وكيل وزارة المالية الدكتور أحمد حجر في حوارٍ لـ “المسيرة”: تحالفُ العدوان لا يزالُ يفرِضُ قيوداً على وصول البضائع والسلع إلى ميناء الحديدة

 

استهداف المصالح الأمريكية والبريطانية عملٌ مشروعٌ في حال فشلت كافة الخيارات السلمية

المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي

أكّـد وكيل وزارة المالية الدكتور أحمد حجر، أن آلية التفتيش في جيبوتي وسيطرة العدوان الأمريكي السعوديّ على العديد من المنافذ اليمنية، بالإضافة إلى قيام بحرية دول العدوان بالحصار على موانئ الحديدة لا تزال تشكل قيوداً حقيقية على حركة التجارة لميناء الحديدة والصليف ورأس عيسى.

وقال في حوارٍ خاص مع صحيفة “المسيرة”: “إن استمرار عمليات التفتيش للبضائع في جيبوتي تدل على استمرار دول العدوان في منع وصول العديد من السلع، وبعضها أَسَاسي كالأدوية”، مُشيراً إلى أن دول العدوان لا تزال تفرض قيوداً على حرية استيراد المشتقات النفطية، حَيثُ تفرض شراءها من الإمارات ذات المواصفات الرديئة وبأسعارٍ أعلى من قيمتها الحقيقية، وهذا ما يلحق أضراراً بالآلات والمعدات والسيارات وغيرها.

وأشَارَ إلى أن دول العدوان تتعامل مع المِلف الاقتصادي بالمماطلة، والتزييف، والمكر، والتضليل؛ بهَدفِ تحقيق أهداف بعيدة المدة، مؤكّـداً أن معاقبة الموظفين بعدم صرف رواتبهم وعدم فتح المطار وغيره مخالف للأعراف والقوانين الدولية.

إلى نص الحوار:

 

– الفتح الجزئي لميناء الحديدة هل كان بمثابة الطُّعم لتسكين غضب صنعاء طيلة فترة ما بعد انتهاء الهُدنة؟

معلومٌ أن إنهاءَ العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن لم يعد مطلَباً يمنياً، أَو مخرجٌ للنظامين السعوديّ والإماراتي من المستنقع الذي وضعتهما فيه أنظمة الصهيونية العالمية، بل أصبح مطلباً إقليمياً بعد أن اكتوت بنيران هذا العدوان مختلف دول المنطقة، وبالأخص المشاركة في العدوان، خَاصَّةً بعد الفشل الذريع في تحقيق أَيٍّ من أهداف العدوان والخوف من النتائج السلبية المترتبة على اندلاع الصراع مرةً أُخرى في ظل انشغال الدول، التي تدير هذا الصراع (أمريكا وحلفاؤها) بالصراع في أوكرانيا، هذا إلى جانب تعاظم نقد المنظمات الحقوقية في دول العدوان والمنطقة للجرائم المرتكَبة في اليمن والصمت المريب من قبل الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والدول، التي تدّعي حمايتها، وأخيراً الخسائر الكبيرة جِـدًّا التي تكبّدتها دولُ العدوان دون تحقيق أي هدف.

 

– مع إدراك العدوان لحجم الخسارة التي لحقت به.. ما الذي يأمله من سياسة تخفيف الضغط مقابل استمرار الحصار؟

دول العدوان تسعى لتهدئة الصراع العسكري في اليمن؛ حفاظاً على مصالحها وأملاً في تحقيق مكاسبَ، وإن كان في حدها الأدنى، من خلال مفاوضات طويلة الأمد، انطلاقاً من اعتمادها على استمرار الضغوط الاقتصادية، وبالأخص المرتبطة بالجانب الإنساني، وَعدم توفير بيئة استثمارية تحفز القطاع الخاص على الاستثمار أَو بيئة مناسبة تعزز وتطور عمل الجهاز الحكومي؛ وذلكَ بهَدفِ استمرار تدهور معيشة السكان ما قد يصل بالمجتمع للانفجار والعصيان المدني ووصول الاقتصاد لمرحلة الانهيار، وبالتالي هروب رأس المال الوطني إلى الخارج، وأخيراً الانخفاض الكبير في الأوعية الإيرادية؛ ما يؤدي إلى انخفاض في الحجم الحقيقي للنشاط الاقتصادي، في ظل استمرار ارتفاع معدلات التضخم؛ ما يهيئ بيئة مناسبة لفشل حكومي في القيام بدوره في الصمود وتحقيق الأمن وإدارة أجهزة الدولة، بل والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية؛ وهذا ما يجعل متخذ القرار في حكومة صنعاء في حالة ضعف كبير، سواءً في حال أية مفاوضات أَو مع استمرار وتجدد الصراع.

 

– هذا يعني أن الفتح الجزئي لحركة السفن إلى ميناء الحديدة ليسَ ضمن فكرة إحلال السلام لدى العدوان؟

الفتح الجزئي لميناء الحديدة يكون في ضوء ما سبق ذكره..؛ تأجيلاً لأي صراع عسكري؛ تجنباً للنتائج السلبية المترتبة عليه، وخداع المجتمع الدولي بجنوح دول العدوان للسلام وترتيب دور المليشيات التي أنشأتها بما يتفق وتحقيق أهداف دول العدوان في تحقيق حوار يمني جاد يفضي إلى تحقيق الأهداف الوطنية.

 

– ما حجم القيود التي لا تزال مفروضة على حركة نقل ووصول البضائع لميناء الحديدة، بما فيه حركة شركات الملاحة.. ما حجمُها؟ وكيف تؤثر على النشاط التجاري اليوم؟

حسب المعلومات المتاحة فَــإنَّ آلية التفتيش في جيبوتي، وسيطرة دول العدوان على العديد من المنافذ، وكذا قيام بحرية دول العدوان بالحصار لموانئ الحديدة، ما زالت تشكل قيوداً حقيقيةً على حركة التجارة لميناء الحديدة والصليف ورأس عيسى.

ربما قام عدد محدود من شركات الشحن الأجنبية بالعمل على نقل البضائع إلى ميناء الحديدة، وإن كان ذلك مؤشراً إيجابياً، غير أن عدم وضوح ومصداقية دول العدوان -في رفع كافة القيود عن حركة الملاحة إلى ميناء الحديدة- جعل الكثير من الشركات تتحفَّظُ على إعادة عملها إلى ميناء الحديدة، هذا إلى جانب استمرار رفع هذه الشركات تكاليف النقل والتأمين؛ بدعوى أن هذه الموانئ غير آمنة؛ ولذلك ستُبقي دول العدوان سياسة فتح مجال دخول السفن إلى ميناء الحديدة أدَاة للمراوغة والابتزاز كلما هدّدت صنعاء بالعمل العسكري؛ وذريعةً لها في وجه من ينتقد أعمالها العدائية في الجانب الاقتصادي.

 

– يروِّجُ إعلامُ العدوان بفتحِ ميناء الحديدة للبضائع، لكن هناك تفاصيل حول منع التحالف لدخول الكثير من احتياجات البلاد لا يعلم الناس عنها!!

رغمَ محدودية المعلومات في هذا المجال، إلا أن الواضح أن عمليات التفتيش للبضائع في جيبوتي تدل على استمرار دول العدوان منع العديد من السلع، والعديد منها أَسَاسية للمجتمع كبعض الأدوية والبعض الآخر ضروري كمدخلات الإنتاج أَو الاستثمار إلى جانب استمرار القيود على حرية استيراد المشتقات النفطية، حَيثُ تفرض دول العدوان شراءها من الإمارات ذات المواصفات الرديئة وبأسعارٍ أعلى من قيمتها الحقيقية، وهذا ما يلحق أضراراً بالآلات والمعدات والسيارات وغيرها.

 

– يمكن القول إن فتح ميناء الحديدة جزئياً هو ذَرٌّ للرماد في العيون، يظهر هذا في ما تروج له الرياض وواشنطن بتركيزها على جوانبَ إنسانية ترتبطُ بالحرب في السودان وتبني مبادرةً مشتركةً… إلخ.

الفتح الجزئي هو لتهدئةِ العمل العسكري من قبل صنعاء؛ تجنباً فقط للنتائج السلبية المترتبة عليه، وبالأخص المالية، واستمرار الخداع للرأي العام والمجتمع الدولي.

 

– كيف تفسِّرون هذه السياسةَ التي ينتهجُها التحالفُ -والسعوديّة تحديداً- في التعامل مع الملف الاقتصادي لصنعاء؟

الفشل في تحقيق أَيٍّ من أهداف العدوان جعل دول العدوان تركّزُ على استخدام مجمل السياسات الاقتصادية كأدَاة رئيسة في استمرار عدوانها؛ وذلك لتدني تكاليف استخدامها، وبالأخص في ظل تغاضي المؤسّسات الدولية والمجتمع الدولي عن تصرفات دول العدوان في هذا المجال، رغم أن كافةَ أدوات الحرب الاقتصادية التي نفذتها دولُ العدوان تخالفُ كافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والدينية والأخلاقية، هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أُخرى هناك انعكاسٌ لآثارها السلبية على مجمل الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، كما سبق إيضاحه؛ وعليه سوف تتعامل دول العدوان مع المِلف الاقتصادي بالمماطلة والتزييف والمكر والتضليل ونحوه؛ لتحقيق أهدافٍ ليس آنيةً وإنما أهداف بعيدة المدى.

 

– ما علاقةُ حرص واشنطن وشركائها الغربيين على استمرار العدوان على اليمن بالاقتصاد الأمريكي ومواجهات القوى العالمية اليوم؟

سعيُ أمريكا وشركائها لاستمرار الصراع في اليمن هو بهَدفِ استمرار إنعاش اقتصادياتها، من خلال استمرار استنزاف موارد دول العدوان، ومنع استغلال مواردها في تحقيق تنمية حقيقية؛ ما يجعلها تخفِّضُ من تبعيتها للدول الاستعمارية، هذا إلى جانب الاستفادة القصوى من موارد دول المنطقة وموقعها الاستراتيجي في صراعها مع محور الصين وروسيا.

 

– هناك تصريحاتٌ لصنعاء بأن المصالح الأمريكية البريطانية وغيرها ستكون ضمن أهداف صنعاء العسكرية وغير العسكرية القادمة!

من الحكمة دراسةُ خيارِ استهداف المصالح الأمريكية والبريطانية من الجهات المعنية، وتحديدُ النتائج المترتبة على ذلك والخيارات المتاحة والوقت المناسب؛ كون ذلك عملاً مشروعاً في حال فشلت كافة الخيارات السلمية لجلاء هذه القوات مع مراعاة تحديد المعالجات للنتائج السلبية المترتبة على أي عملٍ عسكري.

 

– مع كُـلّ هذا التلكؤ السعوديّ.. هل من عقبات تقف أمام تنفيذ الشق الإنساني في المفاوضات التي تمت؟

لا توجد أيةُ عقبات حقيقية تُذكَر لتنفيذ الشق المرتبط بالجانب الإنساني الخاص بالمرتبات أَو فتح المطار أَو نحوه؛ كون معاقبة المواطن والموظفين مخالفةً للأعراف والقوانين الدولية من ناحية؛ وكون ذلك عامِلًا حقيقيًّا لتحقيق رضا مجتمعي مساند لحل الصراع وتعزيز الثقة في مصداقية دول العدوان في إنهاء الصراع، بل وتعزيز ثقة المجتمع الدولي وكذا مجتمع دول العدوان في تحقيق الأمن والاستقرار لكل دول المنطقة والشرط الرئيسي لتحقيق ذلك هو قناعة وصدق دول العدوان للخروج من تحت مظلة دول الاستعمار.

 

– لا تبدو النوايا صادقة لدى السعوديّين لتجاوز المرحلة وإحلال السلام في اليمن، وهذا ظاهر في حجم المراوغة وتقديم الأمريكان تارة وتأخير الأمم المتحدة تارة والعكس.

كما أكّـدت أن المفاوضات ترتكزُ على المماطلة وكسب الوقت لتحقيق بعض أهداف تحالف العدوان، وهذا ما هو شائع في مختلف قضايا المنطقة كالقضية الفلسطينية أَو السورية أَو الليبية أَو العراقية.. إلخ.

 

– ما الذي تحتاجُه صنعاء اليوم لإجبار العدوان على الجنوح للسلام والكَفِّ عن المراوغة والالتفاف؟

اعتمادُ دول العدوان على مبادئ المراوغة والالتفاف هو بهَدفِ أن تحقّقَ الحدَّ المقبولَ من أهدافها، التي فشلت في تحقيقها طوال هذه الفترة رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها، وذلك من خلال الضغوط الاقتصادية الشديدة على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية ومجالات الاقتصاد القومي، والمراهنة على استمرار التدهور مع مرور الزمن، وإن كانت أخفقت في ذلك؛ كي تستطيعَ إقناعَ مجتمعاتها والمجتمع الدولي بصوابية قرار عدوانها وتحقيقها بعض المكاسب من ذلك.

وما تحتاجُه صنعاءُ لإجبار دول العدوان للجنوح للسلام هو تحصينُ الجبهة الداخلية، من خلال تعزيز الشراكة الحقيقية والفاعلة والمُستمرّة بين مختلف القوى الوطنية، وتعزيز عمل كافة أجهزة الدولة، ورفع المعاناة عن أفراد المجتمع، وتعزيز الانتعاش والنمو الاقتصادي، والإعداد الجيد العسكري والأمني لمواجهة أية احتمالات عدوانية، وأخيراً وهو المهمُّ الإعدادُ المدروسُ والعلمي لمجمل مراحل المفاوضات، وحُسن اختيار أعضائها والهيئات الاستشارية المساعدة لها، والتقييم المُستمرّ والواقعي لكل خطوة، أَو مرحلة قيد النقاش، أَو يتم الاتّفاق بشأنها مع مراعاة إيجاد البدائل المتاحة لكل ما يتوقع طرحُه في المفاوضات، وتفعيل القضاء في إنجاز القضايا المتعلقة بالجرائم التي ارتكبتها دول العدوان ورفعها للمحاكم الدولية، وتفعيل عمل مؤسّسات المجتمع المدني في هذا المجال، وإيجاد رؤية للانفتاح على المجتمع الدولي، وكسر الحصار السياسي والاقتصادي من قبل دول العدوان.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com