عمليةٌ غيرُ اعتيادية وُصفت بالفدائية.. ساحةٌ جديدةٌ تُفتَحُ مع كيان الاحتلال

 

المسيرة | متابعات

وجّه الجنديُّ المصريُّ محمد صلاح صفعةً مهمةً، وربما مختلفةً هذه المرة لمستويات الاحتلال الأمنية والعسكرية في منطقة يدعي الجيش السيطرة عليها، بالتنسيق مع السلطات المصرية، عند الحدود المصرية – الفلسطينية؛ إذ نفّذ الشهيد “صلاح” عملية وصفتها صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية بـ “الفدائية”، وأدت إلى مقتل 3 جنود للاحتلال وإصابة رابع، برصاصٍ من مسافة صفر، بعد أن اخترق السياج الفاصل عند معبر “العوجا” (نيتسانا).

 

الشهيد صلاح: “الله يقف مع فلسطين”:

عزّز الشهيدُ ابن الـ 23 عاماً الرأي الآخر للشعب والشباب للمصري، الذي لا ينسجم مع السلطة الموقِعة لاتّفاقيات التطبيع منذ عام 1978م، والذي لم يبدّل قضيةً عن فلسطين، فـ “صلاح”، نشر على صفحته الخَاصَّة على منصة “فيسبوك”، عبارة “الله يقف مع فلسطين” كتعليق على تغريدة لمرشح سابق للرئاسة الأمريكية، مايك بينس، زعم فيها “أمريكا تقف مع إسرائيل”، وذلك في أيار / مايو 2021م، أي في أجواء معركة “سيف القدس”.

في المقابل، حاولت السلطات المصرية تبرير العملية، بادعائها أنّ الجنديَّ كان يلاحق عملية تهريب مخدرات، وفي هذا السياق، زعم المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل أنه، “على الملأ أعلن المصريون روايةً كاذبةً عما جرى على الحدود، في اللقاءات مع شخصيات أمنية إسرائيلية على ما يبدو اعترفوا بالمسؤولية، ومن المحتمل أن يكون هناك خيطٌ بين العملية الصعبة على الحدود، وبين أحداث أُخرى وقعت في السنوات الماضية”.

 

جملةُ الإخفاقات والانتقادات:

هذا الحدثُ “الخطير وغير العادي” -كما وصفه أَيْـضاً رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو- حمل معه العديد من الإخفاقات لجيش الاحتلال وقواته البرية المنتشر في المنطقة الحدودية. فالشهيد “صلاح” قتل عند ساعات الفجر الأولى جنديين، ثمّ لم يكتشف الجيش ذلك إلَّا عندما لم يستجب القتيلان للنداءات المتكرّرة في نقطة الحراسة، ولم يعثر على المنفّذ إلَّا بعمليات تمشيط للمنطقة، وبعد أن اشتبك مرّة أُخرى مع الجنود.

سلّط الإعلام العبري الضوء على الإخفاقات موجهًا انتقاداته لتعامل القوات المعنية مع العملية. فقد اعتبر المحلل العسكري في موقع “واللاه” العبري أمير بوخبوط، أنّ “مفهوم الدفاع للجيش انهار على الحدود المصرية”.

بدورها ذكرت صحيفة “هآرتس” أنّ “قوة اليمام الخَاصَّة التي كانت تستعد للوصول لمكان الحدث عند الحدود مع مصر، انتظرت ساعتين حتى تنقلهم مروحية هناك، لكنها لم تصل لسبب غير معروف”. وذكرت “يديعوت احرنوت” أنّ “الجنود الذين قتلوا لم يطلقوا رصاصة واحدة على المنفذ”.

كذلك، كشفت التحقيقات الأولية للاحتلال، أنّ جنود الحراسة الذين تواجدوا في مكان تنفيذ العملية كانوا قد قضوا 12 ساعة متتالية من الحراسة ما عرّضهم للإرهاق، وبالتالي لم يكونوا قادرين على الاستجابة للحدث الطارئ. وفي هذا الإطار، طرح مسؤولون “إسرائيليون” أسئلة حول الضابط الذي أعطى أوامر الحراسة الطويلة تلك في تقرير نشره موقع “والاه العبري”. بالإضافة إلى أسئلة حول الثغرة في السياج الفاصل، والتي لم يتم التبليغ عنها.

هنا، نقل المحلل العسكري “بوخبوط”، نقل “ضابط كبير” أنه “مع مرور الوقت سيتم الكشف عن التفاصيل المؤلمة، ولن أتفاجأ إذَا طارت العديد من الرؤوس في القيادة الجنوبية”. وفي السياق نفسه، رأى المحلل في القناة 13 العبرية أولر هيلر أنّ المنظومة الأمنية والعسكرية تدرس سلسلة من الإقالات والطرد؛ بسَببِ الإخفاقات الكبيرة في المنطقة الجنوبية.

 

تسلسُلُ الأحداث:

فسّر تسلسل الأحداث، أن الشهيد صلاح نفّذ عملية خطط لها مسبقًا وكان مستعدًا لها ولتداعياتها، أي مستعد للشهادة، إذ ذكر موقع “والاه” أنّه “خطط للهجوم بعناية، وأعدّ له ببندقية، وأربعة مخازن، وسكين قطع بها الأصفاد عند معبر السياج”، ومن ثم دخل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة وسار عدة كيلومترات، وتابع الموقع “واضح أنه يعرف البقعة الجغرافية جيِّدًا، وعلم بالفتحة التي دخلها بوقت مبكر، ولذلك تمكّن من اختراقها بسهولة”.

موقع “كود كود” العبري أَيْـضاً، نشر بعض التفاصيل التي جاءت في التحقيق الأولي حول العملية، فقدّر أن الشهيد صلاح “مشى مسافة 5 كم من موقعه تسلق الجرف ووصل إلى السياج وكان على ظهره حقيبة بها معدات، قطع الأقفال التي تغلق المعبر الموجود في السياج، ودخل إسرائيل ثم اقترب من موقع الجنود، دون أن يتم التعرف عليه، وفتح النار”.

وأضاف: “عرف الجندي المصري كيفية الوصول إلى هذه النقطة، ويبدو أنه خطط لمسار التسلل وعرف موقع الجنود الإسرائيليين على بعد حوالي 150 مترًا من ذلك المعبر في السياج. حدث إطلاق النار الأول بعد السادسة صباحًا. وكان آخر اتصال بالجنود بعد الساعة الرابعة فجرًا، وصل رئيس القسم لتغيير المناوبة قبل الساعة التاسعة واكتشف الصورة الصعبة”.

وتابع: “تم التعرف على الجندي المصري على عمق حوالي كيلومتر ونصف في إسرائيل. من الحجارة الكبيرة أعد مكانًا للمأوى لنفسه. وفي المواجهة الأولى بعد الساعة 11:00 ظهرا إطلاق النار الذي نفذه وأصابه ضابط الارتباط من مسافة 200 متر، وفي المواجهة الثانية هاجمه لواء القطاع وقواته وقتلوه”.

أعادت عملية الشهيد الجندي محمد صلاح الي ذاكرة الاحتلال عمليتين سابقتين نفذهما أَيْـضاً جنديان مصريان، الأولى، كانت عام 1985م، حين قتل الضابط المصري سليمان خاطر، 5 “إسرائيليين وأصاب 7 آخرين في عملية عرفت بـ “رأس برقة” نسبة للمكان الذي نفّذت فيه عند ساحل جنوب سيناء، والثانية عام 1990م، حين قتل الجندي أيمن الحسن 21 “إسرائيليًا” وأصاب 20 آخرين، وعرفت بعملية “رأس النقب” نسبة لقرية رأس النقب جنوب سيناء.

 

جبهةٌ جديدةٌ:

خلقت عملية الشهيد محمد صلاح تساؤلات جدّية اليوم، بالنسبة للاحتلال، هل باتت الحدود المصرية “غير آمنة” للجيش، وجبهة جديدة من المواجهة؟ خَاصَّة وأن الاحتلال رفع مستوى خطر السياحة في شمال سيناء إلى 4، وهو الأكثر خطورة، وفي جنوبها إلى 2، حسب صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية. فيما ترى الشعوب المقاوِمة في هذه العملية، التي كسبت زخمًا إعلاميًا وتفاعليًا كَبيراً، الأمل بأن تتحَرّك المياه الراكدة في تلك المنطقة وأن تكون ملهمة لمزيد من العمليات، كما تتطلّع أن تنضمّ إلى مسار تصاعد أعمال المقاومة على مختلف الساحات.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com