100 يوم من العدوان على غزةَ.. مقارنةُ الصورة والتصريحات

 

علي الدرواني

ليس صعبًا أن يستنتجَ المتابِعُ تعريفًا أوضحَ للنصر في الحرب الدائرة في غزةَ بعد “طُـوفَـان الأقصى”، وإن كانت معركة “طُـوفان الأقصى” في اليوم السابع من أُكتوبر تمثل نصرًا كَبيراً للمقاومة الفلسطينية، وواضحًا، وناجزًا، فَــإنَّ المِئة يوم التالية، تمثل نصرًا أَيْـضاً، لكن بتعريف آخر، هو أن المواجهة والصمود أمام عدو مثل الكيان الصهيوني وجيشه المدجج بأحدث أنواع الأسلحة، والتقنيات، والتكنولوجيا، مع ما يصاحبها من جسور جوية وبحرية؛ لتزويده وإعادة ملء مخازنه من الأسلحة الأمريكية والأُورُوبية، وعدم السماح له بتقديم أية صورة للنصر، أَو أدنى إنجاز، في أَيٍّ من أهدافه المعلَنة، المتمثلة بسحق حماس، أَو استرداد الأسرى، أَو تأمين مستوطني ما يسمى “غلاف غزة”، فضلًا عن شمالي فلسطين المحتلّة، ناهيك عن مستوطني أُمِّ الرشراش “إيلات”، إن هذا العجز والفشل رغم فارق القوة يسجِّلُ حتمًا كنصرٍ إضافي إلى جانب 7 أُكتوبر لصالح المقاومة والشعب الفلسطيني.

تزدادُ الأمور وضوحًا إذَا ما أُجريت مقارنة بين خطاب المقاومة ووضعها، وبين خطاب العدوّ وقيادته من المجرمين في حكومة الحرب، وبالعودة إلى ظهور الناطق العسكري باسم كتائب القسام، وهو يلقي خطابَه الشامل بعد مضيِّ 100 يوم من العدوان، مؤكّـداً أن بعضَ العمليات البطولية الملحمية الموثَّقة لم تُنشر بعدُ، وهي توثِّقُ للخسائر الكبيرة للعدو الإسرائيلي، بالإضافة إلى إشارته في بيانه الخاص بالمناسَبة إلى أن سلاح المقاومة لا يزال بخير، وهو الأمر الذي أكّـدته صليات صاروخية قسامية كبيرة انطلقت من شمالي غزة نحو مدينة أسدود المحتلّة، كما أن الصورة القادمة من شمالي غزة، مع انسحاب معظم قوات العدوّ من المنطقة، إلى خلف حدود قطاع غزة، وعودة بعض معالم الحياة بفتحِ المحالِّ التجارية أبوابَها؛ والأمر الذي أزعج العدوَّ أكثرَ هو ظهور الشرطة التابعة حركة حماس في الطرقات والأسواق، بخلفية من الدمار الهائل، عبَّر عنها أفيغدور ليبرمان، بأنها ((صورٌ مزعجة بشكل خاصٍّ لعشرات الآلاف من سكان الغلاف، الذين ما زالوا بعيدين جِـدًّا عن العودة إلى الحياة الطبيعية ومنتشرين في جميع أنحاء البلاد»، مستنتجًا بأن «هذه ليست الطريقة التي تدار بها الحرب، وليست هذه هي الطريقة التي تهزَم بها حماس).

تصريحاتُ ليبرمان تعكس واقع المقلب الآخر، وتشير إلى حالة من الانقسام والإرباك والتخبط لدى قادة العدوّ، وحالة من الشك الممتزج بالتشاؤم لدى قطاع واسع من المحللين والمختصين العسكريين والسياسيين، كلها تؤكّـد فشل العملية العسكرية العدوانية على القطاع، فشلٌ ليس بحاجة إلى مزيد من الأدلة عليه؛ فواقعُ الحال واستمرار الحرب بعد مِئة يوم وحدَها تثبت ذلك.

محلّلُ الشؤون العسكرية لصحيفة هآرتس عاموس هريئيل رأى أن الحربَ بعيدةٌ عن تحقيق أهدافها المعلَنة، وأنها (لا تقترب من انتصار حاسم»، متهمًا الحكومة بالتستر على ذلك، مؤكّـداً أنه من الصعب إخفاؤه، والأمرُ ينسحب أَيْـضاً على محلل الشؤون السياسية في يديعوت احرنوت، ناحوم بارنياع، الذي أكّـد أن الجيشَ الصهيوني استسلم للنتائج المحدودة للحرب، أما مدير «معهد الأمن القومي»، اللواء احتياط تامير هايمَـان، فلفت إلى أن الكيانَ وصل «إلى نقطة اتِّخاذ القرارات الحاسمة»، وأن «المعضلة الآن أصبحت سياسية»، وليس لدى المستوى السياسي برأيه سوى خيارَينِ: إمَّا الذهاب إلى صفقة تبادل الأسرى التي توسّطت فيها قطر، بما من شأنه أن ينهيَ الحربَ من دون أية تكلفة سياسية، ولكن مع احتمال أن تبقى «حماس» في الحكم، أَو الذهاب إلى اتّفاق إقليمي مع السعوديّة بوساطة أمريكية. وحتى في هذه الحالة، فَــإنَّ الحرب سوف تنتهي من خلال صفقة تبادل، ولكن ثمنها سوف يكونُ على هيئة موافقة إسرائيلية على العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية، التي سوف تعود للسيطرة على غزة.

وجهٌ آخر للمقارنة، هو أن الولايات المتحدة والغرب الداعم لكيان العدوّ، بدأت تتململ، وتطالبُ نتنياهو بالانتقال إلى المرحلة الثالثة التي يصفونها بأنها أقل زخمًا، وكشف موقع أكسيوس، أن بايدن وغيرَه من كبار المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالإحباط المتزايد من نتنياهو، ورفضه لمعظم الطلبات الأمريكية، وقال أحد المسؤولين للموقع: إن الوضع سيء، ونحن عالقون وصبر الرئيس بدأ ينفد.

لكن بالنسبة للمقاومة، ومن حديثِ المتحدث العسكري باسم كتائب القسام، تحصل على دعم أوسع، يوماً بعد آخر، مؤكّـداً أن مساحة المعركة في الأيّام المقبلة ستتجاوز حدودَ القطاع على نحوٍ أكثرَ زخمًا. وبعد تحيته المقاومة في لبنان واليمن والعراق ونعي شهدائهم، أكّـد أن على رسائلِ المقاومة توسيعَ العمليات في الأيّام القادمة.

هذه هي الصورةُ إذن، ثقةٌ وانتصارٌ وثباتٌ لجانب المقاومة، بينما يعيشُ العدوُّ حالةً من التخبط والإرباك والشكوك لدى العدوّ ومن خلفه أمريكا والغرب، بعد مِئة يوم من المواجهة، رغم ما نَتَجَ عنها من مآسٍ ودماء ودمار.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com