{إِنْ تَكُونُوا تَأْلَـمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَـمُونَ كَمَا تَأْلَـمُونَ}

 

دروب الـعـزي

يقولُ الله سبحانهُ وتعالى في محكم كتابه العظيم مخاطباً عباده وأنصاره المؤمنين مُخففاً وقع الآلام عليهم فيما يصيبهم، يخبرهم عن حال عدوهم في ذات حين الحرب، بأُسلُـوب يوحي بحكمة الله ونصرته وتأييده لعباده: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَـمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَـمُونَ كَمَا تَأْلَـمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.

هنا تتجلى العظمة الإلهية والمعية الربانية، بحيث ينهى جنوده عن الوهن مهما كانت التضحيات مهما كانت الأثمان باهظة.

في ظل ما يحدث اليوم منذُ السابع من أُكتوبر الماضي بعد بدء معركة “طُوفان الأقصى”، وما يجري من وحشية وإجرام منقطع النظير، وعدوان هستيري نازي على روح فلسطين النابضة بالحرية على قطاعٍ محاصرٍ صغير بات معجزة الدهر وأُسطورة الزمان، قطاع قطّع آمال إسرائيل ومزق أحلام اليهود البائسة، على غزة هاشم وريد الأقصى وقلبه الحي.

هناك، حَيثُ تألم القلوب ونحن نشاهد يوميًّا تلك المجازر البشعة والقصف الوحشي والذي طال الأخضر واليابس، لم يستثنِ طبيباً ولا جريحاً، مستشفى ولا منزلاً، صغيراً ولا كبيراً، ولا رجلاً ولا امرأة، كيف لا تتألم القلوب والدماء في فلسطين لا تكاد تجف والجراح ما زالت تنزف والأطفال لا زالوا يمزقون والقصف إنما يزداد عُنفاً والوضع إنما يتضاعف سوءاً، وأي وصف يمكن أن يصف الواقع والحال هناك حَيثُ لا ماء ولا غذاء، لا دواء ولا كهرباء، فقط الدماء والأشلاء والصراخ والبكاء وحده الموجود بكثرة.

رغم هذا وذاك إلا أننا نلمس من أهلنا في غزة العزة صموداً وصبراً وعظمةً وثباتاً تعجز الألسن عن الحديث عنه وتقف الأقلام والحروف حائرةً عن وصفه، يراهم العالم كله بينما يخرج من نجي منهم من تحت الأنقاض وقد فقد أهله وأحبته، ليقول للعالم بأسره “لن نتزحزح من أرضنا كلنا فداء للأقصى، كلنا فداء لفلسطين ولن نتخلى عن المقاومة”.

أية عظمةٍ هذه!! أي عنفوانٍ هذا!! هُنا ينحني التاريخ لِيقبل هامات أحرار وحرائر ومجاهدي فلسطين.

في مقابل هذه الدماء والتضحيات والدمار، في مقابل كُـلّ ما يجري من فظاعةٍ تؤلمنا حقاً، يخبرنا الله بأن أعداءنا يألمون كما نألم نحن بل وأكثر {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَـمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَـمُونَ كَمَا تَأْلَـمُونَ} هم يتألمون حقاً، إسرائيل اليوم في مأزقٍ كبير بحيث تتلقى صفعات قاسية ومؤلمة لا تُطيقها، العدوّ الصهيوني لم ولن ينسَى ما تعرض له في سابع السبت الأسود، ولا زالت تنال منه الويلات من صليات السرايا والقسام الصاروخية التي تصليه الجحيم، من ضربات المدفعية الحيدرية.

وفي كُـلّ ساعة ويوم تُحصد رؤوس الجنود والضباط الصهاينة وتُحرق آلياتهم وجرافاتهم الهشة التي تحاول التقدم نحو غزة واجتياحها، ومجاهدو غزة يسومونهم سوء العذاب ويمزقونهم كُـلّ ممزق، ناهيك عمّا يحدث في شمال فلسطين المحتلّة عند الحدود اللبنانية الفلسطينية وتصاعد العمليات المسددة هناك وبشكل يؤلم العدوّ الصهيوأمريكي ويذيقهُ مرارة الذل والهلع والهزيمة.

وكذا الجبهة الجديدة التي فُتحت على إسرائيل وبها يقترب الزوال المحتوم، من جنوب فلسطين المحتلّة في إيلات تحديداً، حَيثُ جاءت اليمن من أقصى البحر الأحمر بصواريخها ومسيَّراتها تسعى، تقطع كُـلّ المسافات وتتجاوز كُـلّ التحديات وتصل إلى أهدافها لِتزيد إسرائيل ألماً إلى آلامها وهزيمةً نكراء إلى هزائمها المدوية.

ها هنا هم يألمون فهم يخسرون الحرب، يخسرون جندوهم وضباطهم وقادتهم، يخسرون أحدث صناعاتهم التي شاهدناها تُحرق بالولاعات، يخسرون أسرى لهم في يد المقاومة، يخسرون آلاف القتلى والمصابين، يألمون بينما اقتصادهم ينهار، دولتهم تتمزق، مواطنيهم في حالة سخط على حكوماتهم، وخوف على أسراهم، يتألمون وهم يرون أبواب جهنم تفتح أمامهم من كُـلّ الاتّجاهات، فلا دعم أمريكا يقيهم نيران غزة وضربات اليمن وحمم لبنان -فأمريكا لا تستطيع حماية نفسها أصلاً من صواريخ ومسيَّرات المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا- ولا تحالف فرنسا وغيرها ولا مشاركة والسعوديّة والإمارات وغيرهما، تسمن عنهم ولا تغني من جوع، لا تحميهم من قصف ولا ترد عنهم الويلات، وهنا فعلاً يتجلى لنا مصاديق قول الله سبحانه وتعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَـمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَـمُونَ كَمَا تَأْلَـمُونَ)، وما خفي كان أعظم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com