العدوانُ على اليمن (الأبعادُ النفسية والثقافية)

 

عبدالرحمن مراد

مما لا شك فيه أننا نمرُّ بمرحلة تاريخية مفصلية، هذه المرحلة تحتاج إلى مهارات التفكير، في تحليل وتشخيص المواقف الصعبة والتعامل معها، وتحتاج إلى مهارات إنسانية في العمل والفهم والتحفيز، وتحتاج إلى قدرة على التنفيذ بمعرفة متخصصة وخبرة فنية؛ إدراكًا منا أننا نخوض حرباً مع قوى الاستكبار العالمي، وهذه القوى تتعامل مع تكنولوجيا المعلومات وتتحكم في موجهاتها ومساراتها في مختلف أنشطتها سواء أكانت أنشطة عسكرية عملياتية أَو ثقافية أَو معرفية وحتى الأنشطة الذهنية، وليس بغافل عن بال أحد أن المعلومات في هذا الزمن أصبحت هي المصدر الرئيسي في الهيمنة، حتى الهيمنة الاقتصادية، فالتكنولوجيا حولت الاقتصاد العالمي من اقتصاد يحتاج إلى المعلومات إلى اقتصاد قوامه المعلومات.

أي مرحلة الانتقال من عقلية عصر الصناعة إلى عقلية عصر المعلومات، والفرق بينهما أنه في عصر الصناعة كان يتم الحصول على المعلومات كلما كانت هناك حاجة إليها، في حين تتواجد المعلومات في عصر المعلومات بشكل دائم وهي تدور في حيز التشغيل، وكما كان الحال في عصر الصناعة يتصرف القادة فيه وكأنهم أصحاب القرار، ولا بُـدَّ من إدراك الحقيقة التي نحن عليها أن هذا المبدأ قد تغير بتغير الأحوال والمستويات الحضارية والمعرفية؛ إذ فقدَ القادة في عصر التكنولوجيا خاصية صنع القرار بل أصبحت مهامهم أكثر يُسرًا وأكثر تفاعُلًا مع الحدث من خلال العمل على تشغيل المعلومات المتوفرة، وهذا هو الحال الذي نحن عليه في عصر التكنولوجيا ولا بُـدَّ من الوعي به، والاشتغال على الخطط الاستراتيجية التي تصنع المستقبل وليس انتظار المستقبل حتى يأتي، والاشتغال على الخطط لا يمكن أن يكون عفو الخاطر بل برؤى وأفكار قادرة على التحَرّك والتفاعل مع واقعها من خلال بنية تنظيمية وبنية توجيهية، وبنية رقابية، ترصد الحالات المنحرفة لتعمل على تعديلها حتى تتسق مع البناءات المختلفة.

وعلينا أن ندرك أن الحرب والعدوان على اليمن من قبل دول الاستكبار لن يتوقف بتوقف نشاطه العسكري على اليمن بل سيستمر في استهداف العناصر الوطنية والكوادر الوطنية الثقافية والعلمية والسياسية، كما حدث في العراق وهو ماض في تفكيك القوى الوطنية التحرّرية، ونحن نسمع اليوم الكثير من حوادث الاغتيالات سواء أكانت في مصر أم في عدن لبعض العناصر التي تعلن مواقف مضادة.

وأنصار الله سيكونون مستهدفين؛ باعتبارهم قوة وطنية في خط المقاومة الإسلامية، لذلك ووفقاً لما هو متوفر لنا من معلومات لا يلزم السكوت والصمت بل التفكير والتخطيط والتنظيم والتوجيه لنكون وجوداً قوياً غير قابل للفناء أَو الإلغاء، ومثل ذلك يلزم الارتباط العضوي مع الحاجات الأَسَاسية للإنسان وفق أحدث النظريات الإنسانية التي ترى الحاجات الأَسَاسية هرماً تضيق قمته باتساع قاعدته، وبالتالي تقل عندها عوامل الصراع ومفرداته ويحدث الاستقرار، والاستقرار يجعل من الاستراتيجيات صخرة صلبة تتحطم عندها المؤامرات.

وعلينا أن ندرك أن المقدمة التي يخط صورتها وأبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية بحروف النار وريشة الرعد والبروق العدوان على اليمن سواء أكان عدواناً مباشراً كما هو اليوم أَو عن طريق الوكلاء كما كان في الأمس هذا العدوان لن تكون لها نتيجة واحدة بل سيكون له عدة نتائج منها النتيجة المنطقية، ومنها النتيجة التوسطية، ومنها النتيجة المعاكسة، وأغلب ما يتحقّق هي النتائج المعاكسة في حياة الشعوب، وعبر التاريخ أكثر من أن تعد في هذا المجال، فقد كان من المنتظر أن تبقى فرنسا والاتّحاد السوفياتي مرميتين تحت أقدام الاحتلال النازي لكن الذي حدث هو العكس، بل وأكثر من العكس، فلم يكتف الاتّحاد السوفياتي بإجلاء الاحتلال عن أرضه، وإنما اندفعت قواته حتى وصلت إلى قصر هتلر نفسه، وكذلك فرنسا فقد كانت الظواهر العامة تدل على أن الشعبَ الفرنسي قد خُمِدَ.. وأن إرادته قد تعطلت، فإذا به ينبعث من بين ركام الهزيمة والدمار ويحقّق هزيمة المعتدي ويحتل قطاعات من أرضه، وهو الأمر نفسه الذي تتحدث عنه نتائج المقدمات للعدوان على اليمن، فانتصار الجيش اليمني على الصهيونية ودول الاستكبار العالمي أصبح ممكناً رغم التفوق المادي والعسكري وتكالب الأمم وتحالف الأعداء ورغم التفوق في العدد وفي العتاد وفي التقنيات والتكنولوجيا وفي إمْكَانات الجبهات المساندة سواء السياسية أَو الإعلامية أو الدبلوماسية، وفي كُـلّ أدوات الحرب والصراع فاليمن كما يقول البردوني متعود على سحق الطغاة، وهو وطن يهزم الهزائم ويقفز فوق المعضلات، ولا يرضى لنفسه إلا النصر أَو الفناء، وكذلك دل تاريخه وتاريخ رموزه، فذو نواس فضل الغرق في البحر على قبول هزيمة شعب الأكسوم له، وعلى نهجه ظل أبناء حمير، وقد توافق هذا المبدأ العقائدي مع مبادئ آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان زيد بن علي تجسيداً له فحين صرخ: هيهات منا الذلة تردّدت أصداء صرخته في أنفة أهل اليمن، فكانت الزيدية والهادوية أكثر أنفة وعزة وهي الحركة السياسية والفكرية الأكثر تناغماً مع الوجدان اليمني الحميري.

ومن هنا يصبح من الضرورة القول: إن تمتين عرى النسيج الاجتماعي من ضرورات الاستقرار ومن ضرورات المراحل كلها ويلزم التفكير والتخطيط والتنظيم حتى ننتصر على المستقبل من خلال قدرتنا ووعينا المحكم في صناعته.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com