تنومة.. مجزرةٌ لن ينساها أهلُ اليمن..بقلم/ أنس عبدالرزاق

 

في السادس من شوال للعام 1343ه الموافق 1922م صدح صوتُ الحادي مودِّعاً الحُجَّاجَ إلى بيت الله الحرام محرمين؛ لتلبيةِ قول العزيز الجليل (وأذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، وأنفسهم تتوق شوقاً إلى الحج الأكبر إلى السعي وإلى الطواف حول بيت الله العتيق، فقوافل الحجاج اليمنية على مدى ثلاثة عشر قرناً كانت السباقة إلى الله وتلبيةً لشعائره وعلى الرغم من ذلك لم تتعرض لأي أذى.

الممارسات التي كان يقوم بها الصعاليك من سلب ونهب وقتل للقوافل بغية الفوز بالغنائم قد انتهت بولادة المنهج الإلهي في قريش، وبذلك ذابت كُـلّ أعمال الجاهلية ومعها التعرض للمسافرين ناهيك عن الحجاج، والحجاج يلبون نداء الله مستبشرين ببلد شهدت ولادة خير خلق الله كافة وعند وصول قافلة أهل اليمن إلى أطراف بعض النجديين وعلى مشارف أبها استقبلهم حاكمها عبدالعزيز بن إبراهيم وأكرمهم وأحسن ضيافتهم.

وكانت قافلة اليمنيين قد توزعت إلى ثلاث فرق ونزلت في تنومة وعدادها في بني شهر، كان ذلك يوم الأحد، الـ17 من ذي القعدة ووقت تحضير الغداء دبر لهم ما ليس في حسبانهم، فبعد أن فرغوا من الأكل وقاموا إلى الصلاة على صعيدٍ واحد يتقدمهم الإمام بلبسه الأبيض ومن خلفه المصلون نساء وأطفال وشيوخ بلا سلاح ولا تأهب؛ فهم حجاج بيت الله، أحاط بهم جيش ابن سعود من كُـلّ الجهات وقتلوهم شر قتلة.

ثم نزلوا إليهم يقتلون من عرفوا أنه ما زال حياً حتى قتلوا أكثر من ثلاثة آلاف حاج يمني ولم ينجَ منهم إلَّا حوالي خمسمِئة حاج وأضحت بذلك تنومة جريمة الحجاج الأولى التي لن ينساها أهل اليمن.

ومما لا شك فيه أن تصفية الحجاج في تنومة جريمة تقلق كافة المجتمعات البشرية، حَيثُ إنها تختلف عن أية جريمة على وجه الأرض، فقد كانت تغييباً وطمساً لمنهج الأُمَّــة الإسلامية.

أي أن هذه التصفية كانت تمهيداً لارتكاب جناية أبشع وهي طمس الهُــوِيَّة الإيمَـانية والموروث الثقافي للشعب اليمني، وذلك من منطلق المعايير الكونية للسلوك الغربي بشقيه: الأُورُوبي والأمريكي والتي يحاول ابن سعود وجوب تطبيقها وفرضها على كُـلّ المجتمعات الإسلامية لتتطابق سلوكياتها وأنماط معيشتها مع تلك المعايير الأمريكية سواءً تم ذلك بالقوة أَو بالكنس المدعوم بوسائل الغزو العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي المعتمدة في الغرب اليوم، وكان ذلك في مفاجأة صارخة للقانون الإلهي.

وعلية فَــإنَّ تقويض الحجاج في تنومة واندثارهم يَحْرم بقية اليمنيين من الخبرات المتراكمة التي يمكن لها أن تسهم في التطور والنمو الإنساني الراهن عن طريق الاستلهام الإيجابي لخمائر الإبداع في تلك الموروثات في كُـلّ مَـا هو إيجابي ومفيد منها، وعلى سبيل العبرة والاتعاظ في كُـلّ مَـا هو سلبي وضار في هذا الاستهداف، أي أن الهدف الذي لن تتوانى عنه أمريكا متمثلة بالسعوديّة هو أن يصبح من السهل احتواء المجتمع اليمني، ومن ثم تخليه عن ثقافته من خلال انزلاقه في تقبل القيم الثقافية الدخيلة التي تُفرض عليه، واستمرارها بمرور الوقت بغض النظر عن آليات ووسائل الفرض والإجبار حتى يتمكّنوا من إلقاء المجتمع اليمني في متاهات الضياع والاستلاب وما يترتب على هذا الوضع المتأزم من فقدان للهُــوِيَّة وضياع للأُمَّـة وتفريط في مقومات الوجود؛ ولأن الإسلام هو الموروث الثقافي وهو ذاكرة الأُمَّــة التي إن مُحيت فَــإنَّ الأُمَّــة ستصبح كياناً خَرِفاً بلا ذاكرة تتخبط ولا تعرف كيف تهتدي إلى سبيل الرشاد؛ لذلك فَــإنَّ الانتباه إلى مخاطر هذا الكيان السعوديّ يصبح مسألة منافحة عن الوجود تستوجب استنفار الموروث الحضاري لأمة القرآن بكل أبعادها الفردية والدينية والاجتماعية والمادية والاستعداد لمواجهة تداعياته.

إن الجريمة التي ارتكبها ابن سعود في تنومة لهيَ مشروع سلطوي يهدف إلى طمس الهُــوِيَّة الإسلامية واختراع قومية سعوديّة، بامتيَازات ابن سعود في ارتكاب مجازر لا تنسى في جسد الأُمَّــة الإسلامية.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com