فاطمةُ الزهراء سبيلُ النجاة

 

د. تقية فضائل

تعيش المرأة المعاصرة حياة بائسة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، تتخطفها الأخطار من كُـلّ جانب وتنصب لها المصائد أينما كانت وحيثما توجّـهت؛ فقوى الشر والفساد العالمية تدرك دور المرأة العظيم في بناء المجتمع وتماسكه وصلاحه متى ما صلحت تنشئتها؛ فسخرت هذه القوى الظلامية كُـلّ ما تملك من أموال طائلة وإمْكَانيات كبيرة ووسائل متنوعة لتترصد المرأة كي تفسدها وتجعل منها وسيلة لإفساد المجتمع من حولها، وقد نجحت في مساعيها إلى حَــدٍّ كبير؛ فنراها قد صيرت المرأة سلعة رخيصة بعد أن أقنعتها بالتخلي عن حشمتها وأسرفت في إبداء زينتها كما لم يحدث في العصور السابقة؛ بحجّـة الحرية والتحرّر ونيل حقوقها المهضومة وغير ذلك من الأكاذيب والحيل الشيطانية، حتى وصل بها الأمر إلى وضع صورها على أرخص المنتجات من الملابس الداخلية أَو أدوات التجميل أَو أدوات التنظيف وغيرها، ناهيك عن جرها إلى مستنقع الرذيلة، حَيثُ صوروا لها أمورًا أَسَاسية وَمقدسة في حياتها كالدين وَالزواج والأسرة والأطفال والضوابط المجتمعية عوائق تعيق طموحاتها المشروعة وتمنع حريتها وتقدمها، فزهدت فيها ويممت وجهها شطر العلاقات غير المشروعة، بل إنها ولجت عالم المِثلية والشذوذ وتخلت عن كُـلّ الضوابط الدينية والأسرية والمجتمعية التي تضمن لها الحياة الكريمة الشريفة، هذا الوضع المعقد والمؤلم والانجراف المروع في تيار الضلال والمضلين ألقى بظلاله القاتمة على حياة المرأة وحياة البشرية جمعاءَ؛ مما جعل تصور مسألة التصحيح وَالتراجع عن هذا الطريق ضرباً من المستحيل.

وَرغم سوداوية الواقع وخطورة أبعاده نجد رحمةَ الله وألطافَه دائماً تأخذ بيد البشر إلى مرافئ الأمان بسفن النجاة المشيدة بعناية الرحمن، وهي قادرة بلا شك على شق الأمواج العاتية في الظلمات المتراكمة لتصل بركابها سالمين آمنين؛ وذاكرة التاريخ الإسلامي تحتفظ بنماذج نسائية عظيمة رسمت واقعاً مثالياً باستقامتها وَدينها وخلقها وسلوكها وصبرها وثباتها، وَاقترنت في الضمائر الحية بوحي النبوة وَشرف النشأة وعظم المسؤولية، وتألقت مشرقة في النفوس التواقة للرفعة والشرف والعفة والسمو وصوابية المنهج وسلامة المصير، هذه النماذج متى أصبحت القُدوة والأسوة الحسنة ستكون المرأة هي العامل الأول في نهضتها بالمجتمع والرقي به.

ومن تلك النماذج الشاهدة على ألطاف الله وعنايته بخلقه، لا سِـيَّـما، بالمرأة المسلمة السيدة فاطمة الزهراء التي مثلت المرأة في أرقى صورة عرفها تاريخ المرأة عُمُـومًا قديماً وحديثاً، فهي أُمُّ أبيها وسند زوجها ومربية الأئمة، وهي الثابتة على الحق والمتمسكة بدينها وقيمها، تميزت بقوة شخصيتها المستمدة من قوة القائد والمنهج؛ فانطلق لسانها ببلاغة القول وَقوة الحجّـة وعظمة الفكر واعظة وموجهة ومرشدة، ونهضت بدورها ومسؤوليتها في مجتمعها المسلم المؤمل بها أن تنمي وعي المرأة المسلمة لتجعل منها أنموذجًا.

إنها بحق نموذج يفاخر به المسلمون وتقتديه من رامت الرفعة والسمو.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com