الكهفُ والرقيمُ.. مشروعُ الأُمَّــة القرآني

 

أحمد علي الهارب

الكهفُ والرقيمُ.. إنَّها متلازمةُ النشأة لهذا المشروع الذي يسيرُ على الخط القرآني النبوي المحمدي..

إنه الكهفُ الذي شهد صدقَ المؤسِّس باستشهاده، وبداياتِ القائد الجديد للنهوض بالمشروع رغم حجم الاستهداف، وكانت ملازمُ الشهيد القائد رقيمَ العودة لله، الذي أنزل على عبدِه الكتابَ ولم يجعل له عِوَجاً، ولهذا الكتاب المُقدّس الخالد، والذي تحتويه كُـلُّ بيوت المسلمين، وقد حوى علمَ الأولين والآخرين، وفيه قال الله: “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”، وقد أعادتهم الملازمُ لمعرفة الله معرفةً يصغُرُ بها مَن دونه، وأرشدتهم لحيوية القرآن لتنبضَ به تحَرّكاتُهم، ولوعود الله لتقودَ مسيرتَهم في ثقةٍ بتحققها، ولو تراءت غيباً، وبدت مستحيلاً.

ومن الكهف والرقيم.. لم ينم الفتية، لكنهم تحَرّكوا بحركةِ القرآن، وحِراكِ الرسول الذي لم ينزوِ بآياته في زوايا المسجد، بل أقام دولة، وأعدّ العُدّةَ، وحرّكَ الجيوش، وواجه الأعداءَ، وكُتُبَ التأريخ المشوَّه.

لم يَنْمِ الفتيةُ.. بل أعادوا تعريفَ الأولويات، وأوضحوا تعريف الأعداء، وحاولوا تقويمَ الانحراف، وضبطوا بُوصلةَ الولاء والبَراء.

لم يَنْمِ الفتيةُ.. بل وحدّوا القيادة، لمن يستحق الولاية، بالسير على القرآن، وعلى خُطى الرسول.. لمن لا يخضعُ للأعداء، ولا يساومُ على الثوابت، ولا تستميلُه الأهواءُ، ولا تأخذُه في الله لومة لائم، وذلك جوهرُ الحركة، وهل دجنّت الأُمَّــةَ غيرُ قياداتها التي أضاعت البُوصلة والطريق؟!

لم يَنْمِ الفتيةُ.. لكنهم أعادوا الدينَ من وضع الصمت والخنوع، إلى تحمُّل العبء، وحمل المسؤولية، واتِّخاذ المواقف، ومجابهة الطواغيت..

لم يَنْمِ الفتيةُ.. بل ثبتوا حينَ التمحيص، وواجهوا حينَ لا مَنَاصَ، وصبروا في المواجهة، وقدّموا الشهداءَ، وها هم بعدَ عشرين عاماً كَتفاً بكتف مع أُمِّ القضايا الإسلامية، ووجهاً لوجه في مجابهةِ أعتى قوى الكون.

فلم ترعبْهم قوةُ الأعداء؛ إذ فاقت ثقتُهم بالله كُـلَّ قوة، وهان عذابُ مَن في الأرض أمام نار الله وعذابها الخالد في حال التقصير والتفريط.

وفي المسارِ والمسيرة لم تشدّهم زينةُ الأرض، وفتنُها في عالم الشذوذ الغربي والترفيه العربي، وخرجوا من كهوفِ الضياع التي نامت فيها الأُمَّــةُ طويلاً، وقد رأوا في “الكهف” فتنَ الدين والمال والعلم والسلطة، وكيفية التحرُّرِ من ضغوط الجاه وزينة الدنيا وحب المال، وكيف أبان اللهُ طريقَ النور في آياتها، من الدين الحقيقي الذي تجسّد في موقف الفتية بوجه الظالمين، إلى التمكينِ الإلهي كما تجسَّدَ في ذي القرنين.

ولا يخفى أن للكون سُنَناً تحكُمُه، وهو ما تدركُه المسيرة، وأسباباً للظفر بمعونة الله، وقد استظلت بها القيادةُ، وبذلت الأسبابَ بما تملكُه من استطاعة، وما يتوفرُ لها من قدرة، وهي تدركُ ضرورةَ التمحيص والصراع لامتحان الثبات وصدق الإيمان، وهي تعلم أَيْـضاً شروطَ الاستحقاق والاستخلاف والتمكين.

وفي زمنِ اليأس من واقع الأُمَّــة، والأمل بنهضتها لتحمل رسالتها من جديد، وجد اليمنُ مشروعَ النهوض الذي سيضمَنُ به رضا الله في الدنيا والآخرة، وهذا المشروعُ عظيمٌ بعظمة الله والقرآن، وممتدٌّ بامتداد الأُمَّــة التي تقولُ في صلاتها “الله أكبر” وتأمل النصرَ للإسلام، وأصبحنا نرى للحلم بوابةً، وللنهضة مسارًا، وللدين مسيرةً، وها هي تنادي لإخراجِ الأُمَّــة من كهفِها وفتنِها المتداخِلة، وهي مدعومةٌ باستشراف الرسول “الإيمانُ يمان”، نرى تجلياتِها ونقولُ وقد رأينا فيها من آيات الله عجباً:

أين كنا قبل هذا الملتقى؟!

قبل نلقى الروحَ في متنِ الرقيمِ؟!

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com