لجامعة الدول العربية: التكرار يعلّم الحمار..بقلم/ حسام باشا

 

هناك الكثيرُ من الحِكَمِ القديمةِ التي تحملُ في طَيَّاتِها الكثيرَ من المعاني والدروس، ومن بين هذه الحكم “التكرار يعلم الحمار” وبالرغم من أن هذه الحكمة تطبق على الحمير، إلا أنها للأسف لم تجد مكانًا في ساحة القمم العربية.

فهل يُمكن لقادة الدول العربية تعلُّمُ الدروس من هذه الحكمة؟ هذا السؤال يعد جوهرَ ما نحن فيه من واقع معاناة العرب وتخبطهم السياسي وفشلهم المتواصل في تحقيق الأهداف التي تعاقدوا عليها.

فجامعة الدول العربية التي تأسست بالعام 1945م، فشلت في تحقيق واجباتها تجاه قضية العرب المركزية “القضية الفلسطينية”، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، لم تتمكّن من توحيد وجمع الدول العربية تحت سقف واحد، ولم تنجح في التعاون المشترك والتضامن في مواجهة العدوّ المشترك الإسرائيلي، بل ذهبت أبعد من ذلك، إلى حَيثُ درك التواطؤ، فأصبحت مشاعًا ومرتعًا للإملاءات الأمريكية، وتحوّلت من جامعة عربية يفترض أن تقود وتحمي المصالح العربية إلى مُجَـرّدِ أدَاة لتحقيق مصالح الدول الكبرى والغربية.

لقد كان لدى الشعوب العربية عند تأسيس جامعة الدول العربية اعتقاد سائد بأنها ستكون القوة الداعمة للقضايا العربية، وستعمل على توحيد الجهود وتحسين العلاقات بين الدول العربية، ولكن على مر الأحداث والتطورات التي مرت بها المنطقة العربية على سبيل المثال في السنوات الأخيرة، بدا للشعوب العربية أن هذه الجامعة الداعمة للأُمَّـة تترنّح بخطوات متعثرة بين هذه الأحوال المتأزمة والتهديد المتزايد لاستقرار المنطقة وسلام أهلها، حيثُ إن الواقع المرير يوضح لنا تفاصيل عجز وفشل جامعة الدول العربية تجاه القضايا العربية من جهة ويكشف تفاصيل سياسية التماهي التي تتخذها الجامعة العربية مع دولها الأعضاء، والتي لا تزال تدور بين جدرانها، بدءاً من موقفها تجاه أهم القضايا الإنسانية والسياسية التي تواجه المنطقة العربية، وتقصيرها وتخاذلها وعجزها في مواجهة المشروع الصهيوني؛ فبدلاً عن اتِّخاذها موقفاً عملياً لاسترداد الحقوق العربية الفلسطينية، انحصر دور الجامعة العربية حبراً على ورق البيانات بل وأظهرت تراجعاً وتوافقاً مع الدول الغربية، مُرورًا بوقوفها في موقع المتفرج حيال العدوان والانتهاكات المتصاعدة التي يرتكبها الصهاينة في لبنان وغزة، وعدم اتِّخاذها أي إجراء عملي من شأنه منع إسرائيل من ارتكاب الجرائم البشعة ضد الشعب اللبناني والفلسطيني؛ الأمر الذي حرّض الصهاينة على مدار السنوات الماضية على مواصلة انتهاكاتهم ضد الشعوب العربية، إلى جانب كارثة تأييد الجامعة العربية لغزو وتدمير واستباحة العراق وفشلها في حمايته وإخفاقها في التعامل مع الملف العراقي وتماهيها لفتح أبواب بغداد على مصراعيه للغزو الأمريكي والتدخلات الخارجية، مُرورًا بدعمها لحلف النيتو وضرباته العسكرية على ليبيا وتحويلها إلى ساحة حرب أهلية وفوضى خلاقة، وعدم تقديم الحلول المستدامة للقضية الليبية، بل دعمها أطراف النزاع وتأييدها لتدخلات القوى الإقليمية والدولية في الشؤون الداخلية للدولة الليبية، وكذا عجزها عن حفظ وحدة السودان، وعدم اتِّخاذها موقفاً حازماً بشأن هذا الانفصال، الذي أعاد تشكيل خريطة المنطقة؛ مما يعد واحداً من أكبر تجليات فشل هذه الجامعة التي فوّتت فرصة تعزيز الوحدة العربية في المنطقة الأفريقية ووضع حَــدّ لسلسلة الصراعات والانقسامات الداخلية التي تعاني منها الدول العربية، إلى جانب دورها في دعم الجماعات الإرهابية في ارتكاب المجازر ضد الشعب السوري، وذهابها إلى تجميد عضوية سوريا، وُصُـولاً إلى عدم تمكّنها ‏في تحقيق دورها الفاعل في وقف العدوان السعوديّ على اليمن، فمنذ بداية الحرب السعوديّة على اليمن وحتى الآن، كان دور الجامعة العربية منحازاً في تأييد ودعم التحالف العسكري السعوديّ في حربه ضد الشعب اليمني، بدلاً عن العمل بإنصاف وحيادية على إيجاد حلول دائمة وشاملة لهذا الملف.

كُـلّ ذلك يعكس حالة الضعف والتخبط والانحياز الذي تعاني منه وتتخذه جامعة الدول العربية تجاه قضايا الشعوب العربية.

وعلى الرغم من أن قمم الجامعة العربية قد تعدت الـ 37 قمة، إلَّا أن كُـلّ قمة لم تختلف عن سابقاتها، إذ غابت عنها القدرة على اتِّخاذ قرارات جريئة تحمي مصالح الشعوب العربية، بل زادت الجامعة العربية من جرح الشعوب العربية بالانحياز للعدوان السعوديّ على اليمن، وعدم التضامن مع الشعب اليمني في أزمته الإنسانية.

وَإذَا ما واجهت الجامعة العربية هذا الواقع، فَـإنَّه يتبين أن هذه الحكمة القديمة “التكرار يعلم الحمار” حقيقة لا تجد لها مكاناً في ساحة قممها، وأن التكرار يعلم الحمير ولا يعلم قادة الدول العربية.

هذه الحقيقة المُرّة تثيرُ تساؤلاتٍ حول مدى جدوى استمرار الجامعة العربية، في ظل هذا الفشل المتكرّر والانحياز لصالح دول البترودلار مقابل الأموال الضخمة التي تتلقاها على حساب الشعوب العربية المتضررة، وهل من الضروري أن تظل هذه الجامعة كما هي، أَو يجب على الدول العربية التي تواجه الأزمات وتشن عليها الحروب أن تبحث عن بدائل أكثر فاعلية؟

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com