اليمن مفخرةُ وجود لا يتناهى عِــزُّه

 

فارس السخي

أقول لمن يسيء لليمن وشعبه العزيز:

نحن -اليمانيين، يا هذا- أهل حضارة وأصحاب صدارة، لا يُكتب تاريخٌ إلا وكنا أول سطوره، ولا يُعرف ماضيٌ إلا وكنا في أول لحظاته، قد ذكرنا الأوائل وتكلم عنا الأواخر، وتسمت أرضنا بخير أسماء سمعتها الخلائق: “أرض الجنتين، البلدة الطيبة، العربية السعيدة، اليمن السعيد، أرض الممالك، أصل العرب… إلخ.

هي أرض سبأ وأم القرى التي نحتنا من جبالها بيوتا، وزخرفنا سهولها وديانا، ونقشنا على صخورها مآثرنا، ورسمنا على صروحها أمجادنا، وأقمنا عليها عروش ممالكنا، فكنا بها أولي قوة وأولي بأس شديد، بنا عُرفت المصافحة، ومنا جاء السلام، وبنا تشيد الإسلام، ومنا عُرفت التيجان، ومن أرضنا نفس الرحمن، ولنا في الكعبة ركن، ولنا في السماء نجم، وباسمنا أصبح الإيمان إيمانا، وللحكمة صرنا عنوانا.

نحن اليمانيون جئنا قبل التاريخ وبعده، نحن ما قبل الطوفان وما بعده، نحن ما قبل الميلاد وما بعده، نحن ما قبل الإسلام وما بعده، نحن جند الله ووعده، نحن أول مدينة بعد الطوفان، أول من وضع التيجان، أول من امتطى الحصان، أول من كسى الكعبة، أول من تحدث العربية، أول من أقام السدود، أول من شيد الحصون، أول صهريج ماء، أول ناطحة سحاب، أول من اهتدى بالنجوم، أَو من آمن بالله ورسوله طوعا وطاعة برسالة، أول من نصر غزة في زمن التطبيع والخذلان!

حبانا الله طباعًا لينة وقلوبًا رقيقة وأرضًا طيبة، شيدنا فيها حضارتنا، وبنينا قصورها، وأقمنا مدنها، ورفعنا عروشها، وابتدعنا حرفها وصناعاتها، لنا سد مأرب، ولنا صهاريج عدن، ولنا عرش بلقيس، ولنا القصور والمحافد، ولنا الطقوس والمعابد، ولنا في صنعاء بنيانا وعمرانا، ولنا في مأرب صروحا ولنا فيها صرواحا، وفينا إرم ذات العماد، ومنا هود وعاد الأولى، ومنا صالح وثمود الهلكى، ومنا شعيب ومدين، ومنا البائدة ومنا الباقية، ومنا الحاضرة ومنا البادية.

منا سام بن نوح، ومنا قحطان بن هود، ومنا التبع اليماني، ومنا البتع الأكبر، ومنا بلقيس، ومنا سبأ، ومنا معين، ومنا جرهم، ومنا كندة، ومنا الغساسنة في الشام، ومنا المناذرة في العراق، ومنا قريش، ومنا محمد، ومنا همدان، ومنا الأوس والخزرج، ومنا الأنصار ومنا درع محمد ومنا سيف ذو الفقار، ومنا درع علي ورمحه، وفينا أعلام الهدى ومنا السادة والقادة، أوتينا من كُـلّ شيء فأصبحنا آيةَ الزمان وأعجوبةَ الإنسان.

حينما كان البشر يلبسون جلود الماعز، كنا نحن ننسج القطن والحرير برودا يمانية، وحينما اتخذ الناس من غصون الشجر سهاما ورماحا، كنا نحن نصهر الحديد والمعادن سيوفا يمانية، وكان يقصدنا أهل الأرض ولا نقصدهم، ويحتمون بنا ولا نحتمي بهم، بنا عُرفت القهوة، ومن أرضنا المباركة صُنع الطيب والبخور.

نحن اليمانيين لا يرفعنا الغنى، ولا يضعنا الفقر، لم يُطْغِنا الغنى وقد دارت بنا دوراته وتعاقبت علينا نوباته، ولم يغوِنا الفقر رغم أنه قد أردى بنا، بل اتخذناه لنا زينة وحلية.

أرضنا أرض الهجرات ومنبع الحضارات ومهبط الرسالات، نحن أهل النجدة والمروءات، وأهل الفضل والشهامة، وأهل الجود والكرم، نحن السدد والمدد، ونحن العدة والعدد، نحن قفير وجبح العرب، نحن صقور جارحة مساكنها منيفات الجبال، ونحن من قطعنا العهد مع سليمان، وشهد على عهدنا الإنس والجان، ندور مع الحق، حَيثُ دار، ونمسك عن الباطل، حَيثُ استبان.

نحن اليمانيين مفخرة وجود لا يتناهى عِزُه، ما اكتسبنا العز ببيضاء أَو صفراء أَو خضراء من ثروة أَو مال وإن كانت الثروة والنعم قد قضت معنا دهورا وأزمانا، ولم ينضب عزنا بفقر وعوز وفاقة وإن تكن قد تتابعت علينا بلاءات الله، ولكن عزنا بثباتنا على الحق.

نحن اليمانيين يعرف فضلنا أولو الفضل من الناس، فحيث يممنا تلقانا الناس بالود والإكبار، وأسمعونا من آيات المحبة والتعظيم أبلغ الأسفار، فيكبرونا إكبار الفروع لأصولهم والأبناء لآبائهم.

نحن اليمانيين وإن يكن قد تتابع علينا البلاء، ورغم ما ينزل بنا من لَأْوَاء، ورغم ما جنى علينا البعض من أدواء، سنظل باقين على عهدنا ومرؤتنا وأخلاقنا وقيمنا التي ورثناها كابراً عن كابر، نصطحبها معنا في حلنا وترحالنا، ونتعامل بها في كُـلّ أرض حللنا فيها، ومع كُـلّ إنسان مررنا عليه، ومع كُـلّ قوم صحبناهم، لا تغيرنا المتغيرات، ولا تعكرنا المكدرات، ولا تستفزنا السفاهات، ولا توهنا الخيانات، ولا تثنينا الغدرات، ولا نقبل الضيم، وسيرحل الظلام وينبلج الفجر وينتصر اليمن.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com