فيه، ولا للعيش فيه، ومع ذلك يتشبث أهالي قطاع غزة ويثبتون، ويتمسكون ببقائهم في القطاع.

– فشل أيضاً في القضاء على المجاهدين في قطاع غزة.

– وفشل في استعادة أسراه فشلاً ذريعاً.

يقاس فشله هذا وإخفاقه بحجم إجرامه، وتدميره، وإمكاناته، وبحجم ما يتلقاه من دعم وإسهام من الجانب الأمريكي والبريطاني والغربي، مع كل ذلك فشل فشلاً ذريعاً، صمود وصبر وثبات المجاهدين بشكلٍ غير مسبوق، منذ بداية المأساة للشعب الفلسطيني، ومظلومية الشعب الفلسطيني، والاستهداف للشعب الفلسطيني، من أيام الاحتلال البريطاني وإلى اليوم، هناك صمود وصبر وثبات للمجاهدين بشكلٍ غير مسبوق، والمجاهدون في قطاع غزة يواصلون القتال ببسالة، ويتصدون للعدو في كل محاور القتال، في شمال القطاع، وفي مدينة غزة، في وسط القطاع، وفي جنوب القطاع، في كل محاور القتال، لا يزالون يواصلون القتال ببسالة، وفاعلية، وتأثير، من حيث: التنكيل بالعدو، يشتبكون مع جنوده من مسافة صفر، يُكَبِّدونه الخسائر البشرية قتلى وجرحى في صفوف قواته، وأيضاً بتدمير الآليات، وهذا شيء مُستمرّ، بعد كل هذا الوقت الطويل ونحن على أعتاب الشهر السادس، في ظل تلك الوضعية الصعبة، وضعية حصار شديد جدّاً، لا يدخل الطعام، فما بالك بالسلاح، لا يصل الغذاء، لا يصل الدواء، فما بالك بالسلاح، ومع ذلك يواصلون التصدي ببسالة وفاعلية وتأثير، يدمرون ويعطبون آليات العدو، منها دبابات، ومنها ناقلات جند، وغير ذلك، يقتلون في الجنود ويجرحون أيضاً، يمنعون العدو من اقتحام أماكن وأحياء ومناطق متعددة، ويجبرونه على التراجع من أحياء معينة، فاعلية واضحة، وبسالة عظيمة، وصبر كبير، وتأييد إلهي ملموس.

يواصلون الاستهداف للعدو بكل وسائل القتال التي يمتلكونها منذ البداية، يعني: لا يزالون يواصلون الاستهداف بالصواريخ للعدو، لا يزالون يستخدمون الـ (آر بي جي)، وقذائف الياسين، وقذائف الهاون التي يستهدفون بها تجمعات العدو، ولا يزالون أيضاً يستهدفون العدو بالقناصة، وبالعبوات الناسفة، وكذلك مختلف الوسائل التي واجهوا العدو بها في بداية عدوانه على غزة، إلى اليوم يستهدفون العدو بكل تلك الوسائل، بكل تلك الأنواع من الأسلحة: قذائف الهاون بشكل مُستمرّ، في هذه الأيام يستهدفون بها تجمعات العدو، وهكذا أنواع أخرى من أنواع السلاح، هذا بالرغم من الحصار الشديد، والخذلان العربي، الأمريكي يتجه لتقديم كل أشكال السلاح والدعم للعدو الإسرائيلي.

وإلحاق الخسائر المباشرة في قوات العدو، بقتل وجرح الآلاف من جنوده منذ بداية عدوانه هذا على غزة، وبتدمير وإعطاب دباباته وآلياته، وقصف تجمعاته، ووصلت هذه الخسارة، وهذه الحالة التي يتكبد العدو فيها خسائر فادحة، إلى درجة أن يعترف من يسمى بـ (وزير الدفاع الإسرائيلي) بقوله عن تلك الخسائر: [الأثمان التي نتكبدها في أعداد القتلى والجرحى باهظة]، هذا اعتراف ممن يسمونه بـ (وزير الدفاع)، [الأثمان التي نتكبدها في أعداد القتلى والجرحى باهظة، وعندنا حاجة حقيقية لتمديد خدمة العسكريين، وتمديد خدمة جنود الاحتياط، لم نشهد مثل هذه الحرب منذ خمسة وسبعين عاماً]، لاحظوا هذا المستوى العظيم من صمود المجاهدين في قطاع غزة، من استبسالهم، من فاعلية وتأثير قتالهم، في إلحاق الخسائر المؤثرة على العدو، والتي يعترف بها العدو، يعترف على المستوى الإجمالي بهذا التأثير وهذه الفاعلية.

هذا الصمود والصبر للمجاهدين وللشعب الفلسطيني بشكلٍ عام في غزة، وهذا التماسك، وهذه الفاعلية في مواجهة العدو، من بشائر النصر المحتوم والموعود، الذي وعد الله به.

هذا أيضاً في مقابل الحالة المعنوية المتدهورة للعدو الإسرائيلي، على مستوى جنوده، الذين يصاب عشرات الآلاف منهم بالأمراض النفسية، والبعض منهم بالاختلال العقلي، لمجرد أن يدخل في مواجهة معينة، أو يسمع شيئاً من الضربات، وأيضاً الهجرة المعاكسة التي بمئات الآلاف، التي يخرج أولئك منها (من فلسطين)، وكذلك النزوح الكبير، والأزمة النفسية، التي صرَّح من يسمى بوزير الصحة عند العدو الإسرائيلي، بأنها غير مسبوقة (الأزمة النفسية)، هذا أيضاً من بشائر النصر.

وفي نفس الوقت هناك مسؤولية كبيرة على الأمة الإسلامية في العالم العربي وفي غيره:

– تجاه المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وهذه المظلومية الكبيرة، وهو جزءٌ من هذه الأمة، عليها مسؤولية والتزام إيماني وإنساني وأخلاقي، في مساندته، ونصرته، ودعمه، والوقوف معه بشكلٍ كامل وصحيح.

– وأيضاً تجاه هذا الثبات، هذا الصمود، هذا الصبر، هذه الفاعلية في أداء المجاهدين في قطاع غزة، ليس هناك مجال لأن يقول العرب: [إلى من نُقَدِّم الدعم، ليس هناك من هو صامد، من هو ثابت؛ لكي نُقَدِّم له الدعم؟!].

أولئك المجاهدون لو قدَّم لهم العرب الدعم الحقيقي، ولو بنسبة محدودة في مقابل ما تقدمه أمريكا وبريطانيا والدول الغربية للعدو الإسرائيلي، مع إمكاناته من غير ما يقدمونه له، ولكن لو يُقَدِّم العرب، لو يُقَدِّم المسلمون بشكلٍ عام الدعم للمجاهدين في فلسطين، الدعم لأهالي غزة، الدعم للشعب الفلسطيني بشكلٍ عام؛ لكان هو بما يقدمونه له، وباعتماده على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قبل ذلك، وبصبره وتضحياته وجده، وهذه الفاعلية التي لاحظناها بالرغم من الخذلان، بالرغم من الإمكانات المحدودة، بالرغم من النقص الحاد في العدد والعدة، لكن لكانت الفاعلية مضاعفة، ولتمكَّن الشعب الفلسطيني -بمعونة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتأييده ونصره- من حسم المعركة مع العدو الإسرائيلي.

ولذلك هناك سؤال كبير، من أهم ما نستفيده أمام هذه الأحداث، أمام هذه المأساة، التي يشاهدها كل من يتابع الأحداث يومياً، هناك سؤال كبير: لماذا أمتنا الإسلامية وبلداننا الإسلامية في الوطن العربي وغيره أمة مكبلة، ومستوى دعمها للشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ منها لا يكاد يذكر، في مقابل الدعم المفتوح والتعاون الكبير من الأمريكي ابتداءً، وقبل غيره، وأكثر من غيره، ومن البريطاني والدول الأوروبية للعدو الإسرائيلي؟!

هذا من أهم ما ينبغي دراسته، والاستفادة من الأحداث، والنظرة إليها؛ لأنه وضع غير طبيعي، وغير سليم بالنسبة للمسلمين، ما الذي يجعلهم على هذا النحو؟! هل هذه تربية الإسلام؟! هل هذه تربية القرآن؟! هل هذا شيءٌ يمكن أن يكون حاصلاً لأمة تصدق في اقتدائها واتِّباعها لرسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، لخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”؟! لماذا هذه الحالة مع المظلوم منهم، الشعب الفلسطيني، الذي ينبغي المساندة له والمساعدة له؟! هذه مسألة مهمة جدّاً.

المسار العربي تجاه القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي مسار تراجع واضح، بالنسبة للعرب هو مسار تراجع واضح، عندما نتأمل على مدى الأعوام الماضية، في كل المراحل الماضية، منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، نجد أن هناك تراجع وصل إلى درجة التوجه لبعض الأنظمة إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ كامل، والعمل على إخراجها من دائرة الاهتمام نهائيًّا.

المسؤولية على المسلمين، وفي مقدمتهم العرب، تجاه القضية الفلسطينية، هي مسؤولية بكل ما تعنيه الكلمة مسؤولية إنسانية، ودينية، وأخلاقية، وأيضاً لها ارتباط تام بأمنهم القومي، بمصالحهم الحقيقية، قضية تعنيهم بكل الاعتبارات: بالاعتبار الديني، بالاعتبار الإنساني، بالاعتبار الأخلاقي، باعتبار أمنهم، باعتبار مصالحهم، قضية تعنيهم، لا يمكن أن يتنصلوا عنها، وأن يحاولوا أن يعفوا أنفسهم من هذه المسؤولية وتنتهي المسألة، لذلك تبعات خطيرة عليهم في الدنيا، وفي الآخرة أيضاً، قضية مهمة جدّاً، والخطر عليهم كبيرٌ من ذلك، فكيف لا يهتمون كما يهتم الأمريكي، وكما يهتم البريطاني، وكما يهتم الأوروبي، الذي يساند العدو الإسرائيلي من آخر الدنيا، العرب في وطنهم، في أوطانهم، في بلدهم، في الوطن العربي بشكلٍ عام فلسطين جزءٌ من هذا الوطن العربي، في محيطهم القريب، في جوارهم، في جزءٍ من بلادهم، خطر يتهددهم، يستهدفهم في كل شيء، يُشَكِّل خطورةً شاملةً عليهم، وجزءٌ من الشعب العربي المسلم، جزءٌ هو الشعب الفلسطيني جزءٌ منهم، ثم لا يقفون معه بمثل ما يقف الأمريكي من هناك، من البعيد، من آخر الدنيا مع العدو الإسرائيلي، يأتي الدعم الأمريكي من هناك (من أمريكا) ليسافر -والمسافة بعيدة جدّاً- ليصل إلى العدو الإسرائيلي، وهؤلاء وهم يجاورون فلسطين، وفلسطين جزءٌ من هذه الأمة، جزءٌ من بلاد العرب، جزءٌ من بلاد المسلمين، لا يقدمون له الدعم، لماذا هذا التخادل؟! لماذا هذه الحالة في واقع العرب، في واقع المسلمين، في معظمهم، باستثناء القلة القليلة منهم؟!

أين هذا من تربية وقيم وتعاليم الإسلام؟ أين هذا من القرآن الكريم؟ أين هذا من التأسي والاقتدَاء برسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، الذي أعلن النفير العام للمسلمين في حادثة تم فيها من اليهود تعرية لامرأة مسلمة، وقتل لمسلمٍ واحد، فتحرك رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وأعلن النفير العام، واتخذ الموقف الحاسم، وغزى بني قينقاع، اليهود الذين استهدفهم بعمل حاسم، لم يسمح للمسألة إلى أن ينتظر لهم ليبيدوا كل المسلمين، أو ليكون هناك مسرح كبير لجرائم يومية من الإبادة الجماعية، في حادثة تعرية لامرأة مسلمة، وهتك لعرضها، وقتل لمسلمٍ واحد، كان ذلك كافياً في إعلان النفير العام، وفي اتخاذ موقفٍ عسكريٍّ حاسم، أين المسلمون من هذا التوجه، من هذه التربية، من هذه الروحية، التي تُعَبِّر عن روحية الإسلام الحقيقية؟!

من أهم وأول ما ينبغي أن نستفيده من الأحداث، وهي بهذا الحجم، في جانب المأساة منها، وفي جانب الصمود منها، هو: الفهم الصحيح للعدو، والفهم الصحيح لطبيعة الصراع مع العدو، وأن نحذر من النظرة السطحية الساذجة الغبية، ومن التفاعل اللحظي عند حالات الكوارث القصوى؛ لأن هذا -للأسف الشديد، للأسف الشديد- هو الذي يغلب على كثيرٍ من أبناء أمتنا: نظرة سطحية ساذجة إلى العدو، وغبية تماماً، وتفاعل لحظي، عندما تكون هناك كارثة كبيرة جدّاً، عندما تحصل مأساة كبيرة للغاية، أو غير مسبوقة، يتفاعل، لكن للحظات، ثم يتلاشى ذلك التفاعل، سواءً كان ذلك التفاعل بشكل مشاعر إنسانية ممزوجة بالغضب والألم، أو كانت عبارة عن حزن، أو كانت عبارة عن شيء من التفاعل النفسي، كل تلك الحالات تتلاشى، ثم يعود الناس وكأنه ليس هناك قضية ولا مشكلة، ولم يحصل ما حصل، ولم يحدث ما حدث! ذاكرة ضعيفة، تنسى أحداثاً كبرى، ومخاطر كبرى، ومآسٍ كبرى، فيها الكثير من الدروس والعبر، ولها كثير من الدلالات المهمة، التي ينبغي أن تأخذ نصيبها من الاهتمام، والعمل، والاستعداد، والإجراءات، والتوجهات، والمواقف، والسياسات.

المسألة ليست مسألة أحداث طارئة، تحصل ثم تنتهي بمجرد صفقة، أو مساومة، أو تهدئة مؤقتة وانتهى الأمر، وانتهى كل شيء، هناك صراع له خلفياته، له جذوره، يجب أن نحمل الوعي الصحيح تجاه العدو، وتجاه طبيعة هذا الصراع معه؛ لأنه لا نجاة لهذه الأمة، لا نجاة للمسلمين إلَّا بأن يقفوا في هذا الصراع موقف القرآن الكريم وموقف الإسلام، لا نجاة لهم في الدنيا، ولا نجاة لهم في الآخرة إلا بذلك، أن يقفوا موقف القرآن، موقف الإسلام، وأن يتعاملوا بمسؤولية تجاه هذه القضية وعيٍّ وبصيرة، وإلَّا فالقضية خطيرة عليهم في الدنيا والآخرة، مهما تنصلوا عن هذه المسؤولية، ومهما كان أسلوبهم في إعفاء أنفسهم منها، بتبريرات متنوعة ومتعددة، هذا لن ينفعهم شيئاً.

اليهود الذين هم أعداء هذه الأمة، اليهود حوَّلوا أطماعهم التي تستهدف هذه الأمة في أوطانها وثرواتها، تستهدفنا كمسلمين، وفي المقدمة العرب، وفي العرب فلسطين أولاً والمسجد الأقصى، ومحيط فلسطين؛ لأن اليهود حددوا ما يعبِّرون عنه في أطماعهم بأنهم يريدون السيطرة عليه، وأن يقيموا لهم كياناً مسيطراً عليه بشكلٍ مباشر (من النيل إلى الفرات)، يعني: مساحة واسعة، تستهدف جزءاً ومساحةً مهمة من بلاد العرب، من بلاد الإسلام، وهذا هو فقط ما يريدون أن يسيطروا عليه ابتداءً؛ ليكون منطلقاً لهم إلى السيطرة على بقية هذه المنطقة، والسيطرة على شعوبها، وعلى ثرواتها، وعلى مقدراتها، والاستفادة من موقعها الجغرافي، الذي له أهمية بالغة على المستوى العالمي، هذه الأطماع حولوها إلى معتقد ديني، وإلى رؤية سياسية، وتحركوا وفق برنامج عمل على مدى زمن طويل لتحقيق هذا الهدف، العرب لا ينظرون هذه النظرة إلى هذه المسألة، يتعاملون مع كل مرحلة تصعيد لوحدها، وكأنها حالة طارئة ظهرت، لا جذور لها، لا سياق لها، لا خلفية لها، وتنتهي، وينتهي مع ذلك اهتمامهم تماماً تجاه هذه المسألة.

الأعداء حوَّلوا أطماعهم باحتلال فلسطين، أطماع باحتلال فلسطين وجزء كبير من بلاد العرب، وأطماعهم لهدم الأقصى واستبداله بهيكلهم المزعوم، وهذا هدف لا يزال هدفاً رئيسياً بالنسبة لهم، واحتلال كثير من المناطق العربية، وإذلال العرب، وتحويل الوضع في البلاد العربية إلى وضعٍ يخدمهم، ويصب في مصالحهم وتحت سيطرتهم، حوَّلوا كل هذا إلى عقائد دينية، ورؤية سياسية، وبرنامج عمل لهم، ولكل من التحق بالصهيونية من غيرهم، وذلك الإجرام الرهيب، المتمثل بمجازر الإبادة الجماعية، والجرائم البشعة في فلسطين، وتلك العدوانية تكشف حقيقة حقدهم على المسلمين أيضاً، وفي المقدمة العرب، ولديهم شعارهم [الموت للعرب]، هذا شعار إسرائيلي، يهتفون به، ويكتبونه، ويُعَبِّرون عنه في مناسباتهم، ولكن يتحركون لتطبيق هذا الشعار، ولديهم نصوص في التلمود، الذي هو بالنسبة لهم معتقدات، ونصوص يعتبرونها نصوصاً مقدسة، ونصوصاً تدخل في إطار معتقداتهم، تبيّن كيف هو حقدهم على المسلمين وفي المقدمة العرب، وكيف هي نظرتهم إلى المسلمين وفي المقدمة العرب؛ ليعرف العرب أنهم مستهدفون في المقدمة، وأن اليهود ينصبون العداء لهم قبل حتى غيرهم، وأكثر من غيرهم؛ فنصوصهم في التلمود هي توضح رؤيتهم حتى للآخرين بشكلٍ عام، وللعرب في المقدمة، وعدوانيتهم وإجرامهم، عندما نشاهد في التلفزيون تلك الجرائم الرهيبة جدّاً، القتل الجماعي للأطفال، للنساء، للكبار، للصغار، الاستهداف المتعمد للأطفال، الاستهداف للأطفال في كل مراحل الطفولة: (الخُدَّج، والرُّضَّع، والصبية) في كل المراحل، هناك خلفية، خلفية لذلك الإجرام، خلفية من الحقد، من المعتقدات الباطلة، السيئة، من الرؤية التي هي رؤية ظلامية بكل ما تعنيه الكلمة.

من نصوص التلمود التي يعتقدونها هذا النص بترجمته إلى اللغة العربية: [على اليهودي في أيام الحرب أن يقتل المدنيين رجالاً ونساءً]، هذا نص هو من معتقداتهم، ويعتبرون تنفيذه أمراً ضرورياً، القتل الشامل للناس، يعني: أولئك مجرمون خطرون على كل الناس، يحملون معتقدات كهذه، رؤية كهذه، ينطلقون من خلفية فكرية بهذا السوء، ظلامية إلى هذه الدرجة، وحشية إلى هذا المستوى، عدوانية إلى هذا المستوى، أناس خطرون جدّاً، وسيئون للغاية، يجب أن ننظر إليهم نظرة واعية، نظرة حقيقية، أن نفهمهم كما هم، لا كما يحاول المغفلون من المطبعين أن يقدموا نظرة وهمية وخيالية عنهم، وكأنهم أناس طيبين.

من نصوص التلمود، يقولون أيضاً: [العربي الجيد هو العربي الميت]، وهذه سخرية واستهزاء، بمعنى: ليس هناك عربي جيد على قيد الحياة، يجب أن يقتل، يجب أن يباد، معتقداتهم، ثقافتهم، رؤيتهم، فكرهم، هو: فكر إبادة للعرب، فاسمعوا يا عرب؛ لأن العرب اتجه البعض منهم في مقدمة مسار التطبيع، في مقدمة من يُطَبِّعون، ومن يحاولون أن يهيئوا الساحة لليهود الصهاينة في كل أنحاء العالم العربي، وفي بقية العالم الإسلامي، اسمعوا، رؤيتهم هي رؤية إبادة لكم، استباحة لحياتكم، رؤية وحقد نفسي أيضاً، وحقد نفسي، مع الفكرة، مع الثقافة الخاطئة، مع هذا المفهوم الظلامي، هناك حقد شديد جدّاً، مشاعر متأججة بالكره، والحقد، والبغضاء، والعداء الشديد.

من نصوصهم أيضاً التي تكشف رؤيتهم تجاه الآخرين: [كل غير اليهود هم مخلوقات شيطانية، ولا يوجد فيها شيء طيب على الإطلاق، حتى الجنين غير اليهودي يختلف عن الجنين اليهودي، ومجرد وجود غير اليهود ليس أمراً هاماً؛ لأن جميع المخلوقات الأخرى وجدت من أجل اليهود]، رؤية متوحشة، رؤية تحتقر بقية البشر، لا تعترف ببشرية بقية البشر، ولا بإنسانية بقية الناس، وهناك تصريحات لمسؤولين منهم، لقادة منهم، من الأعداء اليهود الصهاينة، تصف الفلسطينيين والشعب الفلسطيني العزيز المظلوم بالحيوانات، من هو الذي يحمل كل مساوئ وأحقاد وهمجية الحيوانات، ويشتغل وفق شريعة الغاب، ونظام الغاب؟ من الذي يتصرف كالحيوانات المفترسة؟ أليسوا هم اليهود الصهاينة؟! أليسوا هم من يتحركون بدون أي ذرة من المشاعر الإنسانية والقيم الإنسانية؟ ومع ذلك نظرتهم للآخرين هذه النظرة.

كم لديهم من نصوص بمثل هذا النوع من النصوص، لاستباحة كل الجرائم بحق المسلمين، وفي المقدمة بحق العرب، وحتى بحق بقية الناس، وحتى بحق بقية الناس، يستبيحون القتل للآخرين، يستبيحون السرقة للآخرين، النهب لثروات الآخرين، الاحتلال لأوطان الآخرين، هذا بالنسبة لهم معتقد، ثقافة، فكرة، رؤية راسخة، ينطلقون على أساسها، يتحركون بها، مع حقد رهيب جدّاً، حقد في النفوس؛ لأنهم بذاتهم، هم بتوجهاتهم تلك امتداد للانحراف، الانحراف الطويل في تاريخهم، الذي على رأسه قتلة الأنبياء، والذين وصفهم الله في القرآن الكريم بقسوة القلوب: كالحجارة أو أشد قسوة من الحجارة، هذه هي حقيقتهم التي ينطلقون على أساسها في خططهم، في مؤامراتهم، في أهدافهم، في ممارساتهم، ينطلقون من تلك الخلفية، من تلك الرؤية الظلامية، الشيطانية، الإجرامية، العدوانية، لاستهداف شعوبنا وأمتنا؛ ولذلك فالاحتلال، والنهب، والمصادرة لجزءٍ كبير من بلاد المسلمين، حوَّلوا هذا إلى معتقد ديني، ومسألة أساسية.

نظرتهم هي نفسها إلى كل العرب، يعني: ليست نظرة تختص بالفلسطينيين، اليهود لديهم تلك النظرة السلبية والعدائية والمحتقرة لكل العرب بدون استثناء، ليس هناك عربياً يعتبرونه محترماً ويحتقرون بقية العرب، أو مسلماً هنا يعتبرونه محترماً، يختلف عن بقية المسلمين، ويختلف في نظرتهم إلى بقية المسلمين، هم يحملون تلك النظرة السلبية والعدائية تجاه الجميع؛ ولهذا عندما قالوا في سخريتهم: [العربي الجيد هو الميت]، يعني: لا ينبغي أن يبقى شخص عربي على قيد الحياة، هذا ما يعنونه.

من نصوصهم في التلمود: [لا يجوز لليهودي أن يثق بالعربي في أي ظرف، حتى ولو كان هذا العربي متحضراً]، يعني: مهما كان، حتى لو كان موالياً لهم، أو متظاهراً بالحضارة وفق النمط المفهوم الذي يربط الناس بهم، المفهوم بشكل خاطئ، بشكل خاطئ.

فعلى كُلٍّ هم لا يحترمون حتى العربي الذي يواليهم، ولا يحترمون العربي الذي يتخاذل في الموقف اتجاههم، لا يُقَدِّرون له أنه لم يقف بوجههم، ليس له موقف ضدهم، ولا كذلك يُقَدِّرون للذي وقف إلى جانبهم، وقاموا باستغلاله، يُقَدِّرون له ذلك كجميلٍ من جانبه، بل إن القتل الشامل، والإجرامية والوحشية هو يُعَبِّر عن نزعتهم العدوانية الشديدة جدّاً، هم يوالون أسلافهم الذين قتلوا الأنبياء، ويحملون روحيتهم، ونفسيتهم، وقسوة قلوبهم، فهل سيحترمون أحداً هنا أو هناك؟! وعلى هذا النحو يتحركون، وعلى هذا النحو هناك تعبئة عدائية مُستمرّة في أوساطهم، يربون عليها حتى أطفالهم، وهناك مشاهد فيديو لذلك، يذهبون بأطفالهم إلى معسكراتهم، إلى الدبابات والمدفعية، ويرسخون فيهم الحب لقتل العرب، التمني لقتل العرب، أن تكون أمنية ذلك الطفل عندما يكبر أن يقتل العرب، يربونهم عليها منذ الطفولة، يربونهم على العدوانية، على هذه التوجهات، وحتى بعد دخول البعض من العرب في علاقات معهم لم يغيروا شيئاً من ذلك، وجَّهوا تلك الأنظمة العربية لتغير في مناهجها الدراسية، وفي سياستها الإعلامية، وفي خطابها الديني، الحديث عنهم ليتحول إلى حديث بشكل إيجابي، مديح لليهود الصهاينة، ثناء عليهم، تقديم لهم بأنهم أهل السلام، وأن الحكمة في التعايش معهم بسلام، وتجاهل لكل ما قد فعلوه في الماضي، مع ذلك لم يكن من جانبهم ولا خطوة واحدة في تغيير النظرة ولو تجاه بعض العرب، الرؤية هي الرؤية تلك السلبية، العدائية، المستبيحة للجميع بلا استثناء، بلا استثناء.

هذا فيما يتعلق بهم، ونشطوا بشكلٍ عام الحركة الصهيونية اخترقت الساحة الأوروبية منذ قرون اختراقاً كبيراً، اختراقاً كبيراً منذ القرن السابع عشر الميلادي، وحوَّلت تلك الأطماع والأحقاد، مجموع أطماع وأحقاد حولتها أيضاً في الساحة الأوروبية، وفي الوسط المسيحي، إلى معتقد ديني، ورؤية سياسية، وبرنامج عمل، لفئات واسعة ممن تأثروا بالحركة الصهيونية، ممن اقتنعوا بها، واستمروا في نشاطهم لزمنٍ طويل؛ حتى سيطروا على مراكز القرار، وصولاً إلى وعد بلفور البريطاني، وامتد الاختراق أيضاً من أوروبا إلى أمريكا، بعد تأسيس الدولة الجديدة في أمريكا، والقضاء على السكان الأصليين في أمريكا، بعد أن تمكن الأوروبيون المهاجرون إلى أمريكا من القضاء على السكان الأصليين في أمريكا، وإقامة دولة جديدة لهم، من البدايات المبكرة كان هناك اختراق في أمريكا.

الحركة الصهيونية رسَّخت معتقدات معينة:

– في مقدمتها تعظيم اليهود: تعظيم اليهود، نظرة الى اليهود نظرة تعظيم، وتبجيل، وتقديس، وكمعتقد ديني أيضاً، قدَّموا هذه المسألة كمعتقد ديني. هذا من أول المعتقدات التي ركَّزت عليها الحركة الصهيونية، واشتغلت عليها في أوروبا بشكل كبير.

– واعتبار الدعم لليهود للسيطرة على فلسطين، والسيطرة على بلاد العرب، والفتك بالعرب والمسلمين، وتدمير العرب والمسلمين، والإذلال للعرب والمسلمين، والسيطرة على العرب والمسلمين، اعتبار هذا أيضاً واجباً دينياً، حوَّلوا هذا الى معتقد لكل من تأثر بالحركة الصهيونية في أوروبا وأمريكا.

– وربطوا هذا أيضاً بمعتقدات في الوسط المسيحي معتقدات بالخلاص، معتقدات بعودة المسيح ليحكم العالم من جديد حسب معتقداتهم، وغير ذلك من المعتقدات، ربطوا المسألة بالتمكين لليهود أولاً من السيطرة على فلسطين، من هدم المسجد الأقصى واستبداله بهيكلهم المزعوم، من تدمير العرب والأمة الإسلامية بشكلٍ عام؛ لأنهم يعتبرون المسلمين يصنفونهم: بأشرار، وأعداء، وحيوانات، يجب القضاء عليهم وإذلالهم، ولا قيمة لحياتهم، ونفس النظرة إلى العرب، إلى المسلمين، النظرة العدائية، النظرة المحتقرة، النظرة المستبيحة، تحملها الحركة الصهيونية في امتداداتها في الوسط المسيحي، يعني: من تأثروا بالحركة الصهيونية في أوروبا أصبحوا يحملون نفس النظرة تجاه العرب والمسلمين بشكلٍ عام، يحملون نفس الحقد، نفس العداء، وأصبح الهدف هدفاً مشتركاً للحركة الصهيونية، في وسط اليهود الصهاينة، وأيضاً في وسط الذين يتبعونهم من الأوروبيين والأمريكيين.

– تحولت أيضاً مسألة الاستهداف للقدس، الذي هو من أهم المقدسات للمسلمين، مسرى النبي الأكرم “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، بكل ما له من قدسية وأهمية، تحولت مسألة هدم المسجد الأقصى والاستبدال له بالهيكل المزعوم إلى مطلب ديني بالنسبة لهم، وربطوا به تلك المتغيرات التي يحاولون أن يهيئوا لها، بل والاستهداف الشامل للمسلمين؛ لضمان نجاحهم في السيطرة على المنطقة بكلها، يعني: يريدون أن يزرعوا العدو الإسرائيلي في قلب المنطقة العربية، ويكون كل محيطه خاضعاً له، ولا يكون في محيطه أي شيء يهدده، أو يؤثِّر عليه، بل يكون بكله محيطاً خانعاً، ذليلاً، مدمراً، بائساً، لا يمتلك أية عناصر قوة لا معنوية ولا مادية، مُسَخَّراً بكل ما فيه لمصلحة اليهود، وهم يعملون على هذا الأساس.

حولوا كل هذا إلى معتقد ديني، وإلى رؤية سياسية، وإلى برنامج عمل يتحركون على أساسه، يتحركون وفقه في مخططاتهم، في سياساتهم، في مؤامراتهم، التي يستهدفون بها شعوبنا وأمتنا، فاجتمع معتقد ديني يتحركون على أساسه، والأكثر تديناً يتحرك أكثر، ورؤية سياسية، وأطماع كبيرة، وعندهم أطماع كبيرة، عندهم نزعة استعمارية، يريدون أن يسيطروا على المنطقة العربية بكل ما فيها من الثروات الهائلة، النفطية وغير النفطية، وأيضاً أهميتها الاستراتيجية المتعلقة بموقعها الجغرافي المهم جدّاً، والذي يدركون هم أهميته بأكثر مما يستوعب العرب أنفسهم أهميته، هذا مؤسف جدّاً، مؤسف للغاية! وأحقاد، أحقاد حقيقية، لديهم مشاعر أحقاد متأججة بالكراهية، بالبغضاء، بالعداء؛ ولذلك هم يرغبون ولديهم دافع نفسي بذلك الحقد إلى الإبادة للعرب، إلى قتل العرب، قتل أطفالهم، قتل نسائهم، إلى إبادة المسلمين بشكلٍ عام، لديهم أحقاد، لديهم حرص، وهم يرسخون هذه النظرة والمعتقدات، يعني: يرسخونها على مدى الزمن، أصبحت جزءاً من موروثهم الثقافي، والفكري، والتنظيري، والدراسات، والأبحاث، ومسألة يرسخونها ويربون عليها، يربون عليها حتى ناشئتهم، يرسخونها كمعتقدات، كرؤية، كفكرة، كثقافة، ومن ثم يتحركون بناءً عليها.

ولذلك هناك تطوير، وهناك أيضاً إنتاج، إنتاج لهذه التوجهات من جديد بكل القوالب: الثقافية، الفكرية، على مستوى المعتقدات، على مستوى الرؤية الاستراتيجية، السياسة العامة، ويبرز يوماً بعد يوم منهم تيارات أكثر تشدداً لتنفيذ تلك الرؤية؛ ولذلك عندما برز في الآونة الأخيرة في أمريكا من يطلق عليهم (المحافظون الجدد)، هم تيار في هذا الاتجاه، وهناك غيرهم أيضاً، من يتحرك والبعض مستعجل، ويريد وسائل أكثر عنفاً، وأسرع إنجازاً للوصول إلى تلك الأهداف، وهي أهداف تعني تدمير أمتنا، تدمير شعوبنا، احتلال أوطاننا، مسخ الهوية الإسلامية لأمتنا، وتزييفها، والسيطرة المباشرة على هذه الأمة، والاستعباد لها، والإذلال لها، والاستباحة لها، يعني: ليست مسألة عادية، حينما يحملون هم هذه الرؤية تجاهنا كمسلمين، وفي المقدمة العرب هم المستهدفون بالدرجة الأولى؛ ولذلك ينبغي أن يكونوا هم أول من يتحرك، ولا يتصوروا عندما يتحركون أنهم يتحركون فقط بدون قضية، وإنما بالوكالة لبلدٍ إسلاميٍّ هناك، أو بلدٍ إسلاميٍّ هنا، هم المستهدفون بالدرجة الأولى، أول من احتُلَّت أوطانهم، أول من قتلهم الأعداء، أول من استهدفهم اليهود الصهاينة؛ ولذلك الإيجابية الكبرى لتوجه بعض الدول الإسلامية كالجمهورية الإسلامية في إيران، أنها تحركت ودعمت الموقف العربي، وساندته وكانت ظهراً له في مواجهة العدو الصهيوني، قبل أن يصل إليها الاستهداف، مع أنها مستهدفة بلا شك، والمؤامرات عليها بكل أشكال المؤامرات، ولكن الذين قد احتل اليهود أرضهم، واستوطنوا بقاعهم، وسيطروا على مقدراتهم، وقتلوهم منذ البداية، كانوا هم العرب، يعني: أنتم أيها العرب أصحاب قضية، لا تصدقوا من يصور المسألة وكأنه لا مشكلة لكم مع العدو الإسرائيلي، كيف لا مشكلة لكم؟! أرضكم المحتلة، أبنائكم الذين يقتلون، أنتم استهدفتم في المقدمة، كيف يتصور أحد ذلك التصور؟!

ينتجون في الحركة الصهيونية هذه التيارات، التي تحمل عداءً أكثر لأمتنا، ومؤامرات أكبر وأخطر، وتتحرك بشكل شديد في عدائيتها لهذه الأمة، ويتباهى أيضاً، يتباهى في الغرب رؤساء، مثل: (بايدن)، ومسؤولون في بريطانيا، في أوروبا، يتباهون أمام الآخرين في مناسبات، في تصريحات، في تجمعات، في فعاليات، يتباهون ويفتخرون بأنهم صهاينة، وأنهم ينتمون إلى الصهيونية، ومعنى انتمائهم إلى الصهيونية هو هذا: أنهم يحملون تلك الرؤية العدائية جدّاً ضد أمتنا، ضد شعوبنا، التي تقوم على استهدافنا بكل ما للكلمة من معنى، ربطوا آمالهم وأهدافهم بالاستهداف لأمتنا وشعوبنا، وتدميرها بالكامل بكل الوسائل، وهذه مسألة معروفة، مسألة معروفة.

وللأسف الشديد هناك غفلة كبيرة في الواقع العربي كما قلنا، البعض يتفاعل في أحيان نادرة، عندما تحصل كارثة كبيرة جدّاً، فتهزه قليلًا، تنبهه بشيءٍ قليل، بمستوى محدود من حالة الغفلة والسبات، طال سبات هذه الأمة بأكثر من الدب في سباته الشتوي، بشكل كبير جدّاً، سبات لمدى عقود من الزمن، هذا شيء مؤسف جدّاً! متى يمكن أن ننتبه؟!

القرآن الكريم كشف لنا حقيقة أولئك الأعداء، تحدث عن اليهود، عمَّا يُكِنّونه من عداء شديد لأمتنا، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قبل ألف وأربعمائة أنزل في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: من الآية82]، رقم واحد اليهود قبل غيرهم، قبل غيرهم، ويأتي من بعدهم {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}، {لَتَجِدَنَّ}، لَتَجِدَنَّ في مؤامراتهم، في مخططاتهم، في ممارساتهم، في ثقافتهم، في عقائدهم، في إعلامهم، في أعمالهم، وأفعالهم، وأقوالهم، وتصرفاتهم، وما يفعلونه بالمسلمين، {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}، تجد أنهم الأشد عداءً بكل ما تعنيه الكلمة، ويتحركون على هذا الأساس.

تحدث في الآيات الأخرى عنهم: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}، عندهم رغبة شديدة، عندهم، دافع نفسي لإلحاق أبلغ الضرر بكم، أشد أنواع الضرر بكم، يبيّن مشاعر متهيجة بالحقد الشديد عليكم، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران: من الآية118]، تصريحات، عبارات، مواقف، يتحدثون فيها بصراحة، بوضوح عن عدائهم، ولا ينفع في البعض ذلك، لا أقوال، ولا أفعال، ولا مآسٍ، ولا كوارث.

يقول عنهم حتى في اجتماعاتهم التي يخلون فيها، اجتماعات سرية لإعداد خطط ومؤامرات: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران: من الآية119]، يحملون الغيض الشديد عليكم، منتهى الحقد، ومنتهى المشاعر المتأججة بالكراهية والبغض والغيض عليكم، إلى هذه الدرجة التي يُعَبِّر عنها بهذا، حتى للذين يحبونهم من العرب، من أبناء العالم الإسلامي.

ومن العجيب، من العجيب أن يحب أحد أولئك! على ما هم عليه من سوء وحقد وإجرام، حالة غير سليمة، غير صحية، غير طبيعية! أن تحب عدوك الذي يكرهك، ويحقد عليك، ويحتقرك، ويستبيح فيك كل شيء: حياتك، وعرضك، وحقوقك، وأملاكك، وثروتك، ووطنك، كل شيء، يستبيح أن يفعل بك أي شيء، أنت بالنسبة له مهدر الدم، مباح العرض، مباح المال، مباحٌ في نفسك وفيما تملك، ويحقد عليك، ويكرهك، ويحتقرك، وَيُعَبِّر عن ذلك. يقول الله: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، هم لا يحملون لكم مشاعر المحبة كما تحملون لهم، هذا للمحبين لهم، للموالين لهم، يقول الله لهم هذا الخطاب.

المشكلة في واقعنا العربي وفي ساحتنا الإسلامية بشكلٍ عام هو: غياب النظرة القرآنية، وأيضاً غياب الاستفادة من الأحداث، وأخذ العبرة منها؛ ولذلك ليس هناك فقط ما يعمله الأعداء في ساحتهم، يعني: في داخل اليهود، في داخل الحركة الصهيونية مثلاً في أوروبا، أو في أمريكا، بل هناك ما يفعلونه في داخل أمتنا؛ لاختراق أمتنا، وخطتهم جزءٌ كبير منها هو في هذا الاتجاه: الاختراق لهذه الأمة، والاستهداف لهذه الأمة؛ ولهذا نرى هذه الأمة مكبلة، أمتنا الإسلامية في الوطن العربي وغيره كم هو عددها؟ في كثير من الإحصائيات أكثر من ملياري مسلم، بشكلٍ عام كل المسلمين، في إمكانيات هذه الأمة المادية: إمكانات هائلة جدّاً. العسكرية: كم لديها من جيوش وإمكانات تبعاً لذلك، من طائرات، ودبابات، وعتاد حربي متنوع، كم إجمالي ذلك؟ بشكل هائل جدّاً. الإمكانات الإعلامية: إمكانيات ضخمة، أين هو دورها في خدمة قضايا الأمة؟ هناك اختراق حقيقي لأمتنا، كَبَّل هذه الأمة وجمَّد هذه الأمة، بحيث يتفرج أكثر أبناء هذه الأمة على ما يجري، على ما يحدث، على المآسي الكبرى، التي تشكِّل خطورة على كل الأمة.

حرص الأعداء على السيطرة على القرار الرسمي، وهذا واضح، يعني: كثيرٌ من بلدان أمتنا هناك قرار رسمي فيها بعدم اتخاذ أي موقف عملي جاد لمناصرة الشعب الفلسطيني، لمساندة المظلومين في غزة، لفعل شيء لصالح الشعب الفلسطيني في غزة بالرغم من كل ما يحصل، ولو على مستوى موقف سياسي حقيقي، أو موقف اقتصادي حقيقي، خطوات عملية، أكثر من مسألة البيانات، هناك تأثير للتوجه الرسمي، الذي هو بقرار، على مستوى تجميد الحالة الشعبية حتى من التظاهر، من الهتافات، من الأنشطة الشعبية التي تُعَبِّر فيها الشعوب عن موقفها مما يحدث، عن ألمها تجاه ما يحدث، عن سخطها تجاه ما يحدث، نشاط للتعبئة في أوساط الشعوب، هناك تجميد بقرار رسمي وموقف رسمي، وتعطيل على المستوى الشامل مع بقية الدول لأي قرار جماعي للأمة، في إطار خطوات عملية ضاغطة بكل ما تعنيه الكلمة، وبوزن وثقل هذه الأمة الإسلامية بكل ما تمتلكه من إمكاناتها.

هناك تغييب للاهتمام بهذا الموضوع بشكل كبير، في التعليم، في المناهج الدراسية، في كل مراحل التعليم، معظم الدول العربية، معظم الدول الإسلامية بشكلٍ عام لم يعد فيها أي شيء مهم يتعلق بهذه المسألة: الخطر الصهيوني اليهودي على أمتنا، القضية الفلسطينية، مسؤولية الأمة تجاه الأقصى، تجاه الشعب الفلسطيني، تجاه فلسطين، كل هذا يُغَيَّب تماماً من الإعلام، ومن السياسة، من التوجهات، من المواقف، تغييب لهذه المسألة، هذا ليس شيئاً عادياً، هو يحصل لأن العدو عمل على ذلك، عمل على تغييب هذه المسألة، وإخراجها من دائرة الاهتمام.

هناك استهداف لأمتنا الإسلامية في الوطن العربي وغيره، في كل عناصر القوة على المستوى المعنوي والمادي:

– على المستوى المعنوي: على المستوى الإيماني، على مستوى القيم الإيمانية، الروحية الإيمانية، التوجه التحرري، الجهادي، كل هذا مستهدف، القيم الأخلاقية، القيم الإيمانية العظيمة، كل هذا يستهدف.

– وعلى المستوى المادي: أن نكون أمة منتجة، أمة منتجة، أمة قوية اقتصاديًّا بقوة ما تنتج، وليس لأنها تحوِّل نفسها إلى سوق ضخمة، بعض البلدان العربية ليس عندها أكثر من ذلك: تحوِّل واقعها إلى سوق ضخم.

– إغراق الأمة في الفتن والنزاعات: الفتن تحت كل العناوين، النزاعات والأزمات والانقسامات هناك شغل ودفع كبير جدّاً، وتجد البعض يتفاعل مع ذلك ويستجيب، حصلت فتنة التكفيريين في أوساط الأمة، والحقوا بالأمة أضراراً بالغةً جدّاً، ولا يزالون، وآخرون يسيرون في ذلك المسلك، البعض إذا كان المسلك انقسامياً فتنوياً يتفاعل معه بكل جد، ويتحرك فيه بكل جهد، ويعطيه كل اهتمام، لكن إذا كانت المسألة موقف من أعداء الأمة، ليس مستعداً أن يتحرك نهائيًّا، لا فتوى، لا موقف فعلي على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، أو في أي اتجاه، ولا قول ولا فعل، طافي طافي إذا كانت المسألة هكذا.

– هناك تحرك أيضاً لإضلال الأمة، ولإفسادها، ولتمييعها: سعي رهيب جدّاً لإفساد البشرية بشكلٍ عام، والمجتمع المسلم لا أخلاقيا، الفساد اللا أخلاقي ينشرونه في الساحة، يحاولون نشر العهر، الجريمة، الفاحشة، الشذوذ، الفساد بكل أشكاله؛ لتمييع أبناء الأمة؛ حتى يحولوهم إلى أمة منحطة، لا ضمير لها، لا شرف لها، لا غيرة فيها، لا حُريَّة، لا عزة، لا كرامة، لا إباء، لا شجاعة، يحولون شباب هذه الأمة إلى دنيئين، خاضعين، خانعين، تائهين.

– وهناك سعي لتوجيه الولاء في أوساط هذه الأمة لليهود: يريدون أن يحولوهم إلى موالين لليهود، وتطويعهم أيضاً لصالح الأعداء، أن يتحولوا إلى مطيعين، مطيعين للأمريكي، مطيعين للإسرائيلي، مطيعين لأعدائهم الصهاينة.

ولذلك لا بُـدَّ للأمة أن تستفيق من غفلتها، وأن تتحرك وفق مسؤوليتها بوعي وبصيرة، وجديَّة تامة، وجديَّة تامة، وبذلك تحظى برعاية الله وتأييده، الأمة إذا تحركت بشكل صحيح، بوعي وبصيرة وفق مسؤوليتها؛ ستحظى بتأييد الله، بالنصر من الله، بالمعونة من الله، يتحقق لها الوعد الإلهي، هذه مسألة مهمة جدّاً، وفي النماذج الموجودة من أبناء الأمة، التي تتحرك على هذا الأساس، فيما هي فيه من فاعلية وتأثير، درس وعبرة لبقية الأمة:

– في ثبات المجاهدين في غزة، في هذه الجولة من التصعيد الذي قام به العدو الإسرائيلي عليهم، وما قبل ذلك في جولات سابقة، في صمودهم، في صبرهم، في ثباتهم، في فاعليتهم العالية؛ في التصدي للعدو، وإلحاق الخسائر بالعدو، والتنكيل بالعدو، والثبات في مواجهة العدو، والتماسك في مواجهة العدو، بالرغم من الوضعية الصعبة، والحصار الشديد، والخذلان الكبير، درس وعبرة لكل المسلمين.

– في ثبات حزب الله منذ نشأته في الجبهة اللبنانية، وفاعليته، وتأثيره، وما حققه الله له من الانتصارات الكبرى: في 2000، و2006، وما بعد ذلك، وفاعليته الآن في جبهة ساخنة مشتعلة جدّاً في مواجهة العدو الإسرائيلي، عبرة ودرس كبير لكل أبناء الأمة، ودرس مهم جدّاً.

– في فاعلية الذين يتحركون من أبناء الأمة بجديَّة، وفاعلية، وصبر، وقيم إيمانية، مثلما هو حال الأخوة المجاهدين في العراق الذين هزموا العدو الأمريكي.

– مثل ما هو حال جبهتنا في اليمن، في فاعليتها، وتأثيرها، وقوتها، وتأثيرها الكبير الملموس الذي يعترف به الأعداء، عبرة واضحة لكل المسلمين.

ولذلك ينبغي أن نتحرك بكل هذا الأمل، وأن نسعى لأن يكون جزءاً من نظرتنا إلى هذه الأحداث، من تفاعلنا مع هذه الأحداث في فلسطين، هو: الحصول على الوعي عن خلفية هذا الصراع؛ لأن البعض لا يزالون ينظرون إلى هذه الأحداث وكأنها مجرد أحداث طرأت وتنتهي، سيكون هناك صفقة معينة، أو مساومة معينة، أو هدنة معينة، ثم ينتهي الإشكال.

هذا الصراع مُستمرّ، وله مآلات حتمية، وهذا الصراع تحدث عنه القرآن الكريم، تحدث عنه (في سورة الإسراء)، وتحدث عنه أيضاً (في سورة البقرة، في سورة آل عمران، وفي سورة المائدة، في سور كثيرة، وفي سورة التوبة)، لكنه تحدث فيما يتعلق بالصراع مع العدو الإسرائيلي، في صراع يكون محوره المسجد الأقصى، وعنوان ومرتكز أساسٍ فيه المسجد الأقصى تحدث (في سورة الإسراء) عن ذلك، والمآلات الحتمية واضحة في هذا الصراع، هي:

خيبة الأعداء، فشل اليهود الصهاينة، هزيمتهم المحتومة وفق الوعد الإلهي: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ}[الإسراء: من الآية7]، هكذا يخاطب من؟ اليهود. {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} يعني: أنتم أيُّها اليهود، {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}[الإسراء: من الآية7]، اليهود الصهاينة بمسلكهم الإجرامي، برؤيتهم العدوانية، الظلامية، الوحشية، الهمجية، التي كلها أحقاد وكلها أطماع، بفسادهم الرهيب الذي ينشرونه في الأرض، هم عرضة لسخط الله، هم موعودون من الله بالانتقام الإلهي، بالعقوبة الإلهية؛ ولهذا لا بقاء لهم في السيطرة على فلسطين، ولا على أي جزءٍ من فلسطين، ولا على القدس، ولا على المسجد الأقصى، لا بقاء لهم، مآلهم الحتمي مهما أجرموا، مهما فعلوا، مهما ظلموا، مهما قتلوا، مهما دمروا، مهما أسرفوا في الإجرام، مآلهم الحتمي هو الزوال، هو الهزيمة، هو الخيبة، هو الفشل، هو إزالتهم من فلسطين، زوال كيانهم الذي لا شرعية له أبداً.

وكذلك من المآلات الحتمية في هذا الصراع: خسارة كل الذين يوالونهم، الذين توعدهم الله (في سورة المائدة) بالندم والخسران، أن يصبحوا نادمين، وأن يصبحوا خاسرين، {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}[المائدة: من الآية53].

هذا الليل سينجلي، نور النصر والفرج والأمل الواعد لهذه الأمة قادم، قادمٌ رغم أنوف الأعداء، ورغم أنوف الذين يوالونهم من الأغبياء، الذين لم يشاهدوا البشائر هذه الواضحة جدّاً، التي تبشر بقدوم هذا النصر الإلهي، وهذه المتغيرات الكبرى لهذه الأمة.

ومع ذلك سنة الله في الاختبار للناس، {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]، الأمة في هذه المرحلة التاريخية، وفي ذروة هذا الصراع وهذه المواجهة وهذه المفاصلة، أمام اختبار كبير بينها وبين الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:

– من يتجه الاتجاه الصادق، الاتجاه الصحيح، الاتجاه المشرِّف، الذي هو بمقتضى الانتماء الإيماني، والمصلحة الحقيقية للأمة، والقيم الإنسانية والدينية، ويفوز بأن يتجه الاتجاه الذي هو اتجاه رابح، اتجاه الفوز والنصر، والعاقبة المحمودة والحسنة.

– ومن ينحرف من أبناء الأمة، ويتجه اتجاه الخسارة والندم والخذلان والعياذ بالله.

ولذلك نحن ننطلق في تحركنا تجاه هذه المظلومية والمأساة للشعب الفلسطيني، وهي مأساة في غزة بالدرجة الأولى، ومأساة في كل فلسطين في الضفة، في بقية أنحاء فلسطين، وهي بما هي عليه اليوم من مأساة كبرى في غزة، نتحرك من منطلق هذا الانتماء الإيماني، مسؤولية إيمانية، ووعي بطبيعة الصراع، وفهم للعدو، وفهم أننا معنيون بالموقف، أننا جزء من هذه المعركة؛ ولهذا لا ينبغي التخاذل أبداً.

عملياتنا منذ بدايتها وإلى اليوم عمليات فاعلة، ومؤثرة، ومُستمرّة، وتحرك شعبنا العزيز، التحرك الشامل على كل المستويات وفي كل المجالات، هو يجسِّد الانتماء الإيماني والصدق مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والترجمة الفعلية للقيم والأخلاق التي يمتلكها أبناء هذا الشعب.

بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فعملياتنا المساندة للشعب الفلسطيني في غزة، أمام هذه المظلومية الكبيرة، وفي مواجهة الأعداء بلغت إلى استهداف (أربعة وخمسين سفينة)، وهذا رقم مهم جدّاً، ورقم كبير، كما قلنا في كل الكلمات السابقة: بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبتأييده ونصره، تحقق هدف منع حركة العدو الإسرائيلي من باب المندب إلى البحر الأحمر، حَيثُ كانت حركته التجارية البحرية في نسبة كبيرة منها تعتمد على هذا الممر، وتعطَّلت تلك الحركة بشكلٍ كبير، يكاد يكون بشكل نهائي، حالة نادرة جدًّا أن تمر سفينة مرتبطة بالعدو الإسرائيلي.

ولكن لأن الأمريكي اشترك مع العدو الإسرائيلي في معركته على أهل غزة، في عدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة، في جرائمه الرهيبة بحق السكان في غزة، بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وأكثر الشهداء استشهدوا عندما استهدفوا بالقنابل التي هي قنابل أمريكية، وقذائف أمريكية، وصواريخ أمريكية، ما قدَّمه العدو الأمريكي للعدو الإسرائيلي شيء هائل جدًّا من القنابل لقتل الأطفال والنساء في غزة، والعدو الأمريكي يمنع وقف إطلاق النار، وقف عمليات الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة، يستخدم الفيتو في مجلس الأمن لمنع ذلك، يعارض كل الأصوات التي تتجه من كل العالم، وتطالب بوقف ما يحصل من ظلم وإجرام ضد الشعب الفلسطيني في غزة، يتجاهل كل تلك الأصوات، يتجاهل صرخات الشعوب، ونداءات الشعوب والأمم في كل أقطار الأرض، وهي تنادي: (أوقفوا ذلك العدوان والحصار على غزة)، الأمريكي لا يحترم الشعوب، ولا يحترم الأمم، ولا يحترم أحدًا، ويصرُّ على مواصلة الإجرام، واستمرار الإجرام ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ورَّط نفسه بالعدوان على بلدنا؛ حمايةً للإجرام الصهيوني، دعماً لاستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، والحصار الإسرائيلي على غزة؛ لأن موقفنا مرتبطٌ بشكلٍ تام بمسألة غزة، بمسألة ما يجري على غزة، موقفنا واضح منذ بدايته: منع السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي من المرور من باب المندب، والحركة في البحر الأحمر، حتى فك الحصار وإنهاء العدوان على غزة.

الأمريكي بعدوانه على بلدنا، هو يسند العدو الإسرائيلي، ويحمي إجرامه ضد الشعب الفلسطيني؛ ولذلك ورَّط نفسه، وأدخل نفسه في إطار الاستهداف، فسفنه تستهدف، ويتبعه البريطاني، الذي تلقى ضربات موجعة، وتلقى ضربات مُنَكِّلة في البحر.

ولذلك بلغ إجمالي الصواريخ والطائرات المسيِّرة: (ثلاثمائة وأربعة وثمانين) صواريخ وطائرات مسيَّرة، في تلك العمليات التي نستهدف بها الأعداء.

الأعداء بضرباتهم وغاراتهم -ما كان غارات جوية، وما كان من ضربات من البحر، وقصف بحري- لم يؤثروا شيئاً، أي تأثير على القدرات العسكرية لبلدنا، ولا لقواتنا المسلحة؛ ولذلك مسار التصعيد مُستمرّ، ومسار التطوير مُستمرّ، وقد لمس الأمريكيون والبريطانيون ذلك، أصبحت تصريحاتهم بالاعتراف بفشلهم في تدمير قدرات بلدنا، أو في الحد من تأثير هذه القدرات، أو من زخمها، أصبحت تصريحات واضحة معلنة، يعترفون بها، بل يعبِّر البعض منها عن اندهاش من قدرات بلدنا العسكرية، اندهاش وذهول من استخدام بعض الأسلحة التي لم يسبق استخدامها في العمليات البحرية، كالصواريخ البالِسْتِيَّة، الأمريكي يتحدث بذهول واندهاش: أنَّه لأول مرة تستخدم الصواريخ البالِسْتِيَّة ضد السفن في البحر، وبنجاح، يندهش ويُذهل من ذلك.

هناك -بحمد الله وتوفيقه، ونصره ومعونته- تسديد من الله، وتأييد وتوفيق من الله كبير، في أن يكون لموقف بلدنا هذه الفاعلية، وهذا التأثير، والتطوير -كما قلت- مُستمرّ.

وقلنا من أول ما بدأ الأمريكي والبريطاني عدوانهما على بلدنا، إسناداً منهما للعدو الإسرائيلي، وحمايةً لإجرامه في غزة، قلنا: إن كان لهم تأثير فسيكون عكسياً، سيسهمون -وهم لا يريدون- رغم أنوفهم بتطوير قدراتنا العسكرية، وهذا ما يحدث، وقد لمسوا ذلك، قد لمسوه، وقد أحسوا به، وهذا مزعجٌ لهم، ولكنهم أغبياء، فتحوا معركة لا حاجة لفتحها.

الموقف الصحيح الإنساني والحكيم، والذي يسهم في استقرار المنطقة بكلها، هو: وقف العدوان وإنهاء الحصار على غزة؛ أمَّا التصعيد هنا أو هناك، في جبهة اليمن أو في أي جبهة من الجبهات التي تساند غزة، فلن يفيد الأمريكيين بشيء، ولن يفيد الإسرائيليين بشيء، ولن يفيد البريطانيين بشيء، وتأثيراته عكسيةٌ عليهم.

العدو حاول أن يصعِّد في غاراته وقصفه البحري في هذا الأسبوع على بلدنا، وشعر السكان في صنعاء والأهالي في صنعاء بالغارات، ولكن لا تأثير لها، لا على القدرات، ولا على المعنويات، شعبنا في يوم الجمعة -غداً إن شاء الله- سيصرخ بأعلى صوته، وصوته مسموع، سمع به كل الناس في أوروبا، وأمريكا، وآسيا… وفي أرجاء كل العالم، سَمِعَ به في كل الجمع الماضية، وسيسمعه غدًا -إن شاء الله- حينما يصرخ بصوتٍ عالٍ جدًّا ليقول: (المعنويات عالية)، عالية بكل ما تعنيه الكلمة، لم تؤثر الغارات الأمريكية والبريطانية، ولن تؤثر صواريخهم، ولا قنابلهم، ولا طائراتهم، ولا بوارجهم، في معنويات شعبنا العزيز، المسلم المجاهد، البطل الحر الأبي، لن تؤثِّر في المعنويات، ولا حتى لدى الأطفال، ولن تؤثِّر على الإرادة، لن تكسر إرادة هذا الشعب، هذا الشعب ينطلق من منطلق إيماني، وتربى تربية إيمانية، تربى على الحرية، والعزة، والكرامة، والإباء، والشهامة، شعب يحمل مشاعر الوفاء والإنسانية لدرجات عالية، رصيده عالٍ من ذلك، يمتلك العزم القوي، والموقف الجاد، والإرادة الصادقة، والموقف الصادق. مهما شوَّه الأعداء موقفه، لن يؤثر ذلك عليه أبدًا؛ لأن الله يعلم صدقه، ولأن تجليات صدق هذا الموقف واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ ولذلك الأعداء بتصعيدهم لن يؤثروا على شيء، لا على القدرات، ولا على المعنويات، ولا على حضور الشعب في الساحات.

هل يتصور الأمريكيون، أو البريطانيون، أو الإسرائيليون، أنهم بذلك القصف في العاصمة صنعاء سيجعلون الأهالي في صنعاء، والرجال في صنعاء، يختبئون في بيوتهم، ولا يتجاسرون على الخروج يوم الجمعة في الساحات بكل إباء وشموخ؟! هم واهمون إذا تصوَّروا ذلك، سيشهدون وسيشاهدون أنَّ نتائجه عكسية، أو أنَّ ذلك سيؤثِّر على مستوى القدرات؟! القدرات في حالة تطوير مُستمرّ جدًّا.

إصرار الأمريكي -ويتبعه البريطاني- على مواصلة الإجرام في غزة، والاستمرار في العدوان على بلدنا اليمن، إسناداً للعدو الإسرائيلي، بالرغم من الفشل الواضح، بالرغم أيضاً من تجليات فشلهم، والتذمر في أوساطهم، هو غباء بكل ما تعنيه الكلمة، وخضوع للصهيونية، يعني: القوم يفعلون ما يفعلون إذعاناً للصهيونية، ما يفعلونه ليس في مصلحة بلدانهم، ولا شعوبهم، هناك صرخات في أوساط شعوبهم، وهناك تذمر كبير حتى في الوسط الرسمي الأمريكي، في المؤسسات الحكومية والرسمية تذمر كبير، في وزارة الخارجية استياء كبير جداً من الموقف الأمريكي، في الجيش الأمريكي، وقصة ذلك الجندي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على ما يفعله العدو الإسرائيلي بمساندة ودعم أمريكي، ومشاركة أمريكية تجاه أهل غزة، أحرق نفسه بالنيران احتجاجاً على ذلك، هذه حالة تعبِّر عمَّا وراءها، عن استياء كبير، عن تذمر كبير.

العالم بكله يصرخ، يحتج، ينتقد، وحالة التذمر حتى داخل مؤسسات تلك الأنظمة، ومع ذلك يكابرون، اتركوا تلك المكابرة، انصاعوا للضمير، انصاعوا لصوت العقل، للمنطق، للمصلحة الحقيقية، الكل سئم منكم، سئم من تصرفاتكم الهوجاء والعدوانية والوحشية، الكل يصرخ في كل مجتمعات العالم، وينتقدكم، لماذا تصرُّون على ذلك؟! بل يحاولون أن يورِّطوا الآخرين معهم، حاولوا أن يورِّطوا البعض من الدول الأوروبية؛ أمَّا البعض منها فكان عاقلاً، يدرك أن لا ناقة له ولا جمل في هذا الصراع وفي هذه المشكلة، فالبعض منهم أتوا بقطع إلى البحر، وتحت عنوان أنها لحماية سفنهم، مع أنه لا مشكلة على سفنهم طالما لم تتجه إلى مساعدة العدو الصهيوني، أو تحمل بضائع للعدو الإسرائيلي، أو لم يتورَّط في العدوان على بلدنا، لا قلق.

ما يضمن أمن ملاحة أي دول في أوروبا أو في غير أوروبا، ما يضمن سلامتها وأمنها من عدم الاستهداف من جانبنا، هو: ألَّا تتوجه بحمولات للعدو الإسرائيلي، وألَّا تشترك دولتها، أو نظامها في العدوان على بلدنا، فلن يصيبها من جانبنا أي شيء.

أتت بعض القطع الحربية لبعض الدول الأوروبية، ومنها: قطع حربية لألمانيا، وعندما وصلت لتدخل في ذلك الجو، الذي يدخلهم الأمريكي فيه في وضع مأزوم وقلق؛ لأن الأمريكي ليس في حالة مريحة، حالته في البحر حالة توتر، واضطراب، وقلق، وخوف دائم، ويعبِّر إعلامه عن ذلك، وتصريحات قادته العسكريين تعبِّر عن ذلك، وضع سيء جدًّا، ومأزوم للغاية، ومتوتر جدًّا، وخائف باستمرار، فتأتي القطعة الحربية الألمانية لتدخل نفسها في ذلك المأزق، فما الذي حصل؟ تطلق صاروخ على طائرة أمريكية! حالة فشل وارباك وقلق، وتطلق أيضاً النيران على سفينة تجارية! وهذا يبين أنه ليس من الصحيح أبداً أن تتجه الدول الأوروبية ولا غيرها إلى عسكرة البحر الأحمر، ما يمكن أن يهدد الملاحة هو ذلك: الأمريكي ومن يجرهم إلى عسكرة البحر الأحمر، وإثارة الفوضى في البحر الأحمر، وتحويل البحر الأحمر إلى ميدان صراع، ميدان قتال، ساحة حرب، هذا هو الذي يؤثِّر على الملاحة الدولية.

مواقفنا واضحة، عملياتنا ستستمر بفاعلية عالية، في اتجاه البحر الأحمر، والبحر العربي، وخليج عدن، ومضيق باب المندب، كلها ساحة واحدة، يتحرك فيها بلدنا لإسناد الشعب الفلسطيني في غزة، لا بدَّ من دخول الغذاء والدواء والاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة، لا بدَّ من وقف جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

تحركنا على مستوى العمليات العسكرية سيستمر وبتطوير، ولدينا -بإذن الله تعالى- مفاجآت لا يتوقعها الأعداء نهائيًّا، ولا نريد الحديث عنها؛ لأننا نريد أن تبدأ بالفعل، ثم نُعَقِّب عليها بالقول، وستكون مفاجئة جدًّا للأعداء، وفوق ما يتوقعه العدو والصديق، وهي فعلاً -إن شاء الله- عمليات فاعلة ومؤثرة ستأتي إن شاء الله.

على مستوى التحرك في بقية المجالات، مخرجات التعبئة مُستمرّة بالآلاف، الحضور في الساحات حضور فاعل وواسع، ويعني لنا الكثير، أنا أقول لكل أبناء شعبنا العزيز: خروجكم الأسبوعي في يوم الجمعة، في مختلف الساحات، والذي يصل إلى عدد ضخم، يعني: في يوم الجمعة الماضية تقريباً (مائة واثنين وثلاثين ساحة)، خروج مليوني، الملايين خرجوا، يعني لنا الكثير، له أهميته؛ لأنه في إطار موقف شامل، يعني: أنَّ كل هذا الخروج هو ثابت على هذا الموقف، مُستمرّ على هذا الموقف، داعم لهذا الموقف، والأعداء يحسبون لهذه المسألة ألف ألف حساب.

الضربات الصاروخية حينما تتم، عمليات الطائرات المسيَّرة حينما تتم، عمليات القوات البحرية حينما تتم، كل العمليات العسكرية بكل أشكالها عندما تتم، هي تعبِّر عنكم جميعاً، عن هذا الشعب الذي يخرج هذا الخروج المليوني، هو موقفٌ محسوبٌ لكم، أيديكم أنتم المباركة محسوبٌ لها تلك العمليات، هذا الإسهام، هذا الموقف؛ ولذلك لا بُـدَّ من الاستمرار في هذا الخروج، وله تأثيره الكبير المساند في ظل وضع خذلان رهيب في معظم الدول العربية والساحات الإسلامية إلَّا القليل، فالخروج في الساحات هو جزءٌ من الموقف، جزءٌ من الجهاد، والساحات هي جزءٌ من الميدان، لا ينبغي أن يتم إخلاؤه طالما والمعركة مُستمرّة.

وأقول لكم إخوتي الأعزاء: من النعم الكبرى أن وفَّقنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في هذا البلد، ليكون لنا هذا الموقف الشامل، هذا الموقف الذي لم يكن فقط على مستوى المظاهرات؛ إنما كان معه العمليات العسكرية الفاعلة، المؤثرة، لاستهداف العدو الاسرائيلي إلى فلسطين المحتلة، وللعمليات البحرية ذات التأثير الكبير، التي تكبِّد العدو الخسائر في كل يوم، وأن يكون هناك تحرُّك شامل: خروج في الساحات بالمسيرات والمظاهرات، أنشطة تعبوية، فعاليات كثيرة، وقفات بعشرات الآلاف، هذه نعمة كبيرة جدًّا، أن يكون لنا هذا الموقف الفاعل، المتميز، الذي يعبِّر عن صدق الانتماء الإيماني، والذي هو من مصاديق قول رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: (الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكمَةُ يَمَانِيَّة)، هذه نعمة كبرى.

نبي الله موسى “عَلَيْهِ السَّلَام” حين رأى نفسه في موقف ضد الظلم والطغيان الفرعوني، ماذا قال؟ {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}[القصص: من الآية17]، من النعمة، من الشرف الكبير، من فضل الله العظيم على شعبنا العزيز، أن يكون في موقفٍ عظيمٍ كبيرٍ شاملٍ مشرِّف، يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويرفع الرأس، ويبيِّض الوجه، وألَّا يكون في الحال المخزية، ككثيرٍ من المواقف الرسمية في بعض البلدان العربية، وبعض البلدان الإسلامية.

عندما يتاح للإنسان فرصة أن يكون في موقفٍ كهذا، ثم لا يتحرك، لا يستجيب؛ فهي حالة خطيرة على الإنسان، يعني: في كثيرٍ من البلدان العربية، لو تخرج في وسط العاصمة ليكون لك موقف تعبِّر فيه بهتافات، وتحمل راية، وتعبِّر عن موقف تتبرأ مما يعمله الأعداء بشعبك في غزة، بأبناء أمتك في غزة، تتضامن معهم؛ قد تُقتَل، أو في الحد الأدنى تعتقل، وتعذَّب وتضطهد، وتقمع، لا يُسمح لك بذلك، هناك عواصم عربية لا إمكانية فيها للخروج بمثل هذا الموقف.

أن تخرج في صنعاء، أو في أي محافظة من المحافظات التي تخرج فيها بكل حريَّة، بكل اطمئنان، لتعبِّر عن موقفك الواجب عليك، لتتضامن مع الشعب الفلسطيني، لتتكامل مع بقية الموقف، مع بقية الإجراءات، مع العمليات، مع الأنشطة الأخرى، في موقفٍ يرضي الله، يرفع رأسك، يبيِّض وجهك، حتى لا تكون ممن شملهم الخزي بسكوتهم، بجمودهم، بعدم تحركهم بأي مستوى، ولا بأي تحرك، ولا بأي موقف، ثم لا تفعل، بالرغم أنه متاحٌ لك ذلك، هذه حالة خطيرة عليك، وأخطر من أولئك الذين يعيشون في بلدان مكبوتة، تكبتها أنظمتها وتقمعها، أنت هنا تنادى وتدعى إلى هذا الموقف، تُفتح لك الساحات لتخرج حراً عزيزاً شامخاً، لتقول بصوتك العالي ما يجب عليك أن تقول، وتعبِّر بما عليك أن تعبِّر، لتنطق بما عليك أن تنطق، فلا تكن أخرس، اخرج، تحرك، اظهر، انطلق إلى، حَيثُ ترضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذه نعمة كبيرة جداً، نعمة للإنسان أن يتاح له ذلك، من دون اضطهاد، ولا قمع، ولا إذلال، إذا تقاعد الإنسان، أو تخاذل مع ذلك؛ فالله بيَّن في سورة التوبة أنَّ العاقبة هي الخذلان، هي أن يطبع الله على قلب من هو كذلك، وأن يخذله والعياذ بالله.

عندما تتقاعس عن أي تحرك مع مثل هذه الفرصة، نحن في مرحلة مصيرية، ومرحلة تاريخية، ومنظورةٌ برقابة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومنظورةٌ أيضاً بتدبيره “جلَّ شأنه” فيما يكتبه للناس، أو يكتبه عليهم، أمام هذا الاختبار في هذه المرحلة، الذين يعملون لصالح الأعداء، أو يتخاذلون عن النهوض بمسؤولياتهم؛ لن يسلموا من عقوبات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حالة خطيرة عليهم، والذين يستجيبون لله، ويتحركون في إطار مسؤوليتهم الإيمانية والإنسانية والأخلاقية، ليعلموا أنَّ التحرك في ظروفٍ كهذه، ومرحلةٍ كهذه، وأمام مظلوميةٍ كمظلومية الشعب الفلسطيني في غزة، وأمام عدوٍ متوحشٍ مجرمٍ كالعدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي والبريطاني، ومعه الحركة الصهيونية في كل العالم، من يتحرك في مرحلةٍ كهذه، في موقفٍ كهذا، في ميدانٍ كهذا، في مرحلةٍ كهذه، فليبشر بموعود الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، الذي لا يتخلَّف.

هذه مرحلة لها ما بعدها، لها ما يكتبه الله في مصائر الشعوب، ومصائر الأشخاص، المصائر الفردية، والمصائر الجماعية، فاجعل نفسك، حَيثُ تريد أن يكتب الله لك ما تأمله من فضله ورضوانه، ورحمته، وتوفيقه، وعونه، ورعايته الشاملة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو رب العالمين، ملك السماوات والأرض.

ولهذا في إطار هذه المرحلة، مرحلة مهمة جدًّا، التحرك فيها يعبِّر عن الشرف، والعز، والإباء، والرجولة، والشهامة، والإباء، والكرامة، والحُريَّة، وكل المعاني الإنسانية النبيلة، التحرك في هذه المرحلة لمساندة الشعب الفلسطيني في غزة يعبِّر عنها، أنت يا شعبي العزيز أنت معدن لكل هذه القيم، أنت معدن لكل هذه المعاني الإنسانية النبيلة والعزيزة؛ ولذلك خروجك، وموقفك، وتحركك، هو ترجمة فعلية لهذه القيم العظيمة، والمعاني المهمة.

أقول لشعبنا العزيز: أدعوكم بدعوة الله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، ودعوة القرآن، ودعوة المسجد الأقصى، ودعوة الشعب الفلسطيني المظلوم، للخروج المليوني يوم الغد -إن شاء الله- في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والساحات حسب الترتيبات.

ونقول لإخوتنا المجاهدين في غزة، للشعب الفلسطيني بكله في غزة، لأطفاله ونسائه، للشعب الفلسطيني في كل أرجاء فلسطين: لستم وحدكم، شعبنا بخروجه يوم الغد سيعبِّر بترجمة فعلية عن ذلك، لستم وحدكم، ومعكم حتى النصر، لن نكل ولن نمل، لن نفتر ولن نتراجع، نحن بالإرادة الإيمانية والجد سنواصل المشوار.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُفَرِّجَ عَن الشَّعْبِ الفَلَسْطِينِي المَظْلُوم، وَأَنْ يُمِدهُ بِالنَّصرِ العَاجِل، وَالفَرَجِ القَرِيب، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com