الاستعمارُ الناعم.. مأساةُ العالم العربي

 

محمد يحيى الضلعي

قيل إن كنت ترى عدوك فذلك أمر سيء، لكن إن لم تكن تراه فالأمر أكثر سوء، ونحن اليوم نقف أمام استعمار ناعم تعيشه كُـلّ دول العالم العربي والإسلامي، في ظل خطة غربية مدروسة رسمت لنا فيخرجون بجنودهم ويتركوا لنا استعمارا ناعما ضرره أكبر وقتلاه بشكل لا يمكن عده وخسائره فادحة، ولا يمكن لثورة بتاريخ محدّد أن تقوم بطرده أَو اقتلاعه بل يحتاج لجهود وإعادة رؤية وتغيير أولويات وتوصيف صحيح كي نفوق من الاستغفال الحاصل الذي نحن فيه.

وما يحصل اليوم في فلسطين من جرائم حرب ترتكب من قبل العدوّ الصهيوأمريكي على مرأى ومسمع من هذا العالم هو نتيجة طبيعية في ظل الوضع العربي الراهن المنبطح لدول الغرب وقد سبق ذلك عدة عوامل جعلنا كعرب نغرق في هذا الوحل والهوان أهمها أنه عندما رحل الاستعمار للدول العربية زرع الاستعمار الحقيقي للأُمَّـة العربية حين رسم الحدود لدويلات عربية ضعيفة بدل أن كنا دولة عربية واحدة.

لقد حرص الاستعمار الغربي والأُورُوبي أَو بمعنى أكثر عمقًا الاستعمار الصليبي على زرع الفتنة والحدود وتأتي الخطوة الثانية للاستعمار الصليبي في تنصيب قادة وأمراء وملوك لهذه الدويلات تخدم المشروع الغربي اليهودي، وعمل هؤلاء الحكام العملاء على الخطة المرسومة في وضع البرامج بما يسمى برامج التنمية ابتداء من برنامج الحكومة وانتهاء ببرنامج المناهج الدراسية كما يريد المستعمر الذي قيل إنه رحل.

ورسم المستعمرون الجدد (الحكام) للبلدان العربية خطة عمل عميلة تنهي مقدرات الشعوب فعملوا على تسهيل الاستيراد للحبوب والفواكه لتنتهي مهنة الزراعة في وطني وعملوا على تسهيل استيراد أبسط المعدات والحاجات حتى بمُجَـرّد إبرة الحياكة والملخاخ لتنتهي مهنة الحرفية في وطني وعملوا أَيْـضاً على تسهيل جرافات الصيد السمكي لدول الغرب؛ لكي نستورد معلبات التونة والأسماك وعملوا أَيْـضاً على تسهيل عمل المنظمات الحقوقية والإنسانية كحقوق الطفل والمرأة لينتهي معنى النخوة والعفة والمعروف والمروءة في وطني وغيرها من إنجازات العملاء الجدد أبناء جلدتنا عملاء اليهود والنصارى، وبعد هذا منتظرين منهم نصرا للقضية وحماية لمقدسات أمتنا، هذا وَهْمٌ يا عزيزي، فكيف بنا كأمة كُـلّ حاجاتنا من أعدائنا من القمح حتى أبسط الأشياء وتريدون أن نقاتل؛ مِن أجل فلسطين، لَمِ لا نكون أحراراً نكتفي ذاتيا ونصنع سلاحنا بأيدينا ونعد العدة للانتصار.

أن تكون خارج الوصاية لتتكلم وتقاتل بكل شجاعة بمعنى أن تكون محاصرا مقتولا وتسمى إرهابي أَو مليشيا، هكذا رسموا في مخيلتنا حين ننادي بالحق.

ما أحوج الأُمَّــة اليوم للأحرار الذين ينادون بالحرية والتحَرّك لنصرة الأُمَّــة في ظل هوان مخزي على امتداد الأرض العربية، إن الشعوب المتحرّرة المحاصرة من أمريكا هي وحدها من تنادي بنصرة الأقصى بينما اكتفى الأغلب بضبط النفس وذهب آخرون من العربان إلى مزبلة التاريخ عبر تحميل المقاومة عواقب التصعيد، وكل هذا ليس بغريب على الأنظمة العربية وبالأخص الخليجية فهم زراعتهم وتحصيل حاصل، ففي حين أن إسرائيل تقصف غزة بكل عنجهية وخبث وتقتل الأطفال والنساء وتدمّـر كُـلّ شيء تحصل في الوقت نفسه على تأييد صليبي ودعم لوجستي وعسكري علني وفي مقابل ذلك لم يستطيع أي زعيم عربي أن يصرح أَو حتى يستطيع أن يدخل إلى غزة علبة حليب لطفل.

لم يتجرأ أحد على الصدوع بقول الحق والحقيقة، ولم يحاول أحد أن يقف موقف الشرفاء، والأسباب واضحة تم سردها، لكن ما يمكن أن يطرح من سؤال هو متى يمكن أن يتحرّر العالم العربي من الاستعمار الحقيقي والاستعمار الناعم؟ متى يمكن أن يقف العرب صفا واحدا بلغة الأحرار ينطقون متجاهلين كُـلّ تهديدات الغرب وتوجيهاتهم؟ وهل يمكن أن يكون ذلك قريبا؟ أم أننا بحاجة لثورات حقيقية تقتلع الطغاة والحكام العملاء وتغير أولويات هذه الشعوب المهزومة ونفسيتها لنصع نصرا مدويا يحترمه العالم.

إن الموقف اليمني المشرف والقوي من القضية رسم لنا معاني كثيرة وإن ثمنه تضحيات الآلاف من الشهداء والجرحى على مدى تسع سنوات كخروج مشرف من عباءَة الوصاية والتكلم بكل حرية وليس صدفة في الزمن فكل المواقف لها ثمن ولنا الشرف الكبير بخيرة القادة وبأفضل المواقف لبلد الإيمان والحكمة وليس ذلك بأضعف الإيمان كما في بلدان كثيرة كتمت جرحها ولم تنطق.

إنه زمن تجلي الحقائق وكشف المستور، وبيان معادن الأحرار، إنه زمن الغربلة ومنحدر الثبات للصادقين فقط، إن لحظة التاريخ الفيصلية لتدوين بداية تاريخ جديد أبطاله المخلصون الشرفاء والصادقون وضحاياه العملاء والأعداء والمنبطحون.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com