الطلقةُ الأولى في البحر الأحمر.. مخاطرُ المغامرة في انتهاك سيادة اليمن

المسيرة: أيمن قائد- منصور البكالي:

تطوُّرٌ لافتٌ في مسار المواجهة مع قوى العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم كشف عنه فخامةُ رئيس الجمهورية، المشيرُ الركن مهدي محمد المشاط، أثناء زيارتِه لمحافظة عمران، الأربعاء الماضي.

قال الرئيسُ المشاط: “أنا قلتُ -من هذه المحافظة الأبية- في العام الماضي إن النصرَ حليفنا، ولا شيء غير النصر، وأتيت إليكم، وبالأمس قوتُنا الصاروخية تختبر أفضلَ تقنيات وصلنا إليها في القوة الصاروخية.. هذه التجربة، التي أربكت، وأصرح من هنا وهم سيسمعون كلامي، أربكت القوات في البحر الأحمر، أنا أقول لكم: هذه تجربة الوعود التي قلنا بها في الماضي، وستسمعون أكثر منها وأكثر منها -بإذن الله-“.

وإلى جانب التجربةِ العسكرية في البحر الأحمر، كشف الرئيس كذلك عن حدث لا يقل أهميّة؛ وهو منع قوى العدوان من نهب الغاز اليمني، حَيثُ يقول: “الجبهة لا زالت مستعرة، نحن في الأسبوع الماضي وأمامي الأخ رئيس الأركان في حرب مستعرة مع سفينة “سينمارجينت”، وسفينة “بوليفار” سفينتان قادمتان إلى ميناء عدن لنهب الغاز اليمني، ورجعت أكثر من أربع مرات، آخرها بالأمس، أربعة أَيَّـام تأتي تريد أن تنهب أربعين ألف طن من مادة الغاز”.

وغيَّرت هاتان العمليتان -بأبعادهما العسكرية والسياسية والاقتصادية- المعادلةَ البحرية التي طالما تبجحت بها أمريكا وقواتها المستعرضة في مياه البحر الأحمر، والمحيط الهندي وسواحل المحافظات المحتلّة، وأثبتتا للعالم أن صنعاء التي غيّرت موازين المعركة البرية والجوية، خلال 8 سنوات من المواجهة وصلت كذلك للقدرة في تغيير موازين المعركة البحرية، وستحول وجودَ القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها في الأراضي والجزر اليمنية إلى نقطة ضعف يمكنُ لصنعاء استهدافها وانتزاع حقوق الشعب اليمني بالقوة.

وفي هذا السياق، يقول عسكريًّا الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي، العميد مجيب شمسان: “لا شك أن عملية القوات الصاروخية في البحر الأحمر تثير الكثير من الدلالات والأبعاد، وخُصُوصاً في مسار ما يتعلق بتطوير القدرات البحرية إلى هذا المستوى المتقدم وبهذه الصواريخ التي تمتلك الكثير من القدرات والإمْكَانات في ما يتعلق بالمناورة والدقة بالوصول إليها، والقوة التدميرية؛ وهي أَيْـضاً رسالة إلى الأمريكي الذي حاول استعراض إمْكَاناته وقدراته في محاولة لتوصيل رسالة إلى صنعاء بأنه حاضرٌ بهذه الحشود العسكرية، والسفن الحربية، المتطورة، لكن صنعاء وبرغم هذه الاستفزازات، تؤكّـد أنها “ستكون حاضرةً بقوتها، على اعتبار أن الاقتراب من مياهنا الإقليمية اليمنية والاقتراب من سواحلنا، وجزرنا هو بمثابة خَطِّ أحمرَ”.

ويبيِّنُ العميد شمسان في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن “القوة البحرية اليمنية وجّهت رسالةً إلى الأمريكي مباشرةً، الذي يقود العدوان والحصار على شعبنا بأنها لن تتردّد عن الرد لحماية السيادة اليمنية، وثروات ومقدرات الشعب اليمني، وعلى الجانب الآخر أوصلت رسائل إلى المرتزِقة والأدوات الإقليمية مفادُها أن صنعاءَ ماضيةٌ في انتزاع حقوق شعبها، وحفظ سيادته الكاملة، ووحدة أراضيه، سلماً، أَو حرباً”.

ويتابع شمسان “عليهم أن يدركوا أن تحذيرات القيادة والفرص المتكرّرة، التي أتاحتها، هي بمثابة رسائل أخيرة بأنه إذَا عادت المعركة، وعادت الأمور إلى التصعيد لن تقف تداعيات هذه العودة إلى الجغرافيا اليمنية، بل ستصل إلى ما هو أبعدُ من ذلك بكثير، متجاوزةً المستوى الإقليمي إلى الدولي”.

وعن تسويق الولايات المتحدة الأمريكي بأن قواتها القادمة إلى اليمن هي لتأمين مصادر الطاقة، وممرات التجارة العالمية، يقول العميد شمسان: “لا شك أن المزاعم الأمريكية، التي حملت هذه العناوين المُضللة؛ لحماية ممرات الملاحة البحرية ومصادر الطاقة هي تأتي في ضوء التغطية على أهداف استراتيجية أُخرى تتعلق بمصالح الكيان الصهيوني في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهنا كانت صنعاء واضحة، برسائلها بأنها لن تقبل بأية قوةٍ لتكون بديلةً عن اليمنيين لحماية مياههم الإقليمية والممرات البحرية، التي يشكل فيها، باب المندب من أهم الممرات العالمية، وكانت الرسائل واضحة في هذا الجانب من حَيثُ السعي المُستمرّ لتطوير قواتها الصاروخية وقدارتها البحرية من نقطة الصفر، ووصولها إلى هذا المستوى الذي أربكت به التحالف الأمريكي السعوديّ البريطاني بأنهم حاولوا التكتم على هذا الخبر؛ نظراً للصدمة التي أُصيبوا بها، وأن صنعاء وصلت إلى هذا المستوى المتقدم، وبالتالي يمكن القول بأن صنعاء أرست معادلة بحرية كما هو الحال خلال السنوات السابقة التي أرست من خلالها معادلة توازن الردع ومعادلات طردية، وبالتالي كُـلّ المخطّطات الأمريكية والسعوديّة والبريطانية يمكن القول بأنها ماضيةٌ إلى الفشل في الجانب البحري كما فشلت في السياقات الأُخرى”.

 

 مقدمةٌ لمرحلة استثنائية:

من جانبه، يشيرُ الخبير العسكري زين العابدين عثمان، إلى أن “الرئيسَ المشاط قدَّم في خطابه الكثيرَ من النقاط والرسائل المهمة للواقع الداخلي ولقوى العدوان، وقد كشف بصورةٍ استثنائية عن معطيات وإنجازات جديدة لقواتنا المسلحة، التي كان في مقدمتها العملية التي نفذتها القوة الصاروخية في مسار تجريب أحد الصواريخ البحرية المتطورة باتّجاه البحر الأحمر، وعملية منع السفن الأجنبية “سينمار جين” و”بوليفار” اللتين حاولتا الوصول إلى ميناء عدن لنهب كميات ضخمة من الغاز”.

ويضيف أن “هذه الإنجازات مع مسألة الكشف عنها في هذا التوقيت خُصُوصاً، وهي تأتي على لسان الرئيس مهدي المشاط، تتزامن مع حالة رفض قوى العدوان لدعوات السلام الحاصلة واستمرارها في الحصار ونهب الثروات”، موضحًا أن “هذه الإنجازات والتصريحات تؤكّـد على عدة أمور أَسَاسية:-

أولُها: أنها نقطة تحول في إطار استراتيجية الردع، وَالمواجهة الشاملة ضد قوى العدوان واستجابة لما تتطلبه مساراتُ المعركةِ القادمة لحماية السيادة والثروات الوطنية.

ويرى أن الأمر الثاني: يتمثل في أنها انعكاس لواقع التطور الدراماتيكي التي وصلت إليه القوة الصاروخية -بفضل الله تعالى- والنجاح المتميز التي حقّقته في تطوير وتجربة منظومات حديثة من صواريخ سطح -بحر التي تتميز بتقنيات تفوق نظائرها السابقة التي تم تصميمها لتدمير السفن والقطع البحرية المعادية.

والأمر الثالث -كما يقول عثمان- هو أن معادلة منع نهب الثروات النفطية والغازية ستظل ثابتة، وأن اليد الصاروخية وسلاح الجو المسير يمكنه تدمير أية سفينة مُعادية تريد أن تنهتك المياه الإقليمية وَتنهب الثروات”.

ويؤكّـد الخبير عثمان أن “خطاب الرئيس مهدي المشاط، وَالإنجازات التي حصلت ليست إلَّا مقدمة لمرحلة استثنائية يتم الإعداد لها ومجال جديد من فائض القوة والقدرات الضاربة التي وصلت لها قواتنا المسلحة بفضل الله تعالى”، مُشيراً إلى أن “قوى تحالف العدوان أمريكا وبريطانيا والسعوديّة والإمارات هي اليوم أمام خيارَينِ: إما السلام ورفع الحصار عن شعبنا اليمني، أَو معركة كبرى تتجاوز تداعياتها كُـلّ الحسابات العسكرية والجغرافية.

اقتصاديًّا، يقول المحلل الاقتصادي رشيد الحداد: إنَّ العمليةَ نتاجٌ طبيعي وردة فعل على استمرار الاستفزازات الأمريكية، وتوغل قواتها في الجزر والموانئ والمحافظات اليمنية المحتلّة، التي دفعت صنعاء لإصدار العديد من التحذيرات، في مراحل متعددة، ولم يستجيب لها الجانب الأمريكي.

ويضيف في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن “عملية البحر الأحمر جاءت من منطلق البدء بالوفاء بتلك التحذيرات، وتنفيذ ما تحدث عنه الرئيس مهدي المشاط، وجزء مما حذرت منه القيادة الثورية والعسكرية والسياسية، والاقتصادية طيلة فترة الهدنة وتمديدها والمفاوضات مع الطرف السعوديّ برعاية أممية ووساطة عمانية”.

ويتابع الحداد: “لقد كانت هذه العملية ردًّا على محاولات التموضع الأمريكي في المياه والجزر وبعض المناطق اليمنية، متوقعاً أن يكون هناك المزيد من هذه العمليات”، مُشيراً إلى أن “صنعاء منحت العالمَ ثقةً كبرى، وأثبتت خلال السنوات الماضية أنها بالفعل مصدر ثقة، ومصدر أمان في ما يتعلق بتأمين الملاحة البحرية، التي حاولت دول العدوان استفزازها وجرها إلى مربع الردود غير المدروسة، والتهويل من خلالها على العالم، بتعرض الممر الدولي والتجارة العالمية والملاحة البحرية في باب المندب وفي البحر الأحمر، وقبالة السواحل اليمنية للخطر، ومن الضرورة الاستمرار في هذه الحرب الظالمة، والدفع بالمزيد من القوات الأمريكية لتأمين ذلك”.

ولفت الحداد إلى أن “ممر التجارة العالمي باب المندب يمر منه خمسة ملايين طن نفط يومياً إلى الأسواق العالمية، بالإضافة إلى مختلف السلع والمنتجات العالمية، وهو أحد خطوط التجارة العالمية التي تمر منها البضائع من مختلف دول العالم، وتأمين حاجاتها”، موضحًا أن “القوات المسلحة اليمنية سبق أن أعلنت في السنوات الماضية لكل دول العالم، على لسان وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، قدرتَها على تأمين ممر التجارة العالمي، وحماية المياه الإقليمية اليمنية، وفي بيانات خَاصَّة أكّـدت القوات البحرية التزامَ الجمهورية اليمنية بالقوانين البحرية، وحماية التجارة العالمية وسلامتها، واليمن عبر ما تعرض له من الجرائم الجسيمة وفق القانون الدولي، وما تعرض له من عدوانٍ غاشمٍ من قبل دول تحالف العدوان، إلا أنه لم يستخدمِ البحرَ الأحمرَ ورقةً للإضرار بالمصالح العالمية، ولم يُدخِلِ البحرَ الأحمر في أي صراع حتى الآن”.

ويؤكّـد أن “قوات خفر السواحل اليمنية نفذت خلال السنوات الماضية عمليات محدودة، حَيثُ استهدفت السفن التي حاولت تجاوز السيادة اليمنية ودخلت إلى المياه اليمنية، ومنها السفينة النفطية التي تم إحباطها قبل عامين، إضافة إلى سفينة إماراتية تم مصادرتها قبل عامين”، لافتاً إلى أن “قواتنا البحرية اليوم تؤكّـد للعالم، من خلال منعها للسفينتين اللتين حاولتا نقل كمية 40 ألف طن من ميناء عدن، أنها قادرةٌ على حماية المياه الإقليمية اليمنية ليس في الساحل الغربي فقط وإنما على مستوى اليمن وحتى جزيرة سقطرى، الواقعة في قلب المحيط الهندي”.

ويواصل: “اليوم هذه المؤشرات بما تمثله من إعادة هذه السفن لأربع مرات خلال أسبوع تؤكّـد بأن صنعاء لا تزال محتفظة بحقها في الرد على أية سفينة، تحاول اختراق المياه الإقليمية اليمنية، وتأتي في إطار الرد المشروع لقواتنا المسلحة، ضد قوى الغزو والاحتلال التي تسعى لنهب وسرقة مقدرات شعبنا اليمن المحاصر والمنقطِعة رواتبُ موظفيه”.

 

قدراتٌ فتَّاكةٌ لحماية البلد:

سياسيًّا، يقول الناشط السياسي زيد الشريف: إن “هناك أسبابًا وأهدافًا جعلت الرئيس المشاط يتحدث ويكشف عن تجربة صاروخية للقوة الصاروخية اليمنية لصواريخ يمنية الصنع بتقنية عالية، وأول هذه الأسباب هيو التأكيدُ على صدق وصحة ما قاله خلال الكلمة التي ألقاها في محافظة المحويت قبل أسابيع، حَيثُ صرح حينها أن القوات المسلحة ستقوم بتجربة صواريخ وأسلحة جديدة وحديثه يتم تطويرها وسيتم تجربتها إلى جزر يمنية”.

وأشَارَ الشريف في حديثه لصحيفة “المسيرة” إلى أن “أهم الأهداف والرسائل التي عمل الرئيس المشاط على إيصالها هو التخاطب مع تحالف العدوان، وفي مقدمته القوات الأمريكية في البحر الأحمر وحضرموت، وكذلك القوات البريطانية في المهرة وكل القوات التابعة لتحالف العدوان وجّه لها الرئيس المشاط رسالةً عسكريةً صاروخية شديدة اللهجة، مفادُها أن الجيش اليمني الوطني يملك منظومات عسكرية حديثة وقوية وبعيدة المدى وقوية التأثير قادرة بعون الله تعالى على ردع المعتدين الغزاة، وعلى حماية المياه اليمنية بل وحماية كُـلّ تراب اليمن في الشمال والجنوب”، مُشيراً إلى أن “الرسالة العسكرية التي وجهها الرئيس المشاط لتحالف العدوان كانت قوية، من حَيثُ التوقيت ومن حَيثُ الظروف الأمنية والعسكرية، التي تعيشها اليمن نتيجة التحديات والأحداث والمتغيرات التي تؤكّـد خطورة المرحلة وحجم التحديات، إضافة إلى أن الرئيس المشاط لم يصرح ولم يكشف عن التجربة الصاروخية للجيش اليمني إلَّا بعد التجربة؛ وهذا يعني أن الرسالة تأتي في إطار القول الذي يسبقه العمل وليس العكس، وأن على تحالف العدوان أن يعي ويدرك جيِّدًا أن اليوم غير الأمس، وأن الجيش اليمني الوطني يملك قوةَ ردع لا يُستهانُ بها ستمكّنه -بقوة الله تعالى- من تحطيم وإفشال مخطّطات العدوّ وهزيمته شر هزيمة”.

ويضيف الشريف أن “من ضمن الأسباب والأهداف والرسائل التي أراد الرئيس المشاط إيصالها هو القول للشعب اليمني الصامد، إن قواته المسلحة تعمل في الليل والنهار على تطوير منظوماتها العسكرية وتعد ما تقدِرُ عليه من القوة لردع العدوّ وحماية اليمن وشعبه، والقول من موقع المعرفة والتجربة أن الجيشَ اليمنيَّ يمتلك قوةَ ردع عسكرية صاروخية فتاكة وحديثة قادرة -إن شاء الله- على هزيمة العدوّ وعلى حماية الوطن وعلى الدفاع عن الشعب وأمنه واستقراره”.

ويرى أن “من أهم وأبرز الرسائل التي وجهها الجيش اليمني من خلال هذه التجربة الصاروخية التي كشف وصرح بها الرئيس المشاط هو أن على القوات الأمريكية الغازية في حضرموت وفي البحر الأحمر، أن تدركَ جيِّدًا أن الشعب اليمني وقواته المسلحة لن تستقبل القوات الأمريكية الغازية بالورد ولن تفرش لها السجاد الأحمر، ولن تستقبله بالترحاب، بل ستتصدى لها بالحديد والنار، وأن الشعبَ اليمني الصامد وقواته المسلحة على أتم الاستعداد لخوض غمار المعركة مع القوات الأمريكية براً وبحراً بشكل مباشر، مهما كانت تملك من إمْكَانيات، كما أن عليها أن تعيَ جيِّدًا أن القوات المسلحة اليمنية تملك الكثير من المفاجآت، والعديد من المنظومات العسكرية الحديثة والمتطورة البرية والبحرية والصاروخية وكذلك الجوية، من خلال سلاح الجو اليمني المسيَّر، وهذه الأسلحةُ تم تصنيعُها لحماية اليمن وتحريره من الغزاة المعتدين وتم تطويرها للدفاع عن الشعب اليمني وعن وجوده وحريته واستقراره وحقوقه المشروعة”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com