تحليلُ جيوسياسية المنطقة قبلَ الطوفان وبعدَه

 

علي رقبان

إن الحرب الجارية على قطاع غزة هي حرب متوقعة غير أن غير المتوقع هو توقيتها، بل إن الذي عجل توقيتها هو ما قام به أبطال المقاومة في السابع من أُكتوبر المنصرم، والذي هو يعتبر نصراً عسكرياً واستخباراتياً جعل جميع المخطّطات يتم إعادة دراستها والتأكّـد قبل الإقدام عليها، وللمتابع لأحوال المنطقة يجد أن ما قبل 7 أُكتوبر كان هناك حراك لمشاريع خَاصَّة بالمنطقة، كان العمل عليها لسنوات والتخطيط لها لسنوات وأتى “طُوفان الأقصى” حتى هذه اللحظة وأفشل تنفيذها مؤقتاً، وهنا وجب وضع بعض من نقاط التخطيط التي كان يراد تنفيذها.

 

1- قناة بن غوريون:

ويهدف هذا المشروع إلى شق قناة مائية منافسة لقناة السويس المصرية، حَيثُ تمتد هذه القناة من خليج العقبة وتمر بمدينة إيلات ووادي عربة ومرتفعات النقب حتى تصل إلى البحر الأبيض المتوسط، لكن إنشاء مثل هكذا مشروع يحتاج إلى تأمين عسكري وبوجود حركة المقاومة في قطاع غزة يفشل تأمين القناة والبدء في عمليات الإنشاء.

 

2- الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأُورُوبا:

وهو المشروع الذي أعلن عنه في قمة مجموعة العشرين في دلهي، ولكي يصبح منافساً لمشروع الحزام والطريق الصيني، والذي يهدف إلى تأسيس طرق تجارية على أنقاض طريق الحرير القديم؛ ولهذا تسعى أمريكا إلى قطع التحَرّك الصيني، وبالطبع فَــإنَّ الكيان المحتلّ يعتبر من الدول المساهمة في هذا المشروع مع مجموعة من الدول العربية، وهكذا مشروع يريد منطقة آمنة منزوعة السلاح، وبوجود حركات مسلحة قريبة من هذا المشروع أَو تهديد للدول المنخرطة في هذا المشروع يجعل المشروع غير قابل للتطبيق.

 

3- صفقة القرن:

وهي الخطة التي أطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق ترامب، والتي عمدت إلى قتل القضية الفلسطينية تحت وهم خطة السلام، وهي بالأَسَاس تصفية كلية للقضية، وتعتبر أكثر المقترحات سخاء لدولة الاحتلال من قبل الأمريكان، وتدعو هذه الخطة إلى سيطرة الكيان على 30 % من أراضي الضفة الغربية، وتبقى القدس موحدة تحت السيادة الكاملة للكيان الصهيوني وتكون عاصمة له، كما أنها نصت على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وبلا جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة ويتم الربط بينهما بجسر معلق يكون التحكم فيه للكيان الصهيوني، ونصت على منح مصر أراض للفلسطينيين لإنشاء مطارات ومصانع وأعمال التبادل التجاري لكن دون العيش والاستيطان فيها.

وكلّ هذه البنود وغيرها قوبلت بالرفض من الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي لكن إدارة ترامب أعلنتها من جانبها وجانب الكيان المحتلّ بإعلان أحادي الجانب؛ لهذا تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن إلى إعادة طرحها وتعديلها وتعديل المسمى وفرضها بالقوة، أَو في حال إعادة ترشح ترامب وفوزه في الانتخابات المقبلة يقوم باستكمالها وفرضها أَيْـضاً بالقوة على الجميع، وهذا السيناريو يدعو إلى قيام حرب.

 

4- التطبيع وهزيمة محْور المقاومة للتطبيع:

وخلال هذه الفترة يتم العمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال التسارع في دعم نهج التطبيع مع الكيان المحتلّ ومحاربة المحور المقاوم لهذا المشروع، وقد اتضحت معالم هذا المخطّط من خلال هرولة مجموعة دول إلى عمل اتّفاقيات تطبيع مثل الإمارات والبحرين والمغرب والتي هي مقدمة إلى إعلان تطبيع المملكة السعوديّة، وبهذا يكون منهج التطبيع سهلاً وسلساً، وذلك نظراً لقدسية المملكة السعوديّة كخادمة للمقدسات الإسلامية من وجهة نظرهم طبعاً، لكن هذا المشروع لن يتم في وجود مقاومة داخل الأراضي الفلسطينية وهي مقاومة مسلحة، كما أن وجود محور المقاومة المسلح والمتمثل باليمن وَإيران والقوات العراقية ومحور سوريا وحزب الله في لبنان، وكذا الدول المعارضة للتطبيع يجعل هذا المشروع غير قابل للتطبيق ولكن يجب فرضه بقوة السلاح، وهذا قد ينتج عنه حروب إقليمية طويلة المدى غير معروفة نتائجها.

 

5- إعادة تأهيل جيش العدوّ المحتلّ بعد الهزائم المتتالية:

وقد اهتزت صورة جيش الكيان الصهيوني كجيش لا يمكن قهره، لكن في الحقيقة وخلال خمسين عاماً تعرض هذا الجيش لعدة هزائم خلال الحروب التي خاضها منذ هزيمة عام 1973م أمام مصر وحروب المخيمات والانسحاب من غزة في العام 2005م، والحرب مع حزب الله في العام 2006م، والحروب على قطاع غزة منذ العام 2014م، والتي أثبتت فشل القوات الصهيونية رغم التسليح القوي، ولهذا فَــإنَّ صورته كجيش قوي أصبحت دعاية ترويجية فقط، ولهذا يحتاج إلى حرب تكون ذات طابع دعائي قوي ويكون النصر حليفه، كما أن الجيش أصبح يمارس مهام الأمن في مناطق الضفة الغربية وقدرات المقاتل في هذا الجيش أصبحت لا ترقى إلى الحروب العسكرية الحالية كحرب العصابات والأنفاق والاجتياح البري، لهذا عمدت حكومة المحتلّ على رفع ميزانية الجيش؛ مِن أجل التحضير والتأهيل للمقاتل، إضافة إلى العتاد العسكري القوي من منظومات مختلفة كطائرات F35 والمنظومات الدفاعية، وهذا يستوجب وجود حرب لمعرفة ما وصل إليه الجيش من قدرات.

 

6- بداية التوسع الجغرافي الصهيوني حتى الوصول إلى إسرائيل الكبرى وما أكبر منها:

وهذا يستوجب أولاً على التوسع في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وإزالتها، ثم مناطق الجنوب اللبناني وسهول الجولان وسيناء كمرحلة ثانية، بالإضافة إلى السيطرة البحرية الكاملة على خليج العقبة، ثم التوسع أكبر من هذا تحت النظرية الصهيونية من بلاد الرافدين إلى مصر ومن الشام إلى جزيرة العرب، أَو توسع أكبر من هذا.

 

7- مخطّط التهجير والقتل للسكان:

وذلك كون التقارير التي رفعت للكيان المحتلّ وتم مناقشتها في الكنيست هو الطفرة السكانية في مناطق القطاع والضفة الغربية والمخيمات، وكيف علاج هذه المشكلة حسب وجهة نظر الكيان، وكان الحل الأسرع والأمثل لهم بالتهجير أَو الإبادة عبر حرب تدعي فيها سلطة الكيان مظلوميتها وأنها تعمل على تأمين مناطقها.

 

8- مشروع نيوم:

وهو المشروع الذي دعت له المملكة السعوديّة في الظاهر بإقامة مجتمع ذو بنية تحتية تعتمد على الابتكار والتطوير والتقنيات الحديثة، ويقع هذا المشروع في محافظة ضباء المطلة على البحر الأحمر ويمتد إلى الأراضي المصرية بمساحة ألف كيلو متر مربع من جنوب سيناء وبعض الأراضي الأردنية، وبهذا تكون هذه المدينة المنشأة من هذا المشروع لها السيطرة على خليج العقبة، وهذا ما جعل السعوديّة تقوم بالمطالبة بجزيرتي تيران وصنافير المصرية المطلة على منفذ العقبة، ثم الإعلان عن مشروع نيوم في العام 2017م، ولهذا المشروع شكوك حول موعد انطلاقه وحول البقعة الجغرافية التي يعتزم إقامته عليها ولمن يخدم هذا المشروع، وكلّ الإجابات واحدة حتى ولو لم تعلن، لكن هذا المشروع مهدّد أَيْـضاً بحراك المنطقة العسكري.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com