المفهومُ المعرفي والفلسفي لـ”حكومة كفاءات تجسِّدُ الشراكةَ الوطنية” في خطابِ السيد القائد

 

عبد القوي السباعي

جاء في سياق خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في الـ12 من شهر ربيع الأول 1445هـ، والذي أكّـد فيه أن المرحلة الأولى للتغيير الجذري تتمثل بإعادة تشكيل الحكومة، “لحكومة كفاءات تجسد الشراكة الوطنية، يتم فيها تصحيح السياسات وأساليب العمل بما يخدم الشعب”، وعلى خلاف ما تأتي به الثورات غالبًا، من إلغاء لكل القوانين والنُّظُم السابقة واعتماد قوانين ونظم خَاصَّة بها بعد أن تكون كوادرُها الثورية وحدَها هي المتصدرة للمشهد السياسي العام، جدّد قائد الثورة، “التمسك بالشراكة الوطنية، والمفهوم الإسلامي للشورى، ووَحدة الشعب اليمني، والمفهوم العام للمسؤولية الذي تتكامل فيه الأدوار”، بل، وخاطب مطمئناً كُـلّ من تساورهم الشكوك والمخاوف، بالقول: “لن نقبل بالاستبداد، ولا بالتسلط الفردي، ولا الحزبي، ولا الفئوي”.

هذه الشراكة بمفهومها الفلسفي، ليست خطأ ثورياً، قد يعرض بعضاً من الكوادر الثورية إلى التهميش، ولن يكون خطيئة، أَو جريمة سياسية إقصائية، قد تعرض بعض القيادات المألوفة في الخارطة السياسية إلى التحجيم، ما دامت تهدف إلى تنقية الأجواء الوطنية عُمُـومًا، وتسعى لخلق مناخ سياسي وطني صحي وسليم، يعزز اللُّحمة الوطنية ويرسخ مداميك الجبهة الداخلية، وبالتالي فاعتماد الشراكة الوطنية، كما يرادها السيد قائد الثورة يجب أن تكون مبنية على منهجية التصالح والتسامح للصف الوطني المتشارك في ميدان مقارع ومواجهة تحالف العدوان على مدى السنوات الماضية، بحيث تكون المرتكز الذي يجب على أَسَاسه تمتين جسور التلاحم والثقة، في مسار التغيير القادم إلى الأفضل.

ومن خلال هذه النظرة الإيجابية لمفهوم الشراكة الوطنية وفق الرؤية المعرفية الفلسفية، والتي يطمح السيد القائد إلى تجسيدها أَيْـضاً في الواقع العملي كثقافةٍ سياسيةٍ مستدامة وليست آنية أَو مرحلية، نرى وضمن قراءة متأنية للاتّجاه المعرفي أنها تُظهِرُ شكلاً من أشكال الاعتراف بالآخر، وإقراراً بالتعدّد والتنوّع، والتي ما من شك أنها ستمثل الأرضية الصلبة للانطلاقة لما بعد انتهاء الحرب واجتياز الفجوة الفاصلة بإعادة وإعمار ما دمّـره العدوان، واللحاق في الميدان الذي علينا أن نخوضَه جميعاً -أفراداً وأحزاباً، شعبًا وحكومة- بتلاحم وتكاتف وتعاون ومشاركة تحقيقاً للمصالح الوطنية العليا.

والمتأمل لتسارع الأحداث اليوم، سيلاحظ أننا مقبلون على خوض معركة جديدة، هي معركة البناء وإعادة الإعمار، وتنظيم وإدارة دفة الأبحار بسفينة الوطن إلى مرافئ الأمن والأمان، والتقدم والرقي، وبالتالي نحن مطالبون بأن نخوض ثورتين معا، هما الثورة الاقتصادية والثورة العلمية، وبناء الإنسان، وفي هذا السياق أكّـد السيد قائد الثورة في أكثر من مناسبة، أن “المعركة القادمة ليست معركة الحكومة وحدها بل هي معركة الشعب بكل قواه وفئاته الاجتماعية ومعركة الأحزاب والقوى السياسية”، سلطةً ومعارضة؛ لذا يجب علينا أن نتذكر دائماً أن الأوطان لا تُبنى بالأماني ولا تنتظر أن يبنيَها الخارج، إنما تُبنى بسواعد أبنائها، وأن الثورة تتجدد وتستمر بعزيمة وهمة الثوار المخلصين الصادقين مع أنفسهم وشعبهم، المنكرين لذاتهم؛ مِن أجل المصلحة العامة.

وكما أن منهجية “التمسك بالشراكة الوطنية، والمفهوم الإسلامي للشورى، ووحدة الشعب اليمني، والمفهوم العام للمسؤولية الذي تتكامل فيه الأدوار”، يجب أن نعتبرها موجه إلزامي من السيد القائد، كعنوانٍ للمرحلة القادمة، وعلينا قبل أن تكون إطار عملي ميداني منهجي يجب أن تكون ثقافة سياسية راسخة؛ لأَنَّ العقل السياسي التقليدي في البلد لم يألفها، ولم يراها متجسدة فعلياً في الميدان على مدى عصورٍ مضت من تاريخ اليمن، لذلك يجب أن ندرك حقيقة أن هذا الموجّه إنما هو مفردة من مفردات ثقافة التصالح والتسامح، ويعني بذلك أنّنا أمام حالةٍ من ثقافة القَبول بالآخر، والاعتراف بحقه في الحياة، وبحقه في الشراكة والمشاركة في اتِّخاذ القرار، وفي السلطة والثروة.

وأقول جازماً إن تصريحات الخوف والتهويل، ومواقف الارتباك، وأصوات التباكي الصادرة عن كيانات وأشخاص من هنا أَو هناك، إنما تشير إلى صوابية هذا التوجّـه الصادق من القيادة الثورية في صنعاء، إذ لو أسقطنا هذا التوجّـه كحالةٍ من حالات تصحيح المسارات وإصلاحها وفق رؤيةٍ قائمة على أَسَاس الشراكة الوطنية والتسامح السياسي، فقد خطونا أولى الخطوات على طريق تحقيق كُـلّ الأهداف العظيمة والغايات الوطنية النبيلة التي تنشدها جماهير الشعب اليمني، وتتطلع إليها في ظل دولة كريمة حديثة ومتطورة، دولة أَسَاسها النظام والقانون، وعمادها الشراكة والتعاون، والعاقبة للمتقين.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com