المقاومةُ الفلسطينية أثبتت أن الكيانَ الصهيوني قوةٌ عسكريةٌ وهمية وَ “نمرٌ من ورق”

المسيرة| متابعة خَاصَّة:

نفّذت فصائلُ المقاومة الفلسطينية عملياتِها البحريةَ والصاروخيةَ والجويةَ والبريةَ المشتركةَ، وَلليوم الرابع على التوالي، تم تنفيذُ الكثير من العمليات في نطاق واسع من الأراضي المحتلّة، ولم تقتصر على محيط غزة فقط، بل إلى “تل أبيب” وَ”هرتسيليا”؛ وذلكَ رداً على استهداف المدنيين، وكان للمستوطنات المحيطة بغزة، مثل “سديروت وعسقلان”، أهميّة كبيرة؛ بسَببِ وصول مجموعات المقاومة واعتقال عددٍ من الصهاينة، إلى جانب نقل بعض المعدات العسكرية إلى غزة.

معركة “طوفان الأقصى” التي تعتبر الأهم على مدى السنين السابقة من حَيثُ الإمْكَانيات والحجم وقوة التأثير، حَيثُ استطاعت أن تقتل أكثر من ألف صهيوني، بالإضافة إلى إعادة وتطهير العديد من المستوطنات المحتلّة تحت سيطرة الفصائل، وأثبتت أن الكيان الصهيوني قوة عسكرية وهمية مبنية على أَسَاس الكذب والدعاية والخداع والتزييف للواقع، فإلى جانب خسائره العسكرية فقد مني هذا الكيان بخسارة سياسية كبيرة؛ إذ كانَ يصور نفسَهُ أنه ذو تقدم أمني واستخباري وأنه يدير الوضع سواء في فلسطين أَو أماكن نفوذهِ بأفضل ما يمكن إلَّا أنه اعترفَ بالفشل الكبير الذي لحق به نتيجة لضربات المقاومة الموجعة.

 

“طوفان الأقصى” المفاجأة الصادمة لكيان العدو:

ميدانيًّا، شكّلت معركة “طوفان الأقصى” مفاجأة من العيار الثقيل في كيان الاحتلال وأحدثت زلزالاً وأدخلته في صدمة وحيرة وإرباك شديدين، كما سجّلت فيه إخفاقاً وفشلاً استخباراتياً ‏وعسكريًّا غير مسبوق فمنذ اللحظة الأولى بدأت المقاومة الفلسطينية فعلياً معركة متكاملة الأركان استخباراتياً وجاهزيةً وجرأة ومباغتة وإدارة ذكية، وحقّقت فيها أهدافها بضربة واحدة.

وأكّـد رئيس معهد أبحاث ودراسات البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، جان بول شانيولو، أن هذا الهجوم من جانب المقاومة الفلسطينية لم يكن متوقعًا، وكان مفاجأة صادمة لـ”إسرائيل”.. وقال لمجلة “ليكسبريس” الفرنسية: “إن الهجوم نُفِّذ جوًّا وبرًّا وبحرًّا، ومن هنا يمكن القول إن هذا الهجوم يُصنَّف في خانة الهجوم الحربي والعسكري”.

ويرى الباحث الفرنسي، بانجمان بارث، في صحيفة لوموند، أن التاريخَ الذي اختارته حماس لمهاجمة “إسرائيل” لم يكن من قبيل الصدفة، ويهدفُ إلى إعادة خلط أوراق الصراع “الإسرائيلي الفلسطيني”، على غرار الهجوم الذي شنته مصر، يوم 7 أُكتوبر 1973م، وقلب ميزان القوى “الإسرائيلي العربي”، وجاء هجومُ حماس أشبهَ بزلزالٍ سياسي وأمني، ضرب “إسرائيل” فجأة، في مقتل، وأوضح بانجمان بارث، أنه بالنسبةِ للمؤسّسة السياسية والأمنية “الإسرائيلية”، التي ظلت مشلولة، وكأنها في حالة ذهول، طيلة الصباح، فَــإنَّ هذا يشكل فشلاً غير مسبوق.

من الواضح أن عمليةً بهذا الحجم تتطلب أشهرًا من التحضير، ومع ذلك لم تعلم به أجهزة المخابرات “الإسرائيلية”، أما بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتبر أنه “سيد الأمن” في “إسرائيل”، فَــإنَّ هذه الكارثة ستؤثر عليه شخصيًّا، وأما عن سبب عدم نشاط سلاح الجو “الإسرائيلي” منذ بداية عملية اقتحام الأقصى يرى مراقبون أن “إسرائيل” تفاجأت بهذا الهجوم، والجميع دون استثناء تحت الصدمة؛ بسَببِ طبيعة الهجوم غير المتوقعة والعدد الكبير للضحايا.

كما فشلت “القبة الحديدية” في الساعة الأولى في صد الرشقات الصاروخية التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية على الرغم من المبالغ الهائلة التي صرفت على مشروع القبة، لقد روج الاحتلال لهذا المشروع وتفرده لدرجة أنه أصبح يسوقه للبيع في دول العالم، ومن ضمنها دول عربية.

ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي يتم تعطيل مطارات عسكرية عن الخدمة، وهو ما مَكَّنَ مقاتلي حماس من الاستمرار بعملية الاقتحام لساعات دون الخوف من تدخل سلاح الجو “الإسرائيلي”، وتعطّل المطارات يفسِّرُ أَيْـضاً حجمَ الخسائر التي تكبدها الاحتلال، فعلى الرغم من أن قوة سلاح الجو “الإسرائيلي” “الهائلة” قصفت القطاع بقوة نارية كبيرة يؤكّـد مراقبون أن الخسارة الاستراتيجية الإسرائيلية هنا هي أن هذا الجيش هو جيش يستطيع “الانتصار” من الجو فقط، أما إذَا تعطلت قوة سلاحه الجوي فهو معرض للهزيمة ليس فقط من قبل جيوش، بل حتى من قبل فصائل مقاومة لا تمتلك ما يملكه الجيش الإسرائيلي. والمهم هنا أن حماس أثبتت أنها قادرةٌ على تعطيل هذا السلاح الهائل -ولو لوقت محدود- باستخدام التخطيط والمفاجأة.

 

“طوفان الأقصى: في نظر الصحافة العالمية:

أشَارَت الصحف الأُورُوبية في افتتاحياتها ومنذُ اليوم الأول من “طوفان الأقصى”، إلى أن “إسرائيل” خسرت صورتها كجيش يمتلك “فائض القوة”؛ إذ أثبت أن هذا الجيش “نمر من ورق”، وأكّـدت أنهُ، “لن يتمكّن بعد الآن من إثارة الرعب لدى أي طرف، وتسبب الإرباك الذي فرضه الاستهداف الفلسطيني على المناطق المحتلّة من فلسطين ومراكز الاحتلال، واعتقال وأسر الجنود والمستوطنين الإسرائيليين بتلك الطريقة المهينة، بتبادل الاتّهامات بين “الإسرائيليين” بشأن المسؤولية عن هذا الإخفاق الاستخباري والعسكري”.

وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في افتتاحيتها: “إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو “مسؤول عن الكارثة التي ألمّت بإسرائيل في عيد فرحة التوراة”، وأضافت، أن “رئيس الحكومة الذي تفاخر بخبرته السياسية فشل كليًّا في تشخيص الخطر الذي قاد إليه إسرائيل عندما أقام حكومة الضم ونهب الأراضي، وعيّن بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير في مناصب مركزية، وانتهج سياسة خارجية تجاهلت علناً وجود الفلسطينيين وحقوقهم”.

لا شكّ في أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة غالت في تدنيس المقدسات وتوسيع الاستيطان، وجنحت نحو أقصى اليمين، وأدّت إلى انقسامات حادّة داخل “إسرائيل” نفسها، لكن من المفيد الإشارة إلى أن التحولات والتطورات في الداخل “الإسرائيلي” سبقت هذه الحكومة، بل إن هذه الحكومة أتت نتيجة لتلك التحولات التي دفعت الإسرائيليين إلى ما هم عليه الآن.

 

استنفارٌ أمريكي غربي لترميم صورة كيان العدوّ المشروخة:

على خلفية “طوفان الأقصى” والهزيمة المدوية لكيان الاحتلال، هرعت الولايات المتحدة لتعلنَ تحريك حاملة الطائرات “جيرالد آر فورد” لمنطقة شرق المتوسط لاستخدامها في حال احتاج الاحتلال لذلك، وفي السياق نفسه، وافقت واشنطن على تقديم مساعدات عسكرية وذخائر ودعم للقبة الحديدية بعد طلب نتنياهو ذلك منه في اتصالَينِ هاتفيين، وهرعت كُـلّ الحكومات الأُورُوبية بإعلان دعمها وتعاطفها ووقوفها بجانب دولة الكيان.

صحيحٌ أن الدعم الغربي للاحتلال قائم بغض النظر عن طريقة الرد “الإسرائيلي” الذي يستهدف عمارات سكنية بدون تحذير سكانها، والمساجد، والبنوك، والأطفال، والعائلات، لكن الصورة لن تتغير كَثيراً فما يجري يشكل خسارة استراتيجية ستكلف الاحتلال كَثيراً من الوقت والجهد والمال لترميمها.

ويؤكّـد مراقبون، بالقول: “لقد ولّت الأيّام التي كانت “إسرائيل” تتفوق فيها على العرب مجتمعين وتستفيد من انقساماتهم، وَإذَا كان الإسرائيلي يحاول مراراً سد الثغرات لمواجهة التهديدات، فَــإنَّ قدرات المقاومة الفلسطينية واللبنانية تطورت أَيْـضاً، والأهم أن الحرب قائمة بين صاحب الأرض والمستوطن الآتي من الخارج؛ إذ من المتوقع أن تشهد “إسرائيل” هجرة معاكسة كلما زادت المشكلات الأمنية والاقتصادية”.

 

“طوفان الأقصى” ترسُمُ تاريخاً جديداً:

لقد اتضحت معادلةُ الانتصار والهزيمة، وسطّرت المقاومة بطوفان الأقصى تاريخاً جديدًا غير مسبوق، وفصلاً من فصول الصراع العربي “الإسرائيلي”، كما صنعت وما زالت “معادلات استراتيجية في المنطقة”؛ فالأهميّة لهذه المعركة تكمُنُ في إظهار ضعف وعجز النظام الصهيوني عسكريًّا، حَيثُ وقف ما يسمى الجيش الخامس في العالم يائس ضد مجاميع المقاومة.

وكما يرى مراقبون، إن الصهاينة كانوا يزعمون دائماً، استناداً إلى استراتيجية الردع، أنهم سيقضون على أي هجوم أَو تهديد قبل حدوثه، وأنهم يمتلكون القدرة على الرد على أي تهديد، والآن، إضافة إلى أنهم فقدوا قدرتهم على الردع، فَــإنَّهم غير قادرين أَيْـضاً على الرد، ويذكرنا هذا الوضع بحقيقة مهمة وهي أن الوضع الداخلي للكيان الصهيوني وتحدياته قد أصبح واسع النطاق، كما أن قدرته العملياتية قد تقلصت إلى حَــدٍّ كبيرٍ.

وبالتالي فالمرحلة الجديدة التي يدخلها الصراع الفلسطيني مع الكيان المحتلّ بعد عملية “طوفان الأقصى” ينبغي أن تعمل كتحذير للمنطقة والعالم بأن القضية الفلسطينية لا تزالُ قادرةً على التعبير عن نفسها وحضورها بمختلف الوسائل والأشكال بمعزل عن مدى حضورها في السياسات الإقليمية والدولية، وأن سلامًا “إسرائيليًّا” عربياً لن يكون له أي معنى لاستقرار المنطقة، إذَا لم يدفع “إسرائيل” إلى تغيير نهجها مع الفلسطينيين ويجبرها على تقديم خطوات جوهرية تؤدي إلى إنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين على حدود الـ67.

 

علاقةُ محور المقاومة بـ “طوفان الأقصى”:

في معظم العمليات الماضية، كانت الجغرافيا العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، تأخذ دائماً موقع الدفاع، لكنها وفي الآونة الأخيرة تغيَّرت من هذه الاستراتيجية، وخَاصَّة العمليات الحالية، وجاءت فصائل المقاومة في الموقع الهجومي، وهذا يدل على أن ساحة المعركة وإحداثياتها تحدّدها فصائل المقاومة والصهاينة في موقع دفاعي؛ ولهذا عقدت حكومة نتنياهو، اجتماعاً أمنيًّا وكانت النتيجة عملية “الإسراف في التوحش”، بغية تحقيق انتصار وهمي ضد المدنيين في قطاع غزة.

وفي تقدمه أَيْـضاً، أعلن غالانت، وزير الحرب الصهيوني، أن إيران هي السبب الرئيسي للهجمات، وزعم أن عمليات النظام الصهيوني ستكون قريباً ضد إيران وأن الجمهورية الإسلامية ستتلقى ضربات موجعة؛ بسَببِ دعمها للفصائل الفلسطينية، وهذا الموقف يدل على ضعف الطرف الآخر، والآن أصبح النظام الصهيوني يائسًا في جبهة واحدة فقط، وهي غزة، ويهدّد إيران، وحزب الله، وَإذَا تم تفعيلُ جبهات أُخرى، مثل الضفة الغربية أَو الجبهة الشمالية، فينبغي أن نتصورَ علناً تدميرَ هذا النظام.

في السياق، نفى السيدُ علي خامنئي، الثلاثاء، مشاركةَ طهران في “طوفان الأقصى”، لكنه أشاد بما وصفه بالهزيمة العسكرية والاستخباراتية “التي لا تعوض” لـ”إسرائيل”.

وفي أول خطابٍ متلفز له منذ الهجوم، قال خامنئي في كلمة ألقاها أمام كلية عسكرية: “إن أنصارَ النظام الصهيوني وآخرين نشروا إشاعات في اليومين أَو الثلاثة أَيَّـام الماضية بما في ذلك أن إيران الإسلامية تقفُ وراءَ هذه العملية. إنهم على خطأ”، وأشَارَ إلى أن إسرائيل تكبدت هزيمة عسكرية ومخابراتية “لا يمكن جبرها” بالهجوم الذي شنته عليه حركة حماس مطلع الأسبوع.

وأمس الأول، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، أن “المسلحِين الفلسطينيين الذين يقفون وراء الهجوم المفاجئ على إسرائيل، قاموا بالتخطيط له “قبل عام على الأقل”، بدعم رئيسي من الحلفاء الإيرانيين الذين قدموا التدريب العسكري والمساعدة اللوجستية بالإضافة إلى عشرات الملايين من الدولارات لشراء أسلحة”، حَــدّ زعمها.

ونقلت الصحيفة في تقريرها عن مسؤولين استخباراتيين قولهم إن “الدور الدقيق لإيران في أعمال العنف التي وقعت، السبت، لا يزال غير واضح”، لكن الهجوم يعكس طموح طهران المُستمرّ منذ سنوات لمحاصرة “إسرائيل” بجيوش من المقاتلين شبه العسكريين المسلحين بأنظمة أسلحة متطورة بشكل متزايد قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي”.

 

حصادُ اليوم الرابع من الطوفان:

بعد التحذيرات التي وجَّهَها الاحتلالُ لوسائل الإعلام العبرية والمتضامنة مع الكيان بعد تداول أرقام القتلى في صفوفه ومع من نشرها، غير أن هناك تقارير صحفية تشير إلى ارتفاع عدد قتلى جيش الاحتلال منذُ بدء المعركة نحو 1032 قتيلًا، بعد إعلان المتحدث باسم الجيش عن أسماء 32 قتيلًا جديدًا الثلاثاء، اثنان منهم على الحدود مع لبنان.

وإلى جانبِ العمليات البرية لفصائل المقاومة في مناطق متفرقة من الغلاف، حَذَّرَ الناطقُ باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” مستوطني عسقلان المحتلّة، بإخلاء المستوطنة حتى لا يتعرضوا للإصابة نتيجةَ استهدافها، وهو ما أكّـده المستوطنون أنفسُهم، حَيثُ قاموا بإبلاغ سلطاتهم، عن “وصول رسائل لهواتفهم جاء فيها: “بأمر من كتائب القسام، غادروا منازلَكم فورًا، سنشن هجومًا صاروخيًّا قريبًا”، وتجدد قصف عسقلان بصواريخ المقاومة ست مرات، وذلك رداً على تهجر المدنيين الفلسطينيين من قطاع غزة.

ونفَّذت المقاومةُ عبرَ مجموعات المجاهدين أَيْـضاً عمليات مهمة في الجو وفي البحر من خلال الهجمات الصاروخية وطائرات الدرونز، والتي تشير التقديرات الأولية لها إلى إطلاق 5000 صاروخ؛ الأمرُ الذي جعل العدوَّ يعلنُ تمديدَ حالة الطوارئ في جبهته الداخلية حتى يوم الخميس، إلى ذلك، أعلن حزب الله في لبنان في بيان عاجل: “أطلقنا صاروخا موجها باتّجاه آلية إسرائيلية في مستوطنة أفيفيم في الجليل الأعلى”، عند حدود لبنان، وكذا “استهداف دبابة ميركافا خلف موقع صلحة مقابل مارون الراس بصاروخين ضد الدروع”.

ونظراً لضعفِ النظام الصهيوني عسكريًّا ورَدًّا على عمليات فصائل المقاومة، أصبح واضحًا للجميع أن أية علاقات بصيغة التطبيع مع هذا النظام محكوم عليها بالفشل، والحقيقة أن هذه العمليات تأتي رَدًّا على عملية التطبيع التي نفذها الصهاينة مؤخّراً في المنطقة بدعم أمريكي، ولقد أظهرت عمليات النظام الصهيوني وضعفه وخطابه أن تطبيع العلاقات معه خير مثال على “المقامرة على الحصان الخاسر”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com