المجاهد في القوات البحرية البطل عبد الملك الطالبي.. شهيدٌ ثائرٌ على طريق القدس

 

المسيرة – منصور البكالي:

تظل حكاية استشهاد 10 من أبطال القوات البحرية في البحر الأحمر الحدث الأبرز الذي يشغل اليمن قيادةً وشعباً، ومعهم كُـلّ قيادات العالم، فالحدث ليس عادياً على الإطلاق، بل قد يدفع إلى تفجير حرب إقليمية لن يسلم منها أحد.

في أعماق البحر الأحمر تنفذ القوات البحرية اليمنية دوريات متواصلة لتعقب أية سفينة شحن تحاول العبور إلى الموانئ الصهيونية، كان الشهيد عبد الملك إسماعيل الطالبي واحدًا من هؤلاء، الذي كان له شرف المشاركة في اقتياد السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر” إلى أمام ميناء الحديدة، وظهر في مقطع فيديو وهو يردّد شعار الصرخة من داخل السفينة.

واصل الشهيد عبد الملك الطالبي مهمته على أكمل وجه، وفضل الاستمرار مع رفاق دربه في تسيير دوريات في البحر الأحمر لمعاقبة أية سفينة تخالف القرار اليمني، الذي قضى بمنع أية سفينة إسرائيلية من العبور من البحر الأحمر، أَو أية سفينة أُخرى من الدخول إلى الموانئ الصهيونية عبر البحر الأحمر.

وخلال تأدية مهمته الجهادية المقدسة كان الشهيد عبدالملك مع رفاقه يحاولون ثني سفينة شحن بريطانية “ميرسك” من العبور عبر البحر الأحمر إلى ميناء أُمِّ الرشراش “إيلات”، لكن العدوّ الأمريكي كان يتربص بهم، وأقدم بالاعتداء عليهم عبر إطلاق الصواريخ من طائرة أباتشي على الزوارق البحرية التي كان على متنها الشهيد عبد الملك وتسعة آخرين من أبطال القوات البحرية، لتصعد أرواح الجميع إلى بارئها، شهداء، مكرمين، على طريق القدس، وليفتح هذا الاعتداء الجحيم على واشنطن وحلفائها.

ويقول عبد السلام الطالبي، أحد أقارب الشهيد عبد الملك الطالبي: إن دم الشهيد ستثمر نصراً وعزاً، وأنها لن تذهب هدراً، وأن الأمريكي سيدفع الثمن غالياً.

ويضيف في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن الشعب اليمني والقيادة العسكرية والسياسية والثورية توعدت بالرد على هذه الجريمة الشنعاء، وأن الرد آتٍ لا محالة كما أكّـد فخامة المشير الرئيس مهدي المشاط، إلا في حالة واحدة استثنائية وهي أن يسلم الأمريكيون القتلة لتتم محاكمتهم في العاصمة صنعاء.

يدرك أقارب الشهيد الطالبي أن واشنطن لن تسلم القتلة إلى صنعاء لمحاكمتهم، فهي ترى نفسها أكبر من العالم، وفوق القانون، والشرعية الدولية، ولذا يظل خيار الرد قائماً، وينتظره اليمنيون والعالم بكل لهفة وشوق.

 

للتسمية حكاية:

نشأ الشهيد المجاهد عبد الملك إسماعيل الطالبي، وترعرع في أحضان والديه في أسرة تعشق درب الجهاد في سبيل الله، ولها عطاء وبذل مشكور في ظل المسيرة القرآنية التي ظهرت في إطار مجتمع محافظة صعدة، وقدمت اثنين من إخوانه شهداء سبقوه على الدرب ذاته.

الأخ الأكبر للشهيد عبد الملك، كان بذات الاسم استشهد في الحرب الأولى الظالمة على محافظة صعدة، وأخوه الثاني محمد إسماعيل الملقب أبو شهاب استشهد في العام ٢٠١٧م، حَيثُ كان من قادة البحرية ورجالها المؤسّسين، ليلتحق عبدالملك الأصغر بإخوانه وأسرته المضحية المجاهدة في سبيل الله، ولينال هذا الشرف العظيم.

ويشير عبد السلام الطالبي إلى أن تسمية الشهيد عبد الملك الطالبي لم تأتِ من فراغ، حَيثُ تمت تسميته بأخيه عبدالملك الذي التحق بالمسيرة القرآنية منذ البداية الأولى ولقي الله شهيداً، منوِّهًا إلى أن شهيد قواتنا البحرية عندما ولد فرح أبوه كَثيراً وأطلق عليه تسمية عبد الملك عوضاً عن أخيه الشهيد الذي أحبه وتعلق به.

نشأ الشهيد عبد الملك الطالبي وترعرع في كنف والديه، وفي أسرة امتازت بالخير والصلاح والتقوى، أسرة تعشق الجهاد في سبيل الله، وكانت مندفعة ومؤمنة بمشروع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي –رضوان الله-، ولهذا لا غرابة أن يكون من هؤلاء القادة العظماء، شهداء البحر، وما أعظمها من شهادة، وما أعظمه من أجر.

عاش الشهيد عبد الملك الطالبي في ظل أسرة متواضعة لا تجد مصدر دخل ثابت، وكانت الزراعة هي المهنة الوحيدة لأبيه، وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة إلا أن ذلك لم يثنيه عن مواصلة هذا الطريق المقدس، ولم يتردّدوا يوماً واحداً في الدفاع عن المسيرة القرآنية والانخراط في كُـلّ أنشطتها.

 

على درب أخيه الشهيد أبو شهاب:

كان الشهيد –رضوان الله عليه- يحمل روحية جهادية عالية تتوق للجهاد في سبيل الله، روحية تحب الإحسان للآخرين، وتأبى الضيم وتتلهف للمشاركة الفعلية في مواطن الجهاد، مثله مثل كُـلّ الشباب اليمنيين اليافعين المتعطشين للجهاد في سبيل الله عن قناعة منهم، بل ناتج عن وعيهم وتعلقهم بحب الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكتابه القرآن الكريم، واتباع آل البيت -عليهم السلام- والمشروع القرآني، الذين قدمه الشهيد القائد -رضوان الله عليه- وأقام من خلاله الحجّـة على كُـلّ أبناء الأُمَّــة ليتحَرّكوا في مواجهة الباطل ونصرة دين الله والمستضعفين مقارنةً بالهيمنة الأمريكية على رقاب هذه الأُمَّــة.

ويؤكّـد عبد السلام الطالبي أن الشهيد كان يتألم لحال الأُمَّــة وما تمر به من استضعاف، ويشتاق لقتال رأس الشر وأم الإرهاب أمريكا وإسرائيل، مثله مثل بقية المجاهدين المتفانين لنصرة المستضعفين واستنهاض الأُمَّــة للذود عن دينها وكرامتها وحريتها ومقدراتها ومكانتها بين الأمم.

وفي ظل هذه الثقافة والتربية الإيمانية، كان لا مناص أمام الشهيد سوى التحَرّك للجهاد في سبيل الله، فاختار أفضل الأماكن وأكثرها أهميّة وهو البحر، وجاء دوره في أفضل الأوقات، مسانداً لإخواننا المظلومين في قطاع غزة، وكانت مواجهة الشهيد عبد الملك الطالبي ورفاقه هي أول المواجهة المباشرة مع العدوّ الأمريكي التي لا يتخللها لبس أَو غموض.

وانطلق الشهيد في ربيع شبابه انطلاقةً علمية ومعرفية، متشبعة بالثقافة القرآنية والثقة العالية بالله، ومعرفة الله، والتسليم المطلق لتوجيهات الله، ودخل في دورات ثقافية وعلمية تلاها دورات بناء وتأهيل حتى استقر في عمله مع القوات البحرية تأسياً بأخيه الشهيد أبو شهاب، المعروف بدوره العظيم في بناء وتأهيل الكثير من المنتسبين للبحرية اليمنية، بل كانت الحروب على محافظة صعدة وما تلاها من عدوان وحصار على شعبنا اليمني، دافعاً آخرَ لضرورة التحَرّك، والانطلاق في سبيل الله.

 

 وصيته وَطريقة استشهاده:

استشهد البطل عبد الملك الطالبي مع رفاقه التسعة على طريق القدس، ودشّـنت دماؤهم الزكية معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، وهم يباشرون مهمة الحماية ورصد حركة السفن التابعة للعدو الإسرائيلي والمساندة والداعمة له ومنعها من الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حتى وقف العدوان والحصار الصهيوني والأمريكي على قطاع غزة.

كان شهيدنا على الزوارق البحرية في منطقة تبعد عن ساحل البحر الأحمر بحوالي ١٠٠ كيلو وخلال هذه المهمة قام الطيران الأمريكي باستهدافهم في عملية انتقامية على دورهم البطولي، الذي أسهم قبل هذه العملية في اقتيادهم لسفينة (جلاكسي ليدر) الإسرائيلية، وضلوعهم في استهداف عشرات السفن التابعة والمساندة للعدو الإسرائيلي، والتي سبق الإعلان عنها في عدة بيانات عسكرية صرح بها الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع.

ظهر الشهيد عبد الملك الطالبي قبل استشهاده وهو يردّد شعار الصرخة من داخل السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر” وهو ملثم.

ويقول عبد السلام الطالبي، أحد أقارب الشهيد: إنه لم يكن على علم بأنه الشاب الملثم الذي ظهر على السفينة وهو يصرخ وفي يده المسدس أثناء دخوله للسفينة، منوِّهًا إلى أن الشهيد عبد الملك نفذ بعد هذه العملية بحوالي أسبوعين زيارة إلى أسرته وإخوانه، وبينما حَـلّ ضيفاً على أحد إخوانه طلب منه قبيل مغادرته وعودته للحديدة أن يتصور معه فسأله أخوه لماذا يا عبدالملك تريد مني أن أتصور معك قال؛ لأَنَّي قد با استشهد.

كونه يعلم بحجم وخطورة الدور الذي أوكل إليه هو ورفاقه مقارنةً بالتكالب العالمي لدول الأعضاء إزاء مثل هكذا تحَرّك فاعل شكل عليهم عائقاً في باب المندب؛ رغم أن الاستهداف لحركة السفن يقتصر على التابعة والمساندة للعدو الإسرائيلي لا غير.

وكان من أبرز وصايا الشهيد عبد الملك الطالبي -رحمه الله- هو أنه قال لوالدته بأنه إذَا وصلها نبأ استشهاده تصرخ بشعار البراءة (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام).

تحقّق للشهيد عبد الملك ما كان يطمح إليه، ولقي الله شهيداً في أقدس معركة، وأقدس مكان، وعلى الرغم من الحزن الذي عم اليمنيين وآلمهم هذا الرحيل، والاعتداء الأمريكي الوحشي الجبان على أبطال القوات البحرية اليمنية إلا أن أسرة الشهيد الطالبي استبشرت بهذا النبأ، وحمدت الله وأثنت عليه، وزادت فرحتهم حينما علموا أنه صاحب الصرخات الحيدرية التي كان يدوي بها ذلك المجاهد البطل الملثم داخل السفينة البحرية “جلاكسي ليدر”.

ويقول عبد السلام الطالبي: “بل صار بهذا الموقف العظيم يمثل محط فخر لكل أفراد أسرته الذين تفاجأوا بموقفه البطولي العظيم رغم أنه كما ذكرت بزيارته للأسرة بعد حادثة جلاكسي لم يفصح لأحد بذلك”.

 

 ارتباطٌ دائمٌ بالقضية الفلسطينية:

كان للشهيد الطالبي ارتباط دائم بالقضية الفلسطينية، وهذا ناتج عن إيمانه بسلامة موقفه، وأنه يتحَرّك وفق توجيهات الله والقيادة الحكيمة ممثلة في شخصية السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي -رضوان الله-، وأن قضية فلسطين تعد هي القضية المركزية، فكان لما يحصل من مآسٍ في قطاع غزة دور كبير في اندفاعه بل أسهم ذلك في اندفاع كُـلّ أبناء الشعب اليمني.

سطر الشهيد عبد الملك الطالبي ورفاقه أروع موقف في نصرة إخواننا في قطاع غزة، وهو موقف سيخلده التاريخ لليمن في أنصع صفحاته، وهم بهذه الأعمال البطولية وللقوات البحرية اليمنية والقوات المسلحة اليمنية بشكل عام وقيادتنا الثورية والسياسية قد حشروا العدوّ الأمريكي في زوايا ضيقة، وأظهروا للعالم مدى ضعفها وهشاشتها، وأنها أمريكا مهما حشدت فَــإنَّها أمام الحق تتقزم.

ويرى عبد السلام الطالبي أن قضية المستضعفين واحدة، وهدفهم واحد، ومصيرهم واحد، وكلّ ذلك يتمثل في إعلاء كلمة الله وراية الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، مُشيراً إلى أن “قضيتنا واحدة حتى زوال أئمة الكفر أمريكا وإسرائيل وأذنابهم وأننا معاً لمواجهة كُـلّ طواغيت الأرض في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس بإذن الله تعالى.

ويوجه الطالبي رسالة للقيادة الثورية والسياسية والعسكرية اليمنية قائلاً: “نفوضك يا سيدي القائد فيما وجهتنا به ونحن جندك وسيفك البتار كما قد فوّضك شعب الإيمان والحكمة بأسره وخرج بجحافله الثائرة للساحات في عموم المحافظات، معبراً عن رفضه واستنكاره للحرب الظالمة من قبل العدوّ الإسرائيلي والأمريكي على إخوتنا الفلسطينيين في قطاع غزة، وها هو الشعب اليمني يتأهب لخوض المعركة المقدسة مع العدوّ؛ دفاعاً عن القضية المركزية ووفاءً منه لدماء شهداء البحرية”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com