يومي الدامي

 

أشجان الجرموزي

على أمل الفرح غفت عيناي وعلى صوت القصف فزعت، من تحت الركام رممت بقلبي أحلامي البئيسة التي تبحث عن بصيص نور يريها الحياة بحرية، قرأت الأذكار التي علمتني إياها أمي

ياإلهي أين أمي وبقية اخوتي؟

ابتعد أيها الحجر اللعين من على جسدي

أكاد أختنق، أسمع ندءآت تتعالا

إنني هنا صرخت عاليًا، لكن صوتي لايسمع

لم أسمع في تلك اللحظة سوى غارة جديدة تعالا الصراخ مجدّدًا من كُـلّ جانب

يبدو أن مجزرة جديدة قد حدثت

أنقذوني أريد الخروج

أمي هل تسمعينني؟

أنا هنا أريد المساعدة

اردت التحَرّك بقوة إلا انني صرخت من فرط الألم الذي باغتني من كاحلي لم أدرك ألمه من قبل

يبدو أنني هالك لا محالة

ياالهي! اخبرتني أمي أنك تجيب المضطر إذَا دعاك فأخرجني من تحت هذا الركام ياالله

بقيت على حالي ادعو الله

واتنفس هواء ضيقا مغمورا بالتراب يكاد يسبب لي الاختناق

سمعت وطء أقدام

صرخت بماتبقى لي من جهد

فإذا بي أرى بصيص نور يتسلل إلى الحفرة التي أقبع بها

صرخ أحدهم: هل من أحد هنا

اجبته بوهن نعم

تبعاه آخرين لإنقاذي

وبعد محاولات عدة رأيت السماء المتوشحة بأدخنة القصف، وبنايات سويت بالأرض وهدمت الذكريات وصارت أطلال على ركام الدمار

كنت أصرخ من ألم كاحلي

لوهلة تذكرت!

هل رأيتم أمي وأخوتي؟

تم إسعافهم للمشفى أخبرني أحدهم بذلك

فقاموا بنقلي إلى المشفى عبر سيارة إسعاف حالما صعدت فيها

شحب وجهي الشاحب في الحقيقة

هذا صديقي وزميلي في الدراسة أحمد

وهو أَيْـضاً جاري

كانت الدماء تغمره، لقد فارق الحياة

أطرافه السفلية مقطعة

لطالما حلم أن يصبح كابتن فريق كرة القدم

كانت الدمع تجري كالنهر على وجنتاي

فبالامس أخبرني أننا سنقاوم ولن نخاف من القصف والحصار وسنكمل تعليمنا لنحرّر مع بقية الزملاء أرضنا من المحتلّ وأعوانه

وهَـا هو اليوم يرتقي شهيدا مغسلاً بالدماء

ياإلهي! ماهذا الكم الهائل من المصابين

بحثت عن أمي واخوتي طويلا

وجدتهم لكنهم بقايا أشلاء وليسوا أحياء

أمي

أخي فراس، أختي أنهار، وذا أخي الصغير المدلل صبغ الدم وجهه النوراني البهي

أمي: ماالخطب؟ لما تركتني وحيدا

انهضي فأنا بمفردي

أمي صديقي أحمد استشهد

أنتم تستشهدون واحدا تلو الآخر

الشهادة عظيمة جِـدًّا كما تحدثيني عنها دائماً

لكنها مؤلمة

أصبحت وحيدا

مع من سأذهب إلى المدرسة واخي وأختي رحلا عني ودمّـرت مدرستي

لمن سأعطي الشوكلاه وقد ذهب حيدر المدلل الصغير

ألن تعدي لي وجبةطعام بعد اليوم؟

لن أرى ضحكاتك مجدّدًا، ولن يدللني أحد بعدك، وعقب حياتنا الجميلة تكسو الأحزان قلوبنا وتملأ الدمع مقل أعيننا

أمي رأيت صديقتك العزيزة جارتنا فقدت ابنتيها بحال يرثى لها

أمي العالم الصامت لايقوى على الحراك

والمحتلّ يثخن جراحنا يفقدنا أحباءنا

أمي لاتذهبي

لاتتركي عزيز قلبك وحيدا يشاطر نفسه ألم الفقد

المشفى يعج بالمصابين وصرخات الألم

إن ذلك العدوّ اللعين يوغل في إيلامنا

أصبح اليوم أكثر دموية من الأمس

أمي قد لا أراك مجدّدًا إلا في الجنة

لا تتركي اخوتي هناك بمفردهم

سأصبح قوياً، وسألتحق بكم عما قريب

أخبري أبي انني اشتقت إليه كثيرا

كما سأشتاق لكم كَثيراً

إلى اللقاء.. سأذهب لأنقذ من تبقى على قيد الحياة رغم ألم كاحلي

لكي لا يفقدوا أعزائهم كما فقدتكم

حتى يروا فجرا جميلا ويوما سعيداً

ليس فلسطينياً دامياً ك “يومي الدامي”

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com